مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شهر من الحصار في مقر عرفات

كريستوف ديلمر الناشط السويسري من أجل السلام الذي قضى شهرا في مقر الرئيس عرفات برام الله swissinfo.ch

كريستوف ديلمر الناشط السويسري من أجل السلام الذي قضى أكثر من شهر في مقر الرئيس عرفات المحاصر من قبل القوات الإسرائيلية، قدم في جنيف شهادة عن الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال ووجه دعوة لوسائل الإعلام كي "لا تنخدع لآلة الدعاية الإسرائيلية".

يبلغ كريستوف ديلمر الرابعة والثلاثين من العمر، ويعمل في شركة لإرشاد وتوجيه الطائرات في مطار جنيف الدولي وهو يقدم نفسه على أنه من أنصار القضية الفلسطينية، ومن النشطاء الذين يتعاملون مع مجموعة من المنظمات الأهلية المناصرة للقضية الفلسطينية.

زار الأراضي الفلسطينية مرة اولى ما بين الثامن والعشرين من فبراير والفاتح مارس، وقال ان هذه الزيارة سمحت له “باكتشاف الواقع المعاش يوميا في الأراضي المحتلة”. أما المهمة الثانية، فكانت خلال الأحداث الأخيرة ولم تكن تهدف إلى الوصول إلى “المقاطعة” أي مقر الرئيس عرفات. لكن الأحداث هي التي غيرت مجرى ما كان مجرد زيارة لمشاركة الفلسطينيين احتفالهم بيوم الأرض.

نداء لحماية “المقاطعة”

كان فريق النشطاء الذي تمكن من الدخول إلى رام الله، ينوي التوجه إلى مستشفى المدينة لتقديم حماية للجرحى والمصابين لمنع وقوعهم بين أيدي القوات الإسرائيلية. وهذا ما تم بالفعل لما تمكن قسم منهم من اختراق حواجز الجيش الإسرائيلي، وسمح “بإنقاذ حياة البعض”. وقد تم الحفاظ على تواجد للنشطاء الدوليين من أجل السلام طوال فترة حصار رام الله.

لكن كريستوف ديلمر يتذكر نداء الاستغاثة الذي توصل به فريق النشطاء الدوليين الداعي إلى محاولة التوجه الى “المقاطعة”، أي مقر الرئيس عرفات المهدد من قبل القوات الإسرائيلية بالتدمير. يتذكر أيضا أن قرار التوجه إلى المقاطعة تم اتخاذه بدون مناقشة مطولة. ويستغرب كريستوف ديلمر من “السهولة التي تم بها اجتياز حواجز الجيش الإسرائيلي”، إذ كما قال “إن همّ الجنود الإسرائيليين هو الفلسطيني الذي يخرج في وقت منع التجول سواء كان مسنا او طفلا، فهم يطلقون النار بدون تردد عليه، ولكن عندما يجدون أنفسهم في مواجهة أوربي يرتدي قميصا أبيضا فهم لا يعرفون ما يفعلون”.

ويضيف “لقد حاول الجنود الإسرائيليون القيام بمناورات بالدبابات وتخويفنا ببنادقهم ولكن المجموعة كانت متراصة وواصلت تقدمها إلى أن دخلت مقر الرئيس عرفات”.

تكذيب الصورة الإسرائيلية

وعن الوضع داخل مقر الرئيس عرفات، يقول كريستوف ديلمر “لقد استقبلنا بحرارة لا يمكن تصورها، خصوصا أن المقاطعة كانت قبل يوم من ذلك تحت نيران القناصة وكان هناك شعور بالتحضير لهجوم ضد المقر”.

ويصف الناشط السويسري التجربة التي عاشها داخل مقر الرئيس عرفات بأنها”كانت صعبة للغاية” خصوصا فيما يتعلق بمنع الإسرائيليين وصول المواد الغذائية وقطع الماء. وحتى في الحالات التي قالت فيها إسرائيل أنها سمحت بوصول مواد غذائية يقول الناشط السويسري “أن ذلك كان مجرد دعاية إسرائيلية كاذبة، عندما قالت السلطات الإسرائيلية أنها سمحت بوصول مواد غذائية، فقد كانت موادا أرسلتها مصر ونقلت على متن سيارات إسرائيلية، وفي الحالة التي أعلنت فيها إسرائيل أمام عدسات الكاميرات أنها أعادت المياه للبناية كان ذلك لأقل من عشر دقائق مرت بعدها دبابة فأتلفت المجاري من جديد”.

وقد بقيت المجموعة المعتصمة داخل مقر الرئيس عرفات لمدة تسعة أيام بدون غذاء وماء. ولكن مع ذلك يصر ديلمر على التوضيح بأن ما عاشه يعد “ألطف مما عاشه الفلسطينيون في رام الله او في بيت لحم، وألطف بكثير مما عاشه سكان مخيم جنين وما قد يعرفه سكان غزة بعد أيام”.

حياة عرفات

الانطباع الذي عاد به الناشط السويسري كريستوف ديلمر عن الرئيس عرفات “أن له خصالا إنسانية. فهو زعيم سياسي وزعيم عسكري في آن واحد”. فقد كان يخص نشطاء السلام بلقاءات كل يومين لمناقشة الأوضاع الأمنية بالدرجة الأولى. وقد قضى معهم مرة أكثر من ساعة، على الرغم من كون الإجراءات الأمنية تتطلب منه تغيير المكان كل خمسة عشر دقيقة. فيما يتعلق بظروف النوم كان النشطاء يتناوبون على المراقد في القاعات المختلفة لضمان حماية البناية او ما تبقى منها تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

ولا يجرء الناشط السويسري على القول “أن نشطاء السلام أنقذوا حياة عرفات” لكنه يعترف بأن الفلسطينيين يعتقدون ذلك. وأن أوساطا دبلوماسية عديدة رددت بأنه بدون تواجد النشطاء الدوليين كان من الممكن تدمير المقاطعة او إلقاء القبض على الرئيس عرفات او قتله او نفيه”.

ويرى كريستوف ديلمر أن خروجه من المقاطعة في بداية هذا الأسبوع، وعلى خلاف ما تعرضت له مجموعات أخرى من النشطاء، لم تلاقيه صعوبات كبرى باستثناء عمليات التفتيش والتحقق من الهوية وتسجيل كل المعطيات الموجودة في جواز سفره. ويعتقد أن عودته مرة أخرى إلى هناك قد تكون صعبة.

تجربة ذات بعد اإنساني

يعتبر كريستوف ديلمر الذي عاش فترة حصار مقر الرئيس عرفات إلى جانب أربعين من نشطاء السلام واكثر من 300 فلسطيني من بينهم الرئيس عرفات، هذه التجربة بمثابة “اختبار او مغامرة إنسانية حقيقية، سمحت لنا بالتعرف عن قرب عما يعيشه الفلسطينيون منذ سنوات”، وهذا ما لا يمكن الوقوف عليه من خلال الزيارات العادية للأراضي الفلسطينية”.

ما عاد به كريستوف ديلمر أيضا عن الفلسطينيين الذين تقاسم معهم واقع الحصار لأكثر من شهر، والذين لا يوجد واحد منهم لم يقتل له قريب او يتعرض الى السجن او التعذيب، والذين عاينوا الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بالمباني والمنشآت والمعدات” انهم بدون استثناء يرددون استعدادهم لتحقيق السلام لو ينسحب الإسرائيليون”.

وفي تقييمه لهذه التجربة يرى ديلمر “أن تواجد النشطاء ليس وحده الذي أنقذ نواة السلطة الفلسطينية، فهو حتى وإن أوقف بداية الحملة، فقد سمح بالدرجة الأولى بتعبئة الرأي العام لممارسة ضغوط دولية وعربية على اسرائيل.

كما يرى أن تجند النشطاء سمح “بإعطاء صوت للقضية الفلسطينية” ومكن من توضيحها أكثر أمام الرأي العام الدولي نظرا لكون هذا الصوت، صوت مسموع أحسن مما هو الحال بالنسبة للأصوات الفلسطينية. وقد حذر الناشط السويسري وسائل الإعلام من عدم السقوط في “حبال الدعاية التي تقوم بها إسرائيل”.

محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية