مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“التّسريبات تخصّ مُمارسات عفا عليها الزّمن في سويسرا”

تتعلّق معظم الوثائق المُستخدمة في تحقيقات "سويسليكس" بنشاطات مصرف HSBC البريطاني خلال عامي 2007 و2008. AFP

تؤكد وسائل الإعلام، والمجموعات التجارية، والهيئات التنظيمية في سويسرا أن المُساعدة التي قدمها الفرع السويسري لمصرف HSBC الخاص البريطاني للمُتهربين من دفع الضرائب "لها قيمة تاريخية في المقام الأول" بما أن الساحة المالية السويسرية أعادت بناء نفسها بشكل كامل منذ حادثة سرقة البيانات التجريمية.

وفي رد فعلها على التسريبات الجديدة التي بدأ نشرها ليلة الأحد 8 فبراير 2015، قالت جمعية المصرفيين السويسرية: “نحن على قناعة بأن الجميع يعرف أن المركز المالي السويسري أعاد ترتيب نفسه منذ سنوات”، واصفة الوثائق التي سُرقت من قبل الموظف السابق في فرع بنك HSBCرابط خارجي في جنيف، هيرفي فالتشياني، بأنها “حالات من الماضي”.
على نفس الخط، كتبت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة (تصدر بالألمانية في زيورخ)، في عددها الصادر هذا الثلاثاء 10 فبراير 2015: “وسط كل هذا الغضب، لا يمكن تجاهل نقطة واحدة: كل التّسريبات تستند إلى بيانات عملاء تمت سرقتها في عامي 2006 و2007 (…) وتُظهر حقيقة لم تعد موجودة اليوم”.

المزيد

استنتاج الصحيفة يقوم على حقيقة أن مصرف HSBC أعاد تنظيم نفسه منذ تاريخ سرقة الوثائق، بحيث استثمر مبلغ 100 مليون فرنك (ما يعادل 108 مليون دولار) في بنيته التحتية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، كما قلّص قاعدة عملائه بنسبة 70%.

وأشارت الصحيفة نفسها ضمن هذا السياق إلى أن “مصرف HSBC الخاص يخدم اليوم فقط مجموعة من العملاء الميسورين جدا، بحيث تتجاوز قيمة أرصدتهم 5 ملايين دولار، كما ينشط في 29 سوقا فقط بدلا من 150 بلدا [في الماضي]. كل هذه الخطوات سمحت أخيرا للمصرف بترك ماضيه المخزي وراءه”.

وفي افتتاحيتها، لفتت اليومية إلى أن بيانات التجريم خضعت للتحليل بعد سرقتها من قبل أطراف خارجية، وأن هناك بعض الأشخاص الذين “يريدون الحصول على معلومات حول التغييرات والتلاعبات التي طرأت على البيانات، ربما من قبل السلطات الضريبية الفرنسية [التي كانت أول من حصل عليها]”. وتخلص الصحيفة إلى أن “نوعية البيانات ليست مجردة من أدنى شك”.

وفي تصريحات لصحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان)، قال ميشيل ديروبير، رئيس الجمعية السويسرية للخدمات المصرفية الخاصة إن التسريبات الجديدة تنتمي إلى “حقبة ماضية”، وأنها تخص وضعا “ولئن كان ممكنا في الأمس، فإنه لم يعد كذلك اليوم”.

من جهتها، قالت سلطة مراقبة الأسواق الماليةرابط خارجي في سويسرا “فينما” إنها أجرت تحقيقات حول فرع مصرف HSBC في سويسرا منذ عام 2007، لها علاقة بغسل الأموال. وقال متحدث باسم “فينما” لصحيفة “لوتون”: “لقد اتخذنا تدابير ضد البنك الذي تعيّن عليه تكييف إجراءاته الداخلية. واليوم، ليست لدينا أية مؤشرات تجعلنا نعتقد أن المصرف لا يمتثل تماما للقوانين”.

مع ذلك، تظل المسألة أكثر إلحاحا بالنسبة لموظفي المصرف في جنيف الذين شملتهم التسريبات الأخيرة. وقال أحد العمال لصحيفة “لوتون” بأن “الهاتف لم يتوقّف عن الرنين”، بحيث يتصل العملاء ووسائل الإعلام للإستعلام عن نشاطات البنك.

وقال موظف آخر لنفس اليومية: “في ظل عمليات التسريح المُتعاقبة التي عايشناها على مدى السنوات القليلة الماضية، لم تكن أجواء العمل تبدو جيدة بالفعل، ولكن بعد تعرض صورتنا لضربة من هذا القبيل، فأنا أكاد أحسد أولئك الذين تم الإستغناء عن خدماتهم، لأن أسوأ شيء في هذه اللحظة، قد يكون مواصلة تلقي راتب من هذا البنك”.

مسائل أخلاقية وقانونية

من جهته، يشير رئيس تحرير صحيفة “تاغس انتسايغر” (التي تصدر بالألمانية في زيورخ) إلى أن البيانات الُمستخدمة في تقارير سويس ليكس، ولئن كانت قديمة، “فإنه كان يتعيّن على البنك أن يدرس بعناية بيانات عملائه [في ذلك الوقت]”، بموجب القوانين الصارمة لمكافحة غسل الأموال التي اعتمدتها سويسرا منذ أواخر التسعينات.

وأضاف أن “الإفشاءات الجديدة تقود لطرح أسئلة حول سرعة ونجاعة تطبيق هذه القوانين من قبل السلطات السويسرية – وكذلك حول مدى جدّية المصارف في التعامل معها”.

من جانبها، كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الحكم على ممارسات مصرف HSBC في الماضي يتعلق أساسا بالجانب الأخلاقي. وأضافت أن هذه القصة ترتبط بـ “ثقافة شكل مُلتو من الرأسمالية”.

وتساءلت “الغارديان” أيضا: “كيف يُعقل أن تكون تحقيقات مصلحة الضرائب البريطانية [الإيرادات والجمارك] حول قوة المخبأ السويسري، والتي شملت أكثر من 3000 حالة، أدت فقط إلى حالة مقاضاة واحدة، وهي الحالة التي كان فيها الشخص المشتبه ملاحقا بالفعل؟”.

وتصدرت تساؤلات مشابهة انشغالات عدد من الحكومات، ومن بينها الهند التي ظهر مواطنوها على القائمة المُسربة لعملاء مصرف HSBC. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الإفشاءات الأخيرة جديدة بما فيه الكفاية، أو تتضمن ما يكفي من الأدلة، لإدانة أيّ كان.

وبالنسبة لصحيفة “آيريش تايمز”، فإن الوثيقة المُسربة تحمل تحذيرا لأي شخص يفكر في إخفاء أمواله في الخارج.

وأضافت الصحيفة الأيرلندية أن “‘تسريب’ الآلاف من الملفات السرية من مصرف HSBC الخاص في سويسرا يجب أن يكون تحذيرا لأولئك الذين يعتقدون أنه بإمكانهم الإفلات من دفع الضرائب، بحيث يجعلهم يُدركون السهولة التي يمكن أن تنتشر بها معلوماتهم المالية الشخصية – والتي يعتبرها البعض سرية للغاية – في جميع أنحاء العالم”.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية