مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في اليمن.. شعب مُـسـلـّح يُـصـرّ على الطابع السلمي لثـورتـه

لقطة من إحدى المظاهرت الشعبية العارمة التي نظمت في العاصمة اليمنية صنعاء يوم 28 ابريل 2011 Keystone

شدد الناشط الحقوقي اليمني، ورئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان عزالدين الأصبحي على الطابع السلمي للثورة اليمنية وإصرار شبابها على أن تظل كذلك رغم توفر قطعة سلاح على الأقل في كل بيت.

من جهة أخرى، تطرق السيد الأصبحي أثناء الزيارة التي قام بها ضمن وفد عن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والتي قادته في النصف الثاني من شهر أبريل 2011، الى عدة بلدان أوروبية من ضمنها سويسرا، إلى مواقف الأطراف اليمنية المختلفة من الحلول والوساطات القائمة لمحاولة الخروج من المأزق الذي ينذر بتطورات خطيرة.

swissinfo.ch: تزورون قصر الأمم المتحدة في جنيف في أي إطار يتم ذلك؟

عز الدين الأصبحي: ضمن جولة  بدعوة من الفدرالية الدولية لمنظمات حقوق الإنسان. وهي الزيارة التي  سمحت لنا بعقد  لقاءات في بروكسل مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والوزراء الممثلين لدول داخل الاتحاد الأوربي والمنظمات الدولية.  وفي باريس مع ممثلين حكوميين ومنظمات غير حكومية. 

في جنيف كان هناك لقاء مع ممثلين عن البعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف ومع المفوضة السامية لحقوق الإنسان. وقد أعطتنا المفوضة السامية الوقت الكافي لشرح الملف اليمني وأبدت الكثير من الحماس والاهتمام. ووجدت لديها الكثير من المعلومات والمتابعة الدقيقة عما يجري في اليمن…

كما عقدت لقاء بمسؤولي الشرق الأوسط داخل مفوضية حقوق الإنسان. وكان هناك لقاء مع المنظمات الدولية غير الحكومية في جنيف لأن هنا مقر المنظمات الفاعلة. لأننا نود الوصول الى قرار بخصوص اليمن .

كان لا بد لهذا الملف الحقوقي أن يتحرك في دوائره الدولية، ومن ضمنها مفوضية حقوق الإنسان والأمم المتحدة. والجانب الثاني هو للتعريف بواقع الثورة اليمنية.    

المعروف عن اليمن أنه دولة تتوفر فيها اسلحة في كل بيت تقريبا، لكن مع ذلك يحرص شباب الثورة والشعب اليمني الذي يساندهم على أن تبقى سلمية رغم ارتفاع عدد الضحايا، ما السبب، وهل ستواصل التمسك بهذا الخط السلمي؟

عز الدين الأصبحي: بالفعل يجب أن نشدد على أن ثورة الشباب في اليمن ارتكزت على ركيزتين أساسيتين: الأولى انها ثورة سلمية وبالتالي لم تلجأ الى العنف أو إلى السلاح ، ولم تبدا باي نوع من الصدام، ولم تستهدف أية اشخاص آخرين رغم معارضتها المستمرة.

إذا أدركنا أننا نعيش في بلد يعيش فيه أكثر من 23 مليون نسمة، هناك ما لا يقل عن تسعة مليون قطعة سلاح في اليمن. هذه  الأرقام من دراسات متخصصة  لمؤسسات محايدة. وبالمناسبة هناك أرقام أخرى تتداولها بعض وسائل الإعلام اليمنية وحتى بعض المسئولين اليمنيين الذين يقولون بأن هناك ما بين 20 الى 30 مليون قطعة سلاح. لكنني أميل الى عدد تسعة مليون قطعة لأنها حسب دراسات علمية على مستوى ما نسميه الأبحاث الميدانية.  وهو عدد كبير جدا بالنسبة لبلد فيه من اليافعين ومن الشباب عددا لا يزيد عن هذا الرقم فبالتالي يمكن اعتبار أن هناك سلاحا في كل بيت يمني.

يضاف الى ذلك أن الشعب اليمني عاش ثقافة الحرب لأكثر من خمسة عقود كاملة ما بين حرب أهلية  وأخرى وما بين انقلاب عسكري وثورة داخلية. وبالتالي عاش اليمنيون دوائر عنف متصلة خلال خمسة عقود.

لذلك اعتقد بأن هذا الجيل الجديد من الشباب نضج تماما وأصبح لديه رؤيا وإيمان حقيقي بأن السلام هو الذي يصنع التقدم ، ويصنع مسالة المسواة والعدالة لذلك لجا الى معارضة سلمية جادة وبنفس طويل.

المدهش هو رفع هذا الشعار السلمي والنفس الطويل. فنحن لربما في المنطقة أكثر ثورات الشعوب التي صمدت في الأرض حتى الآن. هناك ثلاثة اشهر كاملة والناس لم تغادر الشوارع بل تزداد كثافة وإيمانا وتلاحما.

والنقطة الثانية التي ارتكز عليها الشباب أنهم يريدون دولة مدنية ، وعندما يقولون نريد دولة مدنية يقصدون بذلك عدم العودة الى الحكم العسكري المباشر ان يكون عبر الجنرالات او عبر العشيرة او القبيلة. فهم عندما يقلون نريد تغيير النظام فهم يقصدون بشكله التقليدي العشائري أو العسكري البوليسي.  وهي نظرة متقدمة في وجهة نظري.

الملاحظة الثالثة من وجهة نظري هي أن الذين صمدوا في الشارع هم ما نسميهم دائما بالأغلبية الصامتة. هؤلاء الناس الذين لم ينخرطوا تماما بأحزاب سياسية أو لم تكن لديهم نظرة سياسية مسبقة، بل ما دفعهم للتظاهر والخروج للشارع هو الإحساس بالقهر والمهانة، والرغبة في المشاركة في صنع المستقبل الذي يريدون. السبب ذلك هو احتياج هؤلاء للحرية والكرامة أكثر من الاحتياج للخبز أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما جعلهم يصمدون هذا الصمود الطويل وما جعلهم لا يرفعون مسالة السلاح او العنف.     

ولكن رغم هذا الطابع السلمي المثالي  للثورة اليمنية، نلاحظ أن المجموعة الدولية لم تستجب معها بالشكل المطلوب ما السبب في نظركم؟

عز الدين الأصبحي: الصمت الدولي يندرج حقيقة في مسالة رعاية المصالح. نحن ندرك تماما أن الدول الإقليمية والدولية لديها مصالح كبرى في اليمن. ولديهم ايضا حالة رعب من أن اليمن لربما إذا انفلت او انزلق نحو دائرة العنف سيكون صومال جديدة او سيكون منطلق لما يسمى بالإرهاب الإسلامي بين قوسين. واستطاع النظام خلال الفترة الماضية أن يسوق ويروج لدى كثير من الأوربيين بالذات ولدى الأمريكيين خاصة بان اليمن ربما ستكون هي المنطلق لجيش القاعدة القادم. وهناك رعب حقيقي لدى الأوربيين والأمريكيين من هذا الأمر.

ولكن الواقع أثبت  بأن هذا غير صحيح. لو كان هناك قاعدة، ولو كان هناك إرهاب، لربما لم يجد بيئة خصبة أحسن مما مرت به اليمن خلا الشهرين الماضيين. لكن من الواضح بأن هناك شعبا مسالما ، وشعبا يريد السلام ، شعبا ينشد العدالة والمساواة ليس أكثر. وبالتالي القلة التي كانت تعمل عمليات إرهابية ، ولا زال بإمكانها أن تعمل، تضل قلة منبوذة في المجتمع الذي اثبت بالواقع وبالملموس بأنه شعب مسالم ويحب السلام والحرية.

 وبالتالي لابد ان ندعو هذا المجتمع الدولي لكي يعيد النظر بجدية  فيما يجري في اليمن. ليرى بأن هناك شعبا يتحرر من كل دوائر العنف ، ويرفض العنف ويرفض السلاح ويرفض الدخول في مسالة كره الآخر. ولا ينظر الى مقولات بعض السياسيين التي لربما تجاوزها الزمن الآن .

المرحلة القادمة هي مرحلة شباب ينشد الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام ويكره العنف بجدية لأنه مؤمن تماما بأن بناء الوطن بحاجة الى هذا السلام والى هذا الجهد.   

الواقع أن ثورة الشعب اليمني مرت بمراحل انفراج وتشدد متعددة منذ بدايتها ما بين إصرار المتظاهرين على رحيل الرئيس عبد الله صالح ونظامه، وبين مناورات هذا الأخير للتمسك قدر المستطاع بالسلطة. آخر المحاولات، حلول الوساطة الخليجية بتزكية أمريكية أوربية. كيف تتصورون  حل الأزمة اليمنية؟

عز الدين الأصبحي: هناك خطان واضحات للجميع: الخط الأول هو المفاوضات السياسية التي دخلت فيها أطراف إقليمية وباركتها أطراف دولية. كتأييد مبادرات دول مجلس التعاون الخليجي  من قبل الولايات المتحدة الأمريكية  ومن قبل دول أوروبية.

وهي المبادرة التي وافقت عليها المعارضة الحزبية السياسية المندرجة تحت اللقاء المشترك. (اللقاء المشترك هو تجمع سياسي يمني يضم الأحزاب الرئيسية في البلد الممثلة في البرلمان وخارج البرلمان وعلى رأسها التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الشعبي الناصري وحزب الحق واتحاد القوى الشعبية).

وكانت احزاب اللقاء المشترك تتوقع التوقيع على المبادرة يوم الأحد 1 مايو في الرياض، لكن من المؤشرات ما كان يقول بأن هناك ممانعة من قبل الحزب الحاكم ممثلة فيما يسمى “موافقون ولكن في إطار الدستور”. وهذا ما يدل على أنه ليست هناك موافقة كاملة (ملاحظة من التحرير: الحزب الحاكم طلب تأجيل استقبال موفد مجلس التعاون الخليجي إلى حين نشر هذا المقال) لكننا نأمل في توصل السياسيين الى حل سريع من أجل وضع حد للقتل والعنف الذي يعاني منه الشباب. والنقطة الثانية ينجز لهم هدفهم الذي خرجوا من أجله.

والخط الثاني هو خط الشباب الذي يقول بوضوح تام بأننا خرجنا للشارع من أجل هدف واضح لا بد من إنجازه. وأنه لن يعودوا الى منازلهم حتى يتم إنجاز هذا الهدف المتمثل في التغيير الجذري للنظام في اليمن.

أظن ان الشباب لديهم رؤيا واضحة في هذه المسألة . وقد ارتفعت أصواتهم بأنهم ليسوا مع الحل السياسي. ولكن  أرى بأن بقائهم في الشارع وبهذا الزخم الكبير والسلمي يدل على أنهم مصممون على إنجاز هدفهم.

إذا ما تم تحقيقه من خلال المباحثات السياسية ، فذلك هو تحقيق جيد، ولكن إذا لم يتم فأعتقد بانهم سيستمرون في ثورتهم السلمية حتى يحدثوا التغيير الكامل.            

عن واقع الثورة في الميدان

 هناك مظاهرات دائمة في 17 مدينة رئيسية على مستوى الجمهورية . لقد مرت ثلاثة أشهر والناس لم تغادر الشوارع بل تزداد كثافة وإيمانا وتلاحما وهذا ملفت للنظر. والنقطة الثانية أن هناك مظاهرات خرجت من  إطار ساحات الاعتصام  لتجوب كل الشوارع الرئيسية في المدن الرئيسية في اليمن. وبالتالي أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة في المنطقة العربية هي مرحلة ثورة حقيقية وليست مجرد مرحلة أزمات سياسية عابرة.  

الحل والمحاسبة

الحل يجب أن يأتي من الداخل وليس من الخارج ولكن يظل الخارج، ويظل الموقف الدولي مهما لتحمل مسؤولياته القانونية والدولية. ولا تسوية بدون محاسبة. و عندما اقول المحاسبة او المساءلة  لا اقصد بذلك دائرة الانتقام ولكن تحديد المسئوليات. ولن يتم  لليمن الخروج من هذه الدائرة  إلا بالاعتراف بالخطأ وإصلاح هذا الخطأ عبر الإنصاف وتحقيق العدل.  ولا بد من إيجاد آلية وطنية لإنصاف الضحايا. وتعويض الضحايا ومواجهة الماضي بكل سلبياته.

دور الإعلام

كانت هناك عمليات قتل تتم ولا أحد يدري. ولكن اليوم لعب الإعلام دورا هائلا في فضح كل ذلك.

المدافعون عن حقوق الإنسان

بالنظر إلى كل الجهد الذي تم في الفترة الماضية، نستطيع القول أنهم كانوا مبشرين بهذه الثورات، وهم ربما الذين مهدوا الطريق لجيل يقول لدينا حقوق ونحن نريد هذه الحقوق. كنا نقول قبل عشرين سنة أن كل ما يجري حول نشاطات حقوق الإنسان وكل ما يتم من تبشير بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان أمر غير مجد، وربما غير مثمر. أنا متأكد من أن الذين يواصلون رفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان سوف لن يكونوا إلا صمام أمان بالنسبة للمستقبل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية