مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يكتشف الجنوب أنه يُـمـوّل الشمال الذي يساعده!

المبنى الرئيسي للبنك الدولي في واشنطن Keystone

"من يساعد من؟"، سؤال من بين أسئلة أخرى طُرحت في مؤتمر عقد مؤخرا بالبحرين، خصص لمناقشة خلفية المساعدات التي تقدمها الحكومات والمؤسسات المانحة الغربية لدول الجنوب، وما هو موقف منظمات المجتمع المدني العربية من هذه المساعدات، باعتبارها طرفا مستفيدا؟.

المؤتمر بدا وكأنه تقنيا وعاديا، لكن العروض والمناقشات والشهادات كشفت عن أبعاد سياسية واقتصادية شديدة الخطورة والتعقيد.

إشكالية المساعدات الخارجية ليست جديدة، فقد سبق أن طرحت من قبل، خاصة في مرحلة صعود اليسار وموجة المثقفين الغربيين التقدميين الذين دافعوا منذ الستينات عن دول العالم الثالث. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتعميم النظام الرأسمالي على جميع دول العالم، أطلقت الأمم المتحدة صيحة فزع عام 2000 عندما كشف أمينها العام السابق عن حقيقة أن المجموعة البشرية تتجه نحو الكارثة إذا ما تواصل نسق ارتفاع عدد الفقراء في العالم.

وأسفرت تلك اليقظة المتأخرة عن (إعلان الألفية) الذي وضع ثمانية أهداف عاجلة، على الدول أن تعمل على تحقيقها قبل نهاية 2015. وكالعادة أبدت الدول الغربية استعدادها لتحمل مسؤولياتها، وتعهدت البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية زيادة مساعداتها للبلدان النامية لتبلغ 0.7 بالمائة من دخلها، وهو التزام سبق أن تعهدت به عام 1975، لكنها مرة أخرى لا تفي بوعودها.

وقد انعقدت لذلك قمة (مونتري) بالمكسيك عام 2002، أما لجنة المساعدات التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية فقد أطلقت من جهتها مسارا موازيا عرف بـ “المنتدى رفيع المستوى حول فاعلية المساعدات” الذي عقد جولتين، الأولى كانت بروما عام 2003، والثانية تمت بفرنسا 2005، حيث تم التوقيع على “إعلان باريس” من قبل أكثر من 100 جهة لها علاقة بالمساعدات من بينها حكومات وبنوك وجهات مانحة. أما المحطة القادمة فستكون في العاصمة الغانية “أكرا” حيث ستنعقد “قمة فعالية المساعدات”، والتي ستتميز بمشاركة يفترض أن تكون ملموسة وقوية من قبل منظمات المجتمع المدني شمالا وجنوبا.

الأموال المهاجرة من الجنوب إلى الشمال

هل يمكن الاستغناء عن المساعدات الدولية؟ سؤال تردد خلال فعاليات هذا الاجتماع. أما سبب طرحه فيعود إلى أن أكثر من مداخلة أكدت على أن جدوى هذه المساعدات إما ضعيفة أو منعدمة. بل إن منسق “الراصد الاجتماعي العالمي” روبرتو بيسو القادم من قلب أمريكا اللاتينية أوضح بأن حركة الأموال على الصعيد العالمي قد غيرت اتجاهها خلال العشر سنوات الماضية لتنتقل من الجنوب نحو الشمال، وأن الولايات المتحدة (بسبب العجز الذي تعاني منه) بدأت تعمل على استقطاب رؤوس الأموال من البلدان الفقيرة بأشكال قانونية أو غير قانونية. كما أن الأرقام والإحصائيات المتوفرة تدل على أن حجم الأموال التي حصل عليها البنك الدولي من دول الجنوب أكثر مما قدم لها من قروض ومنح.

بل إن خبيرا جزائريا شارك في أعمال ندوة البحرين، ذهب إلى أكثر من ذلك عندما أكد بأنه “ما لم يقع إعادة النظر في آليات النظام الاقتصادي العالمي فإن الحلول الأخرى ستبقى ترقيعية”، وأضاف قائلا: “حتى لو قامت الحكومات العربية بدفع ديونها – في إشارة منه إلى ما أنجزته الجزائر مؤخرا– فإنه لا يوجد أي ضمان لكي لا تتراكم تلك الديون من جديد”…

أما بخصوص المساعدات التي تقدمها الجهات المانحة لهذه الدول، فقد استعرض المشاركون لائحة طويلة من العوامل التي تكشف مدى محدوديتها وضعف مردودها التنموي. فجزء هام من تلك المساعدات تعود إلى الدول المانحة في صيغة أجور للخبراء الفنيين والمستشارين بشتى أصنافهم، أو مقابل بضائع غربية الصنع يفرض على الحكومات المتلقية شراؤها ضمن الشروط المنصوص عليها في عقود هذه المساعدات.

لكن بالرغم من ذلك، لا تستطيع الدول المتلقية للمساعدات والمنح والهبات أن تتخلى عما يقدم لها في ضوء المعادلات الحالية، نظرا لغياب إصلاحات هيكلية سواء على صعيد النظام الدولي أو فيما يتعلق بهيكلية الاقتصادات المحلية.

من المنامة إلى أكرا

إلى حد الآن، لم يكن المجتمع المدني العربي معنيا بهذه القضية رغم خطورتها، وقد يُعزى ذلك إلى قلة خبرته في هذا المجال وعدم إلمامه بتفاصيل الرهانات التي يمثلها هذا المسار.

بناء عليه بادرت “شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية” بفتح حوار مع “مفوضية المجتمع المدني في جامعة الدول العربية”، أفضى إلى عقد اجتماع إقليمي حول هذه القضايا بالعاصمة البحرينية من 24 إلى 27 مايو 2008.

وفي هذا الاجتماع وجد المدعوون من ممثلي منظمات المدني العربية أنفسهم يناقشون لأول مرة معضلة المساعدات، وكيفية تعزيز التحالف مع ما يسمى بـ “المجتمع المدني العالمي” الذي سبق أن عقدت مجموعاته الإقليمية اجتماعات تشاورية خلال الأشهر الأخيرة، وتوصلت إلى بلورة عدد من التوصيات التي ستدافع عنها في قمة “أكرا” بغانا. فكيف تعامل المشاركون العرب مع هذه القضية؟.

الجامعة العربية “ضد الأنظمة الدكتاتورية”

حاول طاهر المصري، رئيس مفوضية المجتمع المدني لجامعة الدول العربية ورئيس الحكومة الأردنية السابق أن يتجنب اللغة الخشبية والتعميم.

وكانت كلمته موجهة بالأساس إلى الأنظمة العربية، حين أشار إلى ضرورة استثمار فوائض ارتفاع اسعار النفط من أجل “إقامة مشاريع تنموية عربية بينية ما بين الدول النفطية والدول العربية غير النفطية”. واعتبر المصري أن تقليل الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون داخل كل قطر وضمن الدول العربية “أصبح مطلبا ملحا للحفاظ على الأمن والتكافل الاجتماعي”.

أما مطلبه الثاني فيتعلق بإلغاء ديون الدول العربية غير النفطية، مشترطا أن يقترن ذلك بـ “إصلاحات حقيقية تقوم بها الحكومات العربية”، بما في ذلك “البناء المؤسسي للديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان”.

ومما لفت الانتباه في كلمة طاهر المصري رفضه المساعدات المشروطة التي يكون الهدف منها “دعم أنظمة غير ديمقراطية والتي تعتدي على حقوق الإنسان وتقوم بالاستقواء على مواطنيها كونها مدعومة من دولة أو دول كبرى”.

الدعم المشروط دعم مسموم

دار نقاش صريح حول العلاقة بين المؤسسات المانحة وسياسات الدول الغربية. فكل مؤسسات التمويل الغربية أو أغلبها تتلقى جزءا حيويا من ميزانياتها من قبل حكوماتها، فكيف يؤثر ذلك على علاقتها بالأطراف المستفيدة والمتلقية للمساعدات بالمنطقة العربية؟

جاءت الشهادة الفلسطينية في هذا المجال مُرعبة. فقد ناهز إجمالي المساعدات الدولية الموجهة للفلسطينيين ما بين 1994 و 2005 حوالي 7.5 مليار دولار، وهو رقم ضخم بكل المقاييس.

وقد قسمها أصحاب الشهادات إلى ثلاث مراحل. الأولى قبل الشروع في تنفيذ مسـار “أوسلو”، وكان المستفيد منها في تلك المرحلة منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي كانت تعوض غياب الدولة. ثم جاءت المرحلة الثانية، حيث وجهت المساعدات إلى السلطة الوطنية بهدف تركيز مؤسساتها وتقويتها على حساب المجتمع المدني المحلي الذي هُمّش وحُوصر من قبل هذه السلطة. بل إن الدكتورة كايرو عرفات (من وزارة المالية الفلسطينية) أشارت إلى أن “نصف المساعدات تستفيد منها إسرائيل”، حسبما ورد في أحد تقارير البنك الدولي.

أما في المرحلة الحالية، فقد ازداد تدفق المساعدات من أجل تقوية السلطة الفلسطينية مقابل إضعاف حركة حماس، ولو على حساب تعريض حياة مليون فلسطيني محاصر في غزة إلى مختلف المخاطر.

وقد اعترف أكثر من ممثل لمؤسسات تمويل غربية حضر اجتماع المنامة بأن قرار وقف المساعدات عن المنظمات الفلسطينية الناشطة بغزة قد أحدث أزمة أخلاقية، وكشف عن حجم الضغط السياسي الذي مارسته ولا تزال أمريكا وحكومات معظم الدول الأوروبية على المنظمات المانحة. وهو ما جعل البعض يعتبر أن المساعدات التي قدمت ولا تزال للفلسطينيين كانت ولا تزال “سياسية بامتياز”.

مشروطية “تعاقدية” بدلا عن الإنتقائية؟

أحد ممثلي المجتمع المدني اللبناني، تحدث عن تجربتهم مع الجهات المانحة خلال “حرب تموز” التي شنتها إسرائيل على لبنان في صائفة 2006. لم يكن يومها المجتمع المدني المحلي مستعدا لمواجهة تلك الكارثة، فلجأ إلى الاستنجاد بالمجتمع الدولي الذي لم يبدأ في التحرك إلا بعد أسبوعين من اندلاع الحرب.

وأضاف صاحب الشهادة بأن الجمعيات المحلية طالبت بأن تتجنب المنظمات المانحة إرسال ثلاثة أشياء وهي: الخيام، واللحوم، والدقيق الذي لا يصلح لإعداد الخبز اللبناني. وبعد انتهاء الحرب بأيام قلية تم إغراق بيروت بهذه الأصناف الثلاثة من المساعدات مع أشياء أخرى لم تكن أساسية بالمرة!.

أما في العراق، فقد أكد جمال جواهري (ممثل جمعية أمل) أن حصيلة المساعدات التي قُدمت للعراق أثرت سلبيا، وخلفت من ورائها كوارث عديدة، وفاقمت من ظاهرة الفساد والتبعية.

إجمالا، لم يختلف المشاركون حول التسليم بأن المساعدات الأجنبية في ظل الأوضاع الراهنة تبقى ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. كما مالوا في مناقشاتهم إلى عدم التعميم، حيث تعمل عديد المؤسسات المانحة على القيام بدور إيجابي في بعض القطاعات الحساسة اقتصادية وإنسانية وحقوقية. لكن تم الإلحاح على ربط المساعدات بالحاجيات الوطنية، وتجنيبها عملية التسييس المفرط، مع التشجيع على قيام مؤسسات تمويل عربية مثل “المنظمة العربية للديمقراطية” القطرية.

أما بالنسبة للدعم المشروط، فقد وجد المشاركون أنفسهم بين مطرقة سعي الحكومات العربية نحو تلقي المساعدات دون الالتزام باحترام الحد الأدنى من الحقوق، وسندان حرص الجهات الخارجية المانحة على تحويل المساعدات إلى ورقة ابتزاز للمس من سيادة الدول والتدخل في شؤونها. والمزعج في هذه المشروطية، كونها عبارة عن سيف ذو حدين نظرا لأن الغربيين أنفسهم يرفضون وضع شروط متبادلة ومتساوية.

في هذا السياق تحدث د. عزام محجوب، الخبير الاقتصادي التونسي عما أسماه بـ “المشروطية التعاقدية” مقابل المشروطية السلبية أو الانتقائية. وذكر بأنه سبق له أن اقترح على الاتحاد الأوروبي أن يقبل بمراقبة المهاجرين في دوله من قبل دول المغرب العربي وجنوب المتوسط مقابل قبول هذه الأخيرة بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها، لكنه فوجئ برفض الاتحاد لهذه الصيغة!..

صلاح الدين الجورشي – المنامة

القاهرة (رويترز) – حث تقرير ترعاه الأمم المتحدة الحكومة المصرية يوم الثلاثاء 13 مايو 2008 على أن تكون أكثر تسامحا تجاه منظمات المجتمع المدني وأن تكبح جماح الوحشية الحكومية والفساد اللذين يمارسان ضدها.

وقال التقرير إن القانون المصري يضع قيودا أكثر من اللازم على مثل هذه المنظمات ومن بينها المنظمات الخيرية والمنظمات الحقوقية والمنظمات التي تسعى لنشر الديمقراطية موضحا أن من الضروري حصول تلك المنظمات على تصريح من الحكومة بتلقي التمويل كما أنها تقيد من خلال لوائح تكبح حركة النشطين السياسيين.

وقال التقرير السنوي للتنمية البشرية في مصر الذي وضعه علماء اجتماع ومثقفون مصريون “حان الوقت لسياسة اجتماعية متحررة جديدة تواكب تحرير النظام الاقتصادي.”

وأضاف أن “الدولة لا بد أن تخفف سلطاتها القهرية وأن تزيد التسامح تجاه منظمات المجتمع المدني من خلال كبح جماح الوحشية والفساد والمحاباة ضدها في أجهزة الدولة.”

وجاءت هذه الدعوة وسط موجة من السخط العام في مصر على الظروف الاقتصادية الصعبة التي توافقت مع حملة على المعارضين شملت اعتقالات استهدفت الاسلاميين في الاساس لكنها امتدت أيضا الى مدونين ونشطاء مناوئين للدولة.

وقال التقرير ان القوانين المصرية تسمح للحكومة بحل المنظمات غير الحكومية اذا أنفقت أي منها أموالا في غير الغرض الذي أنشئت من أجله أو قبلت تمويلا أجنبيا بدون تصريح من الدولة.

وقال التقرير “لا بد أن يطالب المجتمع المدني باستحداث اطار قانوني يسمح بالدعوة لتغيير السياسة العامة.” لكن التقرير أضاف “الثقة يجب أن تبنى لتبديد مخاوف الدولة في شأن قضايا الامن القومي.”

ويشتكي نشطون من أن مصر حاولت أيضا القضاء على الانتقاد الذي تتعرض له من المنظمات الحقوقية. وأغلقت مصر منظمة حقوقية تساعد ضحايا التعذيب هي جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان وصادرت أموالها العام الماضي بعد اتهامات لها بتلقي تمويل اجنبي دون موافقة.

وقال التقرير ان الحكومة المصرية يجب أن تحسن أيضا دورها في تقديم الخدمات العامة وان المزيد من الانجاز مطلوب في وقت تحرز فيه مصر تقدما نحو تحقيق أهداف التنمية البشرية مثل الحد من الفقر.

وقال “ان من الضروري بالنسبة لها (الدولة) أن تحافظ على الدور الذي تقوم به في تقديم السلع والخدمات العامة وأن تحسنه لكن يجب أن تتراجع عن احتكارها لقطاعات معينة في منظومة الخدمات الاجتماعية.”

وذكر التقرير أن عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر انخفض الى نسبة 19.6 في المئة عام 2007 بالمقارنة بنسبة 24.3 عام 1990 لكن مصر تحتاج الى التحرك سريعا نحو هدف جعل النسبة 12.1 في المئة بحلول عام 2015.

وكانت مصر أكثر نجاحا مع ذلك في خفض نسبة من يعيشون في فقر مدقع بأقل من دولار واحد في اليوم الى 3.4 في المئة في السنة المالية 2004 – 2005 بالمقارنة بنسبة 8.2 في المئة عام 1990 على الرغم من أن التقدم لم يكن متناسبا في المحافظات المختلفة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 مايو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية