مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سياسة بوش تجاه عملية السلام..بدات تتحدد.

تصريحات بوش وباول ووولكر، رسمت ملامح سياسة الادارة الامريكية الجديدة Keystone

تصور كثير من المراقبين العرب ان ادارة الرئيس بوش ستتبنى مواقف افضل من سابقتها فيما يتعلق بقضايا التسوية في الشرق الاوسط، لكن...

الانطباع الذي صاحب وصول الادارة الجمهورية الى البيت الابيض، ترافق مع انطباع يفيد بان الاهتمام سيتركز الان على النفط وما يرتبط به من ملفات، مقابل تراجع في التركيز على عملية السلام وتوابعها.

غير ان المراقبين قد اصيبوا بخيبة امل كبيرة، بسبب التصريحات الاخيرة للرئيس بوش، التي لام فيها القيادة الفلسطينية على التفجر الحالي في الموقف، وتصريحات وزير الخارجية كولين باول امام ممثلي “اللوبي” المؤيد لاسرائيل في امريكا، وتصريحات مساعده لشؤون الشرق الاوسط بشان العقبات، التي اصر ان الاطراف العربية بما فيها مصر، قد وضعتها على طريق التسوية.

وقد جاءت كل هذه التصريحات والتوبيخ الامريكي للعرب في اعقاب استخدام امريكا للفيتو، لمنع مشروع قرار في مجلس الامن يوفر حماية دولية للشعب الفلسطيني.

لماذا تبنت امريكا هذه المواقف، التي لاشك انها مرتبة ومتناسقة مع بعضها البعض؟ يمكن تفسير الموقف الامريكي بهذا الخصوص على ضوء الاعتبارات التالية في هذا التوقيت بالذات.

اولا، بما اننا نقترب من موعد موسم الزيارات السنوية للقيادات العربية الى واشنطن، ربما تصور المسؤولون الامريكيون ان المطالب العربية ستزداد وتتراكم بشان ضرورة الضغط على اسرائيل وما اليه، او انهم ارادوا توجيه رسالة واضحة تقول لا تكلفوا انفسكم مشقة السؤال، فالمطلوب هو تغيير مواقفكم انتم او على الاقل مواقف بعضكم بوضع نهاية للعنف.

ومع وضع هذه النهاية، يمكن البدء باتخاذ خطوات نحو التسوية في ظل مناخ جديد يشجع حكومة شارون في اسرائيل على التفكير في تقديم بعض التنازلات الاقليمية والاقتصادية ايضا.

بعبارة اخرى، يبدو ان الادارة الامريكية في ظل بوش الابن، قبلت تحذير هانري كيسنجر منذ حوالي ربع قرن ازاء مخاطر “الرومانسية العربية” في التفكير!

ثانيا، أي ضغط جاء على اسرائيل، يحتاج الى ادارة اقوى من الادارة الحالية لامريكا، وهي التي لا تملك اغلبية تشريعية ويراسها بوش الابن الذي لا يمكن وصفه بالمتخصص في مسائل السياسة الخارجية مثل والده الرئيس السابق او الرئيس نيكسن ومن قبل الرئيس ايزنهاور مثلا.

وبالتالي فان أي دخول في مواجهة مع اسرائيل وجماعات الضغط لم ينطق بها والموافقة عليها هي في ظل هذه الاوضاع، معركة انسحاب وتراجع بالنسبة لادارة بوش، المنشغلة اساسا بقضايا السياسة الداخلية. اما الضغط على الطرف او “الاطراف العربية” اذا توخينا الدقة، فلا يحتاج الى راس مال سياسي كبير.

ومن هنا، استقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون استقبالا ايجابيا للغاية، في حين جرى ترديد كلمات اللوم والعتاب والتوبيخ قبل وصول الزوار العرب!

ثالثا: الادارة الامريكية الجديدة تعلم جيدا تعقيدات القضايا التي كانت سببا في فشل جهود التسوية في نهاية رئاسة كلنتن، اللاجئون والقدس والامن والحدود والسيادة والمياه والتطبيع، وهي قضايا لها ابعادها المركبة قوميا وايديولوجيا وسياسيا ورمزيا.

اذن، يبدو ان الادارة الجمهورية الجديدة اختارت ايسر الطرق المتاحة امامها. فعدم اهتمامها بالدخول في قضايا الخلاف ذاتها، دفعها الى الاكتفاء – مؤقتا – باصدار
شهادات حسن سير وسلوك او سوء سير وسلوك لهذا الطرف او ذاك، وكان نصيب اكثر من جانب عربي، مثل السلطة الوطنية الفلسطينية ومصر وسوريا بالانتقاد والاستياء كما راينا!

رابعا: من الواضح ان ادارة بوش ستضطر للتدخل في امور التسوية بالمنطقة في حالة حدوث ازمات قابلة للانفجار قد تؤثر سلبا على المصالح الامريكية في المنطقة وبمنطق رد الفعل والاحتواء، وليس بمنطق الدبلوماسية الوقائية او الرؤية الشاملة المتكاملة.

ويمكن تلخيص تقييم مساعدي الرئيس بوش، باننا لسنا بصدد ازمة كبرى وانفجارات، ومن هنا يفسر لجوء الادارة الحالية الى التاجيل والتعويل على قدرة الانظمة العربية على امتصاص او قمع أي غضب قد يعبر عنه في الشارع العربي.

خامسا: يبدو ايضا ان ادارة بوش قد صاغت معادلة ستعرضها على الزوار العرب وغير العرب ذات مضمون ثنائي: وقف الفلسطينيين للعنف المسلح، مقابل وقف اسرائيل للخنق الاقتصادي للفلسطينيين، وهي معادلة تستهدف ترك انطباع ولو عابر بالتوازي في الموقف بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ولكنها تنبني ايضا على ان الجزء الاول شرط لعمل الجزء الثاني من المعادلة.

وبالتالي، تريد السياسة الامريكية ان يبدأ الجانب الفلسطيني بتغيير موقفه والسيطرة على شارعه ومجتمعه لتشجيع الجانب الاسرائيلي على تخفيف ورفع الحصار الاقتصادي.

وهكذا فان سقف المعادلة الامريكية ازاء قضايا التسوية، يزداد انخفاضا، رغم توقعات عربية رافقت وصول الجمهوريين الى البيت الابيض بتغيير ايجابي. وعلى ضوء هذا كله، يبدو ان الفهم العربي لامريكا وسياستها يحتاج الى مزيد من التعميق والتطوير ايضا!



د. ابراهيم كروان – خبير الشؤون الاستراتيجية – جامعة يوتا – الولايات المتحدة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية