مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شبان الجيلـين الثاني والثالث يظلون.. أجانب

Keystone

رفضت معظم الكانتونات السويسرية المبادرتين الحكوميتين المتعلقتين بتسهيل إجراءات منح الجنسية للجيلين الثاني والثالث من الأجانب. بينما حصل مقترح التأمين على الأمومة على تأييد أغلبية الكانتونات في حدث تاريخي.

أما المبادرة الشعبية الخاصة بمستقبل البريد، فقد اصطدمت برفض أغلبية الناخبين.

“إنه انتصار تاريخي للنساء وللأسر”. هكذا عقب رئيس الحزب الاشتراكي السويسري هانس يورغ فير على حصول المقترح الحكومي الخاص بتوفير تأمين وطني على الأمومة للنساء العاملات على موافقة الناخبين خلال استفتاء يوم 26 سبتمبر بنسبة 55,4%.

وصفُ هذا الحدث بـ”التاريخي” في محله بدون شك لأن النساء العاملات ينتظرن منذ قرابة 60 عاما الحصول على تأمين وطني على الأمومة رغم تدوين هذا المبدأ في الدستور الفدرالي منذ 1945! وقد رفض الناخبون في خمس مناسبات -بين عامي 1990 و1999- مبادرات خاصة بالتأمين على الأمومة.

أما رئيس الحزب الراديكالي رولف شفايغر فاعتبر هذا الانتصار “اختراقا كبيرا” لحزبه وأشاد بمجهودات النائب بيير تريبوني الذي يعود الفضل له في طرح الصيغة الجديدة للتأمين على الأمومة.

من جهته، صرح نائب الحزب الديمقراطي المسيحي دومينيك دوبومان أن السيدات لسن وحدهن الفائزات بهذا الانتصار، حيث يرى أن القطاع الإقتصادي سيتمكن بدوره من الاستفادة من مرونة أكبر لأن التأمين الجديد على الأمومة سيُوحد في مختلف أنحاء البلاد وسيتيح حركية أكبر للنساء العاملات.

أما حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد، الذي كان الحزب الوحيد المشارك في الحكومة المعارض بشدة مقترح التأمين على الأمومة، فقد أعرب عن “دهشة إيجابية” من نسبة الموافقة الضئيلة التي حصل عليها مقترح النائب تريبوني.

وكان النائب الراديكالي ومدير “الاتحاد السويسري للفنون والحرف” بيير تريبوني قد طرح مبادرة برلمانية تقترح تمويل التأمين على الأمومة من خزانة “التأمين على فقدان الدخل” الخاصة بالجنود. وهي فكرة سبق وأن رفضها الناخبون في عام 1999.

ويُعوض “التأمين على فقدان الدخل” جزء من راتب الأشخاص الذين يؤدون الخدمة العسكرية أو الوقاية المدنية أو نشاطات تابعة للجيش. أما تمويل هذه الخزانة فيتم عن طريق اقتطاع نسبة 0,3% من رواتب الموظفين ونسبة مماثلة من رواتب أرباب العمل. وتتلقى الخزانة مبالغ تفوق بكثير نفقاتها، حيث تزخر حاليا بـ”ثروة” تناهز 3,5 مليار فرنك. وقد أوحى هذا المبلغ الضخم فكرة الاستعانة بهذه الخزانة لتمويل التأمين على الأمومة.

ويقترح مشروع النائب تريبوني استفادة السيدات العاملات من عطلة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 14 أسبوعا، بحيث يحصلن على تعويضات يومية تعادل 80% من راتبهن، لكن تتوقف عند 173 فرنكا في اليوم كحد أقصى. كما تتضمن المبادرة دعوة إلى رفع التعويضات اليومية للجنود من 65% إلى 80% من الراتب لتصبح الأمهات والجنود على قدم المساواة.

ويعني مشروع تريبوني بالنسبة لخزانة “التأمينات على فقدان الدخل” نفقات سنوية إضافية لا تقل عن 543 مليون فرنك (483 مليون للتأمين على الأمومة و60 مليون لتعويضات الجنود). وقد حظي هذا المقترح بدعم قوي من الأحزاب السياسية (باستثناء حزب الشعب السويسرية) وبتأييد كافة جمعيات أرباب العمل والنقابات.

الجنسية الميسرة والتلقائية

أما فيما يخص تجنيس الشبان الأجانب، فقد اتضحت لهم الصورة وتبددت آمالهم في إمكانية الحصول على جنسية سويسرية مُيسرة أو تلقائية للجيلين الثاني والثالث.

المبادرتان الحكوميتان، الأولى المتعلقة بتسهيل عملية تجنيس الجيل الثاني، والثانية الخاصة بمنح الجواز الأحمر بصفة تلقائية للجيل الثالث لدى الولادة، لم تتمكنان من الحصول على الأغلبية المزدوجة، أي الأغلبية التعدادية للكانتونات، وأغلبية أصوات الناخبين السويسريين الذين رفضوا المبادرة الأولى بـ56,7% والثانية بـ51,6%.

أما بالنسبة للكانتونات، فقد وافقت 6 كانتونات ونصف كانتونات من أصل 26 على المبادرة الأولى، فيما دعم 7 كانتونات المبادرة الثانية. وباستثناء برن وكانتون بازل المدينة، تنتمي باقي الكانتونات المؤيدة لتسهيل تجنيس الأجانب إلى سويسرا الروماندية المتحدثة بالفرنسية.

وقد اتضح خلال استفتاءات 26 سبتمبر من جديد أن ظاهرة “روشتي غرابن” (Röstigraben)-التي يقصد بها الهوة الثقافية والسياسية بين المناطق المتحدثة بالفرنسية وتلك المتحدثة بالألمانية- مازالت قائمة، حيث أن الكانتونات الروماندية مالت نحو التصويت بـ”نعم” أربع مرات على المبادرات المطروحة، بينما مالت الكانتونات المتحدثة بالألمانية في غالب الأحيان إلى التصويت بـ”لا” على مختلف المقترحات المطروحة.

وبدا من ردود الفعل الأولى الصادرة عن الأحزاب المؤيدة للمبادرة – باستثناء حزب الشعب السويسري الذي شن حملة شعواء ضد تسهيل إجراءات التجنيس للجيلين الثاني والثالث- استياء كبير من نجاح حزب الشعب في التأثير على أغلبية الناخبين. وقال رئيس الحزب الراديكالي في هذا الصدد: “لقد قللنا من شأن الأجواء السائدة في أوساط عديدة، وافتقرنا لأساليب الرد على حملة حزب الشعب”.

ويذكر أن اللجنة التي اختارت لنفسها اسم “اللجنة المعارضة للتجيس بالجملة”، وهي تنطوي تحت الجناح الأكثر تطرفا لحزب الشعب السويسري اليميني المتشدد، قد أطلقت منذ بداية شهر سبتمبر الجاري حملة دعائية شرسة مسيئة للجاليات الأجنبية وخاصة المسلمة. وادعت في إشهار سياسي أن الجالية المسلمة، التي صورتها كخطر على مستقبل الشعب السويسري، ستتحول إلى الأغلبية في الكنفدرالية بحلول عام 2040، استنادا إلى معطيات خيالية.

اشمئزاز “السيكوندوس”

وفور صدور نتائج التصويت، صرحت فاليري لوشيزي المسؤولة في منظمة الشبان الأجانب من الجيل الثاني الذين يطلق عليهم اسم “سوكوندوس” (secondos)، أن هذه الفئة من الأجانب “مشمئزة” من رفض الشعب السويسري تسهيل إجراءات تجنيس الشبان الأجانب. وقالت في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية: “يقول لنا السويسريون يمكنكم الأداء (أداء المستحقات) والعمل، لكن لستم مؤهلين بما فيه الكفاية لتصبحوا سويسريين”. واعتبرت لوشيزي تصويت الناخبين “حكما قاسيا وغير مُستحق”. كما أوضحت أن “الحملة الكاذبة لحزب الشعب السويسري كان لها تأثير” وخلقت الشكوك عن طريق إثارة الخوف من الجاليات الأجنبية.

من جهة ثانية، أشارت لوشيزي إلى أن الأحزاب المؤيدة لتسهيل تجنيس الأجانب لم تنفق ما يكفي من المال لدعم المبادرة، كما أن رد فعلها على حملة حزب الشعب جاء متأخرا. ويذكر هنا أن رؤساء خمسة أحزاب، 3 منها مشاركة في الحكومة، وجهوا مدعومين بتسعة عشر شخصية سياسية، نداء لـ”انتفاضة جمهورية” في سويسرا.

وأكدوا في هذا النداء -الذي نشروه في الصحف يومي 23 و24 سبتمبر- أن الديمقراطية تقتضي الكرامة وأن حرية التعبير لا يجب أن تستند إلى “خلط المفاهيم” و”الأرقام الخيالية” و”الافتراء السفيه” و”الإعلانات المثيرة للكراهية”، في إشارة إلى حملة “اللجنة المضادة للتجنيس بالجملة” ضد الجالية المسلمة.

أما اتحاد النقابات السويسرية فقد عبر عن الأسف لرفض تسهيل التجينس واعتبره “ضربة لاندماج الأجانب في المجتمع السويسري”.

ويذكر أن المقترح الأول الخاص بتسهيل إجراءات التجنيس يتعلق بـ”السيكوندوس” أي الأطفال الذين ولدوا في سويسرا من والدين مهاجرين. واقترحت الحكومة أن تمنح نفس الحظوظ وتحدد نفس شروط الحصول على الجنسية لهذه الفئة في مختلف الكانتونات السويسرية.

يعني ذلك أن الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و24 سنة والحاصلين على بطاقة إقامة مؤقتة أو دائمة ودرسوا على الأقل خمس سنوات من التعليم الإلزامي في سويسرا كانوا سيتمكنون من الاستفادة من إجراءات التجنيس الميسرة.

المقترح الثاني كان يهدف إلى منح الجواز السويسري بصفة تلقائية لأبناء الجيل الثالث عند الولادة. ويخص المقترح الأطفال الذين هاجر أجدادهم إلى سويسرا.

الحكومة السويسرية وأغلبية البرلمان تدعم هذين المقترحين. ومن بين الأحزاب الأربع الرئيسية المشاركة في الائتلاف الحكومي، مثل حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد الاستثناء الوحيد حيث عارض بشدة تسهيل إجراءات الجنسية للجيلين الثاني والثالث.

وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة قد أوضحت أن الناخبين يميلون أكثر للموافقة على المقترح الخاص بالجيل الثالث. لكن على عكس جميع التوقعات، تمت الاستجابة لدعوة “اللجنة المضادة للتجنيس بالجملة”. وقد عبر حزب الشعب السويسري عن “ارتياحه” و”دهشته الإيجابية” أيضا لقرار الناخبين السويسريين الذي اعتبره مؤشرا ضد “الخطابات الجميلة التي تخفي المشاكل”. وأكد حزب الشعب أن الأحزاب الأخرى “لن يمكنها بعد الآن تجاهل الموضوع المحرم(التابو) الذي يمثله الأجانب”.

مستقبل البريد

خلافا لمواضيع التصويت الثلاثة الأولى التي تعتبر مقترحات حكومية، جاء المشروع الرابع ضمن مبادرة شعبية بعنوان “خدمات بريدية للجميع”. ولم تقتنع غالبية السويسريين بالمبادرة حيث رفضها الناخبون بنسبة 50,2%، بينما عارضها 16 كانتونا.

وطالبت هذه المبادرة الكنفدرالية بإضافة مادة في الدستور تنص على الحفاظ على خدمات بريدية شاملة وذات جودة في مختلف أنحاء البلاد. وتنص بالخصوص على أن تتم استشارة البلديات قبل إغلاق أي مكتب بريدي في أية قرية أو أي حي.

ويذكر أن عمليات إعادة هيكلة قطاع البريد السويسري منذ الشروع في تخصيصه في نهاية التسعينات تسببت في إقفال مئات مكاتب البريد الصغيرة، خاصة بعد أن تمر مكاتب الفرز في ثلاثة مراكز رئيسية. وما بين يناير 2001 ومايو 2004، تراجع عدد مكاتب البريد من 3390 إلى أقل من 2800.

مبادرة “خدمات بريدية للجميع” -التي جمعت أكثر من 106 آلاف توقيع- تطالب الدولة بتحمل تكاليف الخدمات البريدية الشاملة التي لا يمكن أن تغطيها إيرادات البريد أو رسوم حقوق الاستغلال التي يدفعها المنافسون. وقد تم إطلاق المبادرة من طرف النقابات وحركات الدفاع عن حقوق المستهلكين. ويطالبون بشبكة مكاتب بريدية تغطي احتياجات مختلف أنحاء البلاد.

وأوصت الحكومة وأغلبية البرلمان برفض المبادرة بذريعة أن القانون الجديد حول البريد يضمن الحفاظ على خدمة ذات جودة. ويحظى نص المبادرة بدعم اليسار فقط.

يشار في الأخير إلى أن نسبة المشاركة في استفتاءات 26 سبتمبر كانت أعلى من المعتاد حيث سجلت 54%.

سويس انفو مع الوكالات

المواضيع المطروحة في الاستفتاء الشعبي يوم 26 سبتمبر 2004 على المستوى الفدرالي:
ثلاث مقترحات حكومية هي:
– تسهيل إجراءات منح الجنسية السويسرية للجيل الثاني من الأجانب
-منح الجنسية السويسرية بصفة تلقائية للجيل الثالث من الأجانب
-تعديل قانون التأمين على فقدان الدخل بهدف ضمان تأمين على الأمومة للنساء العاملات
بادرة شعبية هي:
-المطالبة بتدوين مبدأ الحفاظ على خدمة بريدية شاملة وذات جودة في كافة أنحاء البلاد
يبلغ عدد الأجانب المقيمين في سويسرا مليون ونصف المليون شخص، أي ما يقارب 20% من إجمالي سكان الكنفدرالية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية