The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

الذهب يُحرِّك دعاوى “الردع الاستراتيجي” في سويسرا

رجال يبحثون عن الذهب
رجال يبحثون عن الذهب في منطقة الخناق بولاية الخرطوم، السودان. Eric Lafforgue / Hans Lucas

مثُلت أمام القضاء، الأسبوع الماضي، منظمة ‘سويس إيد’، السويسرية غير الحكومية، بعد أن رفعت شركة 'فالكامبي'، أكبر مصفاة ذهب في البلاد، دعوى تشهير ضدّها. والسبب تقرير نشرته المنظمة عام 2020، كشف عن علاقة تجاريّة بين المصفاة وشركة لتوريد الذهب، تُثار حولها شبهات، ومقرّها في دبي. 

ترى بعض الآراء الخبيرة أنّ قضية ‘سويس إيد’ (Swissaid) ليست معزولة، بل تُصنَّف ضمن نمط متنامٍ يثير القلق في أوروبا، هو دعاوى “الردع الاستراتيجي ضد المشاركة العامة” (المعروفة اختصارًا باسم ‘سلابز’ SLAPPs). وفي الغالب، ترفع هذه الدعاوى جهات نافذة، كالحكومات أو الشركات الكبرى، لترهيب شخصيات طبيعية، أو اعتبارية من المجتمع المدني تؤدي دورًا رقابيًا، وتكشف حقائق محرجة عن الجهة المُدَّعية، بدعوى الدفاع عن الصالح العام. 

هي نوع من الدعاوى القضائية يُرفع عادةً ضد أفراد أو مجموعات لمجرد أنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير أو المشاركة العامة، كالتحدث إلى وسائل الإعلام، وتنظيم احتجاج، أو تقديم شكاوى إلى السلطات، خصوصًا في قضايا تتعلق بالمصلحة العامة مثل البيئة، الفساد، حقوق الإنسان، أو سوء استخدام السلطة.

لكن هذه الدعاوى لا تهدف بالضرورة إلى الربح القضائي، بل هدفها الأساسي هو تخويف أو إسكات الأفراد أو المجموعات من خلال إرهاقهم قانونيًا وماليًا.

من خصائص هذه الدعاوى أنها:

* تُستخدم من قبل كيانات قوية (شركات، سياسيين، مؤسسات…) ضد أفراد أو منظمات صغيرة أو صحفيين.

* تُركز غالبًا على تشويه السمعة، التشهير، أو انتهاك الخصوصية.

* تُرهق الخصم بتكاليف قانونية باهظة.

* تخلق “أثرًا مُرهبًا” (chilling effect)، يمنع الآخرين من المشاركة العامة.

وتوضّح كورين فيلا، من مؤسّسة دافني كاروانا غاليزيا (Daphne Caruana Galizia Foundation) التي تحمل اسم الصحفية المالطية المغتالة، أنّ “الهدف [من هذه الدعاوى] ليس المطالبة بتعويضات، بل إسكات الطرف الآخر”. 

وتضيف، في حديث لموقع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، أنّ أحد أبرز سمات الردع الاستراتيجيّ هو اختلال موازين القوة. وتشرح، قائلة: “في حالة الشركات، تكون الفجوة أوضح؛ فتكون على أحد طرفي المواجهة شركة عملاقة، وعلى الطرف الآخر منظّمة محليّة صغيرة تبادر بكشف مخالفات أو ممارسات مشبوهة. وترى الشركات أنّ إسكات الانتقادات، التي قد تمسّ سمعتها، يُحقق لها مصلحة حقيقيّة.” 

جذور المعركة القانونية

وتعود جذور هذه المواجهة القضائيّة إلى تقرير نُشر عام 2020، أعدّه مارك أوميل، رئيس وحدة الموادّ الخام في منظّمة ‘سويس إيد’، المعنيّة بالتنمية والمناصرة الحقوقيّة. وقد كشف التقرير لجوء بعض المصافي السويسرية إلى وسطاء لإخفاء مصدر الذهب، الذي قد تُحيط به شُبهات. 

ولم يكتفِ التقرير بالإشارة إلى ممارسات عامّة، بل ذكر شركة فالكامبي بالاسم، وانتقد علاقتها بشركة “كالوتي”، التي تتّخذ من دبي مقرًا لها، ويُزعم تورطها في عمليات غسل أموال، وشراء ذهب من مناطق نزاع في أفريقيا، من بينها السودان. 

وتُعدّ دبي مركزًا عالميًا لتجارة الذهب، وتستورد كميات كبيرة من الذهب الأفريقي. وينتهي المطاف بجزء كبير من هذا الذهب في سويسرا، موطن أربع من أكبر سبع مصافٍ في العالم. لكن تدفع صعوبة التحقّق من مصدر الذهب بعض المصافي السويسرية إلى تفادي استيراده من دبي. 

وفي سبتمبر 2020، صرّح ميخائيل ميساريتش، الرئيس التنفيذي لفالكامبي، لصحيفة “لوتون” (Le Temps) الناطقة بالفرنسية، بأنّ ادعاءات سويس إيد “لا أساس لها من الصحّة”. وأوضح أنّ المصفاة خضعت لتدقيقين، أجرتهما رابطة سوق السبائك في لندن، وبُرّئت من أيّ مخالفات. 

ورغم التهديد باتخاذ إجراءات قانونيّة، تمسّكت ‘سويس إيد’ بنتائج بحثها. فردّت شركة فالكامبي برفع دعوى تشهير ضدّ المنظمة، أتبعتها بشكوى جنائيّة ضدّ معدّ التقرير الرئيسي، مارك أوميل، وضدّ المنظّمة نفسها. وتؤكّد ‘سويس إيد’ أنّ هذه الدعاوى لا تستند إلى أيّ أساس، وترى فيها محاولة لترهيبها وإسكاتها. وكان من المقرّر أن تبدأ المحاكمة في سبتمبر 2023، لكنّها تأجّلت لأسباب إجرائيّة. 

ويقول مدير ‘سويس إيد’، ماركوس أليمان: “انتهجت الشركة إجراءات عدائيّة للغاية، وهي، على خلاف المنظّمة، تمتلك موارد ماليّة ضخمة، وتستطيع خوض معارك قانونيّة طويلة ومكلفة”. وأضاف أنّ المنظمة تصرّفت بحسن نيّة، وأتاحت للشركة فرصة للرد على المزاعم قبل نشر التقرير، لكنها لم تتلقَّ سوى ردودٍ جزئيّة. 

دعاوى الردع الاستراتيجي في ازدياد

ووفقًا لتقييم الاتّحاد الأوروبي ضدّ دعاوى الردع الاستراتيجي (CASE)، وهي تحالف يضمّ منظمات غير حكومية من مختلف أنحاء أوروبا، تستوفي هذه القضيّة المعايير التي تُعرِّف دعاوى الردع الاستراتيجي ضد المشاركة العامّة. ويُحذِّر الاتّحاد من تنامي هذا النوع من الدعاوى، لما يشكّله من تهديد متزايد لأصوات الرقابة العامّة. وقد بات هذا التوجه يعرقل عمل الصحفيات والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، وليست سويسرا بمنأى عن هذه المشكلة. 

وقد سجّل الاتحاد وقوع 12 حالة من هذا النوع في سويسرا منذ عام 2010، العام الذي بدأت فيه تتبع هذا النوع من الدعاوى. وبالمقارنة، بلغ عدد الحالات في بولندا، وهي من الدول الأعلى تسجيلًا، 135 حالة، في حين لم تُسجّل أي حالة في دول مثل النرويج وليختنشتاين. ويُعدّ عدد القضايا المسجّلة في سويسرا بين عامي 2010 و2023، أقلّ من دول مجاورة مثل فرنسا (90)، وإيطاليا (62)، وألمانيا (14)، والنمسا (18). وتستند معظم هذه الدعاوى إلى قوانين التشهير الوطنيّة. وتُدرج قضية فالكامبي ضمن دعاوى الردع الاستراتيجي لأسباب عدّة، وفقًا لما توضحه فرانشيسكا بورغ كوستانزي، منسّقة التحالف، من بينها الأساليب العدائيّة التي استُخدمت، واستهداف كلّ من المنظّمة ومعدّ التقرير، مارك أوميل. 

وفي السياق السويسري، يُلاحظ تقرير الاتّحاد الأوروبي ضدّ دعاوى الردع الاستراتيجي أن “النظام القانوني في البلاد يُعد مواتيًا، نسبيًا، لدعاوى الردع الاستراتيجي”، إذ لا توجد حاليًّا آليات أو قوانين تتيح التعرّف السريع على هذا النوع من الدعاوى، أو رفضها بشكل عاجل بعد تصنيفها كدعوى ترهيبية. 

وشهد عام 2022 رقمًا قياسيًا في عدد هذه الدعاوى، إذ ارتفع عدد القضايا المدرجة في قاعدة بيانات الاتّحاد الأوروبي ضدّ دعاوى الردع الاستراتيجي، من 570 في 2022 إلى أكثر من 820 قضية في 2023، من بينها 161 دعوى رُفعت في عام 2022 وحده، مقابل 135 فقط في عام 2021. وحذََّرت أصوات صحفية ومدافعة عن حقوق الإنسان من تقويض هذا التوجه مكانة أوروبا، كمنارة للديمقراطية، وحرية الصحافة. 

محتويات خارجية
محتويات خارجية

وأظهر استقصاء أجرته هيئة الأعمال الخيريّة (HEKS) في عام 2022، شمل 11 منظمة، أنّ دعاوى الترهيب القانونية ضد تقارير ناقدة، صادرة عن منظّمات غير حكوميّة شهدت تزايدًا أيضًا في سويسرا. فبين عامي 2000 و2010، لم يُسجّل سوى تهديدين فقط باتخاذ إجراءات قانونية، بينما واجهت المنظّمات المشمولة في الاستقصاء 17 محاولة ترهيب قانونيّة منذ عام 2010. واستجابةً لهذا التصاعد، تأسّس “التحالف السويسري ضد الردع الاستراتيجي”، في صيف عام 2023. 

ورغم صعوبة تحديد السبب وراء تزايد هذا النوع من القضايا، فإنّ لدى كورين فيلا تفسير بسيط: “لأنها [الشركات والجهات النافذة] تستطيع!، ولا يوجد ما يردع هذا النوع من الدعاوى. فليس في القانون ما يُلزم المدَّعي بدفع تعويضات للمدَّعى عليه، إن تبيّن أن الدعوى كانت من هذا النوع”. 

دفاع فالكامبي

وفي الدفاع عن قضيتها، تؤكد شركة فالكامبي أنّ القضيّة لا تهدف إلى إسكات المنظّمة غير الحكوميّة، بل إلى تصحيح الوقائع. 

ففي سبتمبر 2023، أصدرت الشركة بيانًا انتقدت فيه تغطية وسائل الإعلام السويسرية قضية المصفاة، وأوضحت أنّها لجأت إلى القضاء لأنها تعتبر أن تقرير سويس إيد تضمّن 47 معلومة كاذبة، على حدِّ تعبيرها. وفي تصريح مكتوب قدّمه سيموني كنوبلوخ، المدير التنفيذيّ للعمليّات في الشركة، إلى سويس إنفو يوم الإثنين، قال: “لا ينبغي تصنيف القضية المرفوعة ضد سويس إيد كدعوى ردع استراتيجي”. 

وجاء في تصريح كنوبلوخ، أيضًا: ” نحن لا نسعى حتى للحصول على تعويض مالي، بل فقط نطالب بتوضيح أن سويس إيد، في هذه الحالة، تصرّفت بطريقة غير مهنية وغير سليمة، ونطالبها بالكفّ عن نشر الأكاذيب بشأننا… ولو كنا قد ارتكبنا أخطاء، لكنا اعترفنا بها علنًا، لاتّخذنا كلّ الإجراءات التصحيحيّة اللازمة فورًا”. 

وتُعرف مصفاة فالكامبي بانفتاحها الأكبر على المخاطر، مقارنة بمنافسيها في سويسرا. ففي أكتوبر 2023، انسحبت من الرابطة السويسرية لِمُصَنِّعي المعادن الثمينة وتجّارها، بسبب خلافات حول معايير التدقيق. وفي يناير 2025، عُلِّقت عضويّتها في “الجمعيّة السويسريّة لذهب أفضل” لستة أشهر. 

ومع ذلك، يؤكد سيموني كنوبلوخ أن “شهية المخاطرة في الشركة تكاد تكون صفرًا”، مشيرة إلى أنّ المصفاة، التي تبلغ طاقتها السنوية 1،600 طن من الذهب، غيّرت شركة التدقيق ثلاث مرات منذ عام 2020، حرصًا على الامتثال الكامل لجميع القواعد والمعايير ذات الصلة. 

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الوادي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية