مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عين الطير.. وعين الحلزون.. والحرب الإسرائيلية القادمة؟

مؤيدون لحزب الله يحتفلون يوم 25 مايو 2010 في العاصمة بيروت بالذكرى السنوية العاشرة للانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان Keystone

هل قـدر لبنان أن يكون في حالة "حرب تحرير" دائمة؟"، هذا السؤال أطـلّ برأسه بقُـوّة مع العيد العاشر لذكرى المقاومة والتحرير، الذي احتفى به لبنان يوم الثلاثاء 25 مايو 2010، وهو سؤال في محلِّـه وعلى كل المستويات.

فعشية العيد، كانت الدولة العِـبرية تقوم بأضخَـم مناورات دِفاع مدني فيها منذ عام 1948، كانت هي نفسها أيضاً أضخم مُـناورات دبلوماسية. فنتانياهو وبقية السّـرب العسكري والمدني الإسرائيلي، كانوا حريصِـين على إبلاغ كل لبنان وسوريا بأن هذه المناورات ليست تمهيداً لعمل عسكري وشيك، بل هي مجرّد إجراء سنوي “روتيني مُقرّرْ سلفاً”، لكن، هل يمكن حقاًَ أن تتكبّـد تل أبيب كل الأكلاف الباهظة المُتضمّـنة في تمارين تشّـل كل النشاطات المدنية والاقتصادية طيلة خمسة أيام كاملة لمجرّد السّـير في رِكاب “الرّوتين”؟

وفي اليوم التالي لبدء المناورات، كان زعيم حزب الله يتوّعد بضرب كل السّـفن الإسرائيلية العسكرية والمدنية، في حال شنّـت الدولة العبرية حرباً جديدة وحاصرت مرّة اخرى السواحل اللبنانية، وهذا بالطبع سيقرع العديد من أجْـراس الإنذار في إسرائيل.

لقد حاول الجنرال غادي أيشنكوت، قائد الجبهة الشمالية التطمين بأن تل أبيب “تُـريد الحفاظ على الهدوء الذي ليس له مثيل في منطقة الجليل منذ تأسيس الدولة”، لكن هذا التطمين لم يُطمئِـن أحداً، خاصة وأن هذا الأخير أردف قائلا: “السؤال الآن، هو متى سيندلِـع النزاع الجديد وما طبيعة الحدَث الذي سيُشعِـل هذا النزاع؟”.

بالطبع، حزب الله لا يُـعوّل لا على التّـطمينات ولا على البيانات العامة الإسرائيلية، لا بل هو يعتبِـر أن هذه التطمينات ربّـما تكون جزءً من عملية تمْـويه إستراتيجي، تسبق عادة الهجوم العسكري، وهذا أمر يصحّ أكثر ما يصح على إسرائيل، التي تُطبّـق منذ أمَـد طويل مبدأيْ الحروب الاستباقية والوِقائية.

تبرير إسرائيل لشنّ الحرب الجديدة، هو التهديد الذي تشكّـله صواريخ حزب الله على أمنها”، لكن، حتى ولو لم تكُـن هذه الصواريخ موجودة، ستجِـد تل أبيب مُـبرّراً للحرب طالما أنها لم تدمج هذه الأخيرة في بِـنية إمبراطوريتها الصغيرة في المشرق العربي، وهذا أمر خَبره مَـن تَـعاطى مع إسرائيل في لبنان.

فغداة غزو عام 1982، اختبر سياسيون لبنانيون النَّـوايا الإسرائيلية على الطبيعة واكتشفوا أنها لا تقل عن كونها خطّـة مُحكمة وطويلة الأمد، لتحويل لبنان إلى مُستعمَرَة حقيقية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مقطوعة الصِّـلة بعُـمقها العربي وتابعة بشكل مباشر لـ “المركز” الإسرائيلي، وهذا ما جعل هؤلاء السّـاسة يرفضون هذه الصِّـيغة، فكان هذا أحد أسباب نِـقْـمة تل أبيب على كلّ مسيحيي لبنان. ثم هناك دافع آخر لتل أبيب: مِـياه الليطاني وبقية الأنهار اللبنانية.

فإسرائيل، كما هو معروف، تُـعاني من شُـحٍّ كبير في المياه، ولولا الجولان، الذي يمدّها برُبع احتياجاتها والضفة الغربية التي توفّر نِـصف هذه الإحتياجات، لكانت فلسطين 48 قد أصبحت الآن قاعاً صفصفا، وهي على أي حال ستصبح كذلك في وقت لاحق، مع ازدياد عدد سكانها والتوسّـع الكبير في اقتصادها، ما سيجعل حاجتها إلى مياه الليطاني في حُـكم المؤكد.

ولأن لبنان يحتاج هو الآخر إلى كل قَـطرة ماء في أرضه (البقاع الشمالي يُـعاني من القحْـط)، فهو سيرفض تضمين أي اتفاقية سلام، بنداً يتعلّـق بالماء، الأمر سيعني أن الحرب ستكون خِـيار تل أبيب الوحيد للسيْـطرة على المياه.

الحزب وإيران

هذه نقطة. وثمة نقطتان أخريان تجعلان من الحرب الإسرائيلية، ومن ثَـمَّ حرب التحرير مجدّداً، أمراً حتمياً: الأولى، هي طبيعة وأهداف ومتطلّـبات الإستراتيجية التي ينتهِـجها حزب الله. والثانية، طبيعة وأهداف وإيديولوجية إسرائيل نفسها. النقطة الأولى باتت واضحة للعِـيان: إستراتيجية حزب الله ترتبِـط ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية الأوسَـع للقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الاوسط العربي.

فالأولى جزء لا يتجزّأ من الثانية، على رغم الاستقلالية النِّـسبية التي يتمتّـع بها الحزب في القضايا التي لا تمسّ الأمن القومي الإيراني المباشر، والتي تتعلّق بمصالح الحزب، بكونه الممثّل السياسي الأول للطائفة الشيعية اللبنانية.

بالطبع، حزب الله، وعلى رغم انتمائه العَـلني للولي الفقيه الإيراني الإمام خامنئي، بوصفه مرجعه الأول والأخير في أي قرار يتّـخذه، لا يستطيع أن يقول لجمهوره الشيعي بأنه جُـزء من منظومة الدفاع والهجوم الإيرانية، لأنه لو فعل، سيفقد فوراً حظوته لدى هذا الجمهور. ما يستطيع أن يقوله الحزب في هذا المضمار، هو الحديث العام عن المشاركة العامة لإيران، كما لسوريا، في عملية الممانعة ضدّ الهيمـنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، لكن هذا التوجّه لا يلغي الإطلالة الأمريكية والإسرائيلية على الحزب، بوصفه حلقة رئيسية من حلقات الصِّـراع الغربي مع إيران.

وهنا، قد يكون كافياً الإشارة إلى ما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز الرزينة حيال هذا الأمر قبل أيام (25 مايو 2010)، جاء فيه: “يقول المحللون والمسؤولون في بيروت بأنه، على رغم أن الحرب لا تبدو وشيكة بين إسرائيل وحزب الله (على الأقل خلال هذا الصيف)، إلا أن الأزمة الأوسع في المنطقة حول برنامج إيران النووي والحقيقة بأن حزب الله هو أهم حليف لإيران في الشرق الأوسط، قد يتسبّـبان في اندلاع حرب جديدة في لبنان”. واضح؟ يفترض ذلك. نأتي الآن إلى النقطة الثانية: طبيعة إسرائيل وطبائعها.

مزيد من التطرف

المجتمع الإسرائيلي، وبسبب الطبيعة العسكرية – الأمنية لنشأته والمُـعطيات العنصرية – الأصولية لتركيبته، بات التطرّف الدائم أشبه بطبيعة ثانية فيه، ثم أن اليهودية نفسها قد تكون أكثر حركة دِينية في التاريخ، مُـنتِـجة للأصوليات المتطرِّفة.

ونحن هنا، لا نتحدث فقط عن عُـقدة الإنتحار الجماعي (الماسادا)، التي قادها أصوليون يهود ولا عن حركات عُـنصرية مثل “غوش إيمونيم”، التي اختارت من بين الـ 613 ميتزفاه (أو واجب توراتي) واحداً فقط، هو تشريع القتال في بعض الأحيان ورفعته فوق الأخريات لتبرِّر استيطان “كل أرض إسرائيل” وإبادة كل الفلسطينيين، بل أيضاًَ عن الأصولية العِـلمانية الصهيونية التي كانت مَـزيجاً فريداً من الأساطير الدِّينية التلمودية ومن التاريخانية العِـلمانية القومية.

كتب ماكسيم غيلان، الكاتب والصحفي والشاعر الإسرائيلي المعروف: “ثمة أنظمة مجنونة كثيرة في العالم، لكن ليس كما النظام الإسرائيلي. فهذا الأخير يَـعتبِـر “العالم كلّه ضدنا” ويعلّم أطفاله أغنية تقول هذا الشيء بالذات. ليس ثمّـة دولة أخرى كإسرائيل تهدّد بتدمير العالم من خلال حرب نووية أو من خلال ارتكاب انتحار جماعي (عقدة الماسادا). نعم، الإسرائيليون يستطيعون تدمير العالم أو إشعال حرب عالمية تدمّـره، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تمتلك الوسائل الضرورية لذلك”.

علاوة على ذلك، تُـشير كلّ المُـعطيات الرّاهنة، إلى أن المناخات الأيديولوجية – النفسية الإسرائيلية، غير مؤهلة لإخضاع محظورات الأيديولوجيا اليهودية – الصهيونية إلى ضرورات الإستراتيجيا الأمريكية في الشرق الأوسط. هذه المحظورات لا تزال تتمسّـك بفكرة “الحرب الدائمة” أو “الصراع الأزلي” مع الغوييم (أي غير اليهود)، وهي بقيادة نُـخبة من أبرز حاخامات اليهود الذين يكبر نفوذهم الحربي، كلَّـما اقتربت مشاريع السلام.

الحاخام شنيرسون على سبيل المثال، كان على رأس هؤلاء. ففي عام 1974 عارض بشدّة السلام مع مصر والإنسحاب من منطقة السويس ووعد الإسرائيليين بـ “معاملة الهية خاصة”، إذا ما واصلوا احتلال الأرض. وبعد وفاته، لعِـب آلاف من مؤيِّـديه دوراً مهمّـا في النصر الانتخابي الذي حقّـقه بنيامين نتانياهو، وشكّـلوا جماعة “شباب حاسيد”، أكثر الجماعات تطرّفا، التي كان باروخ غولدشتاين، قاتل الفلسطينيين في الخليل، من أعضائها.

ويعلَق إسرائيل شاحاك ونورتون مزفينسكي على مواقف شنيرسون بالقول: “إذا ما استبدلْـنا كلمة “يهودي” بـ “ألماني” أو “آري” وكلمة “غير يهودي” بـ “يهودي”، فإن موقفه يصبح هو ذاته العقيدة التي جعلت أوشوفيتز (المُـعسكر النازي لإبادة اليهود) مُـمكناً في الماضي. العرب بالنسبة لـ “اليهود الرسوليين”، هم ما كان اليهود بالنسبة للنّـازيين”.

ويقول أعضاء جماعة غوش ايمونيم “إن ما يبدو على أنه مصادرة لأراضٍ يملِـكها العرب من أجل استيطان اليهود، ليس سرقة، بل عملاً مُـقدّساً. فالارض بالنسبة إليهم تُنقَـذ (عندما تنتقل من أيدٍ شيطانية إلى الدائرة الإلهية)”.

ويؤكِّـد حاخامو غوش ايمونيم، أنه يتعيّـن على هذه الفرقة الرسولية أن تقود اليهود الذين أفسدتهم الثقافة الغربية بعقلانيتها وديمقراطيتها، والذين يرفضون التخلّـي عن عاداتهم الحيوانية لاعتناق الإيمان الصحيح. وبالإمكان استِـخدام القوة حتى ضدّ اليهود أنفسهم، متى كانت ضرورية، للمُـضي قُـدُما في هذا المشروع.

الأصوليون اليهود يؤمنون أن الله أعطى كل أرض إسرائيل (بما فيها لبنان الحالي ومناطق اخرى) إلى اليهود، أما العرب الذين يعيشون في إسرائيل، فإنهم لُـصوص. وقد نشَـر القائد الأصولي الحاخام إسرائيل ارييل أطلساً يعين فيه الأراضي التي يوجد فيها يهود، والتي تحتاج إلى ” تحرير”، وهي تتضمّـن كل المناطق غرب وجنوب نهر الفُـرات، وتمتدّ إلى غالبية الأراضي السورية والعراقية وحتى الكويت.

حاخام آخر، هو شلومو افينير يقول: “يجب أن نعيش في هذه الأرض حتى لو كان الثمن حرباَ. وأكثر من ذلك، حتى لو كان هُـناك سلام، يجب أن ندفع باتِّـجاه حروب تحرير بهدَف الإستيلاء على الأرض”.

أما فيما يتعلّـق بباروخ غولدشتاين وقتلِـه لـ 29 مُـصَـلياً عربياً، فإن الأصوليين اليهود يرفُـضون اعتبار عمله جريمة، لأنه طِـبقا للحالاشا “قتل يهودي لغير يهودي في أي ظرف كان، ليس جريمة. قد يكون ممنوعاً لأسباب أخرى، خاصة إذا كانت تلك الأسباب تتعلّـق بخطَـر على اليهود”. وعند سؤاله ما إذا كان آسِـفا لمقتل العرب، قال الحاخام النشِـط موشي ليفنغر: “أنا آسف، ليس فقط على الموتى العرب، بل أيضا على الذّباب الميِّـت”.

أين يهود العالم؟

رُبَّ قائلٍ هنا: صحيح أن هذه الجماعات الأصولية اليهودية المتطرِّفة عالية الصّـوت، لكنها مثلها مثل الأصوليين المتطرِّفين الإسلاميين، عاجزة عن فرْض برامجها ورُؤاها، إنها جُـمَـل إعتراضية عابِـرة، أكثر منها جُـمل مُـفيدة ثابتة.

ربما كان ذلك صحيحاً، لكن، حين تمتزِج مناخات التكفيريين اليهود بمناهِـج التعليم الإسرائيلية التي يستنِـد بعضها إلى التّـلمود، وحين يكون رفض قيام دولة فلسطينية حقيقية هي نقطة الإجماع الكُـبرى بين كل ألوان الطّـيف الإسرائيلي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فأي سلام مع العرب يُـمكن أن يتحقّـق في مثل هذه الأجواء؟ ألَـن يكون حينذاك الحَـرث في البحر الميِّـت أسهَـل من زرع نبتة سلام على ضفاف نهر الأردن المحتلّ؟

ورُبّ قائلٍ أيضاً أن يهود إسرائيل ليسوا كل يهود العالم وأن هؤلاء الأخيرين، كما دلّ على ذلك بيان المجموعة الأوروبية اليسارية “جاي كول” Jcall والمجموعة اليهودية الأمريكية “جاي ستريت” Jstreet، اللذان دعيا إلى إنهاء الاحتلال والتوسّع الإسرائيلييْـن في الضفة الغربية وشرق القدس، يسيرون في خطٍّ معاكِـس لسياسات يهود إسرائيل. وهذه وجهة نظر تبدو لوَهلة سليمة.

فاليهود العالميون، إذا ما جاز التّـعبير، يروْن العالم عبْـر عينَـيْ طيْـر محلق، بسبب وجودهم في معظم مراكز القرار المالي والمصرفي والإعلامي والأمني الدولي، فيما اليهود الإسرائيليون مضطرّون للبقاء قريباً من مستوى سطح أرض الشرق الأوسط الوعْـرة.

الأوائل يتحكّـمون بمُـعظم مال العالم وإعلامه من وراء مكاتبهم، وهم يرتدون أكثر الملابس أناقة، فيما الأخيرين ينشطون وهُـم يرتدون الخاكي، فيشنّـون الحروب تِـلْـو الحروب وينفقون الأموال الطائلة على الأجهِـزة الأمنية والعسكرية، التي هي السّـلطة الفعلية في إسرائيل.

عيْـن الطير اليهودية العالمية إذن، ترى غيْـر ما تراه العيْـن اليهودية الإسرائيلية، وبالتالي، برامجها السياسية والإستراتيجية أضخَـم بكثير من برامج الحركة الصهيونية الإسرائيلية. صحيح أن هدف الطرفيْـن واحد في النهاية، وهو الإمساك بالعالم من خِـناقه، إلا أن تبايُـن المواقع يؤدّي أحياناً إلى تبايُـن الاجتهادات، ولدينا هنا عيِّـنة على هذه الفرضية.

كلنا نعرف بالطبع جيمس ولفينسون، إنه أشهر من نارٍ على عَـلَـم: رئيس البنك الدولي لعشر سنوات وبعدها مندوب اللجنة الرّباعية الدولية (أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة وروسيا) لأحد عشر شهراً، ثم إنه كذلك يهودي أسترالي أصبح أمريكياً عام 1980. صعد إلى مناصب السلطة العالمية بسُـرعة قد تبدو عجيبة في البداية، من كونه موظّـفاً صغيراً في قسم الإستثمارات المصرفية في سيدني إلى رئيس البنك الدولي في نيويورك، لكن العجب يزُول حين نعرف أنه كان ( ولا يزال) من أشدّ المتحمِّـسين للفِـكرة الصهيونية.

ويلفينسون هذا نطق أخيراًً بعد صمْـت طويل وأدلى لصحيفته المفضلة “هآرتس” بحديث مطوّل عن تجربته كممثل للَّـجنة الرّباعية في الشرق الأوسط، فلندقِّـق معاً بأهَـم منطوقاته:

1- النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ليس مركزياً بالنسبة لمستقبل العالم. ففي النهاية، سيكون على الإسرائيليين والفلسطنيين الاعتراف بأن عددهم معاً لا يتعدّى الـ 11 مليون نسمة وسط بحر من 350 مليون عربي، وهذا العدد الأخير، سيتضاعَـف خلال 10 إلى 15 سنة. الوقت لا يعمل لصالح الطرفيْـن (لاحظ هنا أن ويلفينسون يفصِـل بين العرب والفلسطينيين).

2- سيأتي وقت يُـدرك فيه الإسرائيليون والفلسطينيون أنهم جزء من مسرحية هامشية، وأن السياسات العالمية الحقيقية تتمحوَر حول سياسة الحرب وسياسة الأسلحة النووية ووزن العامل الديموغرافي (السكاني).

3- يتجنَّـب ويلفينسون الردّ على سؤال حول ما إذا كان تدهْـور وضع إسرائيل سيؤدّي إلى قيام نظام عُـنصري كامل فيها، لكنه يُـلفت إلى وجود نزيف أدمِـغة في الدولة العبرية وأيضاً إلى النفقات الهائلة للجيش وأجهزة الاستخبارات، وإلى إستنزاف حيوية الخلق والإبداع لدى الشباب الإسرائيلي في الخدمة العسكرية الطويلة.

4- وهل غيّرت تجربته في إسرائيل رَأيه في الصهيونية والدولة العبرية؟ يردّ ويلفنسون بالنفي، لكنه يُـعاود التشديد مرّة أخرى على أن الصِّـراع الإسرائيلي – الفلسطيني مجرّد مشهَـد هامشي في مسرحية عالمية أوسع. إنه، برأيه، مشهَـد في قرية صغيرة، وليس مسرحية في برودواي.

هل دقّـقنا تماماً في كل كلمة قالها وليفنسون؟ إنه يقول إن الكرة الأرضية كلّـها يجب أن تكون ساحة الفِـعل لليهود، لا فقط الرّقعة الجغرافية الصغيرة التي إسمها فلسطين والتي ستُـحاصَـر عمّـا قريب بأمواج من نحو 700 مليون عربي، وهذا بالطبع منطِـق يتناقَـض حرفاً بحرف مع المنطِـق الإسرائيلي.

ومع ذلك، يتمسّك ويلفينسون بإستمرار دعْـمه للمشروع الصهيوني، كما يفعل باقي قادة النُّـخبة اليهودية التي تحكُـم العالم، من آل روتشيلد إلى آل روكفيلر ومورغان. لماذا؟ العادة سبَـب. العواطف سبب آخر. مصالح المافيات والمصرفيين العالميين والإستخبارات الإسرائيلية والغربية، سبب ثالث، لكن، وفي وقت ما قد يصل اليهود العالميون إلى الإستنتاج بإنه ربّـما يتعَيّـن عليهم إعادة النظر في دوْر إسرائيل في الشرق الأوسط والعالم، بدلاً من أن يكون يهود العالم في خِـدمة إسرائيل، يعمل يهود إسرائيل لخِـدمة السلطة العالمية اليهودية.

متى يمكن أن يحدُث ذلك؟ ليس على الأرجح قبل أن تتخبّـط إسرائيل في حربيْـن أو ثلاثة أخرى، إذ حينها قد يرى رفْـض ويلفينسون هدْر “طاقة الإبداع” الإسرائيلية في المدفع (الشؤون العسكرية)، بدل الزبدة (الشأن المالي)، بعض تطبيقاته العملية.

فكّـكوا إسرائيل

وعلى أي حال، هذا المنطِـق الذي يطرحه ويلفنسون و”جاي كول” و”جاي ستريت”، يتناقض حرفاً بحرْف مع المنطِـق الصهيوني الذي يحرِص هؤلاء “العالميون” على عدم إغضابه. ولذا، نراهُـم يتوقّـفون أمام خطٍّ أحمر لا يتجاوزونه، فيكتفون بتوجيه النصائح الخجولة ليهود إسرائيل بدون محاولة إدانة الصهيونية أو حتى نقْـدها.

لكن أحد “اليهود العالميين” عبَـر مؤخّـراً هذا الخط وأعلنها بصراحة: لا حلّ حقيقي ليهود إسرائيل ولإسرائيل نفسها، سوى بتفكيك الصهيونية وإلغاء الدولة العبرية وإقامة دولة فلسطينية – إسرائيلية ديمقراطية مشتركة. هذا اليهودي، هو اليساري الأمريكي جويل كوفل، ودعوته هذه جاءت في كتاب مُـثير بعنوان “التغلّـب على الصهيونية”، أحدث منذ صدوره قبْـل أشهر وما يزال، ضجّـة كبرى في الولايات المتحدة والغرب.

كوفل ينطلِـق من الأسئلة الآتية: كيف تَـوَرَّط اليهود الذين ارتبط تاريخهم منذ القِـدَم بالعذاب والأهداف الأخلاقية العليا، بدولة-أمة (إسرائيل) مكروهة في كل العالم لقمعها وإخضاعها شعباً أصلياً (الفلسطينيون)؟ لماذا اختارت أغلبية مهمّـة من اليهود أن تُـعادي الرأي العام العالمي بهدف دعْـم دولة حوّلَت أراضيها المحتلة إلى معسكر اعتقال ضخم ودفعت سكان هذه الأراضي إلى العنف الانتحاري؟ لماذا تنسى الصهيونية في خِـضمِّ حملتها على الإرهاب، أن ثلاثاً من رؤساء حكوماتها خلال السنوات الأخيرة كانوا إرهابيين موصوفين (بيغن وشامير وشارون)؟

ومن هذه الأسئلة الأولية، تتدفّـق الإجابات: خلق دولة إسرائيل عام 1948 كمُـستعمرة للمستوطنين الذين أقاموا دولة يهودية نقِـية، كان كارثة متعدّدة الأوجه. كان خطأً قاتلاً يجب تصحيحه سريعاً عبْـر نزع الطابع الصهيوني عن إسرائيل ودمْـجها في الشرق الأوسط.

كوفل لا ينفي يهوديته، بل هو يفاخِـر بها. يقول: “أي يهودي أنا؟ هل أنا يهودي سيّء للغاية وأكْـره نفسي كما يقول عنّـي الصهيونيون؟ كلاّ. أنا أنتمي إلى ما وصفه إسحاق دويتشر بنادي “اليهودي اللايهودي”، وهو نادٍ يضمّ أيضاً كارل ماركس وإسبينوزا وفرويد وبراوست وأينشتاين وكافكا وروزا لوكسمبورغ. ومن هذا الموقع، يرفض كوفل أن تكون إسرائيل يهودية كما تريدها الصهيونية. كما يرفض أصلاً أن يبقى اليهود في إسرائيل أسْـرى جدران دولة عنصرية منهمِـكة في سلسلة حروب لن تنتهي ضدّ جيرانها.

وكتب يقول: “لا نستطيع إلا أن نصِـل إلى الإستنتاج الواضح بأنه يتعيّـن إعادة التفكير بالإستثنائية اليهودية كما تتجلّـى في إسرائيل وأن تكون إعادة التفكير هذه أساس أيّ سلام دائم وعادِل في الشرق الأوسط. حان الوقت للشعب اليهودي كي يستأنِـف نِـضاله من أجل الوصول إلى العالمية”.

الوصول إلى العالمية؟ أليْـس هذا أيضاً ما يدعو إليه اليهودي العالمي الآخر جيمس ويلفونسون؟ كيف يمكن لكوفل الماركسي وويلفونسون الرأسمالي أن يتوصّـلا إلى النتيجة نفسها؟

لا نريد هنا أن نستدْعِـي روح “نظرية المؤامرة”، لكن، حتى ولو فعلْـنا، لن نجانِـب جادّة الصّـواب، إذا ما إستنتجنا بأن اليهود العالميين، على اختلاف أجنداتهم الأيديولوجية، ينظرون إلى الصهيونية على أنها مشروع فاشِـل أو حتى تافِـه. وكيف لا يكون ذلك، إذا ما كان اليهود قادرون (كما يريد كوفل) على تزعم الحركة الإنسانية والديمقراطية العالمية أو إقامة “النظام العالمي الرأسمالي الجديد” ( ما يطمح إليه ويلفينسون)، فيما يهود إسرائيل يستثيرون بعُـنفهم واستعماريتهم ومحدوديتهم الجغرافية، كراهية العالم ولاساميته؟

إنها مجدّداً مقاربة عيْـن الطير اليهودية العالمية، في مقابل مقاربة عيْـن الحلزون اليهودية الصهيونية. وبالطبع، الفرق شاسع بين ما يراه الطير وما يختبره الحلزون! وهذا الحلزون يستعدّ حسبما يبدو لحرب جديدة في لبنان أي أن على الجمهور أن يستعد بدوره لحرب تحرير جديدة!

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

بيروت (رويترز) – هدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الثلاثاء بمهاجمة السفن العسكرية والمدنية والتجارية المتجهة الى اسرائيل في اي حرب مقبلة.

وخاطب الاسرائيليين في الذكرى السنوية العاشرة للانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان قائلا “اذا حاصرتم ساحلنا وشواطئنا وموانئنا فان كل السفن العسكرية والمدينة والتجارية التي تتجه الى موانىء فلسطين على امتداد البحر الابيض المتوسط ستكون تحت مرمى صورايخ المقاومة الاسلامية”.

وكان نصر الله هدد في فبراير شباط الماضي في ذكرى اغتيال ” الشهداء القادة” في حزب الله ومن ضمنهم القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية بضرب مطار بن جوريون اذا ضربت اسرائيل مطار بيروت الدولي في اي حرب مقبلة.

وكان حزب الله قصف سفينة حربية اسرائيلية قبالة السواحل اللبنانية في الحرب التي خاضها مع اسرائيل في يوليو تموز في عام 2006 وادت الى مقتل نحو 1200 شخص معظمهم من المدنيين ونحو 160 اسرائيليا معظمهم من الجنود.

وخلال الحرب التي استمرت 34 يوما فرضت اسرائيل حصارا مشددا على السواحل اللبنانية وقصفت الضاحية الجنوبية لبيروت وكذلك القرى الشيعية في جنوب لبنان التي كانت قد انسحبت منها إسرائيل في عام 2000.

كما قصفت اسرائيل الجسور والطرق ومدارج المطار والموانىء والمصانع ومحطات الكهرباء وشبكات المياه والمنشأت العسكرية.

وقال نصر الله عبر شاشة عملاقة في مهرجان اقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت “نحن نتحدث عن البحر الابيض المتوسط ولم نصل بعد الى البحر الاحمر. هذه السفن التي ستتوجه الى اي ميناء على الشاطىء الفلسطيني من الشمال الى اقصى الجنوب نحن قادرون على استهدافها ان شاء الله وعلى ضربها وعلى اصابتها ان شاء الله ومصممون على ان ندخل هذا الميدان الجديد في المواجهة اذا حاصروا ساحلنا”.

ومضى يقول “عندما سيشاهد العالم كيف تدمر هذه السفن في المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة لن يجرؤ احد على الذهاب الى هناك كما سيمنع اي احد على الوصول الى شواطئنا”، لكنه اضاف “اذا سفينة خارجة من فلسطين المحتلة وتحمل اناسا نسمح لها بالخروج.”

وتزامنت الذكرى السنوية العاشرة للانسحاب الاسرائيلي تحت وقع ضربات مقاومة قادها حزب الله على مدى 22 عاما مع مناورات اسرائيلية بدأت يوم الاحد الماضي وتستمر خمسة ايام.

وظلت المنطقة هادئة الى حد كبير منذ عام 2006 حيث تراقب الحدود قوات من الامم المتحدة والجيش اللبناني. ولكن مزاعم اسرائيلية لم تثبت بأن سوريا نقلت الى حزب الله صواريخ سكود طويلة المدى أثارت شائعات عن نشوب حرب.

وتبادلت اسرائيل وحزب الله التهديدات رغم أن كليهما يصر على أنه لا يسعى لحرب أخرى.

وكرر نصر الله موقف حزبه من انه لا يريد الحرب التي وصفها بانها “ستغير وجه المنطقة” لكنه اكد في المقابل “نحن مستمرون في الجهوزية مستمرون في الاستعداد. استعدادنا وجهوزيتنا لا تقف عند زمن ولا تقف عند حدود.”

واضاف “اليوم يوجد حرب نفسية بيننا وبين اسرائيل هو يجري مناورات ويصورها ويظهرها في التلفزيونات ليقول للبنانيين خافوا ونحن ايضا يوجد شيء قادرون ان نعمله ويجب ان نقول للاسرائيليين خافوا.”

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 مايو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية