مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غضب في الولايات المتحدة من سويسرا وبولانسكي

بيت رومان بولانسكي الريفي في منتجع غشتاد، أصبح خاويا بعد أن غادره المُـخرج الفرنسي البولندي Keystone

بعد أن استعاد رومان بولانسكي حريته وغادر بيته الريفي في منتجع غشتاد (كانتون برن)، تعرّض قرار الحكومة السويسرية بعدم تسليمه إلى واشنطن إلى الإنتقاد في الولايات المتحدة، حيث دعا البعض أيضا إلى مقاطعة أشرطة المخرج السينمائي والمشاهير الذين يدعمونه.

بإمكان رومان بولانسكي أن “يشعُـر بالإرتياح الكبير” لقرار الحكومة السويسرية، مثلما جاء على لسان محاميه الفرنسي جورج كيجمان، لكن مشاكل الممثل والمُـخرج السينمائي مع الولايات المتحدة، لم تنته بعد.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وصف القرار السويسري برفض طلب الإبعاد، بالمثير للأسف. أما مساعد وزير العدل في إدارة أوباما، المكلّـف بالقضايا الإجرامية، فعبّـر عن “خيبة أمل عميقة”، ونوه إلى أن الحكومة الفدرالية الأمريكية “ستقوم بدراسة خياراتها”، وقال لانّـي برويير: “إن طلب الإبعاد الذي قدّمناه، كان سليما تماما، بالنظر إلى المعاهدة (المُـبرمة بين سويسرا والولايات المتحدة) وإلى الوقائع وإلى القانون. وبالتأكيد، فإن التصرّف المُـدان، كان خطيرا جدا”.

طلبٌ مماثل من بلدان أخرى

ستيف كولي، المدّعي العام لمقاطعة لوس أنجليس، الذي تقدّم بطلب الإبعاد، اعتبر أن قرار سويسرا “يقدِّم خِـدمة سيئة لقضية العدالة وللضحايا الآخرين بشكل عام”، ووعد بطلب تسلّم بولانسكي من بلدان أخرى.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال ستيفن غايدوس، مدير تحرير « Variety »، أقدم نشرية مهنية تصدر عن صناعة الفرجة والسينما في الولايات المتحدة، “إن العالم يضيق بشكل كبير على رومان بولانسكي. وأنا أتساءل هل لا زال بإمكانه التنقّـل والعمل في بلدان أخرى غير فرنسا؟”.

ويُـشدد غايدوس، الذي تُـتابع مجلته في لوس أنجليس الملف منذ بداياته، على أن الوقائع التي يُـلاحق من أجلها رومان بولانسكي (اغتصاب قاصرة، وهي جريمة أدين بسببها في عام 1977، والفرار إلى خارج الولايات المتحدة مستخفا بالمحكمة)، خطيرة ولا تسقُـط بتاتا بالتقادم في الولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، تتّـسم الأجواء السياسية السائدة اليوم في الولايات المتحدة، بالسلبية تُـجاه المُـخرج السينمائي. فعلى سبيل المثال، يحتلّ كل من القاضي إسبينوزا والمدّعي العام كولاي (المعنيّان مباشرة بالقضية) مواقِـع انتخابية. في الوقت نفسه، رشّـح هذا الجمهوري نفسه لشغل منصب وزير العدل في ولاية كاليفورنيا في الإنتخابات التي تُـنظم في شهر نوفمبر القادم. وبغضّ النظر عن نتائج أي اقتراع محتمل، فإن الرجلين سياسيان وقانونيان على حدّ السواء.

في هذا السياق، يشير ستيفن غايدوس إلى أن “القاضي والمدّعي العام، لا زالا بصدد تجميع الموارد المالية لفائدة حملاتهما الإنتخابية”. ويضيف غايدوس أن “المدعي العام يُـحسِّـن صورته لدى رجل الشارع، من خلال ملاحقة بولانسكي، وهو رجل تسهُـل شيطنته ويتحدث بلكنة أجنبية، وهو من المشاهير القريبة من هوليوود”.

انقسام في هوليوود

على ذكر هوليوود، لا مفر من الإقرار من أن الأجواء السائدة في أضخم مركز عالمي لصناعة السينما وفي المجتمع الأمريكي عموما، تتّـسم اليوم بقدر أكبر من المحافظة مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في عام 1977.

ويوضِّـح المسؤول على مجلة « Variety » أنه “في الستينات والسبعينات، كانت هوليوود منطبِـعة في الوقت نفسه، بثقافة الحب الحرّ الموروثة عن “حركة الهيبّـيز” وبعقلية لا ترى غضاضة في وجود علاقات بين رجال من ذوي النفوذ، مع فتيات صغيرات. (أما اليوم)، فإن هوليوود، ودون أن تُـصبح “مكانا للفضيلة”، لم تعُـد منذ حوالي 30 عاما، مستوطنة للفنانين، بل خضعت لسيطرة شركات كُـبرى. ومن بين النتائج الإيجابية لهذا التغيير، هو أن الناس فيها (هوليوود) أصبحوا أكثر وعيا بمسألة الاستغلال الجنسي، وتعتبرها جريمة خطيرة”.

ولهذا السبب، فإن العريضة المؤيِّـدة لرومان بولانسكي، التي وقّـع عليها نجوم ومشاهير من بينهم مارتين سكورسيزي وديفيد لينتش ووودي آلن، لم تمنع من حدوث “انقسام كبير في هوليوود” حول القضية. ويشير السيد غايدوس إلى أنه “من غير المؤكّـد أن الموظفين الذين يُـشكِّـلون قاعدة صناعة السينما، يساندون بولانسكي. وبالإضافة إلى ذلك، توجد قِـوىً محافظة داخل هوليوود نفسها”.

وفي هوليوود وغيرها من المواقع، يُـطالب الأمريكيون أكثر فأكثر، بتشدّد مثالي تُـجاه مرتكبي الإعتداءات الجنسية بحق القصّـر، وقد أظهروا ذلك مؤخرا من خلال إدانتهم الشديدة لرجال الدِّين (كهنة وقساوسة)، الذين ارتكبوا تجاوزات بحق أطفال.

مظاهرة أمام القنصلية السويسرية

في هذا السياق، أدانت منظمة تضم في صفوفها ضحايا اعتداءات قساوسة وكهنة يوم الاثنين 12 يوليو، رومان بولانسكي وسويسرا. وصرّحت باربارا بلاين، رئيسة شبكة SNAP للناجين من هذه الإعتداءات، “السويسريون لم يتصرّفوا بطريقة ملائمة في هذه القضية. فمن المُـفترض أن لا يكافأ بولانسكي على فِـراره من وجه العدالة”، وتضيف السيدة بلاين أن “رفض طلب تسليم بولانسكي، حدث بالغ الأهمية ومؤسِـف لحكومتيْـنا، وبالخصوص للأطفال ضحايا الإعتداءات الجنسية”.

هذه المنظمة تظاهرت يوم الاثنين 12 يوليو أمام قنصلية سويسرا في شيكاغو ودعت “كل شخصٍ سواء كان شاهدا أو لديه شكوك أو عانى بسبب سوء تصرّف بولانسكي، إلى الإتصال فورا بالشرطة”، كما طالبت أيضا بمقاطعة “الأفلام والأعمال الأخرى المُـنتجة من طرف بولانسكي والمشاهير الذين يساندونه”.

على صعيد آخر، دعا أحد المعلِّـقين في صحيفة “واشنطن بوست” بدوره إلى المقاطعة وكتب أوجين روبينسون “ما دام بولانسكي ينأى بنفسه عن العدالة الأمريكية، فلماذا لا نتخلّـى نحن عن أفلامه؟”.

يُـشار إلى أن تشاد هامّـل، محامي رومان بولانسكي في لوس أنجلس وجيفري بيرغ، مدير أعماله، لم يجيبا عن طلبات swissinfo.ch لإجراء مقابلات معهما.

ماري كريستين بونزوم – واشنطن – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

عموما، لا تُـبدي وسائل الإعلام الأمريكية أي تفهّـم لرفض سويسرا تسليم رومان بولانسكي إلى العدالة في كاليفورنيا.

مجلة “تايم” نشرت على صفحتها على الإنترنت العنوان التالي: “صدمة: سويسرا تُـطلق سراح بولانسكي”، وأضافت بأن هذا القرار يسمح له بأن يكون شـِبه متأكّـد من الإفلات من عقوبة السجن حتى آخر أيامه.

صحيفة لوس أنجليس تايمز، كتبت تقول “بالنسبة لبولانسكي، يُـحتمل أن يكون هذا أسعد يوم في حياته منذ 1978، عندما نجح في مغادرة البلد (أي الولايات المتحدة)، قبل أن يُـصدر قاضٍ حكمه عليه بسبب علاقة جنسية مع قاصرة تبلغ 13 عاما من العمر”. وأضافت، مرة أخرى، تمّ إنقاذ السينمائي بفضل “لامعقول قانوني”.

كاتب افتتاحية “واشنطن بوست”، أعرب بدوره عن استيائه ودعا الأمريكيين إلى مقاطعة أشرطة السينمائي الفرنسي – البولندي، وقال “لقد قرر السويسريون أن لا يُعاقَـب بولانسكي أبدا، رغم أنه اعترف بذنبه”.

شبكة CNN التلفزيونية، وضعت من جهتها السينمائي في المرتبة الأولى على “القائمة التي لا يودّ أحد أن يُـدرج عليها” ووصفته بـ “مُـعتدٍ جنسي على أطفال بحالة فِـرار”.

صحيفة نيويورك تايمز، اعتبرت أن القضية تُـسلِّـط الضوء على الهوّة الثقافية القائمة بين أوروبا والولايات المتحدة، ويتمثل السؤال المطروح في معرفة ما إذا كان بولانسكي قد دفع بعدُ بما فيه الكفاية مقابل جريمته أم أن شُـهرته ومهارته الفنية، تغطّـيان على خطورة تجاوزه؟

من جهتها، نشرت صحيفة لوس أنجليس تايمز مقتطفات من رسالة إلكترونية بعثت بها ضحية بولانسكي، عبّـرت فيها سامانتا غايمر، التي تبلغ اليوم 45 عاما من العمر، عن الأمل في التخلي الآن عن الملاحقات القضائية. وقالت مجددا: “آن الأوان لكي تُـحفظ هذه القضية نهائيا”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية