بعد خمس سنوات من القمة العالمية لمجتمع المعلومات.. ما هي الحصيلة؟
أسفرت قمة مجتمع المعلومات في مرحلتي جنيف (2003) ثم تونس (2005) عن بروز قناعة عريضة بضرورة الحسم في قضيتين هامتين: تمويل ردم الهوة الرقمية بين الشمال والجنوب، والتوصل إلى صيغة متفق عليها لإدارة جماعية لشبكة الإنترنت، إلا أن تقريرا جديدا للأمين العام للأمم المتحدة اعتبر أن الأمور "ما زالت في مستوى التمنيات والنقاش العام".
وفي يوم الإثنين 17 مايو 2010، أشار موريتس لوينبرغر، وزير الاتصالات السويسري أثناء إلقاء كلمته أمام لجنة الأمم المتحدة لتسخير العلم والتكنولوجيا لأغراض التنمية في جنيف، والمكلفة بمتابعة حصيلة ما تحقق من توصيات قمة مجتمع المعلومات في مرحلتيها إلى “ضرورة العمل على وصول الجميع الى شبكة الإنترنت”، وحث المجموعة الدولية بالمناسبة على “ضرورة احترام توصيات قمتي جنيف وتونس”.
وبعد مرورسبعة أعوام تقريبا على انعقاد قمة جنيف، وأكثر من أربعة أعوام ونصف على التئام قمة تونس، يتضح أن الأمور المتعلقة بإدارة شبكة الإنترنت لا زالت في مستوى النقاش العام من خلال “منتدى إدارة الإنترنت” الذي يبحث في كيفية إشراك جميع الأطراف (حكومات ومنظمات دولية وقطاع خاص ومنظمات مجتمع مدني) في هذه المسألة الحيوية. وفي هذا الصدد، أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الصادر في شهر مايو 2010 أنه “مازالت هناك حواجز قائمة بين بعض المنظمات أمام تنفيذ هذه العملية السليمة والنشيطة”.
أما فيما يتعلق بتمويل ردم الهوة الرقمية المتفاقمة بين الشمال والجنوب، يتبدى العجز واضحا من خلال ما ورد في خلاصة التقرير التي أشارت إلى أن “آليات التمويل تبقى حاسمة” وإلى أنه “ثمة حاجة الى بذل المزيد من الجهود لمعالجة فجوة الوصول، وتطوير محتويات وتطبيقات جديدة، وبناء القدرات… وهذه هي المجالات التي كان فيها توليد مزيد من الأموال من القطاع الخاص أصعب”، وهو إقرار واضح بأن التعهدات والوعود السابقة لم تنجز كما كان مفترضا.
“مجرد تبادل أفكار” حول إدارة الإنترنت
التقرير الجديد الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة تضمن تلخيصا لجميع ما تم القيام به في مجال إدارة الإنترنت منذ قمتي جنيف وتونس لمجتمع المعلومات، وتعرض إلى مختلف الإجتماعات وورش العمل التي نظمت بين ممثلي الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط التقنية والأكاديمية والتي حاولت تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بقضايا السياسات العامة المتعلقة بالإنترنت.
وإذا كانت الأدبيات الواردة في التقرير تثني على أهمية التعاون والتشاور بين مختلف الشركاء ، فإنها لم تتعدى مجرد تعبير عن الآراء لحد أن تقرير الأمين العام انتهى الى الاعتراف بأن “أحد التحديات التي تواجه الرصد الفعال للتقدم المحرز نحو تنفيذ الفقرة 71 من برنامج عمل قمة تونس، يتمثل في غياب التوجه العملي لما يشكل مستوى معززا من التعاون”، وهو ما يعني أن ما يجري في إطار “منتدى إدارة الإنترنت” سوف لن يتعدى مجرد تبادل أفكار بين شركاء من آفاق مختلفة.
وكما هو معلوم فإن هذا المنتدى أقيم على هذا الأساس لا غير بموجب الفقرة 77 من “برنامج عمل تونس” والتي تنص بوضوح على “أن لا يكون لمنتدى إدارة الإنترنت وظيفة إشرافية وأن لا يحل محل الترتيبات أو الآليات أو المؤسسات أو المنظمات القائمة، وإنما يعمل على إشراكها والإستفادة من خبراتها. وأن يشكل عملية محايدة، وغير ازدواجية، وغير ملزمة ، وأن لا يتدخل في العمليات اليومية أو التقنية للإنترنت”.
أما هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة ICANN المعنية بالأسماء والأرقام المخصصة والتي تتحكم فعلا في الانترنت حتى الآن، فلا تخفي رغبتها – رغم الأصوات المنادية بانتزاع هذا الإمتياز منها بدعوى إضفاء الطابع الديمقراطي على إدارة الإنترنت – في استمرارية الوضع الحالي خصوصا وأنها ترى أن “التقدم المحرز منذ مؤتمر القمة العالمي يثبت جيدا مزايا عدم محاولة فرض قيود آلية رقابة واحدة.. وضرورة تشجيع الأطراف المشتركة على استحداث أساليب للعمل معا بهدف تحقيق أهداف مشتركة”.
على صعيد آخر، تسعى الحكومات إلى تعزيز إشرافها على إدارة الإنترنت – أقله فيما يرتبط بالقسم الخاص بتسطير السياسات العامة الدولية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات وهو ما نصت عليه الفقرة 68 من برنامج عمل تونس التي أقرت بوضوح أنه “ينبغي أن يكون لجميع الحكومات دور ومسؤولية على قدم المساواة في الإدارة الدولية للإنترنت ولضمان استقرار الانترنت وأمنها واستمرارها”.
وفي الوقت الذي أعربت فيه بعض الحكومات عن الرغبة في إسناد هذه المهمة إلى منظمات أممية “يكون فيها تمثيل الدول متساويا ومتكافئا”، ذهب الأمين العام في تقريره إلى حد تفضيل أن توكل تلك المهمة إلى الإتحاد الدولي للإتصالات (مقره جنيف).
تحسين وتجديد آليات التمويل
كان موضوع تمويل ردم الهوة الرقمية من المواضيع الهامة التي أخذت الكثير من الوقت والإهتمام في مرحلة جنيف من القمة العالمية لمجتمع المعلومات. وبعد الجدل الكبير الذي اندلع بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب وأدى الى تراجع معظم قادة دول الشمال عن حضور قمة جنيف، قامت بعض دول الجنوب المدعمة من مدن غربية مثل “جنيف وليون بالدعوة لإنشاء “صندوق التضامن الرقمي”، لكن أخبار هذا الصندوق انقطعت بشكل شبه تام بعد نشاط اولي استمر عامين تقريبا.
وبعد أن تم إرجاء نقطة التمويل إلى المرحلة الثانية التي التأمت في نوفمبر 2005 في تونس، انتهى الأمر إلى تخصيص فقرة يتيمة للمسألة في “برنامج عمل تونس” تحت عنوان: “الآليات المالية لمواجهة تحديات تسخير تكنولوجيا المعلومات والإتصالات لأغراض التنمية”.
وبهذا الخصوص، يشير التقرير الجديد الصادر هذا العام عن الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن الحديث عن ردم الفجوة في الوصول الى الإنترنت يتطلب النظر للموضوع “من زاوية تطوير البنى التحتية من جهة، وتطوير الكفاءات والمحتوى اللغوي والثقافي من جهة أخرى”. وإذا كان العنصر الأول يجد تمويلا سخيا من طرف القطاع الخاص نظرا لسياسات الإنفتاح وعمليات التخصيص المطردة في أسواق البنى التحتية للإتصالات في العديد من بلدان الجنوب والسائرة في طريق النمو، فإن العامل الثاني لا زال يواجه صعوبة في الحصول على التمويل عموما ومن جانب القطاع الخاص بوجه خاص.
وهذا ما أشار له تقرير آخر صدر مؤخرا عن البنك الدولي أقر بوجود تفاوت في الوصول إلى شبكة الإنترنت والشبكات الأساسية في إفريقيا وأشار إلى أن البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى “أصبحت تعرف كثافة في الشبكات الأساسية.. لكن هذه الشبكات يغلب عليها طابع البنية التحتية القائمة على التقنية اللاسلكية المُصممة لنقل الإتصالات الصوتية… وغير قادرة على نقل كميات من حركة البيانات التي تسمح بربط واسع النطاق عبر شبكة الإنترنت وبأسعار معقولة في متناول الجمهور”.
كما لاحظ تقرير البنك الدولي نقصا في تمويل المحتويات على الشبكة المعلوماتية باللغات المحلية، وهو ما يزيد من تعقيد فرصة ردم الهوة الرقمية بحيث تهيمن الولايات المتحدة على السوق ببرامجها وبلغتها الانجليزية.
وبخصوص تكوين القدرات وتأهيل الكفاءات الذي يُعدّ عقبة أساسية بوجه تعزيز فرص الدول النامية في تطوير تكنولوجيا المعلومات، يعترف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بأنه “القطاع الأقل تمويلا”، ولعل أكبر فشل يقر به تقرير الأمين العام في مجال التمويل هو “عدم نجاح العديد من صناديق تعميم الوصول إلى شبكة الإنترنت بسبب عدم توفرها على التقنيات والمهارات الإدراية”.
ولعل هذا ما يفسر تكليف اللجنة المعنية بتسخير العلم والتكنولوجيا لأغراض التنمية، التابعة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، بطرح موضوع “تحسين وتجديد آليات التمويل القائمة” ضمن دورتها الأخيرة التي انعقدت من 17 إلى 21 مايو 2010 في جنيف.
ومن المفترض – في حال تجاوز الخلافات التي طبعت أشغالها حتى آخر لحظة – أن تقدم اللجنة تقريرا ضافيا في وقت لاحق حول سير الأشغال بخصوص نقطة التمويل وإدارة الإنترنت وكل ما تم إنجازه فعلا منذ مرحلتي جنيف وتونس للقمة العالمية لمجتمع المعلومات.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
هي منظمة غير ربحية تم تأسيسها دوليا لتتولى مسؤولية توزيع مجالات العناوين في بروتوكول الإنترنت وتخصيص معرَفات البروتوكول وإدارة نظام سـجلات المواقع العامة عالية المستوى (gTLD) وسجلات المواقع عالية المستوى لرمز الدولة (ccTLD)، كما أنها تضطلع بمسؤولية وظائف إدارة نظام الخوادم المركزية. وقد كانت هذه الخدمات تقدم أصلاً، بموجب عقد حكومي أمريكي، من قبل سلطة تخصيص أسـماء الإنترنت (IANA) وغيرها من الهيئات، أما الآن فتقوم الآيكان بالمهام التي كانت تؤديها السلطة.
ونظراً لكونها شراكة بين القطاعين العام والخاص، تلتزم الآيكان بالمحافظة على الاستقرار التشغيلي لشبكة الإنترنت، وتعزيز روح المنافسة وتحقيق تمثيل واسع النطاق لمجتمعات الإنترنت العالمية، إضافة إلى سعيها لصياغة سياسات تلائم رسالتها من خلال عمليات تعتمد على استطلاع الآراء من القاعدة إلى القمة مروراً بجميع المستويات.
ما هو نظام أسماء المواقع؟
يساعد نظام أسماء المواقع (DNS) مستخدمي الإنترنت على الوصول إلى ما يبحثون عنه في رحاب الإنترنت، حيث يوجد لكل جهاز حاسوب متصل الإنترنت عنوان مستقل يسمى “عنوان بروتوكول الإنترنت (IP Address)”. ونظراً لصعوبة تذكر عناوين بروتوكول الإنترنت (حيث أنها عبارة عن سلاسل من الأرقام)، فقد استبدل نظام أسماء المواقع هذه الأرقام بمجموعات من الحروف المألوفة (التي تشكل “أسماء المواقع”). فعوضاً عن كتابة الرقم: “192.0.34.163”، يمكنك كتابة اسم مثل www.icann.org.
ويقوم نظام أسماء المواقع بترجمة الإسم الذي تكتبه إلى عنوان بروتوكول الإنترنت المقابل، ثم يوصلك بالموقع الإلكتروني الذي ترغب بزيارته. كما يساعد نظام أسماء المواقع على تشغيل البريد الإلكتروني بالشكل الصحيح بحيث تصل رسالتك إلى المرسل إليه المقصود.
ما هو دور الآيكان؟
تتولى الآيكان مسؤولية تنسيق إدارة العناصر الفنية في نظام أسماء المواقع وذلك لضمان تيسير الإتصالية على نطاق العالم بحيث يتسنى لجميع مستخدمي الإنترنت إيجاد العناوين الصحيحة. وتقوم الآيكان بهذا عن طريق مراقبة توزيع المعرَفات الفنية المستخدمة في عمليات الإنترنت، وتخصيص أسماء المواقع العليا (ومثال ذلك .com, .info, وغيرها).
أما المواضيع الأخرى التي يُعنى بها مستخدمو الإنترنت مثل قواعد المعاملات المالية والرقابة على محتوى الإنترنت والبريد الإلكتروني غير المرغوب (spam) وحماية البيانات، فهي خارج نطاق مهمة الآيكان في مجال التنسيق الفني.
(المصدر: هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة ICANN)
المرحلة الأولى في جنيف
انعقدت من 10 إلى 12 ديسمبر 2003 بمشاركة 16000 ممثل للحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية والأممية وممثلي المجتمع المدني. وكان من بين المشاركين فيها حوالي 65 رئيس دولة وحكومة. أما الحصيلة فهي: اعتماد إعلان وخطة عمل للحد من الهوة الرقمية القائمة بين الأغنياء والفقراء. لكن قمة جنيف لم تحسم لا قضية تمويل كيفية ردم الهوة الرقمية ولا نقطة إدارة الإنترنت وأرجأتهما الى قمة تونس.
المرحلة الثانية في تونس
انعقدت ما بين 16 و 18 نوفمبر 2005 بمشاركة حوالي 17000 شخص. نقطة إدارة الإنترنت التي شكلت عنصرا أساسيا في قمة تونس لم يتم حسمها وتم إرجاؤها الى “موعد قادم” من خلال تأسيس “منتدى” لمناقشة الموضوع من جديد والتوصل بعد حوالي خمس سنوات إلى حلول مقبولة من طرف الجميع (إن حصل اتفاق بشأنها).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.