مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

على طريق المُـصالحة الفلسطينية.. متغيِّـرات وبَـديهِـيات

أحمد قريع، القيادي في حركة فتح (على اليسار) وموسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس يتحدثان في الندوة الصحفية التي عقدت يوم 26 فبراير 2009 في القاهرة بعد أول جلسة مفاوضات بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين عقدت بوساطة مصرية Keystone

من الأخبار المُـفرحة التى جاءت بعد مَـوجات من الحُـزن والدّم، أن اليوم الأول من إطلاق الحِـوار الفلسطيني برعاية مصرية، شهِـد اتِّـفاق ممثلي الفصائل على تسمِـية أعضاء اللِّـجان الخَـمس، التي من شأنها أن تضَـع حدّا للخِـلافات حول أهمّ القضايا التي انقسم حولها الفلسطينيون، واتّـفقوا من حيث المبدإ على تشكيل حكومة وِحدة وطنية، حتى تتِـم الانتخابات المُـقبلة، تشريعيا ورئاسيا.

إنه خبَـر مُـفرح، ولا شكّ في ذلك، لكن استكمال الفرحة، أي المصالحة الشّـاملة، بحاجة إلى إرادةٍ تضَـع الأولوية للمَـصالح الفلسطينية، وليس للتوازنات الإقليمية، حسب قول السيد عمر سليمان، الوزير المصري المسؤول عن هذه العملية برمّـتها، وبحاجة إلى النّـظر إلى جُـملة التغيُّـرات التي تحدُث، وتلك المتوقّـع حدوثها في الأفق المنظور، والتي من شأن بعضها أن يقلِـب الكثير من المُـعادلات السياسية الرّاهنة ويُـربك الحسابات المرتَـبكة أصلاً.

سؤال مُـزدوج

وهنا، ثمّـة سؤال مُزدوج يطرح نفسه بقوّة، شقّـه الأول يتعلّـق بأسباب التغيّـر الذي لحِـق بمواقِـف فصائل أساسية، وفي مقدِّمتها حماس والجِـهاد الإسلامي واللتين اعترضتا سابقا على صيغة اللجان الخمس، التي قدّمتها مصر في تصوّرها، كآليات للمصالحة الفلسطينية منذ شهر أكتوبر الماضي، لأنها، من وِجهة نظرهما، لم تكُـن تضمَـن استمرار المُـقاومة وتميل للسّلطة، أكثر ممّـا تميل إلى حماس، وهما السّـببان الرّئيسيان اللّـذان قيلا في شهر نوفمبر الماضي، كتبرير علني للتملّـص من المشاركة في أولى جولات الحِـوار الوطني بالقاهرة. وشقّـه الثاني، يتعلق بفُـرص النجاح، وصولا إلى توافُـق فلسطيني مُـتكامل.

تغييرات في موقف حماس

لا شكّ هنا، أن حماس غيّـرت موقفها وقبِـلت الآن ما كانت ترفُـضه قبل ثلاثة أشهر. فآليات المُصالحة الفلسطينية، المُـتمثِّـلة في صورة اللِّـجان الخمس، وأهدافها التي طرحتها مصر مُـنذ منتصف العام الماضي والتي رفَـضتها حركة حماس في شهر نوفمبر الماضي، وقبل يومين فقط من بدءِ جولة حِـوار فلسطيني شاملة في القاهرة، شاركت فيها وفود الفصائل الفلسطينية المُـختلفة، لم تتغيّـر.

ولا شكّ أن حماس اليوم، بعد الإفاقة من نَـشوة انتِـصار غير محدّد المَـعالم بعدُ، ليست هي حماس التي كانت تتوعّـد وتُـنذر قبل شهرين من الآن، ولاشك أيضا أن حماس، التي راهنت على تغيير المُـعادلات السياسية في القطاع، لِـصالح القَـبول بها قوّة حُـكم منفردة هناك، لم تحقِّـق شيئا ممّـا راهنت عليه بقوّة.

ولعلّ التفسير الرئيسي هنا، مرتبط بالخِـبرة الأليمة التي عاشتها حماس طوال الأسابيع الثلاثة للعُـدوان الإسرائيلي على قِـطاع غزة. فبالرّغم من إعلان الانتصار على العُـدوان بعد وقْـف إطلاق النار يوم 18 يناير الماضي، فإن حقائق الأوضاع في القطاع تبدو لا علاقة لها بأي انتصار، اللَّـهُـم قُـدرة حماس على الاحتفاظ بنِـسبة كبيرة من قُـوّاتها الضّـاربة، أما مصالح الناس العادية، وهم الأغلبية الساحقة، فلم تستطِـع حماس أن تحمِـيها أو تجعل العدُو يدفع ثمَـنا كبيرا، لقاء عدوانه عليهم.

وفيما بعدَ الحرب، وبالرغم من التّـضحيات الكبيرة التي قدّمها الفلسطينيون، فلم يتغيّـر الواقع الإقليمي، كما كانت تُـراهن حماس، فالحِـصار باقٍ على حاله ومعبَـر رفح مع مصر لا يُـفتح إلاّ للحالات الإنسانية ووِفقا لِـما تراه السلطات المصرية، والحصول على اعتراف دولي بحكومة حماس شرعية ووحيدة في القطاع، لم تتحقّـق، والإعمار المنشُـود بالمِـنَـح الدولية له شرط واحد، وهو حكومة وِحدة وطنية فلسطينية، ولا شيء غير ذلك، وهو ما يعني أن تعودَ حماس مرّة أخرى إلى كَـنَـف السلطة الفلسطينية بكل مؤسّـساتها.

بيئة عربية مُـختلفة

والأهمّ من ذلك كله، أن الأطراف العربية والإقليمية، التي رفعت من شأن حماس ومطالِـبها إبّـان العدوان، ودافعت عن تفاصيل موقِـفها وانتقدَت مَـن طرحوا موقِـفا مُـختلفا، لم تستطع أن تقدِّم شيئا ملمُـوسا في هذا النهج، بل أنها تبدُو الآن في حالة مُـراجعةٍ مع النفس.

فقطَـر تسعى إلى حشْـد القيادات العربية للمُـشاركة في القمّـة العربية المقبلة في الدوحة نهاية مارس المقبل، وتبدو لُـغتها في نقد المخالفين لحماس، وكأنها من الماضي السّـحيق.

سوريا بدورها، التي تستعدّ لفتح حِـوار مع الولايات المتحدة، يؤدّي لاحقا إلى رعاية أمريكية لمُـفاوضات تنتظرها وتسعى إليها مع إسرائيل، كما تستعدّ لاحتمال مواجَـهة مصاعِـب في علاقاتها الدّولية مع بدءِ عملِ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بمحاكمة قتَـلة رفيق الحريري.

ومع تولّـي اليمين الإسرائيلي السّـلطة في تل أبيب، تزداد الأمور تعقيدا، وهو ما استَـدْعى قَـدرا من إعادة توجِـيه البَـوْصلة السُّـورية ناحِـية الوِفاق العربي، بما في ذلك الوِفاق الفلسطيني، ومِـن هُـنا حِـرْص سوريا على إنجاح دعوة المُـصالحة العربية، التي دعا إليها الملك السعودي عبد الله في قمّـة الكويت الاقتصادية الأخيرة، الأمر الذي من شأنِـه أن يُـقلِّـل من عُـزلة سوريا العربية ويعيـنها، إن تطوّرت الأمور إلى الأسوأ بشأن محكمة الحريري الدولية، دون أن تكون وحيدة في المواجهة المُـحتملة. وفى مقابل ذلك، هناك حِـرص سعودي على ضبْـط الأوضاع في لبنان، حتى تمُـر الانتخابات المُـقبلة في شهر يونيو المقبل على خَـير، وهو ما يتطلّـب انفتاحا على دِمشق.

وأيّـًا كانت إدِّعاءات دِمشق بالانتصار جنْـبا إلى جنب مع حماس في غزة، فإن النَّـتائج على الأرض تكشِـف عن كارثة حقيقية، ناهيك عن أن قُـدرة سوريا على تغيِـير المُـعادلات الجديدة، التي تلت وقْـف إطلاق النار، غير موجُـودة، لا في فرض اعتراف عربي بحماس كقوّة وحيدة في غزّة أو في شطب السُّـلطة الفلسطينية ورئيسها، ولا في جمْـع مساعدات للإعمار، بعيدا عن الشُّـروط الدولية.

إيران بدورها، لديها تطلُّـع لحِـوار مع واشنطن، ومع استمرار الحِـصار على القطاع، لا يمكنها أن تُـحوِّل أموالا لحكومة حماس المُـقالة، وحتى تهريب الأسلحة بات اليوم مخاطَـرة كبيرة، فشلها أكبر كثيرا من إمكان نجاحِـها.

منطلقات للنّـجاح

إن قراءة عناصِـر المشهد الإقليمي على هذا النّـحو، لابُـدّ وأن تدفَـع إلى إعادة نظَـر في مُـنطلقات الحركة المُـستقبلية، سواء لسوريا وقطَـر من ناحية التّـوافق العربي، ولحماس الجهاد، ناحية إنهاء مرحلة الانقسام الفلسطيني، وإذا ما كان ذلك صحيحا، فهذا مَـعناهُ توفّـر شَـرط لنجاح المصالحة الفلسطينية، ولكن تبقى هناك شروط أخرى، فلسطينية بالأساس.

تتضمّـن الشروط الفلسطينية بعض البدِيهِـيات لا بأس من التذكير بها، وأهمّـها الابتِـعاد عن الإقصاء لأي طرف فلسطيني، أيّـًا كان حجمُـه في الساحة الفلسطينية، فأصغر فصيل كفيلٌ بأن يقُـود المِـنطقة إلى توتُّـر عسكري كبير آخر.

وثانيها، التّـخلي عن فَـرض شروط تعجيزية على الأطراف الأخرى والتحلّـي بقَـدر من المُـرونة. وثالثها، العوْدة إلى حُـكم الناس عبر انتخابات نَـزيهة وشفّـافة، قَـدْر الإمكان. ورابعها، رفع مُـستوى المؤسَّـسِـية والمِـهنية فى عمل المؤسسات الفلسطينية، باعتبارها تُـعبِّـر عن القضية بشُـمولها واتِّـساعها، وبالطبع، تجاوز الطُّـموحات الفصائلية المُـنفردة، لصالح رؤية جماعية توافُـقية والإعداد الجدّي لمُـفاوضات مع الاحتلال، تبدو قادمة، إن أحُسِـن التَّـعامل مع إدارة أوباما الأمريكية.

وفي أسوإ الأحوال، الاستعداد لمُـواجهة قاسِـية مع الاحتلال وعمليات الاستيطان والتّـهويد الموسَّـعة، التي تبشِّـر بها أحزاب اليمين الإسرائيلية، إن شكّـلت الحكومة الجديدة مُـنفردة.

هذه البَـدِيهِـيات والمتغيِّـرات، ليست خافية على أحد من الفلسطينيين، وهي بحاجةٍ لإسْـقاطِـها من مجّرد الفِـكر، والإدراك إلى نوعٍ من السُّـلوك المُـلتزم، وهذا بدوره يتطلّـب تغييرا فى اللغة وتغييرا في عمليات التَّـعبِـئة للأنصار، والأهمّ تغييرا في الأولويات. وفي عمل اللِّـجان الخمس، ثمّـة فرصة كبيرة لتجاوُز التحدّي بصورة إيجابية، إن خلصت النوايا.

هذه بالفعل مرحلة مفصلية في تاريخ فلسطين والمنطقة، والمصالحة الفلسطينية، فرصة ثمينة نأمل أن لا تضيع، كما ضاعت فُـرص سابقة. وما تقوم به مصر، مدعُـومة بتأييد عربي، لن يكفي وحده للخروج من الدوّامة الرّاهنة، فالمسؤولية، أولا وأخيرا، تظل ملقاة على عاتق القادة الفلسطينيين، وهذا هو الرِّهان.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

القاهرة (رويترز) – أطلق 13 فصيلا فلسطينيا يوم الخميس 26 فبراير 2009 في القاهرة الحوار الوطني الذي طال انتظاره واتفق المشتركون في الحوار على خطة لمعالجة القضايا التي يمكن أن يكون من شأن حسمها انهاء انقسام دام 18 شهرا بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتقول جميع الأطراف انها تتمنى أن يؤدي الحوار الى حكومة وحدة وطنية فلسطينية جديدة للاشراف على إعادة إعمار قطاع غزة بعد عملية اسرائيلية استمرت ثلاثة أسابيع ثم تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. واتفق المشتركون في الحوار على تشكيل ست لجان تتعامل مع قضايا مثل تشكيل الحكومة واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتنظيم عمل القوات الامنية.

وقال مصدر فلسطيني ان اللجان الست هي لجنة تفعيل وتأهيل منظمة التحرير الفلسطينية ولجنة تأهيل الاجهزة الامنية على أسس وطنية ولجنة الانتخابات التشريعية والرئاسية ولجنة إزالة آثار الانقسام الفلسطيني ولجنة تشكيل الحكومة ولجنة التوجيه العليا وهي خاصة بتذليل العقبات التي يمكن أن تعترض عمل اللجان الخمسة الأُخرى.

وجاء في بيان صدر بعد جلسة الحوار أن لجنة التوجيه العليا ستمثل فيها مصر وجامعة الدول العربية ومستويات قيادية عليا في الفصائل. وقال البيان ان اللجان ستبدأ عملها في العاشر من مارس اذار المقبل وتنهي عملها قبل نهاية ذلك الشهر.

وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ان القرارات في اللجان ستصدر بالتوافق وليس باغلبية الاصوات. واضاف في مؤتمر صحفي “ان هذا اليوم من الايام التي سيذكرها التاريخ حيث الانطلاقة الى مرحلة جديدة تجاه الوحدة الوطنية والمشاركة السياسية ووحدة الكلمة من كل ابناء الفصائل الفلسطينية.”

وقال عزام الاحمد المسؤول الكبير بحركة فتح ان من الممكن الاعلان عن حكومة وحدة وطنية قبل نهاية مارس اذار. واضاف انهم يسارعون الخطى في هذا الاتجاه ويريدون البدء في التنفيذ فور التوصل الى اتفاق مشيرا الى ان الخطوة الاولى هي الحكومة وان كل شيء مرتبط بالحكومة.

وقال دبلوماسي عربي يوم الأربعاء 25 فبراير ان الوسطاء المصريين يأملون في اتمام اتفاق في وقت مناسب لاقراره في مؤتمر قمة عربي سيعقد في قطر أواخر مارس اذار.

وتريد الولايات المتحدة وحكومات أوروبية أن يشكل الفلسطينيون حكومة غير حزبية من التكنوقراط الامر الذي لن يضطر الدول الغربية الى اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع أعضاء في حركة حماس التي يصفونها بأنها ارهابية.

وتجنب الغرب التعامل مع حكومة وحدة وطنية سابقة رأستها حماس بعد أن فازت في انتخابات تشريعية عام 2006. وقال كثير من الفلسطينيين والعرب ان الفلسطينيين عوقبوا على اختيارهم الديمقراطي. لكن عددا من المشاركين ومنهم احمد قريع المسؤول الكبير في حركة فتح رفض استبعاد امكانية تشكيل حكومة تمثل الجماعات المختلفة. وقال قريع “قد تكون حكومة تكنوقراط.. قد تكون حكومة فنية.. وقد تكون حكومة فصائل هذه قضية اللجنة على ضوء مجموعة المعطيات ستقرر كيف سيكون شكل هذه الحكومة.”

ولدى كل من حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ومنافستها حركة فتح التي تدير السلطة الوطنية الفلسطينية رؤى مختلفة حول كيفية التعامل مع اسرائيل. وتحتفظ حماس الني تسيطر على غزة منذ يونيو حزيران 2007 بالحق في محاربة اسرائيل على الرغم من استعدادها لقبول تهدئة لمدة 18 شهرا معها. أما فتح التي تسيطر على الضفة الغربية فنبذت العنف وتعلق كل امالها على المفاوضات.

وقال أحد المشاركين في الحوار ان خلافا ظهر في المحادثات بشأن مصير الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. واضاف ان عدة جماعات تريد موعدا محددا في يناير كانون الثاني 2010 لاجراء الانتخابات وذلك للسماح للرئيس الفلسطيني محمود عباس بالبقاء في السلطة دون منازع لاطول وقت ممكن.

لكن البيان النهائي قال ان الانتخابات ستجرى بحلول يناير 2010 تاركا الباب مفتوحا امام إمكانية اجراء انتخابات مبكرة. وسبقت الحوار الوطني محادثات بين فتح وحماس يوم الأربعاء. وتبادلت الحركتان الوعود باطلاق سراح المعتقلين منهما في غزة والضفة الغربية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 فبراير 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية