مُــشاورات مُوسّعة في الجزائر تمهيدا لتعديل الدستور
بمجرد إعادة انتخابه لعُهدة رئاسية رابعة، أعلن عبد العزيز بوتفليقة عن إطلاق سلسلة مشاورات موسّعة لتعديل الدستور، "كي يتم التناغم ما بين أجهِزة الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية والمجتمع الجزائري بمختلف شرائحه ومكوناته"، على حد تأكيد الرئاسة الجزائرية.
وبالعودة إلى الحملة الإنتخابية الأخيرة، يتضح أن أول مَن دعا إلى تعديل الدستور الحالي واستبداله بدستور توافُقي، هو رئيس الحكومة الأسبق المرشّح علي بن فليس، الخصم اللّدود للرئيس بوتفليقة. بل وبمجرّد إعلان بن فليس عن نيّته صياغة دستور توافقي، اختطف عبد المالك سلال، رئيس الحكومة ومدير حملة الرئيس الفكرة وأعلن بدوره أن “بوتفليقة يريد صِياغة دستور توافقي بمجرّد فوزه بعُهدة رئاسية جديدة”، وهو الأمر الذي حدث فعلا.
السياسة.. فنّ الممكن والأمر الواقع
في هذا الصدد، يعلِّق المحلل السياسي كامل الشيرازي على ما يصِفه أنصار بن فليس بالسَّرقة الموصوفة لفِكرتهم من قِبل فريق بوتفليقة: “لو سلمنا أن الأمر يتعلّق بسرقة فكرية موصوفة، إلا أن الأهم هو التطبيق، لقد خسر بن فليس الإنتخابات، وعلى فرض أن فكرته حيال تعديل الدستور صائبة، إلا أن تطبيقها هو الأهَم بالنظر إلى التحدّيات الداخلية والإقليمية الخطيرة”.
ويتّفق العديد من المحللين السياسيين مع كامل الشيرازي، على اعتبار أن السياسة هي فنّ الممكن والأمر الواقع، وهو ما صرح به علي بن فليس شخصيا عندما قال: “أنا لا أعترف بشرعية هذه السلطة، إلا أنها أمر واقع وأتعامل معها من هذا المنطلق”.
لذا، ومن منطلق الأمر الواقع، اقترح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الجزائريين جملة إصلاحات، أهمها العودة إلى إحدى مواد دستور 1996 التي تحدّد العهدة الرئاسية باثنتين لا غير. كما اقترح منح رئيس الحكومة سلطات موسّعة بترخيص من رئيس الجمهورية ورفع صفة “منسق الحكومة” عنه، تفادِيا لتداخل الصلاحيات ما بين رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان.
وضمن السياق نفسه، أعربت بعض الأوساط الإعلامية عن ارتياحها لرفع التجريم القضائي عن الكتابة الصحفية وحصر عقوبتها ضمن صلاحيات المجالس العليا للإعلام أو ما شابهها من الهيئات.
قاطعت المعارضة مشاورات تعديل الدستور التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 1 يونيو 2014، باعتبار أن النظام القائم لا يهدف سوى لكسب الوقت بكل الوسائل ولا يريد أن يتغير أو أن يغير”، كما عبر عن ذلك رئيس الحكومة والمرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة علي بن فليس.
في ختام ندوة الحريات والإنتقال الديمقراطي، دعت المعارضة الجزائرية بإسلامييها وعلمانييها إلى “مواصلة النضال من أجل التغيير الحقيقي” للنظام كما جاء في البيان النهائي الصادر عنها.
صادق المشاركون وهم أحزاب وشخصيات المعارضة بتياراتها الإسلامية والعلمانية ومعهم شخصيات من حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة وثلاثة رؤساء حكومة سابقين، على “أرضية الندوة الأولى للحريات والإنتقال الديمقراطي” التي تضمنت المطالبة بـ “حكومة إنتقالية ودستور جديد يمر عبر استفتاء شعبي وهيئة مستقلة دائمة لتنظيم الإنتخابات والإشراف عليها”
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 11 يونيو 2014).
“الخوف من التغيير”
في المقابل، بدا واضحا أن إصلاح قطاع العدالة، الذي كان مربط فرس علي بن فليس ومرشحين آخرين، لم ينل حصته من التعديلات الدستورية، حسب نظرة بوتفليقة وفريقه، بسبب ما يصفه المحلل السياسي رابح هوادف بـ “الخوف من التغيير الحقيقي وثقل ملفات الرّشوة والفساد التي تَطال الكثير من الرؤوس الكبيرة المسانِدة للرئيس بوتفليقة. فاستقلال العدالة بالنسبة لهم هو زجّهم في السجون ومحاكمتهم على سرقة أموال الشعب الجزائري”، على حد قوله.
من ناحية أخرى، كلّف بوتفليقة رئيس ديوانه أحمد أويحيى، وهو رئيس حكومة سابق، بدعوة أقصى مَن يمكن دعوته للتشاوُر حول مسألة تعديل الدستور، فحضرت الأغلبية وغابت أقلية، هي بعض الإسلاميين والكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان وبعض العِلمانيين وعلي بن فليس.
وعلِّق الإعلامي غمراسة عبد الحميد قائلا: “لقد أصبح الفريق الرافض للحوار مع الرئاسة أقلية بعد قرار جبهة القوى الإشتراكية قبول دعوة الرئاسة والتحاور مع أويحيى، أي مع الرئيس بوتفليقة”.
وبالفعل، فقد شاركت غالبية الأطياف السياسية والإجتماعية في الحوار مع أويحيى، ولم تخرج في مجملها على تزكِية مقترحات الرئاسة أو نقد بعضها واقتراح تعديلات تتعلق خصوصا بحرية الإعلام و القضاء.
وفي هذا السياق، علمت swissinfo.ch أن بعض المشاركين في الحوار، ومن ضمنهم بعض المنتسبين إلى جمعيات أبناء المجاهدين والشهداء، اقترحوا تعديلا يتضمّن استحداث منصب نائب الرئيس، وهو ما أجابهم عليه أويحيى بدماثة خلق لم يتضح معها هل هو موافق على الفكرة أم رافض لها.
استحداث منصب نائب للرئيس
من جهة أخرى، علمت swissinfo.ch أن أويحيى قد أبلغ الرئيس بوتفليقة بالأمر، إلا أن هذا الأخير “لم يُوافق عليه” حسبما يبدو. ويهدف دُعاة استحداث مادة تنصّ على وجود نائب للرئيس إلى تجنّب أي انتخابات رئاسية مُسبقة في حال وفاة بوتفليقة بسبب المرض الذي يلمّ به خلال عُهدته الرئاسية الحالية، ما يعني بقاء فريقه الحكومي إلى غاية انتهاء العُهدة الرئاسية بما أن نائب الرئيس سيتسلم صلاحيات الرئيس بمجرّد وفاته ولا حاجة إلى إجراء انتخابات رئاسية قد يفوز بها خصْم يُكِنّ العداء لعُهدة الرئيس بوتفليقة وأنصاره.
مع ذلك، يذهب البعض إلى أن فكرة استحداث منصِب نائب الرئيس قد تحظى لاحقا بالقبول من طرف بوتفليقة بضغط من أنصاره ومقربيه، وهو ما سيتَّضح خلال الأيام القليلة المقبلة.
ولا يجب بأي حال من الأحوال إغفال الظروف الإقليمية المحيطة بالجزائر. فالأوضاع غير مستقرة في ليبيا والنيجر ومالي، وهناك المواجهات المسلّحة مع الجماعات الإسلامية على الحدود مع تونس، يُضاف إلى هذا المرَض المُزمِن لمسألة الصحراء والأزمة المستديمة مع المغرب يترجمها غلق الحدود منذ عام 1994.
لذا، يبدو تعديل الدستور، حسب الكثير من المحللين ومن بينهم فيصل مطاوي: “آلية تستعملها الدولة لربْح السلّم الإجتماعي، في مقابل وضع إقليمي متفجّر”. يضاف إلى هذا الهلَع الذي أصاب الحكومة والمعارضة على حدٍّ سواء بسبب شبح انقسام ليبيا إلى دويلات وأثر هذا على ساكنة الحدود الجزائرية الليبية، وعلى الوعي الجمعي الجزائري الذي يقدّس الوحدة الوطنية، فيما هو يراها الآن دون القيمة النفسية التي كانت عليها سابقا في دولة مثل ليبيا.
وهنالك أيضا المشاركة غير المسبوقة للجيش الجزائري في عمليات مشتركة مع القوات الأمريكية لمواجهة الجماعات المسلحة في ليبيا على الحدود الجزائرية الليبية، وهي خطوة تضاف إلى سلسلة التعامل الليِّن لفريق الرئيس بوتفليقة الحالي مع مسألتيْ التناسق الداخلي والأمن الخارجي، ولا شك أن تعديل الدستور يقع ضمن خطّة شاملة، لا أكثر ولا أقل.
ويبدو جليا أكثر من أي وقت مضى أن التعديل الدستوري ماضٍ في الاتجاه الذي يرغب فيه بوتفليقة بالنظر إلى المعطيات الداخلية التي لا تتقبّل أي نوع من المواجهات، والتي لا يعرف أحد نهايتها ولا مداها.
مسائل فقهية
وزاد الأمر وضوحا بقرار وزارة الشؤون الدينية غير المسبوق بتنظيم لقاء الفتوى على مسائل فِقهية في غرداية، 600 كلم جنوب العاصمة، وهي مدينة غالبية أهلها من أتباع المذهب الإباضي، خلافا للمذهب المالكي المتّبع في غالبية القُطْـر الجزائري.
وتهدف وزارة الشؤون الدينية إلى استحداث منظومة إفتاء فِقهية مُشتركة في الفروع ما بين المذهبيْن المالكي والإباضي، تبدأ الآن في الفتوى حول مسائل الحج، وخطر الإصابة بفيروس كورونا، أو جواز صعق الدجاج قبل ذبحه. ويبدو أن الحظ هو الآن في كفة الحكومة، بما أن فروع المذهب الإباضي تتوسّط ما بين مالكي وحنفي.
يأتي هذا بعد مواجهات عنيفة ما بين إباضيين ومالكيين، نتج عنها قتلى وجرحى خلال الشهور الماضية. وقد شارك في هذه الاضطرابات دُعاة استقلال بربر الجزائري عن حكومتهم، ممثلين بالشخصية القبائلية المثيرة للجدل فرحات مهني، والكثير من أتباعه يقبعون الآن في السجون.
وتدل هذه التطوّرات على أن الجزائر في وضع حسّاس للغاية، ولا طريق أمام الرئاسة الجزائرية ومعارضيها، إلا العمل على الحفاظ على البيت الداخلي. ولا يدرى كم مرّة ردّد رئيس الحكومة عبد المالك سلال ووزراء حكومته والعديد من أقطاب النقابات والمعارضة، أن “النموذج التونسي هو أفضل ما يجب الاقتِداء به، فيما النموذج الليبي هو أسوأ ما يجب علينا تجنّبه أو الوقوع في مثله”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.