مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصر.. حكومة “ليبرالية” تؤدي اليمين في غياب الإسلاميين

مؤيدون للرئيس المعزل محمد مرسي يرفعون شعارات مناوئة لإنقلاب 30 يونيو بمدينة ناصر يوم الأثنيْن 15 يوليو 2013. Keystone

بينما يزداد الموقف على الأرض اشتعالاً، بعد المواجهات التي تجري بين قوات الشرطة والجيش من جانب، وعشرات الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، يؤدّي أعضاء الحكومة الانتقالية المنتظرة، التي شكلها رئيس الوزراء المكلّف الدكتور حازم الببلاوي، الاقتصادي الليبرالي الذي أوشك على بلوغ العقد الثامن من عمره، مساء اليوم الثلاثاء 16 يوليو، اليمين، في ظل غياب كامل للأحزاب والقوى الإسلامية، التي رفضت المشاركة فيما أسمته "حكومة الانقلاب على الشرعية".

 وأهم ما يمكن رصده من ملاحظات على هذه الحكومة، هو: الإبقاء على وزارة الإعلام، رغم الجدل الشديد الذي دار حول ضرورة إلغائها، وإعادة وزارة التضامن الاجتماعي، التي تم إلغاؤها في حكومة هشام قنديل ودمج وزارتيْ “الإسكان والمرافق” في وزارة واحدة، وكذا “الثقافة والآثار”، فضلاً عن الحضور النسائي الملحوظ في التشكيل، فيما أبقى على عدد من الوزراء من حكومة قنديل، أبرزهم: الدفاع والداخلية والاتصالات والإنتاج الحربي.

وإن تميزت الحكومة الجديدة بأن غالبية رجالها هم من التكنوقراط، إلا أنها لم تخلُ من بعض “الترضيات السياسية لعدد من الأحزاب والقوى السياسية، الليبرالية واليسارية، فضلاً عن جبهة الإنقاذ الوطني، فيما عيّن رئيسها حازم الببلاوي نائبين له، أحدهما هو الاقتصادي الليبرالي الدكتور زياد بهاء الدين للشؤون الاقتصادية.

يُـشار إلى أن هذه الحكومة المؤقتة، التي يُـقدّر عمرها بنحو ستة أشهر، وِفق الجدول الزمني الذي طرحه الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، قبل عدة أيام.

هجين غير متناسق جمعه “الانقلاب”

في البداية، يرى الخبير الإعلامي الدكتور عادل فهمي البيومي، أن العيوب والأخطاء التي وقع فيها الدكتور حازم الببلاوي – ريس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الانتقالية، هي “نفس العيوب التي كانت في الحكومات السابقة، أهل الثقة وأهل الهوى السياسي وخصوم الإخوان”، مشيرا إلى أن “هذه الحكومة لن تستطيع القيام بمهامّها، لأنها هجين غير مُتناسق.. يجمعها تأييد الانقلاب على الشرعية، ولذلك، سيظل الشارع المصري منقسما حولها”.

ويقول البيومي، أستاذ الإعلام الدولي بكلية الإعلام في جامعة القاهرة في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “سُمعة هذه الحكومة تسبقها؛ فهي حكومة المجلس العسكري.. حكومة البرادعي وأمريكا، ولاؤُها لإسرائيل وضدّ فلسطين، وهذا هو التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري، بغضّ النظر عن بعض الوطنيين الذين قبلوا الدخول فيها، ولهذا، فإنني أرى أنه ما لم يدعمها الجيش بقوّة، فلن تنجح، وستُضيِّع على الوطن وقتا وجهدا كبيريْن”.

ويضيف أن “هناك عُنصر نجاح واحد لهذه الحكومة، وهو جمع الطرفيْن وإيجاد حلّ للمأزق المصري، قبل بدء عملها، وبهذا تقدم لمصر عملاً تاريخيا لن تنساه لها الجموع المُحتشِدة”، معتبرا أن “المسار الانقلابي يمُر بمرحلة الإنكار، وعليه أن يفيق بسرعة ويتأمل المشهد ويضع قراره بكل وضوح: هل نحن في دولة ديمقراطية أم عسكرية؟ ثم نتعامل جميعا على مرجعية محدّدة، حتى لو كنا نرفضها”.

وردا على سؤال حول: ما توقّعكم لنجاح هذه الحكومة من عدمه، في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي لا يستطيع أحد إنكارها؟ أجاب البيومي قائلاً: “النجاح هنا مرهون بعوامل عدّة، منها: دوام الدعم الخليجي من عدمه ودوام الدعم الأمريكي من عدمه ودوام الدعم الداخلي من الداخلية والجيش والقضاء والإعلام من عدمه، والأهَـم هو قبول الشارع لها”، معتقدا أن “المعارضة الإسلامية حين تفرغ من مهمّتها الحالية، لن تدع هذه الحكومة تنام الليل.. فالنجاح وقتي وغيْر مرتكِز على عناصِر ثابتة”.

ولِد الخبير الاقتصادي الدكتور حازم الببلاوي في 17 أكتوبر عام 1936.

حصل على شهادة في الحقوق عام 1957 من جامعة القاهرة، ودبلوم في تخصص الاقتصاد السياسي عام 1958.

في عام 1959 حصل على دبلوم في القانون العام من الجامعة ذاتها، وحصل على دبلوم في العلوم الاقتصادية عام 1961 من جامعة غرونوبل في فرنسا، وأكمل بعدها الدكتوراه في جامعة باريس عام 1964.

عمل مندوباً في مجلس الدولة بين عامي 1957 و1960، ثم مُدرِّسا بين عامي 1965 و1982، ثم أصبح أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً في كلية الحقوق، التابعة لجامعة الإسكندرية، وترأس خلال هذه الفترة، الوحدة الاقتصادية التابعة لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام.

كما عمل مستشاراً لوزير التخطيط المصري عامي 1966 و1967، ومستشاراً لوزير المالية في الكويت، ومديراً لإدارة البحوث الاقتصادية في وزارة المالية الكويتية بين عامي 1976 و1980.

في عام 1980 تولّى إدارة الدائرة الاقتصادية في بنك الكويت الصناعي، وبقي في هذا المنصب ثلاثة أعوام. وترأس مجلس إدارة البنك المصري لتنمية الصادرات، ومجلس إدارة الشركة المصرية لضمان الصادرات منذ عام 1983 ولغاية 1995.

في عام 1993 أصبح مستشار الوفد المصري للمفاوضات المتعدّدة الأطراف في إطار مؤتمر مدريد للشرق الأوسط. وتولّى منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا منذ عام 1995 ولغاية ‏2001.

شغل الببلاوي بين عامي 1995 و2000 منصب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) وعمل مستشارا بصندوق النقد العربي في أبو ظبي منذ عام 2011.

كما حاضر في العديد من الجامعات المصرية والأجنبية، وألف العديد من الكُتب الاقتصادية بالعربية والفرنسية والإنجليزية.

عمل نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للمالية عام 2011 في حكومة عصام شرف، التي شكّلت بعد أشهر قليلة على الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. وكانت هذه الحكومة يومها تحت سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي.

في أكتوبر من العام نفسه، استقال احتجاجا على مقتل متظاهرين أقباط خلال مواجهات مع الجيش أمام مبنى التلفزيون الحكومي (أحداث ماسبيرو)، إلا أن المجلس العسكري رفض هذه الاستقالة، ليخرج في ديسمبر التالي من الحكومة، إثر تعديل وزاري.

لا تمثل الشارع السياسي برمّته

ويلتقط المحلّل السياسي مصطفى زهران طرف الخيط من البيومي، ويقول: “يدفعنا المخاض العسير الذي تولّدت منه الحكومة الحالية – والتي تصطبغ بصبغة شيخوخية، نظرًا لأن غالبية أعضائها قفزوا على مرحلة الشباب منذ زمن طويل – إلى التأكيد على أن القوى السياسية المحسوبة على التيار العِلماني أو الليبرالي أو ما يُطلق عليه “المدني”، لا تملك هي الأخرى مشروعا محددا وواضحا لإدارة الدولة، شأنها في ذلك شأن القوى الإسلامية الأخرى التي كانت لوقت قريب في سدّة الحكم”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، يستدرك زهران، الباحث في حركات الإسلام السياسي بمركز “ستا للدراسات والأبحاث” بقوله: “إلا أن الفارق الجوهري يكمُن في أن القوى الإسلامية في أخريات أيامها في السلطة، بدأت تتبلور لديها رؤية واضحة بعد مرورها بعثرات عدة، نتيجة حداثة عهدها بالسلطة والحُكم”، معتبرا أن “الإشكالية الحقيقية لدى هذه الحكومة، أنها جاءت منزوعة من التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، ويعني ذلك أنها لا تمثِّـل الشارع السياسي برمّته”.

ويتابع قائلاً: “فضلا عن أن القوى الإسلامية جمعاء، بخلاف حزب النور السلفي، تعتبر تلك الحكومة (حكومة انقلاب) فاقدة للشرعية، ولا يمكن التعامل معها ولا يجيزون الاقتراب منها، طالما أن النظام الذي انبثقت منه، فاقد للشرعية في الأساس، وهي العقبة الكبرى التي ستقف في طريق سيْـر هذه الحكومة، ومن ثَـم نجاحها أو إخفاقها في القيام بمهامّها الموكلة والمأمولة منها”.

ويستطرد زهران بقوله: “أما بالنسبة لحزب النور السلفي، فلم تعد لديه القدرة على مواجهة المشهد السياسي ومتغيِّراته، بعد أن لفظه العلمانيون والقوى المدنية الأخرى من جهة، واعتبرته القوى الإسلامية حزبا مارقا خائنا، مشاركة في تسمية تلك القوى بـ “الانقلاب” على الرئيس الشرعي المُنتخَب الدكتور محمد مرسي، بالتوازي مع النزوح الطوعي للمئات من الشباب السلفي، المنحدرين من هذا الحزب، للانضمام إلى قوافل الإسلاميين في ميادين الثورة، احتجاجا على ما يُطلق عليه “الانقلاب العسكري”.

ويشير الباحث السياسي إلى أن “القوى العلمانية انتقلت من خانة الفِعل إلى ردّ الفعل، بعد أن كان الإسلاميون هُم الذين يسيرون في السابق على هذا السيناريو وبهذه الطريقة، ومن ثَـم ليست لديهم تصوّرات واضحة لكيفية احتِواء التيارات السياسية الموجودة على الساحة، والتي يشغل الإسلاميون مساحة كبيرة منها ويمثِّـلون طيفاً واسعاَ لا يمكن القفْـز عليه”.

ويختتم زهران حديثه بالقول بأن “استمرار التظاهرات في ميادين: رابعة العدوية والنهضة ورمسيس – مع فتح جبهات جديدة وكسْب تعاطف الشارع كل يوم – دون الوصول إلى آليات للخروج من الأزمة الراهنة، سيُعرقِل سير العملية السياسية أو تحقيق نجاحات اقتصادية أو أمنية، في ظل مشهد مهترئ، وهو ما يستدعي تكرار المشهد ذاته من قبْل في حكومة الدكتور هشام قنديل”.

 

القوات المسلحة فوق مؤسسة الرئاسة!!

متفقا مع زهران، يستهلّ الباحث والمحلل السياسي علي جمال حديثه قائلاً: “لا نستطيع أن نقول إن الحكومة التي تمّ تشكيلها الآن، هي فِعلا حكومة مصر، بمعنى أنها تمتلِك مقاليد الأمور في البلاد. ينبغي الاعتراف أن مِن أهمّ التداعيات الواضحة للحِراك الشعبي – العسكري في الثلاثين من يونيو – مهْما كان موقِفنا من هذه الأحداث – هو إبراز القوات المسلحة المصرية كقوّة سياسية قاهِرة فوق مؤسسة الرئاسة، فما بالُنا بالحكومة والوزراء؟!”.

ويرى جمال، الباحث المُهتَم بدراسة نظام الحُكم في مصر، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: أن “مقاطعة القوى الإسلامية موقِف مفهوم بفعل الصّدمة التي تشعُر بها، جرّاء التبدل المفاجئ لمواقِف العسكريين، حتى أضحى يُشبِه التحالُف مع الخصوم السياسيين، عبْر تكليف الدكتور محمد البرادعي مثلاً بمنصب نائب الرئيس (المؤقت) للعلاقات الدولية”، مستدركا بقوله: “لكنه في تقديري موقِف خاطِئ وانفِعالي، لأنه يُـفقِد هذه القوى منبرا يمكن استثماره لخِدمة القضايا الوطنية من وجهة نظرها”.

ويضيف أنه: “بالنسبة للنجاح أو الفشل، فهو أمر نِسبي. ويمكن القول بشكل عام بأن الشعور الشعبي بالفشل، سيكون أقل وطأة من الحكومة السابقة لعدة أسباب، أهمّها: عدم الإسراف في الوعود قبل تعيين الحكومة وعدم وجود منابر عالية الصّوت للنقْد اللاّذع بإغلاق القنوات المحسوبة على التيار الإسلامي، بالإضافة إلى العنصر الأهَـم وهو حِرص القوات المسلحة (وهي القوة الاقتصادية الكبرى في مصر حاليا) على إظهار المرحلة الانتقالية بمظهر الناجح”.

ويستدرك جمال قائلاً: “لكن لابد من الإشارة إلى أن المشاكِل المُزمنة للاقتصاد المصري، سرعان ما ستعمل أثرها مجددا، وأهمّها ارتفاع معدّلات البطالة والتضخّم، فضلاً عن ارتفاع حجم المديونيات الداخلية والخارجية، وبالتالي، فنحن نتوقّع نجاحا موقوتا”، غير أنه لن يحلّ المشكلات التي تُعاني منها البلاد، المُنهكة اقتصاديا والمرهقة أمنيا والممزّقة اجتماعيا.

ومن ناحية الشكل – والحديث لا يزال لجمال – فالحكومة عدد وزرائها كبير جدا، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى الرسالة المقصودة من وراء هذا، وهو إعطاء رسالة طمأنة للتيارات السياسية كافة (عدا التيار السياسي الذي يمثله الإخوان المسلمون ومؤيديهم بطبيعة الحال)، إضافة إلى توفير فرص قيادية للشباب والنساء. ولكن، يلاحظ في هذه الحكومة عدم التجانُس، وهي نتيجة مباشرة لمحاولة ترضِية كافة التيارات السياسية.

ما بُني على باطِل فهو باطل

وعن رأيه في تكليف الاقتصادي اللبرالي الدكتور حازم الببلاوي بتشكيل الحكومة الانتقالية، قال الخبير السياسي الدكتور سعيد سرحان: “أنا لا أعترف به رئيسا للحكومة ولا بالمستشار عدلي منصور رئيسا للبلاد، أنا لا أعترف إلا بالرئيس الذي أعطيْته صوتي في أول تجربة ديمقراطية، عقِب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011”.

وعن رأيه في موقف الأحزاب والقِوى الإسلامية بمقاطعة المشاركة في الحكومة والنظر إليها على أنها (حكومة انقلاب)، أجاب سرحان، المتخصص في السياسة الداخلية لمصر في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قائلاً: “بالطبع أنا معهُم تماما في هذا القرار، إذ كيف يشاركوا في حكومة انقلبت على رئيسهم الشرعي المُنتخَب بإرادة شعبية في انتخابات شهد العالم كلّه بنزاهتها، واعتقلت رموز وقيادات أحزابهم وأحرقت مقرّاتهم، فكيف يشاركونهم في الحكومة بعد كل هذا؟!

وعن توقعاته لنجاح هذه الحكومة، يقول: “القاعدة تقول ما بُنِي على باطل فهو باطِل، وعليه فلن تكلل هذه الحكومة بالنجاح، خاصة أنها ستعمل على إعادة رجال أعمال مبارك. فأمس الأول، وافق النائب العام (المعيّن) بصرف مبلغ 2 مليار جنيه لرجل الأعمال أمين التنظيم في الحزب الوطني المنحلّ أحمد عز، من أمواله التي كانت مجمّدة، في نفس اليوم الذي جمد فيه أرصدة رموز وقيادات الأحزاب الإسلامية!”.

واختتم الخبير السياسي بقوله: “هذه الحكومة لن تقدم شيئا للمصريين، ففي أول تصريح لرئيسها حازم الببلاوي، قال إنه سيخفِّض المَبالِغ التي تنفق على الدعم، كما أشار إلى ضرورة تخفيض العلاوة الاجتماعية من 15% إلى 10%، وهو عكس ما فعله الرئيس محمد مرسى، الذي استهلّ أول قراراته برفع مرتّبات العاملين والمعاشات، فشتان الفارق بين الاثنين؛ فأيهما أحقّ برئاسة مصر الثورة؟!”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية