مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فرضُ النظام الفدرالي في سوريا غير مُمكن.. “إلا في صيغته السويسرية” ربما!ّ

أعوان من جهاز أمن الامم المتحدة يغلقون الباب مع انطلاق جولة جديدة من المحادثات بين أعضاء اللجنة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية ووسيط الامم المتحدة ستيفان دي ميستورا في جنيف يوم 24 مارس 2016. وقد يتحدد مصير سوريا خلف هذه الأبواب المغلقة. AFP

طُرح خيار الفدرالية بقوة في كواليس جولات المفاوضات التي دارت في جنيف بين النظام السوري وقوى المعارضة، وكذلك في وسائل الإعلام، بصفته أحد المخارج المُمكنة من الصراع الحالي. وفيما رفضت أطياف المعارضة بشدة أي حلول تؤدي إلى تقسيم سوريا التاريخية، سارعت بعض القوى الكردية إلى الإعلان عن تكريس الفدرالية الكردية في المناطق التي تسيطر عليها شمال البلاد، ما يُؤشر إلى احتمال نشوء إقليم مُنفصل في الشمال السوري شبيه بإقليم كردستان العراق، إذا ما استمر تفكك الدولة السورية.

غير أن مثقفين سوريين من ديانات ومكونات ومشارب فكرية مختلفة حذروا من السير في طريق الفدرالية “التي تُفتت الوطن وتُمزق الشعب” كما قالوا إلى swissinfo.ch، ورأوا أن الصيغة الوحيدة المقبولة للفدرالية هي النموذج السويسري، الذي “يُحافظ على وحدة الدولة والشعب ويمنح صلاحيات إدارية واسعة للمحافظات أو الأقاليم”.

وفي هذا السياق، يعتقد المفكر والسياسي السوري ميشيل كيلو أنه من الضروري مناقشة هذا الطرح، مُنبّها إلى وجود مشروعين متوازيين للفدرالية، مُعتبرا إياهما “احتمالين جديين، تتبناهما دولٌ متصارعة تحتل إحداها سوريا، وهي روسيا التي يُمكن لما تقوله اليوم أن يصير واقعنا غدا”.

ورأى أن هذا الخيار الفدرالي الروسي “يتفق مع مواقف أوساط سورية مؤثرة ترفض العودة إلى ما كان قائما عندنا من حكم مركزي، لاعتقادها أن نمط حكمه لا يُمكن أن يكون إلا استبداديا، يستعيد ما قامت الثورة للقضاء عليه”، مثلما أوضح كيلو في تصريحه لـ swissinfo.ch.

سيناريو لما بعد الحرب

يأتي هذا الجدل على خلفية خطوة غير مسبوقة في التاريخ السوري تمثلت في إعلان أحزاب كردية يوم 17 مارس 2016 قيام نظام فدرالي في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال، وهي خطوة اعتبرها مُراقبون مُقدمة لفرض نظام مُماثل في كافة الأراضي السورية بعد نهاية الحرب، ما جعلها تُقابل برفض قطعي من دمشق وتشكيلات المعارضة على السواء.

واتهمت فصائل المعارضة السورية بعض التنظيمات الكردية “باستغلال ثورة الشعب السوري وتضحياته للسيطرة على أجزاء من الأرض السورية وإقامة كيان عرقي أو قومي عليها”. وأكدت تلك الفصائل في بيان مشترك ضم 70 فصيلا مُقاتلا رفضها للمشروع “لأنه خطوة تهدف إلى تقسيم البلاد” مُحذرة من أنها “ستقاومه بكل ما أوتيت من قوة وبكافة الوسائل السياسية والعسكرية” على ما ذكرت في بيانها.

وقال الكاتب السوري مازن أبو سالم “إن تحديد شكل الدولة السورية، إن كانت مركزية أم فدرالية، ليس من مشمولات فصيل لوحده، وإنما سيتم في أعقاب وصول المفاوضات إلى مرحلة عقد المؤتمر التأسيسي السوري الذي سيتولى وضع دستور جديد لسوريا”.

ويُشكل الأكراد حوالي 10% من سكان سوريا، وهم يشكون من تعرُضهم  لتهميش طويل، وصل إلى حد حرمان قسم منهم من الجنسية، وتجاهل لغتهم خلافا لأكراد العراق الذين كان يُسمح لهم بإصدار الصحف والكتب بلغتهم القومية وإحياء أعيادهم وممارسة تقاليدهم الاجتماعية والثقافية الخاصة بهم مثل عيد النوروز.

وأوضح أبو سالم أن المناطق المعنية بالنظام الفدرالي في شمال سوريا هي المقاطعات الكردية الثلاث: الحسكة وكوباني الواقعة في ريف حلب الشمالي وعفرين في ريف حلب الغربي، بالإضافة إلى تلك التي سيطرت عليها مؤخرا “قوات سوريا الديمقراطية” (تتهمها المعارضة بالتواطئ مع النظام في دمشق) في محافظتي حلب والحسكة. ويُغطي المشروع المُعلن حوالي 10 في المائة من الأراضي السورية وثلاثة أرباع حدودها مع تركيا.

العراق وسوريا

في السياق، أوضح الباحث العراقي الدكتور حيدر سعيد متحدثا إلى swissinfo.ch أن سياقات الحكم الذاتي والقضية الكردية في العراق مختلفة عنها في سوريا، إذ طُرحت مشكلة الأكراد في العراق منذ أول انتفاضة كردية في 1919 أي قبل تأسيس المملكة العراقية. وظهر شعار الحكم الذاتي في ثورة 1961، ثم في اتفاقات 1973 بين ممثلي الأكراد والدولة العراقية أي سلطة حزب البعث، وهو الذي يقوم على فكرة القومية العربية. أما في سوريا فمُسمى “غرب كردستان” جديد، كما توجد هناك اختلافات عن أكراد العراق حتى في اللغة واللهجة، إذ يتحدث أكراد سوريا الكرمنجية مثل أكراد تركيا وميولهم مُنجذبة إلى حزب العمال الكرستاني PKK.

ويستخلص حيدر سعيد أن “هناك محاولة لصناعة أو تخيُل جغرافيا كردية في سوريا، وهو أمر لن يتحقق إلا بتطهير عرقي (يستهدف العرب) في تلك المناطق”. وربط عودة الحديث عن الفدرالية بسياقات المفاوضات الجارية في جنيف، مُذكرا بأن الروس أفشلوا جنيف 3 في يناير 2016، وانطلقوا في غاراتهم المكثفة، ثم بدأ موقف موسكو يتغير في الجولات الأخيرة، لذلك جاء مشروع الفدرالية لمحاولة وضع الملف الكردي على مائدة المفاوضات، لكنها “مُبادرة منفردة” وفقا لما قال الدكتور سعيد.

وسُؤل عمَا إذا كان النموذج السويسري صالحا لحل المشكلة الكردية في سوريا، فأجاب بأن ذلك “مُمكن بشرط أن يكون بموافقة جميع الأطراف”، مُشيرا إلى أن العرب في العراق “لم تكن لديهم مشكلة مع حصول الأكراد على الحكم الذاتي، مع أن اللامركزية هناك تحولت إلى استقلال كامل في بعض المدن”.

مشروعان مُتضادان

يُنزِلُ ميشيل كيلو مشروع النظام الفدرالي الذي أعلنته بعض الأطراف الكردية في شمال سوريا في سياقيه الجغرافي والزمني فيقول “إنه مُرتبط بمسارات سياسية لأطراف غير سورية تعيش خارج سوريا، وتعمل على إقامة كيان دولوي عابر للحدود السورية، لا يُعبر عن خيارات توافقية ووطنية، فهو حمال مخاطر تفتيتية وتقسيمية، لا سيما أن حملتهُ ومؤيديه يستخدمون القوة لبلوغه، وأن سياستهم وممارساتهم، تُضعفُ وحدة السوريين وترفض ثورتهم، وأن دُولا تتلاعب بأقدار بلادنا ومصائرها كأمريكا وروسيا، تدعم القوة التي تعمل لتحقيقه عبر احتلال مساحات واسعة من سوريا، تزعمُ انها “أرضٌ كردستانيةٌ”، وأن للكرد الحق في بناء كيان دولوي خاص بهم وحدهم عليها، وفي الانفراد بتقرير مصيرها”.

ثلاثة كانتونات

أظهرت دراسة نشرها مؤخرا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة أن أغلب أكراد سوريا استقروا على طول الحدود مع تركيا في ثلاث مناطق متباعدة عن بعضها، وهي المرتفعات الشمالية الغربية حول عفرين، وعين العرب في الشمال، والجزيرة في الشمال الشرقي.

يفصل كانتون الجزيرة، الممتد بين المالكية ورأس العين، برزخ سكاني عربي واسع على امتداد 130 كيلومتراً عن الكانتون الكردي الثاني في عين العرب، تتوسطه مدينة تل أبيض ذات الأغلبية السكانية العربية.

في المقابل، يفصل الكانتونين الواقعين إلى الشرق من نهر الفرات شريطٌ من المدن والمناطق العربية الممتدة غرباً حتى شمال حلب، وصولاً إلى الكانتون الثالث في عفرين.

يضيق القوميون الأكراد ذرعاً بتناثر مناطق إقامة الأكراد السوريين، وتوزُّعهم في ثلاث مناطق على امتداد نحو 800 كيلومتر على الحدود مع تركيا، ضمن عمقٍ ضحلٍ، لا يتجاوز أحيانًا 3 كيلومترات.

وأضاف كيلو “تعني فدراليةُ المشروع الأول أيضا تأسيس حالة عداء بين السوريين حمالةُ حروب ودم، ستزج بالعرب والكرد في مواجهات ترفضها أغلبيتهم، لأنها ستُلغي عيشا مشتركا جمعهم طوال قرون في السراء والضراء، عرفوا خلاله معنى الأخوة والوطنية الجامعة، مع بروز دور الكرد في بناء الدولة السورية الحديثة، التي بلغ كثيرون منهم أرفع مناصبها القيادية، السياسية والعسكرية، وحموها من أعداء الخارج ومُستبدي الداخل، وناضلوا، من دون كلل أو ملل، من أجل حقوق جميع السوريين”.  

أما في الطرف المقابل فيرى كيلو أن هناك “فهما وليس مشروعا فدراليا وهو لا يعني بالضرورة تقسيم سوريا، بل إن هدفه هو إعادة تنظيمها سياسيا وترتيب علاقات مُكوناتها الوطنية في إطار جديد يُبقي عليها مُوحدة وعلى مواطنيها داخل مناطقهم الحالية، من دون أن يفرض عليهم خيارات سياسية تمس بوحدة الدولة أو بحقوقهم في أرضهم ووطنهم، يربطُ تحقيقه بموافقة السوريين وبتنظيم علاقات مكونات الجماعة الوطنية السورية على أسس ديمقراطية تُعزز المجتمع والدولة، ولا تعني إقامة كيان دولوي على أرض قومية انتزعها العربُ، ومن الضروري استعادتُها لإقامة دولة كردية عليها، لا شأن لغيرهم بها، وليس من حقهم معارضتها أو مقاومتها”.

ويتعلق الأمر في هذه النظرة بحركة كردية يقتصر مشروعها على نيل حقوق وطنية وديمقراطية أساسها المُواطنة المتساوية، المُحصنة بإدارة ذاتية موسعة، بالشراكة مع أبناء المناطق التي ستخضع لها. ويُوضحُ كيلو أن أصحاب هذا المشروع يُؤكدون أنه جزءٌ من المشروع الوطني الديمقراطي السوري العام، ولا يدَعون أن لهم أرضا وطنية يستعمرُها أغرابٌ. 

حاضنة ديمقراطية

وفي السياق نفسه يُضيفُ كيلو أن المشروع الثاني يقوم على احترام وحدة المجتمع وسيادة الدولة، والتوافق على علاقة وطنية ديمقراطية تستجيب للخصوصية الكردية التي سيُعاد إنتاجُها لأول مرة في حاضنة ديمقراطية في شكلها ومضمونها، ينالُها الكرد بصفتهم مواطنين سوريين حُرموا من حقوق تُساويهم بغيرهم، تُعطيهم الحق في بلوغ أي موقع في الدولة، بمعايير الكفاءة والاختيار، وفي التمتع بحقوق ثقافية/لُغوية وإدارية وسياسية واقتصادية تُنمي خصوصيتهم القومية، على أرضية تنوع يُثري وحدة الشعب ويُعززها، تحكُمُه طرق تفاعلية /تكاملية، يشقُها أبناء كل قومية على أرضية قيم مُوحدة ناظمة لوجودهم الوطني المشترك ولقواسمه الجامعة”.

قُصارى القول إن الحكم الذاتي الموسع للأكراد أو للعلويين والدروز والتركمان وغيرهم، لن ينجح كما يقول كيلو “إذا قام خارج إطار المشروع الديمقراطي العام الذي يعتبر وحدة الحركات الديمقراطية شرط تحقيقه وبقائه. أما الفدرالية التي يتحدث عنها الروس، ويتوهّم صالح مسلم أنه سيفرضها أمراً واقعاً، في تكرار لتجربة الصهاينة في فلسطين، فهي انفصال وتقسيم لن يسمح بهما الشعب السوري، بعربه وكرده الذين لا يُعقل أن يسمحوا لأي كان بسرقة ثورةٍ ضحوا بالغالي والنفيس من أجل انتصارها، دائما على حدّ قول ميشيل كيلو.

مؤتمر تأسيسي؟

أعلنت حركات كردية في مقدّمتها حزب الإتحاد الديمقراطيرابط خارجي “الكردي”، في اجتماع عقدته في مدينة الرميلان بمحافظة الحسكة السورية يوم 17 مارس 2016، عن قيام “الإتحاد الفيدرالي” بين ما سُمِّيَ أقاليم “روج آفا” (غرب كردستان) و”أقاليم شمال سوريا”.

انتخب المجتمعون لجنةً من 31 شخصاً لوضع أُسس “الفيدرالية” خلال ستة أشهر في مؤتمر تأسيسي يُعقد من أجل المصادقة على الكيان الجديد.

أعلن صالح مسلم زعيم الاتحاد الديمقراطي أنّ الكيان الفيدرالي لن يقوم على أساس جغرافي، بل على أساس ديموغرافي (إثني) أي أنه خاص بالأكراد.

الإتحاد الديمقراطي هو حزب يساري قومي متطرف تأسس عام 2003، ليكون بمثابة فرع سوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا، وقد شرع في بناء جسم أمني وعسكري تضمّن “وحدات حماية الشعب” وجهاز شرطة (الأسايش)، لتعويض الجيش النظامي السوري الذي انسحب من تلك المناطق. ويُقدر عدد تلك القوات مجتمعةً بنحو 50 ألف مقاتل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية