مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فشل المحاولة الانقلابية في موريتانيا…

الرئيس ولد الطايع يعلن يوم الاثنين فشل المحاولة الانقلابية Ould Taya

أعلن الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد أحمد الطايع فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها عدد من ضباط الجيش ضد نظامه.

وفي الوقت الذي عاد الهدوء إلى العاصمة نواكشوط، رحّـبت دول ومنظمات إقليمية من بينها الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية بفشل الانقلاب.

طوال 36 ساعة، عادت الدولة الموريتانية إلى خارطة الاهتمام السياسي العالمي، بعد أن غيبت نفسها أكثر من 8 سنوات لترتيب أوضاع بلاد كانت طوال عقود استقلالها الأربعة محل تنازع وتجاذب تيارات وقوى إقليمية وعربية ودولية منذ نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.

فبعيد منتصف ليل السبت الماضي، كانت قوات عسكرية تتحرك باتجاه القصر الجمهوري حيث مقر الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ومعها قوات أخرى باتجاه مقرات المؤسسات الرئيسية. وإلى منتصف نهار الاثنين، كانت الأنباء متضاربة حول نجاح الانقلابيين أو مصير الرئيس ولد الطايع الذي أعلن فيما بعد فشل محاولة الانقلاب وسيطرة قواته وأنصاره على الوضع.

وقد أعادت محاولة الانقلاب التذكير بأن موريتانيا الواقعة على أقصى الغرب العربي الإسلامي، لازالت جزءً من الفعل السياسي العربي، وأن الدفع باتجاه عزلتها العربية طوال السنوات الثمان الماضية، لم تؤد بها إلا إلى أزمات داخلية خانقة في كافة الميادين دون أن تساعدها على البقاء على خريطة الاهتمام الإقليمي.

وطوال السنوات العشر الأولى من حكمه، استطاع الرئيس ولد الطايع أن يعيد الطابع العربي للسياسة الموريتانية على الصعيد الإقليمي. ونجح في إقامة علاقات غير متوترة مع المغرب دون أن يوتر علاقاته مع الجزائر، وأن يقلص دعم بلاده لجبهة البوليزاريو ودون أن يسحب اعترافه بجمهوريتها الصحراوية. وحين بدأت المنطقة العربية تذهب نحو التجمعات الإقليمية، كان يلعب دور الشقيق الأصغر المحبوب لإزالة العقبات أمام قيام اتحاد المغرب العربي الذي ضم منذ 1989 ليبيا وتونس والجزائر والمغرب إضافة لموريتانيا.

سياسات متقلبة

كانت السياسة العربية لولد الطايع تخلق له توترات داخليا وخارجيا. فعلى الصعيد الداخلي، تحرك الزنوج الموريتانيون الذين يرفضون الصفة العربية للدولة، وخارجيا كانت سياسته العربية تثير حفيظة السنغال جارته الجنوبية والمنشطة لمعارضيه الزنوج، وتوجت التوترات بأزمة أبريل 1989، حين اندلعت على ضفتي نهر السنغال مواجهات مسلحة أسفرت عن قيام السنغال بحملات تطهير ضد المواطنين الموريتانيين المحتكرين لتجارة أهم المواد الغذائية، وفي موريتانيا، شنت السلطات حملة مضادة على الزنوج المنتمين لقبائل سنغالية.

ورغم أن الموقف الإقليمي العربي والمغاربي لم يكن مؤيدا للرؤية الموريتانية للعلاقات مع السنغال، فإن ذلك لم يمنع ولد الطايع من مواصلة سياسته العربية وإيصال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إلى الطلب من وزارة خارجيته شطب موريتانيا من لائحة دول غرب إفريقيا واعتمادها في لائحة دول شمال إفريقيا أو المغرب العربي.

كما لم تكن نتائج حرب تحرير الكويت وهزيمة العراق، أهم مسانديه، حافزا لتغيير مواقفه، إلا بعد أن استفحلت أزمته الاقتصادية وتصاعدت الحملات السياسية والإعلامية ضده، خاصة من اللوبي الزنجي في الكونغرس الأمريكي بسبب نظام الرق الذي كان سائدا.

كان التغيير الموريتاني دراميا. فمن التشدد في السياسة العربية والمشاركة في الجبهة المناهضة للسياسة الأمريكية في المنطقة إلى شريك فاعل في هذه السياسة. وكانت العلاقات مع الدولة العبرية البوابة التي اختارتها نواكشوط لفك الحصار العربي الخليجي والأمريكي المفروض عليها، ساعدها على ذلك انتعاش أجواء التسوية بعد اتفاقية أوسلو عام 1994، وإقامة علاقات دبلوماسية بين عواصم عربية والدولة العبرية.

البوابة الإسرائيلية

قررت نواكشوط فتح قناة اتصال مع الدولة العبرية وتبادل مكاتب الاتصال معها، وبالتالي، فك الارتباط مع كل حلفائها السابقين، وذهبت بعيدا في نهاية 2000، حين رفعت العلاقات إلى مستوى سفارة وتبادل السفراء مباشرة بعد قرار القمة العربية في القاهرة بتجميد العلاقات بين العواصم العربية والدولة العبرية.

لم تكن الخطوات الموريتانية باتجاه واشنطن عبر البوابة الاسرائيلية تحظى بارتياح العواصم العربية، حتى تلك المرتبطة باتفاقيات سلام مع الدولة العبرية. وحتى تتحاشى عتاب أو عقاب واشنطن، اكتفت بعض الدول بـ “نسيان مؤقت” لدولة عربية اسمها موريتانيا.

مغاربيا، ولأن قضية الصحراء الغربية بوصلة السياسة الخارجية المغربية، وجدت الرباط في توتر العلاقات الجزائرية الموريتانية فرصة لتقريب نواكشوط منها.

دوليا، أدركت باريس أن جزءً من نفوذها الإفريقي يضيع لحساب واشنطن أمام عينيها دون أن تستطيع فعل شيء غير الاحتكاك باعتقال ضابط مخابرات موريتاني على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان، فكان رد الفعل الموريتاني تجاه فرنسا عنيفا إلى درجة أن الاتصالات بين البلدين شبه مقطوعة منذ حوالي 3 سنوات.

تردي الوضع الداخلي؟

كانت الانعكاسات الداخلية لسياسة ولد الطايع مختلفة كثيرا عن الانعكاسات الخارجية وأكثر عنفا. فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي سعت نواكشوط لتخفيف حدتها عبر العلاقات مع الدولة العبرية وواشنطن، استفحلت وارتفعت نسبة البطالة مع تقلص، بل شحة الدعم الخارجي والاستثمارات الأجنبية، في الوقت الذي كانت فيه الدولة تخوض حربا مفتوحة ضد الحركة السياسية في البلاد.

وكغيرها من دول الأطراف العربية، انتعشت طوال العقود الماضية في موريتانيا حركة سياسية عروبية وإسلاموية، لعبت البعثات الدراسية والعسكرية للطلبة الموريتانيين في دول يحكمها التيار القومي، العراق وسوريا ومصر، وتشجيع النظام السياسي والحساسية من المغرب الذي يحمل العقل الباطني الموريتاني شعورا برغبته في ضم موريتانيا، دورا في هيمنة هذا التيار على الحياة السياسية والحزبية في بلاد معروفة بثقافتها الشفوية وبكثرة الشعراء فيها.

وشكل التيار العروبي الإسلامي دعما حقيقيا للرئيس ولد الطايع طوال السنوات العشر الأولى من حكمه. وقبل أن يُـنَـظِّـم هذا التيار نفسه في حركة معارضة منظمة، انقض الرئيس ولد الطايع في منتصف التسعينات على التيار القومي واعتقل رموزه السياسية وكبار العسكريين، فقطع العلاقات مع طرابلس وطرد السفير العراقي، وأضحت المواجهة المباشرة مسألة وقت.

كانت الانتفاضة الفلسطينية تتصاعد والقمع الإسرائيلي يستفحل، والعلاقات الموريتانية الإسرائيلية تتواصل، والاحتجاجات في الشارع الموريتاني تتأجج، ثم بدأت الحرب الأمريكية على العراق، ورد الفعل الرسمي الموريتاني غائب أمام شارع هائج لا تجد السلطات في مواجهته إلا المزيد من الاعتقالات والملاحقة لنشطاء منظمات المجتمع المدني والهيئات المناهضة للتطبيع مع الدولة العبرية أو جمعيات دعم العراق.

كان معظم رموز الحركة السياسية الموريتانية في السجون قبيل أيام من تحريك بعض الضباط الموريتانيين جنودهم باتجاه قصر الرئيس ولد الطايع، الذي كان يعيش عزلة شبيهة بعزلة الرئيس المصري الراحل أنور السادات قبيل أيام من اغتياله عام 1981.

ولئن كان العسكريون المعارضون للرئيس ولد الطايع قد فشلوا في إسقاطه في يونيو 2003، فإن استمراره في نفس النهج السياسي داخليا وخارجيا يجعل نواكشوط على فوهة بركان قد ينفجر يوما ما.

محمود معروف – الرباط

مويتانيا معلومات أساسية:
المساحة 1.030.000 كلم مربع
عدد السكان: 2،8 مليون نسمة(2002)
تاريخ الاستقلال: 28 نوفمبر 1960
الدخل الفردي: 1800 دولار(2001)
تولى الرئيس ولد الطايع مقاليد السلطة يوم 12 ديسمبر 1984

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية