مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غلاء الأسعار .. معضلة مزمنة في سويسرا

على الرغم من أن سويسرا من أشهر دول العالم في إنتاج الأدوية إلا أنها تباع فيها بأسعار أغلى بكثير من جميع دول العالم Keystone

كشف مراقب الأسعار السويسري أنه تلقى 1395 شكوى خلال عام 2005، يحتج فيها المواطنون على الغلاء في البلاد، وذلك بزيادة تصل إلى 50% عما تلقاه في عام 2004، وإلى 100% مقارنة بعام 2003.

وتأتي هذه النتائج معاكسة لما أعلنته مؤخرا دوائر اقتصادية عن تفاؤل المستهلكين وإقبالهم على الشراء خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين.

يدل هذا التطور الكبير في عدد رسائل الاحتجاج التي يتلقاها المراقب الفدرالي، رودلف شترام، سنويا على أن الوعي بسياسة الأسعار في جزيرة الغلاء الأوروبية (أي سويسرا) يرتفع من عام إلى آخر وأن المستهلك لم يعد يقبل بأية أثمان تفرضها عليه الأسواق التجارية وشبكات التوزيع الاستهلاكية.

شكاوى العام 2005 كانت من ارتفاع أسعار الأدوية والكتب والاشتراكات الشهرية في شبكة توزيع الراديو والتليفزيون، وتعريفة الاتصالات الهاتفية، ورسوم الطاقة واستخدام المواصلات العامة، ويرى شترام بأن تلك الشكاوى مثل “مقياس درجة حرارة الرأي العام” الذي يحتج على ارتفاع أسعار الخدمات التي تقدمها الشركات الخاصة أو المؤسسات التي تقدم الخدمات العامة.

فالشكوى من زيادة أسعار الأدوية مثلا حذر منها شترام قبل سنوات، وتمكن من خلال دراسته للأسعار ومقارنتها مع دول الجوار وما تحققه الشركات السويسرية من أرباح خيالية، من توصل وزارة الشؤون الداخلية السويسرية إلى إبرام اتفاق مع تجار الأدوية على تخفيض الأسعار، ولكنها لم تصل إلى مستوى الإتحاد الأوروبي على سبيل المثال، ويعكف شترام مع فريق عمله المكون من 17 شخصا، على إعداد دراسة جديدة من أجل الوصول إلى تقليل أسعار الأدوية مرة أخرى.

هجوم برجوازي ودفاع مستميت

ويعمل شترام بشكل لصيق مع المكتب الفدرالي للمنافسة الاقتصادية، وهو ربما ما قلل هجوم أحزاب اليمين (الموصوفة في سويسرا بالبرجوازية) عليه، بعد أن طالبت شخصيات منها أكثر من مرة بضرورة إلغاء منصبه، بزعم أنه “يؤلب الرأي العام ضد سياسة الأسعار”.

في المقابل، يرد السيد شترام مدافعا بأنه “يأخذ بعين الاعتبار معدلات الدخل ومستوى المعيشة في البلاد، وله الحق في انتقاد الغلاء”، لاسيما وانه يبرهن بالأدلة وفي جميع المناسبات أن الزيادة في أسعار بعض المواد مبالغ فيه بشكل غير عادي، ويطرح أيضا الحلول والمقترحات التي لا تروق غالبا لأصحاب رؤوس الأموال والشركات.

فهو يرى على سبيل المثال أن أسعار بيع بعض المواد المستوردة تفوق مثيلاتها المعروضة في الإتحاد الأوروبي بقيمة تتراوح بين 25 و 30 مليار فرنك سنويا، أي ما يعادل قرابة 6000 فرنك لكل أسرة سويسرية، يمكن أن توفرها إذا تراجع التجار عن أسعارهم.

وفيما لا يتردد مراقب الأسعار عن توجيه الإنتقاد إلى شركات توريد الكهرباء في بعض المناطق السويسرية لأنها تبيع الطاقة بأسعار أعلى حتى من المستوى المتعارف عليه في الكنفدرالية، دعا مرارا وتكرارا المحامين والمستشارين القانونيين إلى ضرورة توحيد رسومهم بشكل يتناسب مع متوسط أسعار الشركات الأخرى، لكن توصياته عادة ما تذهب أدارج الرياح.

نفس الإشكال قائم بدوره مع أسعار الكتب والمطبوعات المستوردة بالتحديد، وإن كانت المشكلة تطال أيضا الكتب المطبوعة محليا. وبشكل عام لا تجد توصياته صدى لدى المشتغلين في هذا المجال أيضا.

ملاذ للمشتكين

الغلاء الذي يشعر به المواطن العادي في حياته اليومية في سويسرا، لا يمس هذا القطاعات فقط بل يطال السلع الاستهلاكية الضرورية في الحياة اليومية، التي كانت – إلى وقت قريب – موزعة بين 3 شبكات تسيطر على توزيع المنتجات الغذائية والإستهلاكية الأساسية على كل البلاد، تتنافس فيما بينها على حافظة نقود البيت السويسري.

في نفس الوقت، بدأ فتح الأسواق أمام منافسين من الإتحاد الأوروبي وتحديدا من فرنسا وألمانيا المجاورتين، في التأثير على توجهات المستهلكين. ومع أن الإحصائيات لم توضح بعد الحجم الدقيق لتأثير دخول شركات التوزيع المنتجات الاستهلاكية الأجنبية على مثيلاتها السويسرية، إلا أن الحيرة تنتاب المراقبين أمام الأسعار الرخيصة (نسبيا) التي يقدمها الألمان والفرنسيون.

خلاصة القول، يعتقد الساسة اليمينيون (البرجوازيون) أن مكتب مراقبة الأسعار ليس أكثر من “أشواك لا مكان لها في باقة الورد التي يرغبون في الحصول عليها من جيوب المستهلكين” في ظل محاولاتهم المتميتة لإقناعهم بأن النوعية الجيدة للمنتجات السويسرية والرقابة الصارمة على البضائع المستوردة تبرر الثمن المرتفع المدفوع لها.

في المقابل، يرى جمهور المستهلكين في السيد شترام وفريق عمله الجهة الوحيدة التي تشعر بمشكلاتهم، لاسيما مع ارتفاع معدلات البطالة واتجاه الدولة المستمر لتقليص دورها الاجتماعي إلى الحد الأدنى. ولعل ذلك ما يبرر تشبيه صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة في زيورخ مكتب مراقب الأسعار بـ”حائط المبكى الذي تتوجه إليه كل حافظة نقود بالشكوى”.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

سويسرا هي البلد الأوروبي الوحيد التي خصصت منذ عام 1985 مراقبا فدراليا لمتابعة الأسعار، تنفيذا لتوصية الناخبين في استفتاء شعبي أجري عام 1982.
تتلخص مهمة المراقب في متابعة أسعار البضائع الاستهلاكية والخدمات، ويركز على سياسة الشبكات الاحتكارية أو المؤسسات التجارية التي تحدد الأسعار عن طريق التفاوض والتراضي.
لا يتمتع مراقب الأسعار بسلطة فرض عقوبات على الشركات، ولكن يمكنه إصدار توصيات للأطراف المعنية.
يمكن لمراب الأسعار أن يمنع رفع سعر سلعة معينة، فقط في حال عدم توصله إلى إقناع التجار بالنزول بالأسعار إلى الحد المعقول.
على الرغم من توجيهات المراقب ونصائحه، لا تزال الأسعار في سويسرا أغلى مما هي عليه لدى جيرانها بنسبة تتراوح بين 25 % و 40%.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية