مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صعودٌ سياسي مُلـفت لسويسري من أصل هـايتي

تحدثت وسائل الإعلام كثيرا عن ظاهرة أسماتها بـ"باراكومانيا" (نسبة إلى المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية باراك أوباما الأمريكي) في وصفها للصعود السياسي المذهل لكارل-أليكس ريدوري في سويسرا Keystone

يوم 22 يونيو الجاري، انتـُخب كارل-أليكس ريدوري محافظا لمقاطعة "لاسارين" في كانتون فريبورغ. ويُعتبر هذا المحامي البالغ من العمر 36 عاما أول اشتراكي يحتل هذا المعقل الديمقراطي المسيحي، وأيضا أول أسود يصل إلى هذا المنصب في سويسرا، وإن لم يكن لون بشرته "مُبررا" في حملته الانتخابية.

سويس انفو التقت بهذا الحاكم الشاب الذي اجتذب الأنظار منذ دخوله الساحة السياسية في عام 2001، والذي لقبته وسائل الإعلام مؤخرا رغما عنه بـ”أوباما السويسري”.

في غرة سبتمبر القادم، سيحل إذن كارل-أليكس ريدوري محل الديمقراطي المسيحي نيكولا دايس، أخ الوزير الفدرالي السابق جوزيف دايس، على رأس محافظة “لاسارين” التي تحمل اسم النهر الذي يفصل المناطق المتحدثة بالفرنسية والأخرى الناطقة بالألمانية في سويسرا؛ ويعد هذا المنصب بارزا في هذه المقاطعة التي يلعب فيها المحافظ (الذي يُنتخب بالاقتراع السري المباشر) دور الذراع الأمني للحكومة المحلية والثقل السياسي الموازي لها.

هذا المحامي المنحدر من أصل هايتي والحامل لإسـم رنـّان (وهو أيضا يـُغني ضمن مجموعة مُرنميـن) يتميز بطابع محافظ ومعتدل وسلس تقريبا. فهو يزن كل كلمة ينطق بها، لكنه فرض نفسه بقوة مُدهشة منذ دخوله عالم السياسة عام 2001.

سويس انفو: لا تحبـُّون أن يُستخدم وصف “باراك أوباما فريبورغ” لدى الحديث عنكم. والمرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة لا يجعل من لون بشرته موضوعا رئيسيا في حملته الانتخابية، لكن لا يمكنكم أن تنكروا أن انتصاركم هو أيضا نصر للتعددية الثقافية؟

كارل-أليكس ريدوري: المسألة لا تتعلق بعدم تحبيذي الحديث عن ذلك، بل بتوضيح أن لون البشرة لم يكن أبدا مبررا في حملتي الإنتخابية. أنا أتفق تماما مع أوباما، لكنني لا أعتبر نفسي كحامل راية قضية يجب الدفاع عنها.

لقد مارست أنشطة مختلفة جدا (الكشافة والغناء والرياضة…)، وكل هذا أدى بصورة طبيعية إلى التـزام سياسي. أنا أحب التواصل مع الناس لأن الكائن البشري يستهويني وهو القوة الدافعة لحياتي. كما أنني أحب هذه المنطقة، والقضايا الهامة بالنسبة لي هنا هي: وضعية كبار السن، والنقل العمومي، وإعداد التراب واستخدام الأراضي، وإنشاء تكتل فريبورغ، وما إلى ذلك.

لكن الوصف في حد ذاته متعة بطبعية الحال، لأنه طريقة لإدخال الجانب المتعدد الثقافات في وضع طبيعي نوعا ما، وبالتالي في مكانه الصحيح. والسؤال الذي أطرحه على نفسي هو معرفة ما إذا كان الناس يقولون هناك على الدوام أن أوباما هو ريدوري الولايات المتحدة! (ابتسامة)

سويس انفو: لقد هزمتم بالضربة القاضية الحزب الديمقراطي المسيحي بعد ما انتزعتم منه سابع وآخر مقاطعة كانت له في الكانتون. أليس هذا بحدث تاريخي”

كارل-أليكس ريدوري: لن أبالغ في الوصف، لكن العديد من المحللين أشاروا بالفعل إلى تآكل بطيء لإمبراطورية الحزب الديمقراطي المسيحي منذ عقد الستينات. لقد التزمت بأن أكون فاعلا سياسيا وليس مراقبا لذلك الحزب، لكنه صحيح أن هذا الحزب، بشكل عام، ربما أبطأ كثيرا في إعداد الجيل البديل لشغل مختلف المناصب المتاحة في الكانتون، وخاصة في مقاطعة “لاسارين”.

سويس انفو: لماذا يحظى المحافظ بهذه الأهمية السياسية الكبيرة في فريبورغ؟

كارل-أليكس ريدوري: إنه نوع من “سانت نيكولا” (القائد الأسطوري لفريبورغ) بالنسبة للبلديات: فهو يقوم بدور المـُصالح، ولكن يجب عليه أيضا القيام بمهمة الفصل في الأمور والإرشاد.

ويحظى المحافظ هنا بأهمية خاصة مقارنـة مع الكانتونات الأخرى، ويعتبر منصب محافظ “لاسارين” أكثر أهمية بما أن هذه المقاطعة (التي تعتبر قلب مدينة فريبورغ) تأوي ثلث مجموع سكان كانتون فريبـورغ ولأن فريبورغ هي عاصمة الكانتون.

كما يملي هذا المنصب على صاحبه أن يكون المروج للمنطقة وللتعاون بين البلديات والضامن للنظام العام. ويتولى أيضا مهام قضائية في المجال العدلي ويمثل سلطة الاستئناف بالنسبة لجميع أنواع القرارات التي أعفيكم من سماعها!

سويس انفو: في عام 2006، تولى الحزب الاشتراكي إدارة مقاطعتي فريبورغ (المدينة) وفيلار سور غلان. كما حقق نتائج جيدة في الانتخابات الفدرالية في العام الموالي. هل يعني ذلك أن فريبورغ تتحول سياسيا إلى اليسار؟

كارل-أليكس ريدوري: نعم، فمنذ عدة سنوات، لاحظت تقدم اليسار في عمليات الاقتراع المتتالية لأنه يستجيب بكشل أفضل لانشغالات الناس. وكان يُقال بصفة عامة إن مقاطعة لاسارين تصوت لليسار لكنها تنتخب اليمين، غير أن انتخابي يظهر أن السكان بدؤوا ينتخبون اليسار أيضا.

لقد شهدت هذه المدينة نموا حضريا كبيرا، على غرار مناطق أخرى في سويسرا. وخارج ما يُـسمى بفريبورغ الكبيرة (المدينة والبلديات المجاورة لها)، تشهد البلديات الريفية زيادة في عدد سكانها الذين يذهبون للعمل في المدينة والذين يميلون بالتالي إلى قدر أكبر من التجانس مع باقي أنحاء الكانتون.

سويس انفو: هل لديكم اتصالات مع هايتي، بلدكم الأصلي؟

كارل-أليكس ريدوري: لقد حرص والداي على أن تكون تربيتنا، أختي وأنا، قائمة على الثقافتين. وبالتالي احتفظت من خلالها منذ صغري بعلاقة حنونة إزاء هذا البلد. لقد أتيحت لي فرصة الذهاب إلى هناك أربع مرات. وكنت أفكر في مرحلة من حياتي في الاستقرار هناك لبعض الوقت. ولا يزال هذا الاحتمال قائما، ربما في غضون السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، فهذه إمكانية لا أستطيع استبعادها.

سويس انفو: في الختام، هل لديكم عيب واحد على الأقل؟

كارل-أليكس ريدوري: أنا ربما متطلب أكثر من اللازم مع أقربائي…

سويس انفو: …وبالتالي مع نفسك أيضا؟

كارل-أليكس ريدوري: ربما… (ابتسامة)

سويس انفو – إيزابيل أيشـنبيرغير

(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)

وُلد كارل-أليكس ريدوري عام 1972 في كانتون فريبورغ السويسري من والدين من أصل هايتي. حصل على الجنسية السويسرية في سن 16 وهو حاصل على دكتوراه في الحقوق، وتزوج العام الماضي من رفيقته.
بعد انتخابه كنائب اشتراكي في عام 2001 ضمن السلطة التشريعية لبلديته “فيلار سور غلان”، دخل البرلمان الكانتوني في عام 2006. وخلال الانتخابات الفدرالية لعام 2007، كاد يصبح أول نائب أسود في البرلمان الفدرالي السويسري. ويترأس ريدوري الحزب الاشتراكي في مقاطعة “لاسارين”.
يوم 22 يونيو 2008، انتُخب محافظا لـ”لاسارين” لخلافة نائب الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين)، نيكولا دايس الذي استقال من منصبه.
وحصل في الجولة الثانية 59,66% من الأصوات مقابل 40,34% لهوبير دافلون من الحزب الديمقراطي المسيحي. وكان الدور الأول من تلك الانتخابات قد شهد إقصاء الراديكالي (يمين ليبرالي) دوني بوافان.

تتوفر معظم الكانتونات الروماندية (أي المتحدثة بالفرنسية) وبرن بعض الكانتونات الأخرى الناطقة بالألمانية على محافظات تشبه في عملها النموذج الفرنسي. وتقوم هذه الأقسام الإدارية على هياكل مختلفة جدا حسب الكانتونات.

ويمثل المُحافظ (أو الحاكم) حكومة الكانتون في مقاطعته، ويراقب البلديات التابعة لها على المستوى الإداري كما يقوم بدور سلطة الشرطة في مجال النظام والأمن.

ينتخب المحافظون من قبل البرلمان الكانوني، باستثناء كانتون فريبورغ حيث يُنتخبون لمدة خمس سنوات من طرف الجمعية الانتخابية للمقاطعات السبع بنظام الأغلبية. ويُوزعون تراخيص البناء كما يقومون بدور سلطة الاستئناف الجنائي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية