مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سُوريا بين الإصلاح ومُحاربة الإرهـاب

تنتظر لجنة مناهضة التعذيب من الرئيس السوري بشار الأسد وأعوانه تحقيق المزيد على مستوى الحقوق السياسية والمدنية (الصورة التقطت يوم 6 يونيو 2005 أثناء اجتماع لحزب البعث الحاكم) Keystone Archive

في تقريرها الثالث أمام لجنة مناهضة التعذيب، عبرت سوريا عن "عزمها مواصلة الإصلاحات" مُبررة بعض التجاوزات بـ"التزامها في حملة محاربة الارهاب".

وبينما ركزت اللجنة التابعة للأمم المتحدة على حالة الطوارئ واستقلالية القضاء، قالت منظمات المجتمع المدني السورية إن خطاب دمشق “يتمسك بما هو موجود في النصوص ولا يعكس ما هو مطبق على أرض الواقع”.

قدمت سوريا أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة يوم 18 يوليو الجاري في جنيف تقريرها الثالث حول مدى تطبيق سوريا لبنود الصك الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

التزام دمشق بتقديم التقرير في الموعد المحدد اعتُبر أمرا إيجابيا في جنيف، لكن العديد من خبراء اللجنة، وممثلي منظمات المجتمع المدني السورية والدولية المهتمة بأوضاع حقوق الإنسان في سوريا رأت في الجزء الأكبر من هذا التقرير الثالث نسخة طبق الأصل للتقرير الثاني.

“مواصلون لعملية الإصلاح”

السيد بشار الجعفري، رئيس الوفد السوري وسفير دمشق لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، أوضح أثناء تقديمه للتقرير “أن سوريا عاقدة العزم على مواصلة حربها ضد الإرهاب وضد المتشددين الدينيين”.

كما شدد على مواصلة سوريا لمسار الإصلاحات و”خاصة في مجال استقلالية القضاء ومشاركة المواطن في الحياة العامة، ومحاربة الرشوة”. وهي تصريحات لقيت استحسان بعض أعضاء اللجنة، إذ شجعت رئيسة اللجنة، الفرنسية كريستين شانيه، سوريا على “المضي قدما في هذه الإصلاحات، وبالأخص لإقامة لجنة مستقلة لحقوق الإنسان، وإلغاء المحكمة العليا لأمن الدولة”.

في المقابل، ذكرت السيدة شانيه أن حالة الطوارئ المستمرة في البلاد منذ عقود يُفترض “أنها حالة مؤقتة”. وأوضحت في لقاء مع الصحافة بأن “اللجنة قدمت قائمة بأسماء مئات المفقودين في لبنان “وطالبت بتوضيح مصيرهم”. ورد الوفد السوري على هذه النقطة بالتذكير بـ”أن ذلك تم في مرحلة ماضية وأن سوريا انسحبت اليوم من لبنان”.

أما حركة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا (منظمة غير معترف بها رسميا) التي ساهمت بشكل عملي لأول مرة في تقديم تقرير مواز للتقرير الرسمي السوري بمساعدة المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، فأوضحت في تصريح لسويس إنفو على لسان عضو مكتب الأمناء فيها، السيد نضال درويش “أن التقرير السوري الثالث ما هو إلا نسخة من التقرير الدوري الثاني وفيه خطاب نمطي إيديولوجي بعثي في كيفية التعاطي مع الشأن الداخلي السوري”.

وأضاف السيد درويش “أن المسؤولين السوريين يتعاطون مع موضوع التقرير وكأن لجنة حقوق الإنسان ليست لها دراية بما يتم داخل سوريا”، مؤكدا أن ذلك “يضفي عدم مصداقية على ما يقوله الوفد السوري”.

وفيما يتعلق بالإصلاحات، صرح السيد نضال درويش “إذا كانت هناك بعض الإيجابيات، فيتعين وضعها في خانة الإطار الشكلي، أما بعمق المعنى فليست هناك تغييرات جدية”. واستطرد قائلا “إن كانت هناك بعض الهوامش لحرية التعبير في سوريا، فهذه الهوامش وقعت إما تحت ضغوطات خارجية أو راجعة للمزاج السياسي الداخلي”.

ويرى السيد درويش أن “حالة الطوارئ والأحكام العرفية لا تزال سارية، وأن كثيرا من القوانين والمحاكم الاستثنائية لازالت قائمة حتى الآن، ومن يسمح له بالكلام قليل، يمكن بكل بساطة أن يتم اعتقاله تحت أي ذريعة كانت”.

أي أغراض لحالة طوارئ؟

من النقاط التي تم انتقادها في تقرير سوريا أمام لجنة حقوق الإنسان المكلفة بدراسة مدى تطبيق بنود الصك الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية، استمرار حالة الطوارئ في سوريا منذ عام 1963. وهو ما برره رئيس الوفد السوري السفير بشار جعفري بقوله “إن سوريا توجد في وضعية جيو سياسية خاصة، جزء من أراضيها محتل، كما أن بلدين مجاورين لها، أي فلسطين والعراق، يوجدان في حالة احتلال”.

وفيما يخص تطبيق الالتزامات الواردة في القوانين الدولية تحت حكم حالة الطوارئ، يرى السفير السوري “أن التعليمات الرئاسية بتطبيق حذر ومحدود لحالة الطوارئ تُعتبر خير دليل على عدم تنصل سوريا من تطبيق المواثيق الدولية في ضل تطبيق الأحكام العرفية”.

لكن العديد من الخبراء في لجنة حقوق الإنسان تساءلوا عن إمكانية تحريف شرعية إعلان حالة الطوارئ التي تتيحها المواثيق الدولية، وتسخيرها لأغراض غير تلك التي فرضت من أجلها.

وأوضحت رئيسة اللجنة السيدة كريستن شانيه أن “البند الرابع من الصك الدولي غير محترم بحيث لا ينص على فرض حالة طوارئ بشكل دائم”. وفي هذا الصدد، تساءل بعض الخبراء عن “ضرورة توضيح الجانب السوري للبنود التي يرغب في التخلي عن تطبيقها بموجب فرض حالة الطوارئ وبالتعليل الرسمي الذي اختارته لفرض حالة الطوارئ، أي الاعتداء من قبل إسرائيل”.

أما عضو لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا نضال درويش، فيرى أن حالة الطوارئ تم تبريرها “تاريخيا في 8 آذار من عام 1963 حتى اليوم بالصراع العربي الإسرائيلي”. وأضاف في هذا الصدد “مع تأكيدنا على هذا الموضوع من الناحية المنطقية والواقعية، فإننا نعتبر أن هذا المنطق قد أثبت فشله بحكم المحصل وبما وصلت إليه البلاد على المستوى الداخلي والخارجي”.

ويعتقد السيد درويش أنه “قد آن الأوان لتأسيس منطق مختلف تماما يقوم على أساس أن الحرية على المستوى الداخلي هي الركيزة الأساسية لأية مواجهة او تحديات إن كانت على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي او على أي مستويات أخرى”.

“شعار محاربة الإرهاب..لكم الأفواه”

تقرير الوفد السوري ركز على تعاون سوريا مع الهيئات الدولية في مجال محاربة الإرهاب وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي. وقد شدد رئيس الوفد على أن سوريا تبنت قانونا لمحاربة تمويل الإرهاب، كما اتخذت جملة من الإجراءات لتسهيل تسليم المجرمين في إطار العمليات الدولية لمحاربة الإجرام.

وعلل الوفد السوري في رده على التساؤلات المتعلقة بارتفاع حالة الإعدامات، بأن ذلك راجع “إلى ارتفاع حالات الإرهاب المرتكبة في الخارج”.

لكن عضو حركة لجان الدفاع عن الحريات في سوريا السيد نضال درويش يرى أن “عدة دول أصبحت تستخدم محاربة الإرهاب شعارا ومطية من أجل إعادة إنتاج الاستبداد وكم الأفواه، وانتاج ما يُسمى بشوارع الصمت في العالم الثالث وتحديدا في البلدان العربية”.

وعبر السيد درويش عن “الأسف لكون التقرير لم يتطرق إلى حالات التعذيب العديدة التي تمت حتى بعد مصادقة سوريا على معاهدة منع التعذيب قبل عام”. وأضاف بهذا الشأن أن “أكثر من حالة سقطت ضحية ممارسة التعذيب المنتشرة بشكل واسع في السجون السورية”.

وما ينتقده السيد درويش بالدرجة الأولى كون “القانون السوري بحسب المرسوم التشريعي الصادر في عام 1969 يؤمن للموظفين الرسميين الحصانة عندما يمارسون مهامهم في سياق التحقيق وممارسة التعذيب في حق السجناء”. ولا يتذكر تقديم النظام السوري لأي موظف للمحاكمة بسبب تجاوزات في حق سجناء سياسيين او سجناء الرأي.

وضع مثالي للأقلية الكردية؟

وعن وضعية الأقلية الكردية، قال رئيس الوفد السوري “إنهم مواطنون يحملون الجنسية السورية ويتمتعون بكامل الحقوق التي يتمتع بها باقي المواطنين ويشغلون مناصب في السلك التعليمي والجيش بل حتى في المناصب الحكومية”.

لكن السيد درويش علق عن هذا التصريح في حديثه مع سويس انفو بالقول: “كيف يمكن الحديث عن وضع مثالي وليس هناك اعتراف بوجود أكراد في سوريا بداية من الدستور الذي يقر استثناءات في حقوق الأكراد؟ (…) هناك إجراءات إدارية غير معلنة تطبق في ولايات بها أكراد مثل الجزيرة والحسكة والقامشلي حيث تمارس عدة عراقيل لتسجيل أبناء الأكراد، وحيث يمنع على الأكراد شراء الممتلكات العقارية في تلك المناطق”.

ندرة المنظمات المدنية المستقلة

من جهتها، نوهت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب -التي ساهمت إلى جانب لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا في تقديم التقرير الموازي لتقرير الحكومة السورية-إلى أنه “لم يكن من السهل العثور على منظمات مستقلة ممثلة للمجتمع المدني في سوريا من أجل تقديم التقرير الموازي”.

وأشاد ممثل المنظمة باتريك موتسنبيرغ بالخصوص بـ”شجاعة وجرأة لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا ولأكثم نعيسة اللذين قبلا الوقوف إلى جانب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب من أجل تقديم التقرير الموازي”.

وقد أوضح السيد موتسنبيرغ بأن “حضور منظمات مستقلة تمثل المجتمع المدني السوري كان لها أثرها في توضيح الأمور أمام الخبراء في جلسة خاصة مما سمح بطرح التساؤلات الضرورية على أعضاء الوفد، وقد يدفع إلى إصدار توصيات هامة فيما بعد”.

وعن دور منظمات المجتمع المدني في المستقبل، قال السيد موتسنبيرغ “إننا سنتابع كيفية تطبيق سوريا لتلك التوصيات عند صدورها وتذكير الحكومة السورية في كل مناسبة بضرورة تطبيقها”. وستصدر توصيات لجنة حقوق الإنسان بخصوص التقرير السوري في نهاية الدورة.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية