مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أربع سنوات إضافية لأوباما من أجل تحويل الوعود إلى أفعال”

تكاد تجمع الصحف الصادرة الأربعاء على أن إعادة انتخاب باراك أوباما لأربع سنوات جديدة في البيت الأبيض قد رافقه نوع من التفاؤل بشأن الإنتعاش الإقتصادي في الفترة القادمة. Reuters

رحبت غالبية الصحف اليومية السويسرية بإعادة انتخاب باراك اوباما، لكنها أجمعت أيضا على صعوبة التحديات التي تنتظره في السنوات القادمة: الوضع الإقتصادي الصعب، وضرورة التعايش مع الجمهوريين، وهما عاملان سيحدان بلا شك من حرية تحرّك الرئيس المنتخب في فترته الثانية والأخيرة.

بالنسبة للعديد من الإفتتاحيات في الصحف الصادرة يوم الخميس 8 نوفمبر 2012 لم يعد باراك أوباما، الذي أعيد انتخابه يوم الثلاثاء الماضي رئيسا للولايات المتحدة لدورة ثانية،  يجسّد الحلم الذي كان يمثله قبل أربع سنوات، بل بات مجرّد مهندس لانتعاش اقتصادي محدود، ورمزا لبلاد تشهد تغيّرات عميقة ومتسارعة. والآن عليه أن “يبادر بالعمل إذا أراد أن يترك بصماته في التاريخ”.

والملفت في الأمر بالنسبة لصحيفة “كورييري ديل تيتشينو” الصادرة بجنوب سويسرا الناطق بالإيطالية هو هذا الطابع المُميز لنتيجة التصويت والمتمثّل في أن “إعادة انتخاب أوباما تم على خلفية أزمة اقتصادية وموجة بطالة كانت تدعو إلى توقع احتمال سقوطه”، وتذكّر صحيفة “جورنالي ديل بوبولو” الناطقة هي الأخرى بالإيطالية بأن “تحقيق الفوز بفترة رئاسية ثانية بالنسبة لباراك اوباما لم يكن سهلا” في ظل نسبة بطالة تناهز 7,9%، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث حيث “لم ينجح أيّ رئيس أمريكي منذ روزفلت في الوصول إلى البيت الأبيض أو تجديد انتخابه لفترة ثانية بنسبة بطالة تفوق 7,2%”.

“رئيس عادي” لمرحلة استثنائية

بالنسبة لصحيفة “لا ليبرتي”، الصادرة بفريبورغ، فقد “تمت إعادة انتخاب باراك أوباما بعد أن جُرّد مما كان يمثله من آمال وتطلعات”. ولكن “الرجل يظل كما عُرف منذ البداية.. لم يتغيّر”. وتتساءل الصحيفة في افتتاحيتها حول “قدرة أوباما على ترك بصمته على التاريخ” رغم يقينها بان الظّروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد “لا تترك مجالا فسيحا للأمل أو لحدوث معجزة”. مع ذلك يشير محرّر إفتتاحية هذه الصحيفة الناطقة بالفرنسية إلى أن أوباما يمتلك القدرة على “إعادة توحيد المجتمع الأمريكي الذي ظهر خلال الحملة الإنتخابية مجزّءًا، وغير متجانس أكثر فاكثر”.

على الصعيد نفسه، تلاحظ صحيفتا “لاكسبرس” و”لامبرسيال” الصادرتان بنوشاتيل بأن “الأمريكيين، باختيارهم لاوباما لدورة رئاسية ثانية، يكونون قد استشعروا عمق التغيّرات القادمة والتي لا مفرّ منها، وقد انحازوا بذلك لرؤية مخالفة لبلادهم وللعالم”، لكن الصحيفتيْن تذكّران بأنه “بعد انتهاء نشوة الإنتصار، سيجد الرئيس الأمريكي المنتخب نفسه امام تحديات جسيمة” خصوصا وأن “منافسيه الجمهوريين لا يزالون يملكون قدرة كبيرة على التعطيل”، ثم تضيفان أنه “لا أحد يعتقد بإمكانية حدوث معجزة”.

صحيفة “لوماتان” الصادرة بلوزان، والتي بقدر ما تلاحظ أن “الرجل الأسطورة الذي كان يجسّد الحلم الأمريكي، والذي نُظر إليه على انه مخلّص العالم، قد أصبح رئيسا  عاديا (تقريبا)”، ترى أيضا أن “على الرئيس المنتخب أن يعمل الآن بجد لتحويل وعوده إلى أفعال”.

على العكس من ذلك، تنظر صحيفة “لوتون” الصادرة بجنيف، بإيجابية اكبر لإعادة انتخاب أوباما، وترى أنه “استطاع أن يُقنع الأمريكيين بأن بلادهم تسير في الإتجاه الصحيح بعد أسوإ أزمة اقتصادية ومالية منذ ثلاثينات القرن الماضي”، بل ترى الصحيفة أن الأهمّ من ذلك هو أنه “انصت إلى أمريكا الجديدة التي تشهد تغييرات عميقة على المستويين الإجتماعي والديمغرافي”.

غير بعيد عن هذه النبرة المتفائلة، ولكن بحذر أكبر تعتقد “لاتريبون دي جنيف” أن الأمريكيين بمنحهم للرئيس أوباما فرصة ثانية “اختاروا طريق التقدّم، وغلّبوا التفاؤل، وروح التضامن”، وأرادوا – حسبما ورد في افتتاحيتها “منحه وقتا إضافيا لتحقيق الوعود التي أطلقها قبل أربع سنوات. مع اشتراط النجاح هذه المرة”.

إعادة اللحمة للمجتمع الأمريكي

التحديات المطروحة على الولايات المتحدة والتي تتطلّب حلولا عاجلة كثيرة ومتنوعة. ولعلّ من أوكدها مثلما ترى صحيفة “بليك” الشعبية الصادرة بالألمانية بمدينة زيورخ هو الوضع الإقتصادي الخطير الذي “يتهدده الشلل الكامل نتيجة ديون الدولة المتراكمة، وهو الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على الإقتصاد العالمي إن حدث”.

صحيفة “تاغس انتسايغر” الصادرة بزيورخ تذهب من ناحيتها إلى أن النظام الإقتصادي العالمي يمرّ حاليا بمرحلة حاسمة، ويفرز إمكانيات هائلة، ولكنه يعيش أيضا أزمة خانقة وأنه – والكلام موجّه هنا إلى الولايات المتحدة – “لا يمكن التغلّب على تلك الأزمة بزيادة طفيفة في تدخّل الدولة لصالح الفئات الفقيرة، أو بترفيع ضئيل في نسب الضريبة على الميسُورين، بل إن هذه التحديات تحتاج إلى مقاربات متعددة وإلى قدرة كبيرة من الولايات المتحدة لتأكيد زعامتها على الساحة الدولية من أجل بيئة عالمية جديدة”.

في الأثناء، لا ينتاب صحيفة “لا ليبرتي” أيّ شك في أن “تطوّر الوضع الإقتصادي سيحدّد مجال تحرّك الرئيس المنتخب وقدرته على تجاوز مشكلة الديون، وتضاؤل التأثير الأمريكي على الساحة الدولية، والعراقيل التي سيضعها أمامه الجمهوريون”.

في ظل هذه المعطيات، تخلص “كورييري ديل تيشينو” إلى أن “الطريق سيكون وعـرا” أمام أوباما في العهدة الثانية إلا أنه “من الضروري بالنسبة له التوصل إلى حل وسط مع أمريكا الأخرى التي لم تصوّت لفائدته والتي احتفظت بالسيطرة على مجلس النواب” للعامين القادمين على الأقل.

ومن أجل كسر الإستقطاب الثنائي في واشنطن، تقترح صحيفة “لوتون” على باراك اوباما خطوة كبادرة حسن نوايا تتمثل في “تعيين وزير في الحكومة الفدرالية من الحزب الجمهوري المنافس”. فقيمة المنصب الرئاسي بالنسبة لصحيفة “لاريجيوني ديل تيتشينو”، الصادرة بالإيطالية تكمن في أن “يقدّم باراك أوباما نفسه مرة أخرى باعتباره شخصية مُوحّدة” لكافة الأمريكيين رغم انقساماتهم واختلافاتهم.      

 رجل المرحلة

رغم الوعي العميق بصعوبة المرحلة، والنجاحات المحدودة التي حققها الرئيس الامريكي في الاربع سنوات الماضية، تظل صحيفة “تاغس انتسايغر” الصادرة بزيورخ مقتنعة بان باراك اوباما هو رجل المرحلة، لأنه “يجسّد التوافق بين السود والبيض، وبين افريقيا وإندونيسيا والولايات المتحدة، وهو ملتزم باتباع سياسة متعددة الاطراف. إنه أوّل رئيس امريكي يجسّد التعدد في تاريخ البلاد. وهو الرجل المناسب لقيادة هذه المرحلة المتصفة بتحوّلات عميقة”.

نفس التفاؤل وشحنة الامل تعبّر عنها صحيفة “24 ساعة” الصادرة بلوزان حيث تؤكد على ان “الوقت قد حان بالنسبة لاوباما لكي يدخل التاريخ من بابه الكبير”، خاصة على مستوى السياسة الخارجية “حيث ستكون يداه مطلوقتيْن بعد ان تحرّر من القيود الإنتخابية، وسوف يتخذ بعض الخطوات الجريئة لحلّ بعض الأزمات المستعصية على الساحة الدولية”.

وإذا استطاع اوباما انتهاز هذه الفرصة الثانية التي منحه إياها الشعب الامريكي، تؤكّد صحيفة “بليك” “فإنه سيخرج في نهاية هذه الاربع سنوات رجلا عظيما يذكره التاريخ”، وهذا ما يأمله كل العالم  على حد عبارة الصحيفة “لأن العالم يحتاج إلى أمريكا”.

أشارت دراسة نشرت يوم الأربعاء 7 نوفمبر 2012 إلى أن الأقليات بوجه خاص والشباب والنساء أسهمت في إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حين تشكل ناخبو ميت رومني من أغلبية ساحقة من البيض من غير ذوي الأصول الأمريكية اللاتينية. 

على المستوى الوطني، يمثل الناخبون غير البيض 28% من إجمالي الناخبين (مقابل 26% في عام 2008) وقد تحصل باراك أوباما على 80% من أصواتهم مثلما حصل قبل أربعة أعوام، مثلما ورد في دراسة أعدها معهد Pew حول الشعب والصحافة تم الإعتماد فيها على أرقام National election Pool وهي هيئة مشتركة تضم العديد من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة.

93% من السود صوتوا لفائدة المرشح الديمقراطي و71% من المتحدثين بالإسبانية و55% من النساء و60% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة و52% من الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 سنة. وعلى مستوى الناخبين المتحدثين بالإسبانية (أي من ذوي الأصول الأمريكية اللاتينية)، سبق للرئيس الأسبق بيل كلينتون أن حقق نتيجة أفضل حيث حصد 72% من أصواتهم في عام 1996.

على الضفة المقابلة، صوت 52% من الرجال لفائدة المرشح الجمهوري ميت رومني و59% من البيض و51% من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 45 و64 عاما و56% من الذين تفوق أعمارهم 65 عاما. من جهة أخرى، حاز ميت رومني على 89% من أصوات البيض من غير ذوي الأصول الأمريكية اللاتينية.

تلاحظ الدراسة أن النتيجة التي حققها رومني على مستوى الناخبين البيض كانت أفضل مما أنجزه جون ماك كين قبل أربع سنوات إلا أنه خسر الإنتخابات أيضا، وهو ما يؤشر للتغيير الديمغرافي الذي تشهده الولايات المتحدة.

يبلغ عدد الأمريكيين من ذوي الأصول اللاتينية (أي المتحدثين بالإسبانية) 50 مليون شخص ويمثلون 10% من الناخبين الأمريكيين ويُشكلون الأقلية الأولى من الناحية العددية في البلاد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية