مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا – تركيا.. الغيوم تنقشع عن سماء العلاقات الثنائية

Keystone

تمُـر العلاقات بين أنقرة وبرن بمرحلة جديدة، تتّـسم بالتوافُـق التامّ. فخلال الأيام الأربعة التي استغرقتها الزيارة الرسمية لباسكال كوشبان، وهي الأولى من نوعها يقوم بها رئيس للكنفدرالية إلى تركيا، تبادل الطرفان ضمانات لتعزيز العلاقات الثنائية، لكن بعض الأصوات داخل سويسرا، عبّـرت عن عدم الارتياح.

يوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2008، الذي شهِـد الاحتفال بالذكرى الثمانين لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، اختتم كوشبان في أنقرة سلسلة لقاءاته مع كِـبار المسؤولين الأتراك.

وفي ختام محادثاته مع نظيره عبد الله غُـل ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، شدّد رئيس الكنفدرالية على “رغبة الطرفين في تجاوز بعض سوء الفهم، الذي أبان عن نفسه في السابق”، وصرّح عبد الله غُـل من جهته أن “صفحة جديدة في العلاقات (الثنائية) قد افتُـتِـحت”.

وفي تصريحات للصحفيين، أشار وزير الشؤون الداخلية في الحكومة الفدرالية، إلى الدور الذي لعِـبه “تكثيف الاتِّـصالات الشخصية بين السلطات التركية والسويسرية” في هذا التطوّر الإيجابي للعلاقات بين البلدين، مُـذكرا بأنه أدّى زيارات أخرى إلى تركيا في السابق.

يُـضاف إلى ذلك، أن “وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري كانت في تركيا الأسبوع الماضي، كما أن وزيرة الاقتصاد دوريس ليُـوتهارد ستذهب إليها الأسبوع القادم، فيما ستتوجّـه إليها مستقبلا وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر شلومبف”، مثلما صرّح باسكال كوشبان.

الوزير، الذي ينتمي إلى الحزب الراديكالي، قال أيضا “أعتقد أن السلطات التركية، تشعُـر بأننا نتوفّـر على الرغبة في العثور على حلول للمشاكل التي يُـمكن أن تُـطرح، وفي تكثيف علاقاتنا وتحسين جودتها”.

ولاحظ كوشبان أيضا أنه، منذ وصوله إلى الحكومة قبل عشرة أعوام، تراجع تدريجيا “التوجّـس المتبادل” بين الطرفين، أما اليوم، “فقد اختفت” لتترك المجال للرغبة في التعاون.

أنقرة مستعدّة للتعاون اقتصاديا

في هذا السياق، جدّد كوشبان في اللقاء الذي جمعه يوم الثلاثاء 11 نوفمبر مع اردوغان، الرغبة السويسرية في المساهمة في بناء سُـدّ إيليزو، المثير للجدل، شريطة احترام الاتفاق الأساسي المتعلِّـق بالمشروع.

وطِـبقا لتصريحات رئيس الوزراء التركي، فمن المُـفترض أن لا تكون هناك مشاكل بهذا الخصوص، وكانت برن وبرلين وفيينا، قد طلبت في شهر أكتوبر الماضي من أنقرة اتخاذ الإجراءات اللازمة، لحماية السكان والبيئة والآثار الثقافية، وإلاّ فإنها ستقوم بسحب الضمانات ضدّ مخاطر التصدير عن الشركات، المشاركة في تشييد السُـدّ على نهر دجلة، في جنوب شرق تركيا.

وفي سويسرا، يواجَـه المشروع بالرّفض من جانب منظمات مدافعة عن البيئة وأخرى معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان. وتقول هذه المنظمات غير الحكومية، إن بناء السُـدّ، ستكون له آثار كارثية على المستوى البيئي وسيُـجبِـر عشرات الآلاف من الأشخاص على الهجرة من أراضيهم، لكن برن، التي منحت الضمانة الحكومية ضدّ أخطار التصدير للشركات السويسرية الأربع المساهمة في المشروع، واثقة في احترام أنقرة للشروط الموضوعة.

في سياق متّـصِـل، أعرب كوشبان عدّة مرات عن دعمه لمشروع أنبوب نقل الغاز بين اليونان وإيطاليا، الذي تريد شركة الكهرباء في لاوفنبورغ (EGL) إنجازه. وبذلك، تتحوّل تركيا إلى بلد عبور للغاز القادم إلى سويسرا من إيران وآذربيجان عبر هذا الممر الجديد. وفي هذا الصدد، عبّـرت أنقرة عن استعدادها للتعاون، ولكن طِـبقا لبعض الشروط.

تشدّد برن وارتياح أنقرة

على المستوى السياسي، عبّـر كل من غُـل واردوغان عن الارتياح للتضييقات، التي قررت الحكومة الفدرالية فرضها الأسبوع الماضي على أنشطة أنصار حزب العمّـال الكردستاني والمنظمات المرتبطة به، وعبّـر الرئيس التركي عن الأمل في أن لا تكون الإجراءات نظرية فحسب، بل أن “يتمّ تطبيقها”، وردّ كوشبان بالقول “في سويسرا، عندما تُـتّـخذ إجراءات، تُـطبّـق فيما بعد”.

وكانت الحكومة السويسرية قد قررت يوم 5 نوفمبر الجاري، (في أعقاب سلسلة من الهجمات بمواد حارقة شُـنّـت على أشخاص وجمعيات تركية في سويسرا الأسابيع الماضية)، حظر جمع الأموال فوق أراضي الكنفدرالية خلال الاحتفالات الكُـردية لشهر نوفمبر، باستثناء الحالات التي يتم التأكّـد فيها من أن المبالغ لن تُـستعمل إلا لأغراض إنسانية.

وفي مجال منح رُخَـص الإقامة والجنسية السويسرية وقرارات الطرد، قررت الحكومة الفدرالية أن يؤخذ بعين الاعتبار، أكثر من ذي قبل، “ما تتوفّـر عليه هذه المجموعات من إمكانية عُـنف واضحة”، أما إجراءات الترخيص للمظاهرات، فستشهد المزيد من التضييق.

كوشبان لا يتّـخذ موقفا من مذابح الأرمن
ملفّ المذابح، التي ارتُـكبت من طرف الأتراك ضد الأرمن ما بين 1915 و1917 (يُـقدّر عدد ضحاياها ما بين 800 ألف ومليون ونصف شخص)، لم يكُـن غائبا عن الزيارة، لكن الرئيس السويسري حاول تجنّـب الخوض فيها، وبرّر موقِـفه بالإشارة إلى أن على المؤرّخين (وليس السياسيين)، أن يقولوا ما إذا كان الأمر يتعلّـق بإبادة جماعية أم لا.

هذه التصريحات قوبلت بالانتقاد الشديد من طرف جمعية سويسرا – أرمينيا، التي ذكّـرت بأن معاهدة الأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية، تمّـت المصادقة عليها من طرف ساسة وليس من طرف مؤرخين سويسريين، وقالت “إن رئيس الكنفدرالية كوشبان يعلم ذلك جيدا”.

وكانت هذه القضية الشائكة، سببا في اندلاع توترات شديدة بين برن وأنقرة في الماضي القريب. ففي عام 2003، ردّت تركيا بانفعال شديد، عندما اعترف مجلس النواب السويسري (الغرفة السفلى) بإبادة الأرمن من طرف الإمبراطورية العثمانية.

وفي عام 2005، غضِـبت تركيا مجدّدا إثر إطلاق سويسرا لمحاكمة بتُـهمة نفي الإبادة، ضد السياسي التركي دوغو بيرينشيك، وقد أدان القضاء في كانتون فو، القومي التركي، ثمّ أكّـدت المحكمة العليا السويسرية في ديسمبر 2007 حُـكم الدرجة الأولى.

ولم تتوقّـف الأمور عند ذلك، حيث شهِـدت هذه القضية تطوّرا مثيرا في أكتوبر 2006، عندما انتقد كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة آنذاك، خلال زيارة إلى تركيا، فصل القانون الجنائي السويسري، الذي يعاقِـب على التمييز العنصري ونفي المحرقة أو الإبادة. وقد أثارت تصريحاته زوبعة سياسية، خصوصا وأن الحكومة السويسرية دافعت دائما عن هذا الفصل القانوني.

سويس انفو مع الوكالات

في عام 2007، ارتفعت الصادرات السويسرية إلى تركيا بنسبة 13،6%، لتصل قيمتها إلى 2636 مليار فرنك، في حين ارتفعت الواردات التركية إلى سويسرا بـ 27،1%، لتستقر في حدود 859 مليون فرنك.

تأتي المواد الصيدلية (30،6% من المجموع) على رأس الصادرات، متبوعة بالآلات (28،6%) والمواد الكيماوية (10،3%) والساعات (6،2%).

تُـهيمن العربات والطائرات (30،9%) على الواردات، متبوعة بالأنسجة والملابس (23،1%) والمواد الزراعية (16،9%) والآلات (8،9%).

في موفى 2007، احتلّـت سويسرا المرتبة 11 ضمن المستثمرين الأجانب في تركيا، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات ملياري دولار.

تنشُـط حوالي 400 شركة ومؤسسة سويسرية في تركيا.

بمناسبة الاحتفال بمرور 80 عاما على افتتاح السفارة السويسرية في تركيا، أهدى رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان إلى أنقرة المكتب، الذي تمّ التوقيع عليه في عام 1923 على اتفاقية لوزان، التي ضبطت الحدود الحديثة للبلاد.

الرئيس التركي عبد الله غُـل، شكر نظيره السويسري، مشدِّدا على أن الأمر يتعلّـق بـ “رمز أخلاقي وعاطفي” لأنقرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية