مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في المغرب الأقصى.. عنف منظم أم تفجير يائس للذات؟

أعوان من الشرطة الفنية يمرون بجوار جسم الإنتحاري الثاني الذي تحول إلى أشلاء (مغطى بأوراق الكرتون) في أحد شوارع الدار البيضاء يوم 10 أبريل 2007 (المصدر: AFP)

على إيقاع واحد، وإن اختلفت حدّته وعواقبه وأبعاده، عاشت مدينتا الدار البيضاء والجزائر يومي 10 و 11 أبريل تفجيرات.

في الأولى حدثت تفجيرات عبثية لا أحد، حتى الآن، يُـدرك رسائلها ومغازيها وأهدافها، أسفرت عن مقتل منفِّـذي التفجيرات ومُـفتش شرطة، وجرح 21 مواطنا، بينهم شرطي، وهو ما اختلفت عنه كثيرا الإنفجارات الثانية، التي أسفرت عن 26 قتيلا بينهم ثلاثة انتحاريين وعشرات الجرحى.

لا يُقصد بالإيقاع الواحد الرّبط السياسي الذي لا زال المسؤولون والمحللون ينفون نفيا قاطعا الربط اللوجيستي بينهما، وإن كانوا لا ينفون الربط العقائدي والأيديولوجي، ليضع هذا الربط المنطقة المغاربية كلها منذ بداية التسعينات على صفيح عنف أصولي عبثي، تختلف درجة حرارته من بلد مغاربي لآخر.

لكن العنف أصبح يجمع المنطقة، حتى وإن كان الخطاب الرسمي والتحليل السياسي يحرِص في كل دولة مغاربية على إبراز أن هذا العنف دخيل على بلاده ونقيض لطبيعة الشعب والبلاد ومناهض للدين الإسلامي الحنيف، الذي تعتنقه شعوب المنطقة.

فجر الثلاثاء 10 أبريل، صحا سكان حي الفداء، أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، على صوت رصاص عقِـبه انفجار مُـدوي، ليكتشفوا أنه كان بين ظهرانهم ثلاثة انتحاريين مفترضين والسلطات تبحث عنهم، يختبئون منذ أكثر من شهرين في شقة متواضعة استأجروها لتجهيز أنفسهم.

كانت الشرطة قد طوّقت الحي بعد أنباء مؤكَّـدة وصلتها عن مكان هؤلاء الانتحاريين، الذين تبحث عنهم ضِـمن 15 انتحاريا على خلفية تفجير انتحاري نفسَـه بحزام ناسف في نادي للإنترنت يوم 11 مارس الماضي في حي سيدي مومن القريب من حي الفداء.

قالت السلطات إن انتحاريا مُـفترضا يُـدعى محمد منطالا، قُـتل برصاصها وإن انتحاريا آخر فجّـر نفسه بحِـزام ناسف كان يرتديه، ولم تُـعرف هويته، وأضافت أن انتحاريا ثالثا استطاع الفِـرار ولاحقته واستطاعت عصر نفس اليوم أن تحدد المكان الذي فرّ إليه وحاصرته، لكنه فجَّـر نفسه وأصاب معه مفتِّـش شرطة تُـوفي فيما بعد، وشرطيا آخر.

كان الحي قد تحوّل إلى مقصد للصحفيين والفضوليين، يُـحاطون بموانع من الحبال نصبتها الشرطة على بُـعد أمتار من مكان التفجير الثالث، ليخرج انتحاري رابع على الساعة السابعة والنصف، ويفجِّـر حِـزامه الناسف، ليقتل ويصيب معه ثمانية مواطنين.

تساؤلات وغموض

هذه السلسلة من تفجير الذات، والتي قالت السلطات إنها منعت كارثة كُـبرى كانت تحيق بأكبر مدينة مغربية، زادت في حجم الغموض الذي يحيط بالتيارات الأصولية المغربية المتشددة وأكثرت من الأسئلة التي تُـطرح في البلاد منذ تفجيرات 16 مايو 2003، التي استهدفت كذلك مدينة الدار البيضاء وأسفرت عن مقتل 45 شخصا، من بينهم 14 انتحاريا وعشرات الجرحى.

أسئلة كثيرة تُـطرح، ومن يتصدّى للإجابة عليها من موقع المسؤول أو موقع الخبير أو المحلل السياسي، يكرِّر، حسب موقعه وموقفه السياسي والأيديولوجي، نفسه ليدخل المواطن في دوّامة لا يعرف كيفية الخروج منها إلا بترداد ما يسمعه في الفضائيات أو ما يقرأه في الصحف أو تجاهل كل ما يجري ومواصلة حياته الطبيعية واللامبالاة.

وإذا كان هذا موقفا مريحا للنخبة أو للفئات الاجتماعية، التي تجد في الدولة حماية كافية لتؤمِّـن لها وضعيتها، وفي نفس الوقت تحميلها مسؤولية أي فشل أو تعثر، فإنه أيضا مريح للفئات الفقيرة والمهمَّـشة، التي ترى أن لا أمل بخلاص جماعي من فقر مدقع وسكن عشوائي وجهل سائد، وأن الخلاص لا يكون إلا بالحل الفردي، بغضّ النظر عن عواقبه، سواء كان في محاولة الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، إلى أوروبا، تلك الجنة القابعة هناك على الضفة الشمالية للبحر المتوسط أو في اللجوء إلى ممارسة كل الموبقات أو المفاسد الاجتماعية، أو التوجه إلى عنف يمارس من خلاله ما يشبه “تطهير الذات”، من حِـقدها على مجتمع “كافر وفاسد ومنحل”.

عنف بلا رسالة

وإذا كان اللجوء للموبقات ومظاهر الفساد الاجتماعية خيارا أقل تكلفة من غيره، فإن الشروط والمتطلَّـبات والتكاليف المالية للهجرة، الشرعية أو غير الشرعية نحو “الجنة على وجه الأرض”، أضحت شبه مستحيلة، وأصبح خيار “الجنة في السماء” أقل تكلفة ومربحا أكثر، لأن المؤمنين موعودون به.

وفي هذا الخيار، يوجد الكثير من القادرين على الاستقطاب إليه بلغة سليمة تُـذهل وتسلب عقول الفقراء والأميين، خاصة وأنها تستند إلى آيات من القرآن الكريم، مبتورة من سِـياقها في معظم الأحيان.

بعد 16 مايو 2003 سمع فقراء الأحياء الهامشية في ضواحي المدن المغربية الكبرى على لسان المسؤولين والسياسيين، الكثير من الوعود، لكنهم لم يلمسوا شيئا يُـحقق مما وعِـدوا به أو ينعش أملا بأن ذلك سيتحقق في المدى المنظور.

لذلك حمَّـل المعارضون الدولة والأحزاب المشاركة بالحكومة مسؤولية ما حدث يوم 11 مارس 2007، الذي كرّر بعده المسؤولون وعودهم السابقة ثم تكرّر سيناريو المعارضين يوم 10 أبريل الجاري ليقولوا للدولة وللنخبة الحاكمة: “ألم نقل لكم”؟

والقارئ والمتابع لردود الفعل المغربية على تفجيرات الذات العبثية التي عاشتها الدار البيضاء يوم 10 أبريل الجاري، لا يعثر على جديد في الخطاب الذي طغى مغربيا في أعقاب 16 مايو 2003 وبعد 11 مارس 2007، إلا في تأكيد المسؤولين على مغربية التخطيط والتنفيذ وعدم ارتباط المخططين والمنفذين بأية جهة خارجية، حيث قال وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى، “إن ما حدث في الدار البيضاء ليس له علاقة بالأعمال الإرهابية التي شهدتها دول مجاورة” وأكد أن “المجموعة المغربية ليس لها علاقة مباشرة بشبكات الإرهاب الدولية”، وعلى أن “مفجري الدار البيضاء استخدموا وسائل بدائية لتفجير أنفسهم، مما يُـثبت أن عملهم كان عملا إرهابيا يائسا”.

ويستدل البعض على عدم الارتباط بهذه السذاجة والعبثية للقتل، قتل الذات الذي يأتي كانتحار يائس من حياة لم يعد يجد فيها، ولو قليلا يخفف من مرارتها وعلقمها وراحة للعائلة من عبء يشكِّـله عليهم، وهي ظاهرة تختلف جذريا عن عنف تعيشه الجزائر منذ أكثر من 15 عاما، من حيث طبيعة وشدّة وأثار ونتائج الرسالة، إن كان لمن وجَّـهها أو لمن وُجِّـهت إليه، وهو يظهر أن العنف في المغرب بلا رسالة، وهو ما يعقِّـد المسألة ويخفي الأسئلة وقد يريح، إذا ما أطلت برأسها، من الإجابة عليها.

محمود معروف – الرباط

الدار البيضاء (المغرب) (رويترز) – قالت مصادر بالشرطة المغربية إن ثلاثة مهاجمين انتحاريين فجروا أنفسهم يوم الثلاثاء 10 أبريل بعد وقت قصير من مداهمة الشرطة لمنزل في أحد الأحياء الفقيرة في الدار البيضاء.
وقالت المصادر وشهود إن رجلين كانا فرّا من مداهمة الشرطة لحي الفداء الذي قتلت فيه إسلاميا متشددا مشتبها به، كما فجر شريك له نفسه بعد أن حوصر على سطح منزل.
وقالت مصادر الشرطة إن الأربعة ينتمون لمجموعة يصل عددها إلى 12 شخصا يُـشتبه بأنهم مهاجمون انتحاريون تلاحقهم الشرطة منذ 11 مارس عندما فجّـر زعيم مجموعة من المهاجمين الانتحاريين حزامه الناسف في مقهى للانترنت لمنع الشرطة من اعتقاله.
وقالوا إنهم يعتقدون أن المهاجمين بدأوا ارتداء الأحزمة الناسفة في جميع الأوقات لمنع قوات الأمن من القبض عليهم أحياء.
والمغرب في حالة تأهب أمني منذ عام 2003 عندما قتل 13 مفجرا انتحاريا أنفسهم و32 شخصا آخرين في وسط الدار البيضاء في محاولة لمعاقبة المغرب على تحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة في “حربها على الإرهاب”.
وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء، إن ضابطي شرطة أصيبا عندما فجر الانتحاري الثالث نفسه في وقت متأخر يوم الثلاثاء، وأن أحدهما مات متأثرا بجراحه.
وقال مصدر أمني رفيع لرويترز “المفجر الانتحاري الرابع فجر نفسه حينما رأى أنه لا مهرب له من الطوق الذي فرضته الشرطة”، وأضاف أنه كان المشتبه به الأخير في مجموعة تستهدفها الغارة.
وقال شرطي بالموقع “أصيب 19 شخصا على الأقل، بينهم خمسة من رجال الشرطة، عندما فجر الانتحاري الرابع نفسه”. وأضاف أن المفجِّـر بدا أنه يستهدف الشرطة عن عمد.
وقالت الوكالة إن المفجر الثالث يُـدعى رشيدي محمد، وقالت إنه ينتمي إلى “خلية إرهابية”، تقف خلف مقتل أحد أفراد قوات الأمن في عام 2003.
وحدّدت الشرطة هوية شخص آخر من الأربعة بأنه أيوب الرايدي، شقيق عبد اللطيف الرايدي، الزعيم القتيل للمجموعة التي تبحث عنها الشرطة.
وقال سكان إن الشرطة أغلقت جزءا من الفداء، وهي ضاحية فقيرة يسكنها عمال في العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتحاول تعقب المشتبه بهم الآخرين الذين تمكّـنوا من الفرار.
وتجمّـع مئات من الأشخاص قرب المنزل الذي جرى مداهمته، فيما نقب فريق من وحدة الطب الشرعي في أنقاض المنزل بعد التفجير الأول.
وقالت زهرة، التي تعيش في المنزل المجاور، وكانت تنتظر في الشارع بعد إخلاء المنزل من السكان، إنها استيقظت على صوت إطلاق نيران، ثم سمعت دوي انفجار بعد ذلك بفترة قصيرة، وأضافت أن الجيران أبلغوها أن شابا فجر نفسه على السطح بعد أن حاصرته الشرطة.
وقالت لرويترز إن الشاب “وثلاثة أو أربعة شبان آخرين انتقلوا للإقامة في شقة سكنية في المبنى قبل حوالي شهرين”، مضيفة “ليسوا من هذه المنطقة، كانوا منغلقين على أنفسهم، كانوا يرتدون ملابس عادية.. جينز وملابس تدريب رياضية”.
وقال عبد اللطيف (40 عاما)، وهو عاطل عن العمل، إنه كان مع بعض الأصدقاء عندما توقّـفت سيارة شرطة فجأة أمامهم واندفع ضباط إلى شارع جانبي، وأضاف قائلا “بعد فترة قصيرة، خرج شابان يجريان من منزل والشرطة تطاردهما.. وأمر الضباط الرجلين بالتوقف وأطلق أحد الرجلين النار عليهم، وردّت الشرطة بإطلاق النار وسقط واحد، وهرب الآخر”.
وقال مسؤولون أمنيون الشهر الماضي إن المهاجمين الإسلاميين خططوا لتفجير سفن أجنبية في ميناء الدار البيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، ومعالم مغربية أخرى، بينها فنادق في مراكش وأغادير، وقالوا إن الشرطة أحبّـطت المؤامرة باعتقال أكثر من 40 شخصا، معظمهم يعيشون في أحياء فقيرة بالدار البيضاء.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 أبريل 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية