مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شهادة حسن سيرة وسلوك لليبيا؟

منظمات حقوق الإنسان تحيي مساعي ليبيا لإعطاء صورة منفتحة عنها للمجتمع الدولي، لكنها تريد أن تترجم طرابلس أقوالها إلى أفعال Keystone

بعد تسوية ملف لوكربي وإعلانها التخلي عن برنامجها النووي، فتحت طرابلس مؤخرا أبوابها لمنظمة العفو الدولية التي لم تتمكن من زيارة ليبيا منذ زهاء 16 عاما.

الخطوة لقيت ترحيب المنظمة وجمعية “التضامن لحقوق الإنسان” الليبية في سويسرا، لكن كليهما لا يكتفي بوعود طرابلس بل ينتظر خطوات ملموسة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان الليبي.

تُواصل ليبيا مَساعي انفتاحها على العالم بعدما ظلت مُنطوية على نفسها لمدة فاقت العقدين. وتجلت بوادرُ التغيير في تسوية أثقل وأعقد الملفات التي جلبت لها عداء الولايات المتحدة أو أثارت انزعاج المجتمع الدولي.

وبدأت طرابلس مشوار المُصالحة بتقديم التعويضات لضحايا تفجير لوكربي ثم إعلانها التخلي عن برنامج تطوير أسلحة الدمار الشامل. وأعقب هذه الخطوات إبداء الاستعداد لإقامة شراكة جديدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفتح الأبواب بوجه منظمات حقوق الإنسان التي لم تستطع اختراق التراب الليبي منذ سنوات طويلة.

منظمة العفو الدولية كانت من أول المستفيدين من ليونة طرابلس، حيث تمكنت مؤخرا من زيارة ليبيا والتباحث مع أعلى السلطات حول أوضاع حقوق الإنسان في الجماهيرية، واستُقبلت من طرف العقيد معمر القذافي شخصيا عشية مغادرتها البلاد.

وفي ختام هذه الزيارة التي استغرقت أسبوعين، صرح وزير العدل الليبي يوم الإثنين 1 مارس الجاري “إن ليبيا مستعدة للتعاون ومواصلة الحوار، بكل شفافية، مع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان”.

القذافي يعد ببحث توصيات الوفد

السيدة سارة حمود التي كانت ضمن وفد منظمة العفو الدولية، رحبت في حديث لـ”سويس انفو” بهذا الانفتاح الليبي واعتبرت زيارة ليبيا – التي غابت عنها المنظمة منذ 16 عاما- حدثا إيجابيا جدا لأنه سمح لها بلقاء أطراف متعددة من المجتمع الليبي، من سلطات ورجال قضاء وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومنظمات خيرية.

وأوضحت السيدة حمود أن وفد منظمة العفو الدولية تباحث مع المسؤولين الليبيين حول الإصلاح القانوني والاعتقالات التعسفية و”المحاكمات التي تشكل خرقا للقانون الليبي والمعايير الدولية”. كما تمكن الوفد من إجراء لقاءات فردية ومطولة مع عدد من السجناء. لكن السيدة حمود أوضحت في تصريحاتها لـ”سويس انفو” أن الوفد لم يتمكن من لقاء كافة السجناء الذي طلب مقابلتهم ولم يحصل على أي تفسير لذلك من السلطات الليبية.

وعن لقاء وفد منظمة العفو الدولية مع الزعيم الليبي معمر القذافي، قالت السيدة سارة حمود إن قائد الجماهيرية أكد للوفد تقديره لتعليقات وتوصيات المنظمة. وطرح الوفد خلال مباحثاته مع العقيد القذافي مسألة “عقوبة الإعدام التي مازالت تُنفذ لمجازاة أنشطة عديدة لا تتعدى ممارسة الحق في حرية التعبير والتجمع”.

وأصر الوفد على مناقشة ملف الإخوان المسلمين الذين يُعتقل منهم في ليبيا أكثر من 150 شخصا منذ عام 1998 بموجب قانون تجريم الحزبية. وشددت السيدة حمود في حديثها مع “سويس انفو” أن هؤلاء “لم يُدانوا بأية أنشطة تتعلق باستخدام العنف أو الدعوة إليه”.

الوعود لم تعد تكفي

وعن قانون تجريم الحزبية وباقي القوانين التي تقيد الحريات العامة في ليبيا، قال السيد جمعة العمامي أمين جمعية “التضامن لحقوق الإنسان” الليبية في سويسرا: “نحن نطالب بألا تكون هذه القوانين موجودة أصلا في ليبيا”. وفي حديث مع “سويس انفو” أوضح السيد العمامي أن الحل لتغيير الأوضاع يكمن “ببساطة في إلغاء هذه القوانين.. لأنها تتعارض مع ما صادقت عليه ليبيا من قوانين ومعاهدات دولية”.

ورغم أن السلطات الليبية أبدت لوفد منظمة العفو الدولية استعدادها لبحث توصيات المنظمة وأكدت أن “التوجه نحو تعزيز الحماية لحقول الإنسان في ليبيا أمر لا رجعة فيه”، فإن المنظمة أكدت من ناحيتها أنها لا تكتفي بالوعود.

وفي هذا السياق تقول السيدة سارة حمود: “نحن نرحب بهذه الكلمات، لكن ندعو الآن السلطات الليبية إلى اتخاذ عدد من الخطوات الفورية لتغيير حقوق الإنسان بشكل ملموس”. ومن أبرز الخطوات الفورية المطلوبة الإفراج عن أشخاص اعتقلوا بسبب ممارستهم لأنشطة سلمية مثل الإخوان المسلمين، ودراسة إلغاء المحاكم الشعبية.

نفس الموقف عبر عنه السيد جمعة العمامي حيث قال: “نحن ننتظر من هذه الخطوة والوعود التي ذكرها المسؤولون الليبيون ألا تعود القضية الحقوقية لما كانت عليه في السابق”. وذكّر السيد العمامي بما حدث في عام 1988 فيما يُسمى بقضية “أصبح الصبح” عندما أصدرت السلطات الليبية عفوا عاما واعتقد الجميع أن القضية منتهية لكن، يقول السيد العمامي، “للأسف سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها”.

الحل الوحيد: “ممارسة الضغط”

كيف يمكن إذن لمنظمة العفو الدولية أو أي جهة حقوقية أخرى أن تحاسب ليبيا إذا ما لم تف بوعودها؟ في ردها على هذا السؤال، أوضحت السيدة سارة حمود أن منظمة العفو الدولية تعتزم مواصلة الضغط على ليبيا لاتخاذ خطوات ملموسة، وأنها ستستخدم لهذا الغرض المعايير الدولية والميثاق الدولي لحقوق الإنسان.

ويبدو أن “ممارسة الضغط” هو الحل الوحيد المتاح للمنظمات الحقوقية من أجل تغيير الأوضاع، حيث يقول السيد العمامي “ما لدينا هو ممارسة الضغط الحقوقي والقيام بحملات حتى يحدث الانفراج والإصلاح”.

ويرى أمين جمعية “التضامن لحقوق الإنسان” الليبية في سويسرا أن الإصلاح يبدأ باعتماد آليات تحفظ حقوق الإنسان والمكتسبات التي يتحصل عليها، وتضمن عدم الإفلات من القضاء. كما أعرب عن أمله في أن تفتح ليبيا الأبواب لآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من إِشارة السيدة سارة حمود والسيد جمعة العمامي إلى عدد من الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية، مثل الإفراج عن سجناء سياسيين في عامي 2001 و2001، إلا أن المتحدثين أكدا أن هذه الخطوات تظل محدودة.

وعما إذا كانت ليبيا – من خلال فتح أبوابها للمنظمات الحقوقية – تستخدم هذه الأخيرة في إطار عميلة تجميل صورتها في الخارج، قال السيد العمامي بوضوح “ليبيا تبحث الآن عن شهادة حسن سيرة وسلوك، ونحن كمنظمات حقوقية دولية أو ليبية لا نريد أن تُعطى لها هذه الشهادة إلا بأفعال”.

فهل ستتمكن طرابلس من انتزاع هذه الشهادة؟ نظريا يبدو الأمر ممكنا، لكن تطبيقيا لا يبدو أنها ستحصل عليها بسهولة..

إصلاح بخات – سويس انفو

من القوانين والممارسات التي تنتقدها منظمات حقوق الإنسان الليبية والدولية في ليبيا:
قانون تجريم الحزبية الذي يجرم تشكيل الأحزاب السياسية في ليبيا
عقوبة الإعدام لردع أنشطة تدخل في إطار حرية التعبير والتجمع
انتشار المحاكم الشعبية التي لا تمنح للمتهمين حق اختيار محامين بل تتولى هذه المحاكم تعيين محامين لهم
سجن أشخاص لمجرد قيامهم بأنشطة سلمية مثل المنتمين إلى “الإخوان المسلمين”
تأسست جمعية “التضامن لحقوق الإنسان” الليبية في سويسرا في ديسمبر من عام 2000 بجنيف
تتمثل الأهداف والنشاطات الحقوقية للجمعية في متابعة ما يجري في ليبيا ونشر ثقافة حقوق الإنسان بين الجالية في أوروبا وإيصال صوتها الحقوقي داخل ليبيا

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية