مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ظاهرة الإستثمار في الأراضي الزراعية والمياه تتنامى.. بسرعة!

مزارع ديل مونتي لإنتاج البطيخ الأصفر (الشمام) في سييرا دي لاس ميناس في غواتيمالا. ويتم تصدير أغلَب المحصول إلى الولايات المتحدة Thomas Kern

في تَظاهُـرةٍ شهِـدتها مدينة جنيف مؤخَّـراً، قام العديد من المُحتَجّـين بانتقاد ظاهرة التَّـنامي السريع للإستثمار في قطاع الزراعة.

ومن وجهة نَظَر هؤلاء، يُهدِّد هذا الصنف من الإستثمارات بحدوث عواقب وخيمة، كما يُشكِّـل تهديداً للأمن الغذائي في العديد من الدول النامية.

وكان المؤتمَر الثاني لِمؤسسة “جيتفين أغرو” Jetfin AGRO ، الخاصة بالرّاغبين في استثمار أموالهم في الأراضي الزراعية والمياه، قد عُـقد يوم الثلاثاء 7 يونيو 2011 في المدينة الناطقة بالفرنسية، الواقعة على بحيرة ليمان غرب سويسرا.

وقد أُنْشِئت هذه المؤسسة، العُضوة في رابطة إدارة الإستثمارات البديلة، في عام 2002 لِـغَرَض تقديم الخدمات الإستشارية للمُستَثمرين من جميع أنحاء العالم، وهي تقوم بِتَنظيم فعالياتٍ خاصة بِصناديق المعاشات والمكاتب العائلية والأوقاف والمصارف الخاصة ومديري الثروات الخاصة المُستَقِـلّة، لِمُساعدتهم في اختيار استثماراتهم. كما تقدِّم المَـشورة حول إستراتيجيات الإستثمار في الإستثمارات البديلة و الأسواق الناشِئة والسِّـلَع الأساسية، والطاقة والبيئة.

وتظاهَـر العديدُ من الناشطين المُنَتمين إلى نحو 25 نقابة ومُنظمة سويسرية غيْـر حكومية خارج فندق “كمبينسكي”، ذي الخمسة نجوم، الذي عُقِـد فيه الإجتماع ضد التوجُّـه المُتزايد للإستثمار في الأراضي الزراعية والمياه في الدول النامية. ومن وِجهة نظرهم، فإن هذه الإستثمارات تُهدِّد حقوق السكان المَحليين في الغذاء والمياه، كما أنَّها تُـشجَّع عمليات المُضاربة.

ومن الملاحظ أنَّ الظاهرة العالمية لاقتناء الأراضي الزراعية، آخذة بالتوسع أكثر فأكثر، في الوقت الذي تُـحاول فيه الدول تَنظيم هذه القضية المُثيرة للجدل ووَضْع مبادئ تَوجيهية للتعامل معها.

من ناحيتها، قالت مارغو برونيار، المسؤولة عن تنسيق تحالف المُحتجّين: “علينا أن نتفاعل ضدّ هذه الظاهرة الجديدة، إذْ لا يَصِحّ أن تستثمر صناديق التقاعد بِكثافة في مَشاريع، سيَتَّمُ الترويج لها من خِلال هذا المؤتمر”.

وكما تقول إيستير فولف، خبيرة التنمية في منظمة “الخبز للجميع” غيْـر الحكومية، فإنَّ حقيقة أن هذا الاجتماع، هو الثالث من نوعه في مدينة جنيف في غُضون عامٍ واحد، مع اجتماع آخر مُقرر في شهر سبتمبر القادم، تُشير إلى الاهتمام المُتزايد من قِبَل المُستَثمرين وإلى الدور الرئيسي الذي تلعبه مدينة جنيف في هذا المجال. وكما قالت لـ  swissinfo.ch: “بدأت جنيف تصبح مركزَ جذبٍ لِمِثل هذه الاستثمارات”.

وكانت مدينة زيورخ قد شَهِدَت اجتماعا مُماثلاً لهذه المؤسسة يوم الخميس 9 يونيو في فندق “دولدير غراند” ذي الخمسة نجوم أيضاً.

“ضوء ساطع”

وضمَّ اجتماع مؤسسة AGRO jetfin جَمعاً من المُستثمرين ومديري الأصول والصناديق المالية والمُختَصين بالسِّـلع من مُختلف أنحاء العالم، لِدراسة الاستثمار والمخاطر في مجالات السِّـلع الخفيفة والزراعة والكربون. كما نوقِشَت خلال المؤتمر، إستراتيجيات زراعية، وُصفت بكونها “الضوء الساطع لِعالَم الاستثمار اليوم”.

وشَمِلت المواضيع المطروحة كذلك، بناء مَحافظ لأسهم المُـتاجرة في الزراعة وعقود التحوّط للاستثمارات الزراعية والسِلَع الزراعية ووِجهات استثمارية مُعَيَّـنة، كالهند وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، فضلاً عن مناقشة إستراتيجيات للاستثمار في الخشب والماء.

وقد أدَّى القلق الناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكلٍ سريع، مرّتيْـن خلال السنوات الأربع الماضية، إلى مواصلة دولٍ من الشرق الأوسط (كالمملكة العربية السعودية وقطر) والصين وكوريا الجنوبية وغيرها، من الدول التي ساورها القلق إزاء إطعام شعوبها بالاستثمار بِكثافة في الأراضي الزراعية لدولٍ أخرى، ولا سيما في إفريقيا. كما دفعت الأزمة المالية الأخيرة، موجةً ثانية من مُستَثمري القِـطاع الخاص، إلى تنويع استثماراتهم، لتَشْمَل القطاع الزراعي.

وفي تعليقه على هذا الموضوع، قال فيليب ستسوكولتسي – سيلّابا، مدير الأصول في جنيف ومؤسس شركة “ماي غلوبال أدفايسر” My Global Advisor الاستشارية (التي تقدم خدماتها الاستشارية الفردية المُفَصَّلة في إدارة الثروات العالمية لعددٍ محدّدٍ من الأفراد والعائلات، من ذوي الأصول الكبيرة) والذي حضَر المؤتمر: “لقد أصبح هذا الموضوع موضة حالياً”.

ولكنه أوضح أيضاً بأنَّ “الاستثمارات في الزراعة أو في مشاريع مُحدَّدة، تبقى مُعقَّـدة للغاية، إذ أنَّ هناك سباقا للعثور على نوعيةٍ جيدةٍ للأراضي الزراعية، التي لا تُكَلّف كثيراً، كما أن إستثمارات كهذه، بِحاجة إلى نفقاتٍ مالية كبيرة”.

البنوك وصناديق الاستثمار

ويوجد في سويسرا حالياً عددٌ من البنوك وصناديق الاستثمار والشركات العاملة في هذا المجال، كما يُعتَقَد بأنَّ هناك العديد مِمَّن ينشطون من وراء الكواليس.

وفي عام 2009، شاركت كُـبريات المصارف السويسرية، مثل “كريدي سويس” و “يو بي إس” في قضية إصدار أسهُـم مالية لشركة “ولدن أغري ريسورسز” Golden Agri-Resources ، وهذه الشركة التي يقع مقرّها في إندونيسيا، هي ثاني أكبر شركة لمزارع إنتاج زيت النخيل في العالم.

وبدوريْـهما، يوصي كل من مَصرفَـي “بيكتيت” Pictet و”سارازان” Sarasin السويسريَين الخاصَّـيْن بالإستثمار في قطاع الزراعة. كما أسِّـسَت في الكنفدرالية صناديق استثمارية مثل “غلوبال أغري كاب”GlobalAgriCap  في زيورخ و”غايا وورلد أغري”GAIA World Agri  في جنيف وصندوق “مان أنفستمنتس” Man Investments في بلدية بفيفيكون Pfäffikon (كانتون شفيتس – وسط سويسرا).

ووِفقاً لميريت زكي، نائبة رئيس تحرير مجلة Bilan الإقتصادية، الصادرة بالفرنسية، والتي حَضَرَت هذا المؤتمر بدورها، فإنَّ هناك طلبا كبيرا لِتنويع المحافظ الاستثمارية في الوقت الراهن. وأوضحَت زكي أمام swissinfo.ch أنه “ليست احتمالات عائدات الاستثمار في مجال الزراعة بالضَّـخمة، وقد تَصِل ربما إلى 20%، كما أنها يُـمكن أن تكون مُتَقَلِّـبة جداً”. وأضافت: “ولكن الناس يعلَمون بأن قيمة هذا النوع من الاستثمار، لا يُمكن إلّا أن تَرتفع على المدى الطويل”.

وكما تقول الكاتبة والصحفية السويسرية المصرية الأصل المختصة بالشؤون المالية، فإن المستثمرين المؤسساتيين، مثل صناديق التقاعد قد “أصيبوا بالإرباك”، بسبب الأحداث الأخيرة وهُم مُنفَتِحون جداً على أنواع جديدة من الإستثمارات. وحَسْب قولها فإن “ما كان يُعتَبَر غريباً في السابق، أصبَح القاعدة حاليا”.

شركات سويسرية

في سياق متصل، تنشط بعض الشركات، التي تتَّـخذ من سويسرا مقراً لها، عَلَناً في مشاريع زراعية كُبرى، كما هو الحال مع شركة “غلينكور “Glencore الدولية العملاقة لِتجارة السلع الأولية، والتي يُقال أنها تمتلك ما يقرُب من 300,000 هكتار من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2008، أطلَقَت شركة أداكس لإنتاج الطاقة الحيوية Addax Bioenergy، التي تتَّـخذ من جنيف مقراً لها، مشروعاً لزراعة 100 ألف هكتار من الأراضي المؤجَّـرة في سيراليون (غرب قارة إفريقيا) بقصب السكر، لأجل إنتاج الميثانول (الوقود الحيوي). وتأمل الشركة باستحداث أكثر من 2000 فرصةَ عملٍ، حينما يكون المشروع جاهزاً للعمل بكامل طاقته في عام 2013.

وحول هذا الموضوع، تقول مايا غراف، النائبة في البرلمان السويسري عن حزب الخُـضر: “يجب أن تكون لدينا فكرة أوضَح بكثير عن الشركات السويسرية التي تستثمر في الزراعة خارج سويسرا”. وكانت غراف قد قامت مؤخراً بِرَفعِ سلسلة من الإلتماسات البرلمانية حول ظاهرة اقتناء الأراضي، بِضمنها سؤال يتعلق بأفضلِ طريقةٍ لِضمان امتثال هذه الإستثمارات مع حقوق الإنسان في الدول المَعنية.

وفي تعليقها على هذا الموضوع، قالت كارول فيلتي، المُتحدثة باسم وزارة الخارجية السويسرية: “تسعى سويسرا بنشاط، إلى أن يقود الإهتمام المُتجَدّد بالإستثمار في الزراعة، في القطاعين العام والخاص، إلى حلّ مُربح لِجميع الأطراف”.

وتدعم الكنفدرالية بالتالي، الجهود الرامية إلى تعزيز الآليات التنظيمية العالمية المُتَحَكِّـمة بالإستثمار في الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية الأخرى، كما وردت في “المبادِئ التوجيهية الطوعية للحُكم المسؤول لِحيازة واستغلال الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى”.

ويأمل الخبراء بأن يتم اعتماد نصّ هذه المبادئ خلال الاجتماع المُقبل للجنة مُنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بشأن الأمن الغذائي العالمي التي تلتئم في شهر أكتوبر القادم.

وِفقاً لِتقرير صادر عن “مشروع الأرض العالمية” Global Land Project الذي نشرته جامعة كوبنهاغن في أغسطس 2010، تَمَّ التفاوض على 177 عقدٍ في 27 دولة إفريقية لشراء أو استئجار ما يتراوح مجموعه ما بين 51 إلى 63 مليون هكتار من الأراضي الزراعية.

وحَسب البنك الدولي، فقد تَمَّ التفاوض في عام 2009 على 45 مليون هكتار من الأراضي، بعد أن كانت المساحة لا تزيد عن 4 ملايين هكتار بين عامي 2006 و2008.

ونَقلاً عن  منظمة التحالف الدولي للأراضي International Land Coalition  غير الحكومية، فقد كان ما مجموعه 80 مليون هكتار من الأراضي الزراعية مَحَلَّ تفاوضٍ بشكلٍ أو بآخر مع أحد المُستثمرين الأجانب. وتقع نصف المساحة المَعنية بهذه الظاهرة في القارة الإفريقية.

قامت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون بِدَعم المحاولات الرامية إلى تحسين الآليات التنظيمية العالمية التي تَحكُم الاستثمار بالأراضي والموارد الطبيعية (المياه والتنوع البيولوجي الخ).

تدعم سويسرا التخطيط لِعملية تشاورٍ مفتوحةٍ وشفافةٍ على المستوى العالمي حول مبادئ “الإستثمار الزراعي المسؤول” والتي تَستَجيب مع القوانين القائِمة لحقوق الإنسان بشكلٍ كامل، وهي تهدف إلى المحافظة على حقوق الأشخاص المُتَضَرِّرين بِشَكلٍ مُباشر من صفقات الأراضي، بما في ذلك حقوقهم في المياه والغذاء.

ومن خلال الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون أيضاً، وفَّـرت برن الدَّعم السياسي والمالي لإعداد “المبادئ التوجيهية الطوعية للحُـكم المسؤول لِحيازة واستغلال الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى”.

يُتَوَقَّع أن تَتِمَّ مناقشة هذه المبادئ التوجيهية واعتمادها خلال الاجتماع المُقبِل لِلجنة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) حول الأمن الغذائي العالمي، الذي سَيُعَقد في العاصمة الإيطالية روما خلال شهر أكتوبر 2011.

تؤيِّد سويسرا عملية تعزيز مثل هذه المبادئ التوجيهية، التي تَسْتَهدف الحكومات ومُنظمات المُجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميين، في المسائل المُتعلقة بالإستثمار الزراعي. كما تَعْتَزم الكنفدرالية تَعزيز تَطبيق هذه المبادئ على المستوى الوطني، بعد أن يقع اعتمادها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية