مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فوارق كبيرة في مفاهيم الفقر

رغم الثراء التي تشتهر به سويسرا إلا أنها لم تسلم من ظاهرة التمييز بين الفقراء من كانتون لآخر Keystone Archive

تعكس دراسة صدرت حديثا حول الأوضاع المالية للعائلات المتواضعة الدخل في سويسرا، فوارق كبيرة في مفاهيم الفقر بين الكانتونات الستة والعشرين.

واتضح أن بعض الدويلات يكافئ ضرائبيا العائلة المتواضعة الدخل التي تسعى لدخل إضافي والبعض الآخر يعاقبها على ذلك.

ينصح الباحثان السويسريان كورت فايس (Kurt Wyss) وكارولين كنوبفير (Caroline Knupfer) اللذان أجريا هذه الدراسة المقارنة لأوضاع العائلات ذات الدخل الضعيف، باختيار مكان الإقامة بعد التحقيق في عدد المقتضيات والمعطيات المالية المحلية، خاصة ما يرتبط بضريبة الدخل ومستوى الأجارات ورسوم التأمين الصحي والعلاوات للأطفال.

ويقول الباحثان، إنه من الأفضل للأمهات اللواتي يتحملن مسؤولية إعالة العائلة على انفراد، أن يتجنبن اختيار السكن في كانتون نيدفالدن بالأنحاء الوسطى من سويسرا لصالح السكن في كانتون الفاليه (جنوب غرب سويسرا).

ويبرر الباحثان هذه المقولة بسبب بسيط، وهو أنه إذا بلغ الدخل السنوي لإحدى هؤلاء الأمهات 300 40 فرنك سويسري، فإنها بعد تسديد الضرائب والإيجار والتأمين الصحي ستجد تحت تصرفها 500 14 فرنك لتغطية الضروريات اليومية في نيدفالدن، مقابل 300 36 فرنك في الفاليه.

ويقول الباحثان الاجتماعيان اللذان أجريا هذه الدراسة لحساب المؤتمر الوطني السويسري للخدمات الاجتماعية، إن هذه الفوارق تعود في الدرجة الأولى إلى النظام الفدرالي الذي يترك الشؤون الضرائبية والعلاوات الاجتماعية للسلطات المحلية في الكانتونات، كما تعود للإختلاف القائم في تحديد مفاهيم الفقر والفاقة في مختلف الدويلات.

البلديات والكانتونات تفضل الأثرياء

وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، لا يلعب ثراء الكانتون بالذات دورا ملحوظا في تحديد مستوى الفقر، أي في تحديد الحد الضروري الأدنى من الدخل أو المال لضمان بقاء نفس العائلة إذا أقامت في هذا الكانتون أو الآخر.

وكبرهان على ذلك، يؤكد الباحثان أن نفس العائلة بنفس الدخل عليها أن تقنع بقدر من المال لسد حاجتها اليومية في كانتون زيوريخ الثري يقل بحوالي %40 عما يتبقى لها في كانتون تيتشينو (جنوب البلاد) ذي الإمكانات المالية المتواضعة بالمقارنة مع زيوريخ.

ولإنجاز هذه الدراسة المقارنة، استعان عالما الاجتماع بأربعة نماذج من العائلات، من حيث اختلاف عدد الأطفال والدخل ومكان الإقامة، ومن حيث مستوى الضرائب والإيجارات والتأمينات الصحية ومستوى العلاوات الممنوحة للأطفال في كل كانتون من الكانتونات السويسرية الستة والعشرين.

وعلى ضوء الفوارق الهائلة لتحديد مستويات الفقر بين الكانتون والآخر، يوصي الباحثان بالتقليل من هذه الفوارق حتى لو تطلب ذلك تدخل السلطات الفدرالية على حساب حرية الكانتون في تحديد مستوى العلاوات للأطفال وفي صرف أو عدم صرف العلاوات للتأمينات الصحية، أو على صعيد فرض معايير ومقاييس فدرالية متقاربة للفقر والفاقة.

“ما على الرسول إلا البلاغ” !

فهذه الدراسة المقارنة لا تثير علامات الاستفهام على التوزيع الحالي للمهام والمسؤوليات الاجتماعية بين السلطة الفدرالية والسلطات المحلية في الكانتونات، لكنها تثير تساؤلات عِدّة حول فعّالية مكافحة الفقر في سويسرا، وحول تكاليف المنشآت الاجتماعية الرامية إلى دعم العائلات المتواضعة الدخل في عملية التوفيق بين العمل ورعاية الأسرة.

لكن الدراسة تثير علامات الاستفهام أيضا حول الأنظمة المختلفة لضرائب الدخل القائمة على التصعيد التدريجي للضريبة، من حيث أن بعض هذه الأنظمة القائمة يعاقب العائلة المتواضعة الدخل أساسا والتي تسعى لتحسين وضعها المالي من خلال البحث عن عمل إضافي.

وعلى هذا الصعيد، تؤكد الدراسة أنه لا جدوى للأمهات على سبيل المثال، من ممارسة العمل خارج المنزل العائلي إذا كانت تكاليف دور الحضانة ستبتلع الدخل الإضافي الذي ستتحصل عليه، وإذا كان هذا الدخل الإضافي سيتلاشى نتيجة زيادة الضريبة على الدخل المترتبة على الإرتفاع المحدود المسجل في دخل العائلة.

باختصار، تلعب القوانين الضرائبية والاجتماعية في كل كانتون من الكانتونات السويسرية دورا كبيرا جدا في تحديد درجة تقشّف الأسر المتواضعة الدخل، كما يقول عالما الاجتماع كروت فيس وكارولين كنوبفير. ويختتمان بالقول، إن الكرة الآن في ملعب الكانتونات، وعليها أن تستخلص العبر من هذه الدراسة.

جورج انضوني – سويس إنفو

تبيّن دراسة صدرت حديثا في سويسرا وجود فوارق كبيرة بين الكانتونات السويسرية في تحديد مستوى الفقر والفاقة. كما تبيّن أن نفس العائلة بنفس الدخل المتواضع، قد يبقى لها من المال لسد حاجتها اليومية في بعض الكانتونات، ثلاثة أضعاف ما يبقى لها في كانتونات أخرى، بعد تسديد الضرائب والتأمينات وغيرها من المصاريف الضرورية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية