مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في الجزائر، رغبة عارمة في التغيير لكن دون عُـنف.. حتى الآن!

يبدو أن ما كتب على هذه اللافتة المرفوعة من طرف أحد المشاركين في مظاهرة نظمت مؤخرا وسط الجزائر العاصمة عن رأي معظم الجزائريين.

يسود الجزائر هدوء كبير، لا يعكس ما يجري في دول المغرب العربي الأخرى. وبعد خمسة أسابيع من الإحتجاجات التي أسقطت نظام بن علي ومبارك وقد يلحق بهما القذافي، تُعطي الجزائر انطباعا ما بأنها غيْـر معنِـية أو أنها قد تجاوزت مرحلة الإحتجاجات الهائلة، بل ذهب البعض إلى القول بأن الحالة الجزائرية "متميِّـزة - عربيا - لأسباب واقعية جدا".

يزور محمد بكاري قبور ستة وعشرين فردا من عائلته، التي قُـتِـلت في حي الرايس، شرق العاصمة الجزائرية خلال مذبحة ابتُـلي بها الحي في شهر سبتمبر من عام 1997. لقد قُـتل والداه وزوجته وإخوته وأبناء عمومته، كما قُـتلت ابنته ذات الرَّبيعين، لقد ذبحها المهاجمون من الوريد إلى الوريد.

يعرف الصحفيون محمد بكاري، لكن الحديث إليه غاية في الصعوبة، وقصته تُـشبه قصص الآلاف من الجزائريين، التي أثَّـرت على ملايين آخرين، يعبِّـر عنها محمد بوهنان من حي الجبل الشعبي، الذي يقع في ضاحية الحرّاش، شرق العاصمة: “الله يجعل الخير، نحن نخاف من عودة العُـنف إلى البلاد. على بوتفليقة أن يغيِّـر رئيس الحكومة أويحيى وأن يغيِّـر الناس الذين حوْله، إنهم يكذبون على الرئيس ولا ينفِّـذون تعليماته”.

“الحسم مؤجل إلى مرحلة قادمة..”

لقد واجه الدكتور سعيد سعدي، زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية هذه المُـعضلة، عندما قرّر التظاهر وسط العاصمة منذ ثلاثة أسابيع. فقد رفض سكان الأحياء الشعبية المُـحيطة بساحة أول مايو، الخروج إلى الشوارع والتظاهر معه، بل ورفض الشباب الفقير الخروج معه، رغم أن هذا الشباب هو نفسه مَـن خرج إلى الشوارع مكسِّـرا ومحطِّـما قبل أكثر من ستة أسابيع، بسبب ارتفاع أسعار الزيت والسكر.

وفي المرة الثانية، التي حاول فيها أنصار الدكتور سعدي التجمّـع في نفس الساحة، اشتبكوا مع شباب الأحياء المُـجاورة لها، كما دارت بين أنصار سعدي والمنظمات الحقوقية المُـرافقة له، حِـوارات غاية في الأهمية مع سكان الأحياء الفقيرة، وقد سجلت swissinfo.ch بعضا منها.

شاب من الأحياء الفقيرة: “عودوا من حيث أتيْـتم وتظاهروا في تيزي وزو، عاصمة بلاد القبائل”، ليردّ عليه مشارك في المظاهرة وهو قبائلي: “الجزائر بلد الجميع ولي الحق في التظاهر في كل مكان”. ثم يقول الشاب الفقير: “بوتفليقة ليس بن علي والجزائر ليست تونس”، ثم يقول المتظاهر: “لكن يا أخي بوتفليقة دكتاتور يمنَـع حرية الإعلام والأحزاب، لابد من تغيير النظام”، لكن الشاب البطال يفقِـد أعصابه ثم يتفوّه بكلام قبيح ويقول: “أين كُـنتم عندما كان الإرهاب؟ لقد كُـنتم تحتسون “الويسكي” في بلاد القبائل. وأين كُـنتم عندما خرجنا إلى الشوارع بسبب غلاء المعيشة؟”.

لقد تحولت تظاهرات سعيد سعدي والمنظمات الحقوقية، إلى تجمّـعات حوارية صاخبة، تتفرّج عليها قوات الأمن في غالب الأحيان، لِـذا يرى المحلِّـل السياسي سليمان شنين أن “الحكومة قد نجحت في حلحلة الاحتجاجات، ولكن إلى حين…”. ويضيف سليمان شنين، مدير مركز الرائد للدراسات الإستراتيجية: “أعتقد أن الحسْـم مؤجّـل إلى مرحلة قادمة، لأن كل أسباب الانفجار موجودة. فنحن لا نحتاج إلا إلى صاعِـق كي تنفجِـر القنبلة”. لقد قال سليمان شنين كل هذا، بينما هو ينظر إلى جريان المتظاهرين هرَبا من بعض الشباب الغاضب عليهم، والمشهد كان في بعض الأحيان شبيها بساحة حرب مصغَّـرة، لكن الحياة كانت عادِية جدا في الأحياء المجاورة لساحة أول مايو. فالمحلاّت مفتوحة، بل وحتى حمامات النساء وقاعات الحِـلاقة الخاصة بهن.

كل ما يُـطلب يُـنفَّـذ

كما سجلت swissinfo.ch حُـضورا مكثَّـفا لمصالح الأمن بالزيّ المدني، إما حاملين أوراقا وأقلاما أو كاميرات فيديو لتسجيل الحضور، دون أي تدخل عنيف، في سابقة لم تعرفها الجزائر من قبل، بل وقد زادت الحكومة الجزائرية، بأمْـر من الرئيس بوتفليقة، في تنفيذ قرارات لم يكن يحلم بها الجزائريون.

فقد وافقت وزارات حسّـاسة مثل الطاقة والبيئة على مشاريع استثمارية للقطاع الخاص، كانت ترفض توقيعها للمستثمرين الجزائريين لأسباب مجهولة، وعلمت swissinfo.ch أن مستثمرين جزائريين خَـواصّ من “أبناء الشعب”، سيبنون مصانع تُـنافس شركات عالمية، مثل سيمانس ورونو، لأنهم ما كانوا ينتظرون إلا الموافقة الإدارية، بما أن البنوك مستعدّة لتمويلهم بشكل مباشر.

ومع أن بعض هذه الإستثمارات كانت حبيسة أدراج المكاتب منذ ستة أعوام، إلا أنها قد رأت النور مؤخّـرا، بسبب أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي زاد على ذلك بالموافقة على كل مشاريع الشباب الإستثمارية من دون استثناء. وفي الأثناء سجّـلت مصالح المؤسسات التابعة للدولة والمهتمة بتشغيل الشباب هجوما بشريا غير مسبوق للفوْز بالقروض والمشاريع.

كما تمّ إلغاء قرارات رئاسية احتجّ عليها الطلاب منذ ثلاثة أعوام، كأن شيئا لم يكُـن، ومنحت قروض من دون فائدة للأطباء والمهندسين، وتم قبول كل المطالب، وصدر عفو على عشرات الآلاف من الشباب الهاربين من الخِـدمة العسكرية، بل ومنحوا بطاقات الإعفاء النهائي من الخدمة.

ويسود الآن شعور بأن ما يُـطلـب ينفَّـذ بأسرع وقت ممكن، وكأن الجزائر أصبحت “بلدا مختلِـفا في ظرف قصير جدا”، ويعلق المحلل الاقتصادي شريف رمضاني والخبير في بورصة لندن لـ swissinfo.ch: “الدولة الجزائرية خائفة من شعبها، إلا أن الشعب يخاف من بعضه بعضا، وهذا ما يساعد الحكومة على البقاء في مكانها، إلا أن هذا التوازن دقيق جدا، والحكومة تعلَـم ذلك جيِّـدا. فعليها، وبأسرع وقت ممكن، حل مشاكل المواطنين، حتى لا يغضبون ويطيحون بها، لكنها تعلم أن الشعب خائف من نفسه، لذا فإنها تستفيد من هذا الخوف”.

الوضع هادئ لا يحتاج إلى تصعيد

وفي نفس السياق، تختلف الصحافة الجزائرية في كيفية نقْـل صورة الوضع في الجزائر. فغالبية اليوميات الناطقة باللغة الفرنسية تقول بأن الوضع متفجِّـر، في حين أن غالبية الصحف الناطقة باللغة العربية تُـشير إلى أن الوضع هادِئ، عِـلما أن نسبة قراءة الصحف الفرنسية بالنسبة إلى العربية، هي حسب الإحصاءات: 2 إلى 10، بمعنى أن غالبية الجزائريين ترى بأن الوضع هادِئ، وبأنه لا يحتاج إلى تصعيد.

لقد احتارت تنسيقية التغيير، التي يُـديرها المحامي مصطفى بوشاشي، في التعامل مع  أبناء شعبها. فهو يرى الكثير منهم في فقْـر مدقَـع وفي قمع مستمر، إلا أنهم يرفضون الخروج معه إلى الشوارع، كما أن الصورة التي يبدو أنها قد أثَّـرت في منظِّـمي المظاهرات، وهم مثقفون في غالبيتهم، تتمثل في جهل سكان الأحياء الفقيرة بهم، فهُـم لا يعرفونهم ولا يثقون بهم.

لا شيء يُـثلِـج صدر نظام سياسي، كاختلاف خصومه عليه. ويضيف ناشطون حقوقيون رفضوا كشف أسمائهم أن “النظام الجزائري نظام أجهِـزة، فيه الرئاسة والمخابرات العسكرية والجيش والشرطة والدرك والجمارك، كل هؤلاء يشكِّـلون شيئا واحدا، على خِـلاف نظام بن علي أو مبارك. فكِـلا النظاميْـن السابقيْـن، كانا كالثمرة الفاسدة التي انفصلت عن شعبها وعن الجيش، فسهل رميها”.

الجزائر .. وضع خاص

وفي السياق نفسه، يضيف حقوقيون جزائريون: “رأس النظام الجزائري، هو المخابرات العسكرية، التي يشعُـر بها الجزائريون، لكنهم لا يعرفون أفرادها. فنحن نتعامل مع شيء خفِـي، لكنه هو الذي يعيِّـن الرؤساء ويختارهم، بل ويدير البلد من وراء السِّـتار، ولم نلاحظ خلال كل المسيرات التي طالبت برحيل بوتفليقة، مطالِـب شعبية بإزالة المخابرات العسكرية التي يعرفها الجزائريون تحت اسم DRS”.

ليس هناك ما يشير بشكل مباشر أن النظام سيتغيَّـر في الجزائر، لكن هناك إشارات قوية تؤكِّـد أنه خائف جدا وبأنه يتحرّك على الأرض، وِفق هذا الخوف. وقد علمت swissinfo.ch أن قيادات كبيرة وشابة في المؤسسة العسكرية تتحرّك في الوقت الحالي، للتفاوُض مع القيادات الأكبر منها سِـنا، حول أفضل السُّـبل للخروج من الحُـكم بهدوء ومن دون إراقة الدماء.

كما علمت swissinfo.ch، أن أفكارا ثورِية تتعلّـق بتسيير الإدارة وحرية الإعلام والإستثمار، قد تكون في طريقها إلى التجسيد خلال الأشهر القليلة المُـقبلة بإيحاء من نفس هذه القيادات، التي أضحت تتواصل مع القيادات الأكبر منها سِـنا باستعمال عبارة من قبيل: “لا مفر من إحداث كذا وكذا، لأن العودة إلى الوراء صعبة جدا وربما مستحيلة”.

ويبدو أن ما يجري في الكواليس السرية والعميقة للدولة الجزائرية، قد وصلت بعض أصداؤه إلى الدول الغربية التي أصبح ناطِـقو مؤسساتها الرسمية يكرِّرون عبارة أن الجزائر تعرِف وضعا خاصا. ويبدو أن هذه الخصوصية قد تجنِّـب البلاد حمَّـام دم أو ربما لأن ثمَـن التغيير، قد دُفِـع في تسعينات القرن الماضي عندما قُـتل ما بين مائة وخمسين ومائتيْ ألف جزائري بالرّصاص أو في تفجير أو خنْـقا أو ذبحا، فنهاية كل واحد من هؤلاء الألوف، تعكِـس رغبة شعب في التغيير، دون عنْـف أو ربما يبدو الأمر كذلك حتى الآن…

منعت الشرطة الجزائرية ثلاث مسيرات دعت اليها المعارضة في العاصمة الجزائر من اجل تغيير النظام، فوجد المتظاهرون انفسهم محاصرين بقوات الأمن ومناصرين للسلطة، كما افاد مراسلو فرانس برس.

ودعا جناح من التنسيقية الوطنية للديموقراطية والتغيير انصاره للخروج السبت 5 مارس في ثلاث مسيرات في العاصمة، متحدين قرار منع المسيرات.

لكن عشرات المتظاهرين الذين لبوا النداء وجدوا انفسهم محاصرين من قبل قوات الشرطة، بينما احتل انصار السلطة احدى الساحات، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.

وحمل نحو خمسين من انصار السلطة صور الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومفرقعات كانوا يفجرونها امام عشرات من المعارضين للنظام الذين انتشروا سريعا بين الفضوليين.

ووسط صيحات “بوتفليقة ليس مبارك” تمكن انصار السلطة من منع وصول سيارة سعيد سعدي احد قادة التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية الى ساحة “أول جويلية” (الاول من يوليو) في قلب حي المدنية. وبالكاد تمكن سعدي من الخروج من السيارة التي عطل تحركها انصار السلطة، وتوجه الى انصاره قائلا “سنواصل التظاهر مهما كانت الاجراءات التي يتخذها النظام لمنعنا”.

وبسرعة انتشر عشرات من عناصر الشرطة المسلحين بالهراوات للتمركز في الساحة لتفريق مجموعتي المتظاهرين، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.

وكانت التنسيقية الوطنية للديموقراطية والتغيير اعلنت انها ستنظم ثلاث مسيرات ستنطلق من حي حسين داي الى ساحة اول مايو شرق العاصمة ومن حي المدنية الى مبنى التلفزيون في الوسط ومن حي عين البنيان الى ساحة شهداء غرب العاصمة.

وامام المحكمة في حي حسين داي وصل عشرة متظاهرين قبل ساعة من موعد التظاهرة بينهم نائبان عن التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية والمحامي علي يحيى عبد النور (90 عاما) الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان. وسرعان ما حاصرتهم عناصر من قوات الامن.

وفي ساحة عين البنيان غرب العاصمة الجزائرية تمت اقامة حواجز منذ الساعات الاولى من الصباح لمنع دخول المارة، في حين انتشرت عربات مدرعة وقوة كبيرة من الشرطة. وقبيل الساعة 10,00 لم يظهر اثر لمتظاهرين بحسب مراسل وكالة فرانس برس.

واتهم سعدي السلطات بحظر التظاهر خارج العاصمة في الوقت الذي تقول فيه ان الحظر لا يشمل الا العاصمة الجزائرية. وقال انه تم حظر تظاهرة اليوم السبت 5 مارس في مدينة باتنة (430 كلم جنوب شرقي العاصمة).

وفي وهران كبرى مدن الغرب الجزائري، كان من المقرر تنظيم تظاهرة دعت اليها التنسيقية انطلاقا من ساحة الاول من تشرين الثاني/نوفمبر غير ان السلطات حظرتها، بحسب المعارضة.

وافاد مراسل في المكان انه تم توقيف نحو مائة شخص بينهم صحافيون وقدور شويشة الممثل المحلي لتنسيقية التغيير قبل انطلاق التظاهرة التي كانت مقررة الساعة العاشرة بتوقيت غرينيتش قبل ان يتم اطلاق سراح الجميع.


والتنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية تاسست في خضم اضطرابات بداية العام التي خلفت خمسة قتلى واكثر من 800 جريح.

وقد انقسمت في شهر فبراير الماضي الى مجموعتين احداهما من انصار العمل السياسي في الشارع ومكونات للمجتمع المدني ونقابات مستقلة تدعو الى عمل معمق ولا تبدو داعمة للتظاهرات.

وتظاهرات السبت 5 مارس هي الخامسة من نوعها منذ 22 يناير الماضي.

وافشلت قوات الامن اربع محاولات سابقة لتنظيم مسيرة من ساحة اول مايو الى ساحة الشهداء.

وقال علي يحيى عبد النور إن “مسار التاريخ يتسارع وستحدث تغييرات عميقة في كل الدول العربية. وما هي إلا قضية وقت ويأتي دور الجزائر”، مضيفا “لو سمحوا لنا بتنطيم المسيرات لسار الشعب معنا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس بتاريخ 5 مارس 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية