مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عاصفة شميد .. “صيفية” أم “مقصودة”؟

الالتزام بنظام عسكري واضح أم عدم التقيد بلوائح محددة سؤال محير في ملف مستقبل الجيش السويسري Keystone

فجر وزير الدفاع السويسري صامويل شميد جدلا واسعا حول مستقبل الجيش بعد أن أدلى بتصريح ألمح فيه إلى إمكانية إلغاء نظام الميليشيات المعمول به حتى الآن.

وفيما تراوحت ردود الفعل بين الرفض والتأييد ، يتساءل الجميع هل أخطأ شميد بتفجير “قنبلته” الإعلامية في عز الصيف أم أنه كان يعني ما يقول جيدا؟

يظل الحديث عن الجيش السويسري أشبه شيء بالدخول إلى عش دبابير، نظرا لما يكتنف الموضوع عادة من تعقيد وغموض وشيء من الألغام. ومن المؤكد أن وزير الدفاع السويسري صامويل شميد لم يتناس ذلك، أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الثاني من أغسطس، للرد على الانتقادات التي وجهتها له بعض وسائل الإعلام، بأن “القيادات العسكرية ليس لديها القدرة على تسيير الأمور وتفتقر إلى المنهجية في العمل”.

ومع أن شميد رد على الانتقادات بأسلوبه الهادئ المعروف إلا أنه ضـمّـن أقواله جملة أثارت زوبعة سياسية وإعلامية لم تهدأ بعد حين وضع نظام جيش الميليشيات السويسري الحالي محل تساؤل، ولم يستبعد طرح أحتمال تغييره وكيفية ذلك للنقاش.

هذه التصريحات غير المسبوقة أطلقت العنان لموجة من التعليقات وردود الأفعال وحركت الساحة الإعلامية المحلية الهادئة تماما نتيجة العطلة الصيفية، وأثارت زوبعة صيفية قد تكون لها تبعات خريفية.

إلا أن وزير الدفاع عاد وأكد مساء الأربعاء 4 أغسطس بأن طرحه للسؤال حول مستقبل نظام المليشيات مؤكدا أن ذلك “لا يعني أنه يؤيد هذه الفكرة، ولكن لمعرفة الآراء المختلفة حولها وكيفية تطوير الجيش” على حد قوله، بيد أن سيل التعليقات لم ينقطع، كما بادرت عدة دوائر أمنية وسياسية بطرح تصوراتها حول مستقبل الجيش في الكنفدرالية.

بين الرفض والترحيب

فقد صرح دانيال هيلر، رئيس “اتحاد الأمن السياسي والعلوم العسكرية” (وهي جمعية خاصة) للإذاعة السويسرية بأنه يعتقد أن تصريحات شميد جاءت للتغطية على عدم تنفيذ الخطوات المتعلقة بتطوير القوات المسلحة والمعروفة باسم “جيش القرن الحادي والعشرين”، وتحويل النقاش حولها إلى مجال آخر.

أما “حركة سويسرا المحايدة المستقلة” AUNS القومية فقد اعتبرت في بيان لها أن تصريحات الوزير تمثل “تغطية على الحالة المتردية التي يمر بها الجيش في إطار إعادة الهيكلة والتشكيل”.

وعلى عكس من ذلك، رأى كارل هالتينر المحاضر في علم الاجتماع العسكري في الأكاديمية العسكرية التابعة للمعهد الفدرالي العالي للتقنية في زيورخ ETHZ، بأن تصريحات شميد لا ترمي إلى تحويل الأنظار عن وضع قائم، بل جاءت في توقيت مناسب، حيث أن الجهاز القائم على عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة السويسرية أجّـل النقاش حول مسألة إلغاء التجنيد الإجباري إلى هذه السنة، ولذا فتصريحات صامويل شميد “ليست جديدة أو فرقعة إعلامية” على حد قوله.

أما الجهة الوحيدة التي رحبت بتصريحات وزير الدفاع وأيدت إلغاء نظام التجنيد الإجباري فكانت “مجموعة سويسرا بلا جيش” GSSA حيث اعتبرت أن “التحول إلى الجيش النظامي أو الحفاظ على الطريقة المعروفة حاليا في التجنيد ليس مجدية، ولا تمثل بديلا حقيقيا لتطوير النظام المتعامل به الآن”.

بين الهجوم والتفكير الهادئ

على صعيد آخر، اختلفت رؤية الأحزاب السياسية إلى القضية، حيث رأى الحزب الاشتراكي أن التجنيد الإجباري المعمول به حاليا “باهظ التكاليف”، واعتبر أن الوقت قد حان لمناقشة “تطوير هذا النظام بشكل جدي وجذري”.

أما حزب الشعب السويسري اليميني، فأيد دون قيد أو شرط جميع الخطوات الداعمة لتطوير الجيش في إطار نظام الميليشيات الحالي، ووجه انتقادات عنيفة وقاسية لوزير الدفاع المنتمي إليه، مشيرا إلى أن “شميد ضعيف في قيادته ويترك مجريات الأمور لقائد القوات المسلحة كيكايس للتصرف فيها كيفما يشاء” حسبما جاء في بيان صادر عن الحزب.

ومن نفس صفوف حزب الشعب أيضا، جاء الانتقاد الموالي من أولريش سيغريست رئيس جمعية الضباط السويسريين الذي قال بأن وزير الدفاع لا يستطيع تحديد الأولويات ولم يعطي حتى الآن ملامح أو توجهات تطوير الجيش السويسري. من جانبه، نوه اولريش شلوير النائب البرلماني عن نفس الحزب إلى أنه “كان واضحا أن موافقة الناخبين على تفعيل مشروع جيش القرن الحادي والعشرين كانت مقترنة بعدم المساس بنظام التجنيد المعمول به”، واعتبر تصريح شميد الذي أطلق الزوبعة بمثابة “نكوث بالوعد”.

الحزب الديمقراطي المسيحي تمسك بنبرة معتدلة وأقر بأن “مناقشة نظام التجنيد تحتاج إلى مراجعة شاملة لأن الوضع الراهن أصبح غير مقبول”، وأوضح برونو فريك النائب البرلماني عن نفس الحزب بأن “هناك من يؤدون الخدمة العسكرية الآن ويلتزمون بالنظام والقواعد المتعارف عليها، والباحثون عن المثالية يميلون إلى أداء الخدمة المدنية بدلا من العسكرية، والمتحايلون يماطلون ويؤجلون أداء الواجب الوطني من حين إلى آخر بعذر أو بدونه، مما يدل على أن الجيش يحتاج إلى نظام عادل للتجنيد يتساوى أمامه الجميع” على حد تعبيره.

سويسرا حالة خاصة .. حتى في جيشها

وكانت الحكومة الفدرالية قد وضعت برنامجا لتطوير القوات المسلحة أطلقت عليه اسم “جيش القرن الحادي والعشرين”، ليتواكب مع المتغيرات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم من حولها.

ونظرا لتمسك سويسرا بحيادها التقليدي ولعلاقاتها الجيدة مع جوارها الأوربي المباشر، رأى البعض أنه من الممكن تقليص تكاليف التسليح الباهظة والاكتفاء بقوات مسلحة محترفة ومحدودة العدد ومجهزة باحدث الأسلحة المتطورة للدفاع عن الكنفدرالية مع الإبقاء على نظام المليشيات.

إلا أن انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي وتوسع أنشطة عصابات الجريمة المنظمة بشكل كبير، فرضا على الجيش أيضا التحفز لمواجهتهما ولكن بالتعاون مع الشرطة الفدرالية، كما أن التوسع الكبير لحلف شمال الأطلسي إثر انهيار المنظومة الإشتراكية شجع سويسرا على بحث سبل جديدة للتنسيق معه وتأسيس علاقة لتبادل المصالح والمنافع من خلال “برنامج الشراكة من أجل السلام” الذي أطلقه الحلف في منتصف التسعينات.

لقد تعودت سويسرا على ألا يكون لها جيش نظامي تقليدي مثلما هو الحال في أغلب دول العالم، إذ يقوم كل مواطن فيها بأداء الخدمة العسكرية اعتبارا من سن الثامنة عشر، ولكن على فترات متقطعة تبدأ بفترة مغلقة تتراوح ما بين 18 و21 أسبوعا للتأهيل العام والتعرف على القواعد الرئيسية، ثم يستمر في تأدية الخدمة العسكرية بشكل منتظم لمدة 3 أسابيع كل سنة فيما بات يعرف بنظام الميليشيات، الذي نص عليه الدستور الفدرالي في البند 58، وربطه بالتجنيد الإجباري في الفقرة 59.

ويسمح الجيش بأداء الخدمة العسكرية بشكل مكتمل إذ يمكن للمجند أن يمضي الفترة الإجبارية مرة واحدة على مدى 10 أشهر وهو ما يفعله 15% من الشباب، لا سيما الذين لا يريدون أي ارتباط مع الحياة العسكرية فيما بعد.

ومن الطبيعي أن إلغاء نظام الميليشيات الحالي يتطلب تعديلا دستوريا، يتضمن أيضا تحديد شكل ونمط من سيقوم بالمهام الدفاعية، وهنا سيتجه التفكير إلى إنشاء جيش نظامي محترف، وهو ما يعني تكلفة باهظة. لذلك يرى عدد من المراقبين أن إلغاء الجيش السويسري ليس أمرا واردا، كما أن تحويله إلى جيش نظامي محترف مائة بالمائة غير مقبول أيضا، لذلك لا يتبقى إلا تعديل نظام الميليشيات ليصبح بكفاءة أعلى وتكاليف أقل، وهو التوجه الذي يُحتمل أن يصبح المحور الرئيسي للسجال السياسي في المستقبل القريب.

سويس انفو مع الوكالات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية