
المال أولًا: هكذا رأت الصحافة السويسرية جولة ترامب في دول الخليج

سلطت الصحف السويسرية الضوء على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج، مشيرة إلى تغليب المصالح الاقتصادية على الأولويات السياسية، وأثارت تساؤلات حول تضارب المصالح وغياب الشفافية.
تزاوج المال والسياسة
اعتبرت العديد من الصحف السويسرية أن الزيارة كانت فرصة لإطلاق وعود استثمارية غير مسبوقة من دول الخليج تجاه الولايات المتحدة. ورأت وسائل الإعلام السويسرية أن هذا يمثّل تحوّلًا في العلاقة الأمريكية-الخليجية، حيث انتقل الأمر من التحالف السياسي إلى شراكة مالية، تتداخل فيها المصالح العامة مع المصالح الخاصة.
عزيزي/عزيزتي القارئ(ة)،
ندعوك للمشاركة في استطلاع رأيرابط خارجي قصير، لا يستغرق أكثر من 5 دقائق.
ملاحظاتك مهمة جدًا لتحسين محتوى موقعنا وتقديم تجربة قراءة أفضل.
جميع إجاباتك ستُعامل بسرية تامة.
[شارك.ي في الاستطلاع]رابط خارجي
شكرًا لمساهمتك القيّمة.
وفي هذا السياق، ركزتصحيفة نويه تسورخير تسايتونعرابط خارجي في تغطيتها على الطابع المالي للزيارة، ووصفتها بأنها “زيارة مليئة بالصفقات ذات الأرقام الضخمة”.
وأبرز ما صدر من السعودية، هو تأكيد ولي العهد محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي أن بلاده مستعدة لاستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال ولايته، وهو ما أعلنه ترامب بفخر في منتدى الاستثمار في الرياض. بالإضافة إلى صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، وفقا لما ذكرته الصحيفة.
لكن التعهدات المالية في هذه الزيارة لم تقتصر على الدولة فقط، بل امتدت لتشمل عائلة ترامب ومشاريعه العقارية، كما أوضحت صحيفة لوتونرابط خارجي. وقد اعتبرت الصحيفة أن محمد بن سلمان يمثل للرئيس الأمريكي الحليف المثالي: “يملك محمد بن سلمان كل ما يُعجِب الرئيس الأميركي دونالد ترامب: المال، والنفط، والعقارات… باختصار، هو كنز متنقّل يخدم مصالحه الشخصية، ويعزّز شعبية تيار (اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا) “.
قال ترامب بشأن محمد بن سلمان عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي: “لقد أنقذته… وأقنعت الكونغرس بعدم ملاحقته.”
أرغاور تسايتونغ
وتؤكد الصحيفة أن هذا التقارب تُرجم عمليًا من خلال سلسلة تعاون مستمر بين مجموعة ترامب مع “دار غلوبال”، التي تُعتبر الذراع الدولية لشركة “دار الأركان” السعودية المتخصصة في تطوير العقارات الفاخرة، بما في ذلك مشروع برج ترامب في جدة.
أما على صعيد الطاقة، أفادت الصحيفة بأن المملكة العربية السّعودية وافقت على إبقاء أسعار النفط عند مستوى 60–65 دولارًا للبرميل. وقد اعتبر المراقبون هذه الخطوة دعما مباشرا لحملة ترامب الداخلية، عبر محاولة خفض أسعار الوقود في السوق الأمريكية، وبالتالي تقليل نسبة التضخم.
وفي قطر، لم تكن الرسائل الرمزية أقل حضورًا، إذ استبق الأمير تميم بن حمد الزيارة بالإعلان عن إهداء ترامب طائرة رئاسية فاخرة من طراز بوينغ 747-8 ، تقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار، وفق ما ذكره موقع واتسونرابط خارجي.
وأشار الموقع إلى أن هذا النوع من البذخ السياسي لا يُمكن عزله عن العلاقة الشخصية التي تربط ترامب بزعماء الخليج، وكتب أن ترامب يشعر وكأنه في “مكانه السعيد” في هذه المنطقة، حيث يُستقبل بتكريم كبير ومظاهر احتفاء فاخرة، وتُعقد الصفقات بأسلوب يشبه نمط حكمه.
التحديات السياسية – ملفات مُرحّلة وسط أزمات مشتعلة

وعلى الرغم من الحضور القوي للملفات الاقتصادية، إلا أن الصحف السويسرية لم تغفل البُعد السياسي، بل سلطت الضوء على ما وصفته بـ”التجاهل ” للأزمات الإقليمية المتفجرة، وفي مقدمتها الحرب في غزة، والتوترات مع إيران، وتطورات الوضع في لبنان وسوريا.
ورأت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ أن زيارة ترامب للخليج تُعامل كأن شيئًا لا يحدث في المنطقة، رغم اشتعال الأزمات في عدة بلدان. وجاء في تقريرها: ” لن يكون للأزمات الكبرى والحروب أي حضور يُذكر خلال أيام الزيارة، وكأن لا وجود لحرب غزة، أو لهجمات الحوثيين، أو لتغير النظام في سوريا، أو لفرصة إضعاف حزب الله”.
الأمير بن سلمان حقق أيضا الكثير من المكاسب على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
نويه تسورخير تسايتونغ
وفي سياق مشابه، ركزت صحيفة لوتون على قضية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأشارت إلى أن الدينامية التي بدأت مع “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، فقدت زخمها تمامًا. وأضافت أن “فرصة انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام تلاشت مع استمرار تدمير غزة، والغزو الإسرائيلي لأجزاء من سوريا”.
من جهة أخرى، تناولت صحيفة ارغاور تسايتونغ غياب الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة، إذ اعتبرت أن زيارة ترامب لا تحمل أجندة سياسية واضحة، بل تكتفي بالتركيز على العائدات الاقتصادية. ونقلت عن الباحث خالد الجندي من جامعة جورجتاون الأمريكية: “الرئيس الأمريكي لم يتبع أي استراتيجية دبلوماسية متماسكة منذ توليه الحكم، ولا سبب يدعو للاعتقاد بأنه سيبدأ الآن”.
كما رصدت وسائل الإعلام السويسرية تحوّلًا لافتًا في موقف دول الخليج تجاه إيران، مدفوعًا بهاجس الاستقرار بدلًا من الدخول في صراعات عقائدية. وأبرزت صحيفة لوتون هذا التبدل، مشيرة إلى تقارب الخليج مع الموقف الأميركي، وسعي السعودية لتفادي المواجهة المباشرة، حتى لو تطلّب الأمر القبول بالاتفاق النووي الذي كانت ترفضه في 2015، انسجامًا مع أهداف “رؤية 2030. هذا الأمر يعكس تحولًا في السياسات الأميركية والخليجية نحو براغماتية سياسية جديدة تُفضل التنمية على التصعيد.
أما صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ فرأت أن بن سلمان حقق أيضا الكثير من المكاسب على الصعيدين الداخلي والإقليمي ، حيث أكدت السعودية مكانتها كقوة لا يمكن تجاهلها، خاصة في مجال الاستثمارات.
ورغم فشل ولي العهد محمد بن سلمان في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإطلاق برنامج نووي سعودي في السابق، فقد حصل على تنازل مهم يسمح للرياض بتحديد وتيرة التطبيع مع إسرائيل. وقد جمّدت الرياض مفاوضاتها بشأن “اتفاقات أبراهام” عقب اندلاع الحرب في غزة، وتشترط اليوم قيام دولة فلسطينية مقابل المضي في التطبيع.
وعلى صعيد آخر، أعلن ترامب رفع العقوبات عن سوريا بطلب من ولي العهد، في خطوة لاقت ترحيبًا من دمشق.
الجدل الأخلاقي – تضارب مصالح وشبهات فساد

ومن بين أبرز الملفات التي ألقت بظلالها على زيارة ترامب، كان الجدل المتزايد حول العلاقات المالية الشخصية بين الرئيس الأمريكي ودول الخليج، لا سيّما في ظل استمرار أنشطة مؤسسات ترامب التجارية، وتوسعها في المنطقة.
وألقى تقرير لصحيفة أرغاور تسايتونغ رابط خارجي نظرة معمّقة على خلفيات العلاقة بين ترامب والسعودية، مسلطًا الضوء على تقاطع المصالح الاقتصادية المتبادلة مع مواقف سياسية مثيرة للجدل، حيث امتزجت المصالح الرئاسية بالعائلية. وأشارت الصحيفة إلى تقرير يؤكد استثمار حكومات أجنبية نحو 7.8 مليار دولار في مشاريع عائلة ترامب خلال ولايته الأولى. كما نقلت تصريحًا مثيرًا للجدل لترامب بشأن محمد بن سلمان بعد مقتل جمال خاشقجي قال فيه: “لقد أنقذت مؤخرته… جعلت الكونغرس يتركه وشأنه.” ولفتت إلى دور صهر ترامب، جاريد كوشنر، في تعزيز العلاقات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي علاقة تبيّن لاحقًا أنها كانت شديدة الربحية لكوشنر، وفق الصحيفة.
وفي هذا السياق، ركّز موقع واتسون على ما وصفته بـ”الإغراق المالي” لعائلة ترامب من قبل دول الخليج، مشيرة إلى أن الرئيس وعائلته يتلقّون حاليًا تدفقات مالية ضخمة عبر هدايا ومشاريع عقارية: “ترامب وعائلته يُغمرون بأموال شيوخ النفط”. وتطرّق الموقع إلى مشروع العملة المشفرة لعائلة ترامب (World Liberty Financial)، الذي تلقى وحده أكثر من 550 مليون دولار في استثمارات، معظمها من شركات مقرها في الخليج. وأوضح أن شركة ( DWF Labs) الإماراتية اشترت رموزًا للشركة بقيمة 25 مليون دولار.
ونقل التقرير عن موقع ذي اتلانتيك تحذيره من تحول جذري في بنية الديمقراطية الأميركية، ينأى بها عن مبادئ الشفافية والمساءلة: “نحن نشهد تحولًا ثوريًا بعيدًا عن الشفافية والمساءلة… نحو ممارسات غامضة وفاسدة على نمط الأنظمة الاستبدادية”.
للمشاركة في النقاش الأسبوعي:
المزيد
يمكنك الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديك رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
موعدنا الجمعة 23 مايو مع عرض صحفي جديد.
مراجعة : فريق سويس إنفو
للاشتراك في النشرة الإخبارية:

المزيد
للاشتراك في العرض الصحفي الأسبوعي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.