الضغوط الألمانية تتصاعد.. وسويسرا “مستعدة للحوار”
يسلط التوتّر المتصاعد بين برلين وبرن المزيد من الضغوط على السر المصرفي، ويدفع الخبراء والمراقبين إلى التساؤل حول مدى قدرة سويسرا على الصمود أمام هذه الحملة الهجومية الجديدة.
وأكدت ألمانيا، رغم احتجاجات برن، عزمها اقتناء بيانات مصرفية سويسرية مسروقة، لتعقّب المتهربين الألمان من دفع الضرائب لخزينة بلادهم.
وفي لحظة شعرت سويسرا بالارتياح لذهاب بيير شتاينبروك، وزير المالية الألماني السابق، أكد خليفته فولفغانغ شاوبلي، أن بلاده ستقتني بيانات، تتعلق بحسابات مصرفية في سويسرا لمتهرِّبين من الضرائب عُـرضت عليها من طرف مُـخبر. وفي تصريحات أدلى بها إلى يومية ألمانية تصدُر اليوم الأربعاء 3 فبراير، قال الوزير: “من الناحية المبدئية، تمّ اتّـخاذ القرار”.
الخبر كان بمثابة لطمة أخرى توجه إلى سويسرا التي تبدو وكأنها تواجه منفردة على جبهات عدة مجموعة الدول العشرين، التي تضم في عضويتها الدول الكبرى في العالم، و الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
لقد سبق أن أعلنت فرنسا، هي الأخرى أن بحوزتها بيانات مصرفية سُرقت من مصرف HSBC بجنيف، وإنها تنوي استخدامها في تتبع أشخاص فرنسيين أودعوا أموالهم في مصارف سويسرية تهربا من دفع الضرائب في بلادهم، وذلك برغم الاحتجاج السويسري. لكن المعروف ان ألمانيا أكثر تصلبا في محاربة التهرب الضريبي، وأنها عازمة على أخذ الأمر بجد حتى النهاية.
“كمن سجّل في مرماه”
ليست هذه هي المرة الأولى، فقد سبق لألمانيا أن دفعت مبلغا هاما للحصول على بيانات مصرفية حصُل عليها بطريقة غير قانونية من مصرف في إمارة ليختنشتاين، وقادت تلك العملية إلى الكشف عن عدد كبير من المتهربين من دفع الضرائب للخزينة الألمانية، وأجبرت ليخنتنشتاين لاحقا على تعديل طريقة عملها.
لكن أرتيرو بريس، الخبير في الشؤون المالية وفي القانون والاقتصاد بالمعهد الدولي للتطوير الإداري في لوزان يرى أنه ليس من المرجّح أن تستسلم سويسرا بسهولة لهذا الأمر.
فالقرار الألماني الأخير بحسب بريس هو كمن ” سجّل هدفا في مرماه”، إذ أن هذا البلد ادّعى لفترة طويلة أن المصارف السويسرية تشجّع الأنشطة الإجرامية، لكن تآمرها هذه المرة مع المجرمين (الذين سربوا البيانات المصرفية )، يجعلها، بحسب بيرس، تفقد حججها السابقة، وبإمكان سويسرا اليوم مقاضاتها أمام محاكمها الخاصة.
وفي حديث إلى swissinfo.ch، قال بيرس: ” أصبح الوضع في سويسرا بفضل تصريحات كل من المستشارة الفدرالية الألمانية، ووزير ماليتها فولفغانغ شاوبلي، أكثر إشراقا مما كان عليه قبل أسبوعين”. قبل أن يضيف: “لا أرى أي نتيجة لهذا الإجراء غير القانوني، وسوف تكون له نتائجه العكسية في ألمانيا نفسها”.
يضيف هذا الخبير: “على سويسرا أن تتمسك بموقفها، وأن تبذل جهودا اكبر في إيضاح ان المشكلة لا تكمن في السر المصرفي الذي تمارسه، بل المخالفات التي يرتكبها مواطنو البلدان الأخرى. تقع مسؤولية الفشل على البلدان الأخرى التي لم تفلح في معاقبة المخالفين داخل أراضيها، وليس على سويسرا”.
مصارف مخطئة وحكومات محرجة
قد يكون الرأي السابق مصيبا، لو كان الموقف الألماني حادثا منعزلا. لكن السر المصرفي في سويسرا يواجه هجوما على جبهات عدة.
فقد أجبرت سويسرا السنة الماضية على إعادة التفاوض مع عدة بلدان من اجل التوصل إلى إبرام مجموعة من اتفاقيات منع الازدواج الضريبي، وذلك لإسقاط اسمها من “القائمة الرمادية” التي وضعتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادية بالبلدان المتهمة بكونها جنان ضريبية غير متعاونة.
وكان على سويسرا، محاولة لإنقاذ الموقف، أن تتوصل إلى إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتسليمها بيانات تتعلق بآلاف الأمريكيين الحرفاء لدى اتحاد المصارف السويسرية بعد أن تبيّن أن هذا الأخير قد تورط في تشجيع حرفائه على التهرب الضريبي في الولايات المتحدة، لكن محكمة فدرالية سويسرية قضت أخيرا بأن جزءً على الأقل من ذلك الاتفاق مخالف للقانون، مما قد يضع الحكومة السويسرية في حرج عندما تعود إلى الإدارة الأمريكية طالبة منها إعادة التفاوض بشأن بنود ذلك الاتفاق.
وتترقب بعض المصارف المستاءة أن يسفر تنفيذ الحكومة الألمانية لتهديدها باستخدام البيانات المصرفية المسربة من أجل تعقّب المواطنين الألمان المتهربين من الضرائب، وبالتالي إصدار حكم قضائي ضدها، من شانه ان يوفّر حماية حماية قانونية لها في المستقبل.
وإزاء هذه التطوّرات، ردت المصارف السويسرية بحسب جون إيديرر، نائب رئيس “فورانسيك”، وحدة تابعة لمؤسسة KPMG بسويسرا، والمتخصصة في تقديم استشارات بشأن نسب الأخطار لصالح الشركات الخاصة، بتشديد إجراءاتها لحماية معطيات الشخصية المتعلقة بحرفائها.
إستراتيجية تامين البيانات
أوضح إيديرر في حديثه إلى swissinfo.ch أنه ليس هناك ادني شك في ان “قوانين اللعبة قد تغيّرت في السنوات الأخيرة، وكل الأطراف أصبحت أكثر تشددا، وتطوّرت التقنيات المستخدمة باستمرار، وإن برهنت الطرق القديمة في أغلب الحالات على أنها أكثر جدوى”.
فقد اعتادت المصارف مثلا على تصنيف المعطيات الخاصة بالحرفاء إلى فئات مختلفة، وعلى إيداعها في خوادم حاسوب منفصلة، وعلى التزام الحذر في منح الموظفين حق الولوج إليها، وأيضا حظر استخدام مفتاح تخزين يو إس بي USB، او نسخ تلك البيانات باي شكل من الأشكال.
لكن إيديرر يقرّ بأن أي منظومة أمنية مهما كانت قوتها، لا يمكن استبعاد احتمالات الضعف فيها بإطلاق “فنقطة الضعف الأساسية في أي بيئة هو العنصر البشري. إذا كان لديك تفاحة واحدة متعفنة في سلة ملآنة بالتفاح السليم، يمكن ان يؤدي إلى تعفّن السلة كلها”.
أما نقاط القوة في عملية المراقبة البشرية، فيمتلكها الإنسان عندما “تتوفّر بيئة أخلاقية سليمة، وعملية تدريب مجدية، ودليل للسلوك، وإدارة جيّدة على سبيل المثال”.
ماثيو آلن -swissinfo.ch
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
عقب جلستها الأسبوعية، الأربعاء 3 فبراير 2010، حددت الحكومة السويسرية ملامح الإستراتيجية التي سوف تتبعها في حل خلافها الضريبي مع ألمانيا، شريكها التجاري الأوّل على الساحة الأوروبية، بعد ان نددت بإعلان هذه الأخيرة نيتها في اقتناء بيانات مصرفية مسروقة من مصارف سويسرية، ومن أبرز أسس هذه الإستراتيجية السويسرية:
الإستعداد لمواصلة الحوار مع الحكومة الالمانية بهدف إعادة التفاوض من اجل التوصل إلى اتفاقية جديدة لمنع الإزدواج الضريبي بين البلديْن، وذلك وفقا للمعايير التي وضعتها منظمة التنمية والتعاون الإقتصادية.
تأكيد الحكومة السويسرية على انه ليس من مصلحة الساحة المالية السويسرية جذب اموال وثروات غير مصرح بها في بلدانها الأصلية.
إستعداد الحكومة لتقديم المساعدة الإدارية اللازمة في مجال التعاون الضريبي مع الجهات او الدول التي تطلبها، وإستعدادها لإلغاء التمييز المعتاد بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي، في تعاملها مع البلدان الأخرى، وكذلك استعدادها للتعاون القضائي في المجال الضريبي.
سعي الحكومة السويسرية لحل خلافها مع ألمانيا بشان البيانات المسروقة من خلال الحوار، وفي إطار العلاقات الودية التي تجمع في العادة البلديْن الجاريْن، لكنها ترفض أي تعاون يستند على بيانات متحصل عليها بطريقة غير مشروعة.
تعرضت سويسرا خلال 12 شهرا الأخيرة إلى هجوم متواصل بسبب اتهام مصارفها بتشجيع حرفاء أجانب على التهرب من دفع الضرائب لصالح بلدانهم.
هذا الهجوم تزامن مع اندلاع الأزمة المالية العالمية الحالية، والتي تسببت في خلق عجز مالي كبير في ميزانيات العديد من البلدان الكبرى.
في ابريل 2009، صنّفت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادية سويسرا ضمن “قائمة رمادية” بالبلدان التي تعد جنان ضريبية غير متعاونة. لكن سويسرا نجحت في إسقاط اسمها من هذه القائمة في شهر سبتمبر من نفس السنة، بعد أن أعادت التفاوض مع العديد من البلدان والتوصل على مجموعة من اتفاقيات منع الإزدواج الضريبي، وهذه الأخيرة لا تزال تنتظر مصادقة البرلمان عليها لتدخل حيز التنفيذ.
في الصيف الماضي، شبّه وزير المالية الألماني السابق بيير شتاينبروك السويسريين بالهنود الهاربين من ملاحقة الخيالة. اما نظيره الإيطالي جيوليو تريمونتي، فقد وعد “بتجفيف دماء”، القطاع المالي بكانتون التيتشينو، الواقع في الجنوب السويسري.
وكانت مجموعة من الدول الكبرى قد أعلنت السنة الماضية عفوا ضريبيا في مسع منها لاستعادة مبالغ مالية كبرى من المشتبه بتهربهم من الضرائب. ومن المتوقع أن تكون هذه العملية قد ألحقت أضرارا بأقسام البنوك السويسرية الاستثمارية بالخارج.
وقد أعربت سويسرا عن قلقها على وجه الخصوص تجاه العفو الضريبي الإيطالي والمراقبة وعمليات التجسس التي فرضتها الحكومة الإيطالية على عابري الحدود إلى سويسرا، وللاحتجاج على ذلك، قطعت سويسرا مفاوضاتها من اجل التوصل إلى اتفاق ثنائي لمنع الازدواج الضريبي مع جارتها الجنوبية.
وفي فبراير 2009، وجهت الإدارة الأمريكية، فيما يعد الحالة الأخطر من نوعها، اتهامات لإتحاد المصارف السويسرية بتشجيع مواطنين أمريكيين على التهرب الضريبي، وفرضت عليه غرامة مالية قدرها 780 مليون دولار بعد أن أقر المصرف بارتكابه مخالفات.
وفي سبتمبر 2009، أجبرت الحكومة السويسرية على تسليم الولايات المتحدة بيانات 4.450 مودع أمريكي لدى اليو بي إس، في خطوة تنتهك بوضوح السر المصرفي لتجنيب المصرف المتابعة القضائية.
من جهتها، كذلك أصدرت كل من كندا والهند تحذيرا من أنها لن تتسامح مع المصارف السويسرية التي تقدم دعما للمتهربين في الضرائب في بلديهما.
وفي 2009، أيضا، فرّ احد الموظّفين السابقين بمصرف HSBC الذي يوجد مقره في جنيف إلى خارج سويسرا حاملا معه بيانات حساسة تتعلق بآلاف من المودعين الفرنسيين وغيرهم، وسلمها لاحقا للسلطات الفرنسية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.