مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في الجزائر.. تصاعـدُ وتيرة الهجمات الدموية يُنذر بمُـنـعـرج خطير

بقايا السيارة المفخخة التي نُفذ بها الهجوم الدموي على مدرسة الدرك الوطني في بلدة يسّر قرب بومرداس يوم 19 أغسطس 2008 Keystone

قالت وزارة الداخلية الجزائرية إن هجوما بقنبلة شرقي الجزائر العاصمة يوم الثلاثاء 19 أغسطس 2008 أسقط 43 قتيلا وأصاب 45 شخصا في أحد أدمى الهجمات منذ سنوات في البلاد.

وذكرت الوزارة في بيان نقلته وكالة الانباء الجزائرية أن الهجوم استهدف مدرسة لتدريب قوات الامن في بلدة يسّر الواقعة على بعد 55 كيلومترا شرقي الجزائر العاصمة.

وأوضحت الوزارة أن 42 من القتلى مدنيون بالاضافة إلى أحد أفراد قوات الامن. وأضافت أن 13 من المصابين من قوات الأمن فيما البقية من المدنيين. وجاء التفجير في أعقاب العديد من الهجمات لجناح القاعدة في شمال افريقيا لكن لم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الهجوم.

وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أعلن مسؤوليته عن العديد من الهجمات في الماضي بما في ذلك الهجوم المزدوج على مكاتب الأمم المتحدة ومبنى محكمة في الجزائر العاصمة في ديسمبر 2007 والذي أسفر عن سقوط 41 قتيلا بينهم 17 من موظفي الامم المتحدة.

وقال شهود عيان لوكالة رويترز إن هجوم يوم الثلاثاء نفذه مفجر انتحاري صدم بسيارته الملغومة مجموعة من الشبان يأملون في الالتحاق بصفوف قوات الامن كانوا مصطفين للدخول الى مدرسة لخوض الاختبارات المؤهلة.

وقال شاهد عيان آخر بالهاتف لرويترز “معظم القتلى شبان تتراوح اعمارهم بين 18 و 20 عاما. كانوا يقفون في طابور انتظارا لدخول مدرسة لخوض اختبارات التجنيد عندما قتلهم الانفجار دون تمييز”. واضاف “دمر انفجار السيارة جزءا من السياج الخارجي للمدرسة واحدث حفرة كبيرة في الارض على بعد ثلاثة امتار من البوابة الرئيسية.”

وأوضحت وكالة الانباء الجزائرية أن الانفجار دمر واجهات العديد من المنازل والمباني بالقرب من المدرسة واحدث أضرارا بسيارات وغيرها من المركبات على الطرق القريبة مما أسفر عن اصابة العديد من الركاب.

“الوضع سيزداد سُوءا”

قُـتل أكثر من ستين شخصا خلال يومين في الجزائر، في منطقتين تقعا شرق العاصمة الجزائرية، حيث الجبال الوعرة، التي يسكن بعضها بربر الشمال الأوسط، أي القبائل، فيما يسكن بعضها الآخر، عرب اقتنعوا بوجهة نظر القبائل، فلا يُعينون مصالح الأمن، التي أصبحت كأنها “تنتمي إلى دولة أخرى أو إلى دولة معادية”، برأي بعض المراقبين.

السبب، حسب عبد الوهاب وهابي، الأمير السابق للطليعة الإسلامية المقاتلة، هو وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، الذي لم ينفذ كل أوامر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيال موضوع المصالحة الوطنية، ويضيف عبد الوهاب وهابي لسويس إنفو: “عندما يُـصر زرهوني على معاداة المسلحين السابقين والتيار الإسلامي بشكل عام، وعندما لا يحل مشاكل المواطنين في حياتهم العملية، فإنه عوض أن يرى نزول عشرات الشباب من الجبال، فإن المئات منهم سيصعدون، بل إنني أؤكد لك صعود العشرات منهم، وكلهم صغار السن، ولا يعرفون لا الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا عباسي مدني ولا علي بلحاج”.

بالنسبة لهذا الأمير السابق لجماعة مسلحة قاتلت قوات الأمن، فإن الوضع الأمني سيزداد سوءا في الأشهر المقبلة، لأن الأمل في تحسن الأوضاع غير موجود إطلاقا، ويؤكد عبد الوهاب وهابي لسويس إنفو: “نزلنا من الجبال وألقينا السلاح في إطار قانونَـي الوئام المدني والمصالحة الوطنية، مقابل عودتنا إلى الحياة السياسية والاقتصادية، ودخولنا إلى الحياة الاجتماعية من جديد، فمثلا بيتي وبيت عائلتي هُـدما في بداية تسعينات القرن الماضي ولم يتم تعويضي ولا طُـلب العفو مني، ثم إنني لا أتمكن من العمل في أي من المؤسسات العامة، وصعوبات جمة تلاحقني عندما أحاول القيام بعمل خاص”.

“لن يتعاونوا مع الأمن..”

العجيب، أن ما يطالب به وهابي، يطالب به غالبية الجزائريين، لا فرق في هذا بين قبائلي أو عربي، إسلامي أو علماني، والأغرب من هذا، هو تفهم وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني لما يحدث، لذا، طالب وهو يَـعد قتلى المدرسة العليا للدرك: بـ “تضامن أقوى من الشعب الجزائري، الذي عليه أن يساعدنا لمكافحة الإرهاب”.

هنا يتساءل الإعلامي فيصل مطاوي، الصحفي بيومية “الوطن”، الناطقة باللغة الفرنسية: “لماذا يريد زرهوني من الجزائريين مساعدته، وهو الذي لا يحسن التحدث معهم؟ فكيف يطالب المسلحين بتسليم أنفسهم لمصالح الأمن عقب عملية تفجير المدرسة العليا للدرك، وهم قد فجروا من قبل قصر الحكومة والمجلس الدستوري واستخبارات الشرطة ومقرات الأمم المتحدة”؟

ويضيف فيصل مطاوي: “لقد تحدثت مع مواطنين كثيرين، أكّـدوا لي أنهم لن يتعاونوا مع مصالح الأمن، مهما كان الأمر، لأن كل الوعود التي أطلقتها السلطات خلال تسعينات القرن الماضي، قد تبخرت، وبمعنى آخر، يتساءل المواطنون، كيف تطلقون سراح مسلحين عَـفَـوتم عنهم ونحن قاتلناهم، ثم عاقبتم الكثير منا عندما أردنا الاقتراب منهم بعد العفو عنهم، فالآن أنتم وشأنكم مع المسلحين الإسلاميين”.

يستعيد المرء، وهو يستمع إلى تعليقات أمير سابق في جماعة مسلحة وإلى صحفي جزائري ذائع الصيت، طريقة تفكير “شخصيات سياسية قيادية” تؤكد مصادر مطلعة أنها “أعطت أوامر وتوجيهات غير مسموعة ولا مرئية ولا مقروءة لسكان منطقة القبائل، بتجنب مساعدة قوات الأمن في حربها على تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”.

هذه “الشخصيات القيادية” انتظرت قرابة أربعة أعوام كي تتحقق الفرضيات التي تصورتها، لأنها كانت تهدف حسبما يبدو – من وراء هذا التوجه – إلى عزل الرئاسة والحكومة ومصالح الأمن جميعا، ولم يكن هذا الأمر متصورا في نهاية تسعينات القرن الماضي، عندما كانت العلاقة مع المواطنين سمنا على عسل، بل وكان التعاون لمكافحة الإرهاب في أعلى مستوياته، أما الآن، فقد أضحى الوضع وكأن مصالح الأمن تُـقاتل لوحدها في الميدان.

دليل ذلك، سقوط الكثير من القيادات العسكرية، شرق البلاد، في كمائن نُـصبت لهم في أعالي الجبال وفي أسفلها، والسؤال الذي يُـطرح هو: من سرَّب لهم المعلومات للوصول إلى هذه القيادات وقتلها؟ وبالرغم من عدم معرفة الجواب الدقيق، فإن المؤكد أن التنظيمات المسلحة أو تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أصبحت تملك شبكة معلومات كبيرة وشبكة مخبرين، حصل عليها حسبما يبدو نتيجة لتراكم أخطاء الجهاز الحاكم.

تطور نوعي

من ناحية أخرى، يمثل الهجوم على مدرسة ضباط الدرك في منطقة يسر 60 كلم شرق العاصمة، تطورا نوعيا في الهجمات على مصالح الدولة. فخلال ستة عشر عاما، هي سنين الأزمة الجزائرية، لم يهاجَـم طابور واحد للراغبين في الالتحاق بجهاز أمني في أي منطقة من مناطق البلاد.

ولا يُـستبعد الآن أن يلتجئ التنظيم المسلح إلى المجانين، كما هو حاصل في العراق، بعد أن استعمل الأطفال والنساء والشيوخ. وخلال كتابة هذه السطور، علمت سويس انفو أن العشرات من طائرات الهليكوبتر انطلقت لمهاجمة معاقل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، للانتقام من مقتل أزيد من خمسين شابا في ربيع العمر أرادوا الالتحاق بصفوف الدرك.

لكن، ومع الوصف الداخلي والخارجي للعنف في الجزائر بأنه “إرهاب وحسب”، لا يخفى على المواطن الجزائري أن الأزمة السياسية يُعبَّـر عنها بأساليب عنيفة، وهو أمر يبدو أن البعض من السياسيين يحاول تأكيده وتركيزه مثل عبد الحميد مهري، الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، وحسين آيت أحمد، رئيس جبهة القوى الإشتراكية، ومولود حمروش، رئيس الحكومة الأسبق، بالإضافة إلى سعيد سعدي، زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي غيَّـر مؤخرا من تكتيكه والتجئ إلى الاستنجاد بالإدارة الأمريكية والحكومة الكندية، كي تضغطا على الدولة الجزائرية التي يجب عليها “فتح المجالين السياسي والاقتصادي للجزائريين”، حسب قوله.

وهذا السيناريو هو ما لا يريده الرئيس بوتفليقة تحديدا، لكنه وقع الآن بالكامل، بل يمكن القول أنه كابوس بكل ما تحمله الكلمة من معان. إذ يمكن أن يؤدي إلى ضياع نتاج عمل مُـضن استمر ستة عشر عاما ضد الإسلاميين المسلحين والسياسيين معا، وقد تصبح الجزائر في نهاية المطاف مِـثالا كبيرا لتقدُّم المعارضة الإسلامية وفوزها من دون برلمان ولا انتخابات ولا مسجد، بل نتيجة لأخطاء ارتكبها الطَّـرف المقابل الذي لا يعرف كيف يُـسعد شعبه بالسياسة والاقتصاد والأمل في حياة أفضل.

هيثم رباني – الجزائر

(رويترز) – قالت وزارة الداخلية الجزائرية إن تفجيرا وقع شرقي الجزائر العاصمة يوم الثلاثاء 19 أغسطس 2008، مما أسفر عن سقوط 43 قتيلا في أدمى هجوم منذ أعوام في الجزائر، العضو في أوبك.

وأسفرت الهجمات التي أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عنها أو يشتبه في أنه نفذها، عن سقوط أكثر من 200 قتيل في الجزائر خلال الثمانية عشر شهرا المنصرمة. ونفذ التنظيم أيضا هجمات في المغرب وتونس.

وفيما يلي تسلسل لأحدث الهجمات في الجزائر:

13 فبراير عام 2007 – انفجار سبع قنابل بشكل متزامن تقريبا في الجزائر، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص شرقي الجزائر العاصمة.

4 مارس 2007 – مقتل ثلاثة جزائريين وروسي في هجوم بقنبلة مزروعة على الطريق جنوب غربي الجزائر العاصمة.

11 ابريل 2007 – قنابل تقتل 33 شخصا في الجزائر العاصمة في هجمات أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها.

11 يوليو 2007 – هجوم انتحاري بسيارة ملغومة خارج ثكنات يقتل ثمانية في منطقة القبائل شرقي الجزائر العاصمة وتنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته عن الهجوم.

السادس من سبتمبر 2007- تنظيم القاعدة يشن هجوما انتحاريا قبل زيارة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مما أسفر عن سقوط 20 قتيلا واصابة 107 أشخاص في باتنة جنوب شرقي العاصمة.

الثامن من سبتمبر 2007- سقوط 37 قتيلا في هجوم بسيارة ملغومة تابعة لتنظيم القاعدة على ثكنات لخفر السواحل في ميناء دلس شرقي العاصمة.

11 ديسمبر 2007- انفجاران يقتلان 41 شخصا بينهم 17 من موظفي الامم المتحدة في الجزائر العاصمة عند مكاتب الامم المتحدة، وتنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته.

الثاني من يناير عام 2008 – مهاجم انتحاري من تنظيم القاعدة يصدم بسيارته مركزا للشرطة في بلدة الناصرية شرقي الجزائر العاصمة، مما أسفر عن مقتل أربعة من رجال الشرطة.

29 يناير 2008- سقوط قتيلين على الاقل في انفجار سيارة ملغومة تابعة لتنظيم القاعدة عند مركز للشرطة في الثنية شرقي الجزائر العاصمة.

الخامس من يونيو 2008- مقتل ستة جنود في انفجار قنبلة زرعها متشددون في قافلة بقرية ساحلية شرقي العاصمة.

الثامن من يونيو 2008- مقتل مهندس فرنسي وسائق، شرقي العاصمة.

الثالث من أغسطس 2008 – هجوم انتحاري في بلدة تيزي وزو شرقي الجزائر العاصمة يسفر عن اصابة 25 شخصا وتنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته.

التاسع من أغسطس 2008 – هجوم انتحاري يقتل ستة في بلدة زموري الساحلية الواقعة على بعد 45 كيلومترا شرقي الجزائر العاصمة. وأصيب في الهجوم 18 شخصا.

14 أغسطس 2008 – مقتل قائد المنطقة العسكرية في ولاية جيجل (360 كلم شرق العاصمة) وجندي في كمين.

17 أغسطس 2008: مقتل 11 من عناصر الأمن ومدني في كمين نصبته مجموعة مسلحة لقافلة أمنية في سكيكدة (شرق)، وفق الصحف الجزائرية.

19 أغسطس 2008 – سقوط 43 قتيلا في هجوم بقنبلة استهدف مدرسة لتدريب ضباط الدرك الوطني في بلدة يسّر، الواقعة بمنطقة القبائل على بعد 55 كيلومترا شرقي الجزائر العاصمة. وأصيب في الهجوم 38 شخصا على الاقل.

20 أغسطس 2008: سقوط 12 قتيلا و42 جريحا إثر انفجارين وقعا في مدينة البويرة الواقعة على بعد 120 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائرية.

(المصدر: وكالات الأنباء رويترز وأ ف ب بتاريخ 19 و20 أغسطس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية