مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق ما بعد الحُويجة.. نحو الطوفان!

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (على اليمين) يُصافح ربّ عائلة الجندي المقتول عقيل جبر خلال مراسم جنازة خمسة من الجنود المقتولين أقيمت في مقر وزارة الدفاع العراقية ببغداد يوم 28 أبريل 2013 Keystone

الأغلبية الصامتة في العراق الجديد منذ سقوط النظام في التاسع من أبريل 2003، ليست أغلبية وليست صامِتة، لأنها ببساطة، باتت منقادة إلى المحاصصة العِرقية والطائفية، التي تكرّست وتجذّرت بين العراقيين، وباتت حقيقة مُطلقة حتى أجل غير معلوم.

ورغم كل ما فعله بهم من يُنعتون بـ “المقاولين السياسيين”، ورغم ما فاح من روائح فسادِهم، الذي يزكم الأنوف، والدماء التي تورّطوا بها (عمْداً ومع سبْق الإصْرار والترصُّد مثلما يُتهمون)، إلا أن الأغلبية “غير الصامتة” في العراق الجديد، لا تزال تُشارك في ما يُسمّى – تجاوزا – بالعملية بالديمقراطية، حتى مع انخفاض نِسبة الإقتراع في انتخابات مجالس المحافظات إلى 35%، بحسب مُشرفين رسميين تحدّثوا لـ swissinfo.ch وأكّدوا أن عُزوف المُقترعين ليس له علاقة برفضهم واقِع العملية السياسية المرير، بقدر ما هو اقتناع بسياسة “تحصيل حاصل”، وأن المكتوب بان من عُنوانه في صراع المقاولين، الذي اكتسب بجَدارة صِفة “الطائفية” و”العرقية”..

واقِعة بلدة “الحويجة” واقتحام الجيش العِراقي ساحة اعتصام، أكّدت مجدّداً، وهذه المرة بتفاصيل جديدة، أن العراق يكاد ينزلِق إلى الحرب الأهلية باللاّعبين الأساسيين، الذين أضيف لهم التيار الصّدري وبقايا البعث والقاعدة وأخواتها، بعد أن كان عددهم سبعة فقط، وهم الذين استدعتهم واشنطن ليؤسِّسوا بأمر مُباشر منها في العَلن، لنظام المحاصصة في اجتماع لندن الشهير الذي انعقد في منتصف ديسمبر 2002 .

ومهما قيل عن “خطف المُعتصمين المدنيين” من قِبَل المسلّحين (المنتمين حسبما يبدو إلى من يُلقبون بجماعة النقشبندية البعثية)، ومهما كانت الذرائع، فإن اصطدام الجيش بمُعترِضين، من شأنه أن يجعل الهوّة تكبر كثيراً بين السُنّة والشيعة، وقد برز ذلك حتى في مقالات عدد كبير من الكتّاب وذوي الرأي، رغم كلّ محاولاتهم تغلِيف مقالاتهم بشعار “رفض الطائفية”.

أقلية تنبذ الإنتماء الطائفي..

القليل جداً من الكتّاب العراقيين، دعا إلى الإصطفاف في تجمّع يشكِّل نَـواة لتأسيس مجتمع ينبذ الإنتماء الطائفي، بما سمي “بيان براءة من الطائفتين”، أيّده عدد محدود من المُثقفين وسَط ارتفاع مسموع في أصوات طبول حرب طائفية إقليمية، تقرع لتُـنذِر بتقسيم العراق على وقْـع ما يجري في سوريا ولبنان وإيران.  ولأول مرّة، يعلن عدد من المواطنين العراقيين أنهم لا ينتمون إلى أيّ من الطائفتين، لأن العقيدة بِرأيْهم، “لا تُـورَّث ولا تقليد فيها، ونحن بريئون من عقيدة كانت ولم تزل آلة للإحتراب والقتل وتمزيق الأوطان”، على حد قولهم.

ولأنهم يُريدون أن يعيشوا بسلام، بعيداً عن الحروب الطائفية الأزلية التي تخبُو لتندلِع من جديد، طالبت هذه المجموعة الصغيرة جدا من العراقيين المعنيين بشؤون الحُكم، بأن يكون لهم وضع قانوني وأن يتِم التعامل معهم، قانونياً، بوصفهم أقلية، بما يضمن حقوقهم وأن يكون لهم تعريف قانوني بوصفهم “غير ذوي طائفة” وأن يُسمح لهم بالتعريف بحركتهم، دون تضييق أو ترهيب، وحمايتهم من استِهداف أبناء الطائفتيْن لهم في حربهم التي يخوضونها، بل طالبوا بملاذ آمن لهم يكونون آمنين فيه من “شرور أهْل الطوائف”.

مثقّف آخر كتب مُعلِـناً هذه البراءة، ولكن بشكل آخر. ففي الوقت الذي يغلِّف الطائفيون حروبهم بغطاء الدّين والله ويعلِـنون الاستعداد للموت في هذا السبيل ويصرخون من على منابِر الصلوات وفي الفضائيّات، أنهم سيُقاتِلون ليموتوا في سبيل الله، فإن أحدهم من غير الأغلبية “غير الصامتة”، أعلن متحدِّياً كل ما ينطق به هؤلاء، أنه لا يريد أن يموت في سبيل الله… لأنه يريد العيش في سبيله، متسائلاً: “تُرى، هل يعترض الله عليّ لأني أحبّ الحياة في سبيله؟”..

بغداد (رويترز) – قالت الشرطة العراقية ومسعفون إن عددا من التفجيرات وقعت في العراق يوم الأربعاء 1 مايو 2013 مما أسفر عن سقوط 15 قتيلا على الأقل في تصاعد حاد لاعمال العنف تسببت في تعالي التحذيرات من اندلاع صراع طائفي.

وتصاعد العنف في العراق مع تعرض الموازين الهشة بين الاغلبية الشيعية والاقلية السنية لضغوط من جراء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. ووصلت التوترات الى ذروتها منذ انسحاب القوت الأمريكية من العراق منذ أكثر من عام.

وذكرت مصادر الشرطة أن مهاجما انتحاريا يرتدي سترة ناسفة فجر نفسه وسط أفراد من مجالس الصحوة السنية اثناء تسلمهم رواتبهم الشهرية شرقي مدينة الفلوجة مما أدى الى مقتل ستة أشخاص.

وفي بيجي الواقعة على بعد 180 كيلومترا شمالي العاصمة بغداد قالت الشرطة إن عبوة ناسفة استهدفت عددا من سيارات الشرطة مما أسفر عن مقتل أربعة من رجال الشرطة.

وقالت مصادر الشرطة ومستشفيات إن سيارة ملغومة في حي شيعي بشمال شرق بغداد قتلت ثلاثة على الاقل وأصابت 14. وانفجرت سيارة ملغومة اخرى الى الشمال من مدينة الرمادي مما أسفر عن مقتل رجلي شرطة واصابة عشرة آخرين.

وينشط في العراق عدد من الجماعات السنية المتشددة من بينها تنظيم القاعدة في العراق الذي يعرف باسم دولة العراق الاسلامية الذي يشن هجمات متواصلة لتقويض الحكومة التي يقودها الشيعة واشعال مواجهات أوسع نطاقا.

ولا يزال العنف في العراق أدنى من المستويات التي شهدتها البلاد عامي 2006 و2007 لكن الارقام الاولية التي تجمعها جماعة ضحايا حرب العراق الحقوقية تشير الى ان عدد القتلى من جراء العنف في العراق في شهر ابريل هو الأعلى منذ عام 2009 .

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مايو 2013)

احتمالات “التقسيم”.. وتهديد بردّ “مدمر”

في كل الأزمات التي أصبح رئيس الوزراء نوري المالكي طرفاً مباشراً فيها، هناك أطراف في المقابل تطالب بإزاحته، لكنها تفشل في النهاية، قبل أن يحقق المالكي نصْراً في الإنتخابات الأخيرة، لا يمكن أن يوضع إلا في خانة الإصطفاف الطائفي، الذي أصبح اليوم أمراً واقعياً، حيث الأغلبية الشيعية في الحُكم لأول مرة، فيما أغلبية السُنّة تعتقد أنها فقدت الحُكم ولن ترضى بأقل من العودة إلى ما كان الوضع عليه قبل سقوط النظام السابق، وهذا الأمر يجعل اللاّعبين الأصليين (أي أمريكا وإيران وإلى حد ما دول المنطقة السُنية) يعرفون كيف يُمسكون بمفاصِل اللّعبة ويحرمون خيوطها، وِفق معادلات، منها الملف النووي والأزمة في سوريا وما يجري داخل لبنان وتطوّرات الوضع في أفغانستان. 

باختصار، فإن الأكراد المُستفيدين، كما لم يحصل في كل تاريخهم، يبقون ورقة بيَـد اللاعبين الأصليين. وهنا، نجد إسرائيل وتركيا في رأس القائمة، ما يزيد في تعقيد الأزمة ويُعزّز فَرَضية انزِلاق العراق نحو التقسيم، إلا إذا نجح المالكي بدعم إيراني ورضا ومباركة أمريكية في التصرّف بحِكمة مع الأكراد، متنازلاً عن ورقة كركوك (وهو المطلوب) أو مُجمّداً إلى حين حل أزمة المناطق المتنازَع عليها (ربما لن يتحقّق له ذلك)، ليتفرّغ بدعم مُباشر من حكومة كردستان، لمواجهة البعثيِّين وإرهاب القاعدة، “عنصريْ أزمة اعتصامات الحويجة وأخواتها الأساسيين”، على حدّ تعبيره.

وبحجّة البحث عن حلول لتحقيق الأمن المفقود وتجنّب الحرب الأهلية، يرفع البعض هذه الأيام شِعار تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، وهو أيضاً نتيجة طبيعية لعراق ما بعد صدّام، إذا اندلعت هذه الحرب، خصوصاً بنكهَتِها الطائفية.

وفيما لم تنتهِ بعدُ تداعِيات الهجوم على مُعتصمي الحويجة، جاء قتل خمسة جنود في محافظة الأنبار الغربية، ليُفاقِم الأمور وسط تجاذُبات سياسية وتهديدات. ورغم أنها وحّدت كلمة “المقاولين السياسيين” في الإدانة، لكنها زادت من خلافاتهم حول سُبُل معالَجة هذه الفِتنة بشكل وجّـه ضربة للمحتجّين بتحميلهم مسؤولية الجريمة.

عموماً، يربط مِحور تركيا – قطر – إسرائيل، كما يقرأ “محور المقاومة”، بين تصعيد الوضع في العراق نحو المزيد من التشرذُم داخل الكُتل المُتحالفة والإحتراب الطائفي “سُنّـة وشيعة” والعنصري “ضد الأكراد”، وبين أيّ تطوّر نوعيّ على الصعيد السوري، وما يُقال عن احتمال حصول تدخّل عسكري غربي إسرائيلي مباشر.

أخيرا، يتمثل القرار المُتّخذ، الذي أبلغته طهران للحلفاء وأوصلته للخصوم في أنّ “أيّ ضربة عسكرية ضدّ دمشق، سوف يتمّ الردّ عليها مُباشرة في تل أبيب، وسيكون الردّ مدمِّرا”، وحينها قد تكون مصالح الغرب في كلّ منطقة الخليج عُرضة للإستهداف أيضا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية