مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طهران تشن “هجوما وديا” على المغرب العربي

وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى يرحب بنظيره الإيراني منوشهر متكي في مطار الرباط يوم 5 فبراير 2007 AFP

كثفت إيران علاقاتها مع البلدان المغاربية في الفترة الأخيرة في حركة تعكس السعي للالتفاف على حساسية دول الجوار للروابط الظاهرة والخفية بين طوائفها الشيعية وطهران.

وعلى الرغم من بعض الضيق الأمريكي من هذا التطور، تؤشر زيارات المسؤولين الإيرانيين المتتالية إلى كل من الجزائر وليبيا وتونس والمغرب الأقصى، على مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين.

استضاف المركز الثقافي الإيراني في تونس يوم السبت 30 يونيو، ندوة فكرية أدارها شقيق مرشد الثورة الإيرانية آية الله محمد خامنئي، رئيس مؤسسة “الحكومة الإسلامية للمُلا صدرا” في طهران، والتي تحمل اسم الفيلسوف الإيراني صدرا (صاحب نظرية الفلسفة المتعالية، والذي يعتبره الإيرانيون أحد أكبر الفلاسفة المسلمين بعد ابن رشد).

تأتي الندوة، التي دُعي كثير من الجامعيين والمثقفين التونسيين لحضورها، بعد أيام من زيارة أداها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي للجزائر، في خطوة تعكس تكثيف التنسيق بين العاصمتين في الملفات الدولية، وبخاصة الخلاف الغربي – الإيراني بشأن الملف النووي.

وقبل أن يغادر متّـكي الجزائر، بدأ الأزهر بوعوني، وزير التعليم العالي التونسي زيارة رسمية لطهران، اجتمع خلالها مع برويز داوودي، النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية ووقّـع في ختامها مع نظيره محمد مهدي زاهدي، وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني يوم 27 يونيو على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التعليم العالي، وخاصة تبادل المدرّسين الجامعيين والباحثين بين الجامعات التونسية وجامعات طهران وأمير كبير وأصفهان.

إزالة العراقيل مع طرابلس

وأتت هذه التطورات في العلاقات التونسية والجزائرية مع إيران، في أعقاب زيارة “تاريخية” أدّاها رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي إلى طهران يومي 19 و20 الشهر الماضي، في أكبر خطوة للمصالحة بين البلدين بعد الأزمة الحادّة، التي عصفت بالعلاقات الثنائية منذ ثلاثة عقود في أعقاب اتهام إيران لليبيا بالوقوف وراء اختفاء زعيم “حركة المحرومين” في لبنان، الإمام الشيعي موسى الصدر.

ويُعتبر الصدر، الذي كان يحتلّ مرتبة رفيعة المستوى بين رجال الدين الشيعة في إيران، الأب الروحي لكل من حركة “أمل”، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري و”حزب الله”، بزعامة الشيخ حسن نصر الله، الذي انبثق منها.

واختفى الصدر ومعاونه في أعقاب زيارة لليبيا، إلا أن الليبيين يؤكدون أنه غادر إلى روما. ويمكن القول أن الترحيب الذي لقيه المحمودي في طهران، وخاصة خلال اجتماعه مع الرئيس محمود أحمدي نجاد، كرس فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، وأكّـد نجاد أن التعاون بين ليبيا وإيران والبلدان الإسلامية عامة، سيحبط مؤامرات الأعداء (المشتركين)، الذين يسعون لتغطية نقاط ضعفهم بإثارة الخلافات والفِـتن بين المسلمين”، في إشارة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة.

وكان لافتا أن المحمودي أعلن في ختام الزيارة عن تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، مما بَـرهن على نقلة في العلاقات بين البلدين.

وأفاد مصدر مُـطّـلع على المحادثات، أن رئيس الوزراء الليبي درس مع النائب الأول للرئيس الإيراني برويز داودي، موضوع التوظيف المشترك للاستثمارات الاقتصادية والتجارية والمالية، واستفادة ليبيا من الخبراء والعلماء الإيرانيين، بالإضافة لملف حسّـاس، هو مستقبل العلاقات بين الشيعة والسُـنة في ضوء المآسي الجارية في العراق.

وأكد المصدر لسويس أنفو، حصول توافق بين الجانبين على هذه الملفات، وبخاصة “ضرورة توحيد المسلمين”، على حد تعبيره، وأوضح أنهما اتفقا على تشكيل فريق عمل لإزالة العراقيل التي عطلت تنفيذ الاتفاقات المشتركة حتى الآن.

وفي هذا السياق، توقف المراقبون عند دلالات التصريح الذي أدلى به المحمودي قبل مغادرة طهران، والذي شدد فيه على أنه “بإمكان إيران وليبيا إنجاز أعمال كبيرة على صعيد العالم الإسلامي”، مُؤكدا أنه “حان الوقت للتنسيق بين طهران وطرابلس بشأن التطورات الراهنة في الشرق الأوسط، وخاصة العراق وفلسطين ولبنان”، ما اعتُـبر مؤشرا على قيام مِـحور جديد، لم تتوضح بعدُ أهدافه وآليات عمله.

“هجوم الصداقة” على المغرب العربي

لم يكن هذا التطور اللافت مع ليبيا خارجا عن الرؤية الإيرانية للعلاقات مع العالم العربي، منذ وفاة زعيم الثورة الإيرانية الإمام الخميني ومجيء الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى سدّة الرئاسة، وأدرك الإيرانيون أن وجود طوائف شيعية متفاوتة الحجم في دول الجوار العربي، وخاصة في العراق والسعودية والخليج، سيُسمِّـم علاقاتهم مع تلك الدول ويُعقِّـدها، فاختاروا التركيز على المغرب العربي، حيث يستعيدون دائما تاريخ الدولة الفاطمية، التي انتقلت من مدينة المهدية التونسية قبل أكثر من ألف سنة إلى مصر على أيام المعز الدين الله الفاطمي، الذي أسس القاهرة.

لكن الاحتكاكات بين الحكومات المغاربية ومعارضيها الإسلاميين في موفى الثمانينات ومطلع التسعينات، أدت إلى توتير العلاقات مع طهران وانتهى التدهور إلى قطع العلاقات مع كل من تونس والجزائر، قبل استئنافها في فترة لاحقة.

ومن علامات المرحلة الجديدة في العلاقات المغاربية – الإيرانية، أن اللِّـجان المشتركة، التي يرأس اجتماعاتها عادة وزير الخارجية الإيراني ونظراؤه المغاربيون، تعقد الدورات في مواعيدها السنوية وتتوصل إلى اتفاقات مهمة، ترمي لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية والسياحية.

ومن هذه الزاوية، لوحظ تحسّـن كبير في مستوى المبادلات التجارية، وكذلك في حجم السياح المغاربيين، الذين يزورون إيران. ودشّـنت شركة الطيران الخاصة التونسية “الطيران الجديد” في شهر مايو الماضي، رحلات مباشرة بين مطاري طهران ومنتجع المنستير السياحي.

وأفادت مصادر في الشركة التونسية، أن الرحلات المباشرة إلى طهران، كانت ترمي لنقل سياح إيرانيين إلى تونس بمناسبة أعياد النوروز، لكنها تدرس تسيير رحلات دائمة بين البلدين في فصول السنة الأخرى.

كما أعلن في الجزائر أخيرا، عن بدء تسويق سيارات “خودرو سامند” الإيرانية بكميات تجارية، وتتولى شركة “فاموفال” التجارية، بيع هذه السيارات المقتبسة من السيارة الفرنسية بيجو 405 بسعر 840 ألف دينار (نحو 8700 يورو)، ولوحظ أنها لاقت إقبالا لدى أصحاب سيارات التاكسي، لأنها متوافرة في طِـراز يشتغل بالغاز الطبيعي الذي تنتجه الجزائر بكميات كبيرة.

وأفاد مسؤولون في “فاموفال” أنها تعتزم قريبا استيراد طراز آخر من السيارات الإيرانية، هو “سايبا”، المقتبس من طرازات قديمة لسيارتي “كيا” و”مازدا”.

وفي سياق متصل، توصلت تونس وطهران أخيرا إلى اتفاق تفضيلي لتعزيز المبادلات التجارية بينهما، بمناسبة زيارة رسمية أدّاها وزير التجارة منذر الزنايدي إلى طهران، وكان وفد من رجال الأعمال التونسيين، قاده الوزير السابق الصادق بن جمعة بصفته رئيس نادي المصدرين المتفرع من اتحاد الصناعيين والتجار، زار إيران في الربيع الماضي وناقش مع المسؤولين هناك آفاق تنشيط المبادلات التجارية بين البلدين.

وقال بن جمعة لسويس أنفو، إن حجم المبادلات الثنائية لا يتجاوز حاليا 70 مليون دينار (60 مليون دولار)، إلا أنه أكد أن الجانبين يعتزمان زيادتها إلى 100 مليون دينار (85 مليون دولار) في الفترة المقبلة. وفي الإطار نفسه، أقيم الأسبوع الثقافي الإيراني في تونس في أواخر شهر مايو الماضي، بإشراف مساعد نائب الرئيس الإيراني حسين جعفري ووزير السياحة التونسي التيجاني الحداد.

جسر بين النخب؟

وأتت إقامة الأسبوع، الذي سيتلوه قريبا أسبوع تونسي مماثل في إيران، بعد شهرين من افتتاح مركز ثقافي إيراني في حي “المنار” الراقي، القريب من وسط العاصمة تونس، وهو الأول من نوعه في البلد منذ إقامة علاقات دبلوماسية بين تونس وطهران.

وتزامن افتتاح المركز مع انطلاق تدريس اللغة الفارسية في تونس، بإشراف القسم الثقافي في السفارة الإيرانية، وقال مدير المركز الدكتور سيد حسين عصمتي بايكي لسويس أنفو، “إن المركز سيكون جِـسرا قويا بين النخب التونسية والإيرانية، من خلال ندوات ثقافية ومحاضرات ومعارض فنية، بالإضافة لإيصال الكتاب الإيراني إلى تونس”، لكن اللافت، أن هذا التقارب أدّى إلى موافقة السلطات التونسية على منح إجازة عمل لـ “جمعية آل البيت”، ذات النزعة الشيعية، التي يقودها مواطن منحدر من مدينة قابس الجنوبية، مما دل على تسامح غير معهود مع التنظيمات التي ترتدي طابعا دينيا.

ولوحظ أن رئيس الجمعية أصدر بيانا قويا ضد “حركة النهضة” الإسلامية المعارضة، على إثر انتقادها رفض طهران منح تأشيرة لرئيسها الشيخ راشد الغنوشي للمشاركة في مؤتمر إسلامي، وتحدثت مصادر مطّـلعة عن تزايد انتشار ظاهرة التشيّـع في مدن تونسية عدة، وبخاصة بعض ضواحي العاصمة تونس، وهي ظاهرة سُجلت أيضا في عدد محدود من المدن الجزائرية، طبقا لما أوردته صحف جزائرية.

وعلى رغم القلق الذي أبدته الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لتونس في ملف مكافحة الإرهاب، من تعزيز العلاقات التونسية – الإيرانية، انتقل التونسيون أخيرا إلى مرحلة أكثر تقدما عندما توصلوا مطلع العام الجاري إلى اتفاق تفضيلي مع طهران، يرمي إلى تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين، وأتى الاتفاق تتويجا لزيارات متبادلة بين وزيري التجارة، وكذلك وفود من رجال الأعمال التونسيين والإيرانيين.

قُصارى القول، أن تكثيف زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى كل من الجزائر وليبيا وتونس والمغرب الأقصى، يدل على مرحلة جديدة في العلاقات عزّزتها عشرات الاتفاقات المشتركة، التي تم التوصل إليها في الفترة الأخيرة.

وعدا موريتانيا، التي ظلت العلاقات معها مقطوعة منذ إقدام الرئيس المخلوع معاوية ولد طايع على السماح بفتح سفارة إسرائيلية في بلده، أظهرت العواصم المغاربية حماسة لتطوير العلاقات مع طهران، على رغم البرم الأمريكي الواضح من تنامي التعاون مع بلد تضعه واشنطن في خانة الدول المارقة.

ويُؤشر التجاهل المغاربي للضيق الأمريكي، على أن العلاقات مع إيران مُرشحة لمزيد من التطور، على رغم الحذر الرسمي غير المعلن من الانعكاسات الممكنة على صعيد نشر المذهب الشيعي في منطقة تتّـسم بانسجامها وتجانسها لكونها ظلت تاريخيا سُـنية على مذهب الإمام مالك بن أنس.

تونس – رشيد خشانة

أدى الأزهر بوعوني، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا، زيارة رسمية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية من 24 إلى 27 يونيو 2007، بدعوة من نظيره السيد محمد مهدي زاهدي، وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني.

وقد استُـقبل السيد الأزهر بوعوني من قبل السيد برويز داوودى، النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث أكد الجانبان على عمق العلاقات التاريخية التونسية الإيرانية ومدى التطور الذي تشهده، تجسيدا للإرادة السياسية المشتركة لرئيسي البلدين.

كما أعربا عن الحرص على مزيد تعزيز العلاقات الثنائية، لتشمل جميع الميادين، بما في ذلك التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا، ومن جهة أخرى، عقد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا جلسة عمل مع نظيره الإيراني، تم خلالها استعراض الإمكانيات المتوفرة في كل من تونس وإيران وفرص التعاون المتاحة في مختلف ميادين التعليم العالي والبحث العلمي الجامعي ومجالات التكنولوجيا، وخاصة من خلال إبرام اتفاقيات شراكة بين الهياكل المختصة وربط علاقات تعاون بين البلدين وتبادل زيارات علمية لفائدة الأساتذة والباحثين والطلبة والمشاركة في شتى التظاهرات العلمية.

وتم بالمناسبة التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التعليم العالي. وفي الإطار نفسه، أدى السيد الأزهر بوعوني زيارات ميدانية إلى كل من جامعة طهران وجامعة أمير كبير وجامعة أصفهان، حيث اطّـلع على النشاط الجامعي والعلمي والبحثي بهذه المؤسسات، وما توفره من إمكانيات واختصاصات للطلبة والباحثين. وتمّ التأكيد على أهمية ربط الصلة بينها وبين مثيلاتها في تونس، بما يمكن من إرساء تعاون مثمر بين البلدين في مجال التعليم العالي.

وانعقد بمناسبة هذه الزيارة، الاجتماع الأول للجنة الفنية المشتركة للتعاون في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا على مستوى الخبراء، وذلك في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم المُـبرمة بين البلدين في طهران يوم 19 فبراير 2006.

وتباحث الجانبان في فرص التعاون المتاحة في الميادين ذات الصلة، ولاسيما من خلال ربط علاقات تعاون بين المراكز البحثية والتكنولوجية، وتبادل زيارات الخبراء والباحثين، والعمل على ضبط مجالات تعاون تكتسي أهمية مشتركة لدى الجانبين، وجرى الاتفاق على التئام الدورة الثانية لهذه اللجنة الفنية المشتركة بتونس.

(المصدر: وكالة أنباء تونس افريقيا للأنباء الرسمية بتاريخ 28 يونيو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية