مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في انتظار عوْدة العلاقات التجارية مع طرابلس… تفاؤل يشُـوبه الحَذَر

الأوضاع ليست كالمُعتاد. درج طائرات مهجور مُخَصَّص لكبار الشخصيات في مطار مدينة سرت الليبية Reuters

في الوقت الذي كانت تبذل فيه الجهود من طرف الساسة والدبلوماسيين لعودة الحياة إلى سالف طبيعتها في ليبيا، وقبل تسارع التطورات التي أدت إلى حسم الموقف ومقتل القذافي، كانت سويسرا بصدد دراسة السُّـبُل المُحتملة للعودة إلى مزاولة علاقاتها مع هذا البلد، الذي مزّقته الحرب منذ فبراير الماضي.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّـن القيام به مع ليبيا، كي تعود هذه العلاقات إلى ما كانت عليه تحْـت حُكم معمر القذافي أو توسيعها حتى.

وشملت بعض الخُـطوات الأولى من جانب سويسرا، إعادة افتتاح الكنفدرالية لِسفارتها في العاصمة طرابلس يوم 15 أكتوبر 2011، بعد إغلاقها قَبل نحوِ ثمانية أشهر لأسباب أمنية. وقد سَبَق هذه الخطوة، افتتاح مكتب ارتباط في مدينة بنغازي الساحلية في شهر يوليو المُنصرم، لِغَرَض إقامة اتصال دائم مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي.

من ناحية أخرى، لا يزال القِـتال في ليبيا مُستمرّا حتى اليوم – لا سيما حول مدينة سِـرت الساحلية، مسقَـط رأس القذافي، والتي أعلنها عاصمة له يوم 1 سبتمبر الماضي، بعد فقدانه للسيطرة على العاصمة طرابلس.

تفاؤل من جهة…

وفي تعليقه على هذا الموضوع، قال يان أتسلانر، رئيس الشؤون الدولية في رابطة أرباب العمل السويسريين Economiesuisse أمام swissinfo.ch: “ما زال الوضع السياسي في ليبيا غيْـر مُستَقِـر تماماً حتى الآن، وعلينا أن نقوم بِتَطبيع علاقاتنا الدبلوماسية والاقتصادية هناك – وهذا سوف يستغرِق بعض الوقت الإضافي”.

ويرى أتسلاندر احتمال وجود بعض الفُرَص للشركات السويسرية للمُساعدة في عملية إعادة إعمار ليبيا بعد إستقرار الأوضاع فيها، وهو ينظر إلى “أي شيء مُتَعَلِّـق بالبُنى التحتية”، باعتباره القطاع الرئيسي، إلى جانب المُستَحضرات الطبية والصيدلانية، بالإضافة إلى الآلات والمكائن بأنواعها.

ولكن رئيس الشؤون الدولية لرابطة أرباب العمل السويسريين أعرب في الوقت نفسه عن تفاؤله بِمُستقبل الشراكات التجارية السويسرية – الليبية قائلاً: “نحن نأمل بعودة العلاقات الثنائية إلى وضعها الطبيعي قريباً، ولكن هذه المُهمّـة تقَـع على عاتِـق الساسة و الدبلوماسيين، وهي ليْـست متْـروكة لِعالم الأعمال”.

وفي السياق ذاته، عَبَّـر سليمان بوشويقير، سفير ليبيا الجديد في سويسرا أمام swissinfo.ch مؤخّـراً عن رغبة بلاده بِرؤية الشركات السويسرية وهي تُـساهم في عملية إعادة إعمار بلده.

وحسب كلماته:” تجري الاستعدادات فيما يتعلّـق بوضع خطّـة دقيقة لإعادة الإعمار. وقد يحتاج الخُبراء العاملون على هذه الخطة، إلى الاعتماد على الخِـبرات السويسرية المعروفة في مجالات التقييم والتخطيط”. كما أشاد السفير بوشويقير بالعمل السويسري العالي الجوْدة في مجالات التكنلوجيا والخدمات.

 …وترقُّـب وانتظار من جهة أخرى

من جهته، قال باتريك ديزميديان، المتحدث باسم شبكة الأعمال وتنشيط التجارة الخارجية السويسرية  OSEC: “إن وجود إمكانيات للعمل في ليبيا، هو أمرٌ أكيد، ولكن الحديث عما هي الفُرَص الأفضل، هو أمرٌ سابق لأوانه”. ولم يُشر ديزميديان في معرض كلامه مع swissinfo.ch إلى أي إختلاف واضح للوضع في ليبيا منذ الأشهر الستة الماضية. ويُحتمل أن العديد من الشركات السويسرية تتّـخذ لنفسها نَهْـج الترقُّـب والانتظار.

وأضاف معلَّقاً: “تَتَّـسِم الشركات السويسرية بالحَذر إلى حدٍّ ما، وهي تميل إلى مراقبة ما يفعله نظراءها في دولٍ أخرى، كألمانيا مثلا”.

وحول نفس الموضوع، علَّـق فيليب مايير، مدير قسم الشؤون الدولية في غرفة تجارة مدينة جنيف بالقول، بأنّ الحديث “لم يَتَطَرَّق إلى موضوع ليبيا في مكتبه لِحَدّ الآن “. كما قال مايبر لـ swissinfo.ch: “لم تأتِ أية شركات مؤخّـراً للاستفسار عن فُرَص عملٍ جديدة في ليبيا – ولا حتى تلك التي كانت تُـمارس نشاطها هناك سابقاً. وكانت هذه الشركات الناشطة سابقاً، حذرة للغاية”.

ولكنه شدّد على أن قِـلّة الاستفسارات لَمْ تترجم تلقائيا إلى عَدَم الاهتمام، وقال: “هذا يعني بأنَّه إذا كان هناك اهتمام، فإن الناس حذِرون للغاية”. وأضاف: “نحن لا نعرف كيف سيتطوّر البلد خلال الأشهر أو السنوات المقبلة، ولكننا نأمل بأن يكون أكثر استقرارا من العراق أو من دولٍ أخرى تُـعاني من الحرب الأهلية”.

في إنتظار وضع آمن

وتفكر مجموعة “آزيان براون بوفيري” السويسرية السويدية (ABB) لِتَصنيع المُـعدّات الكهربائية والإنشاءات والتكنولوجيا، التي تتخذ من سويسرا مقرّاً لها، مَلياً حول كيفية المُضِـي قُدماً في ليبيا – على الأخصّ، بعد أن اتَّخَذت السلطات الليبية مدير عمليات الشركة ماكس غولدي رهينة هناك لمدة تقرُب من العامين، عَقب حادثة إعتقال هانيبال القذافي وزوجته من قِبَل شرطة مدينة جنيف عام 2008 بتُـهمة سوء معاملة خادميْـن خاصّـين.

ورَدّاً على سؤال swissinfo.ch حول خططها المستقبلية، قال المتحدث باسم المجموعة: “سوف تنظر مجموعة “أي بي بي” في الكيفية التي ستستأنف بها مشاريعها، متى ما أصبح الوضع آمناً للعمل مرة أخرى”.

شريك صغير

ومن الواضح بأن ليبيا بِحاجة إلى سويسرا أكثر من العكس، حيث لا تُمَثِّـل قيمة الصادرات السويسرية إلى ليبيا سوى عدد كَسري بسيط جداً، يُشَكّـل أقل من نصف في المائة من إجمالي صادرات الكنفدرالية.

وكما يقول رئيس الشؤون الدولية في رابطة أرباب العمل السويسريين: “قَد تعلَّق الأمر بالصادرات السويسرية، كانت ليبيا دائما شريكاً صغيراً للغاية، وهي سوق مؤاتية بالطبع لأولئك الذين يتعاملون مع ليبيا، ولكن حَجمها صغير نِـسبياً”. وأضاف: “نحن نتطلع إلى تطبيع العلاقات الاقتصادية مع ليبيا، ولكنها ليست إحدى الأسواق المهمّـة”.

وكما هو واضح، فقد استطاعت سويسرا أن تعيش بدون الحاجة إلى النفط الليبي في السنوات الأخيرة. ووفقاً لأيتسلاندَر: “كانت ليبيا دائماً إحدى الدول الرئيسية التي نستورِد منها النفط، ولكن هذا تغيَّر الآن تماماً. ولكن لم يكن على سويسرا أن تَمُر بيومٍ واحدٍ بِلا نفط منذ الحِـصار الذي فرضته ليبيا. إنها سوق ذات سيولة عالية”.

وذكرأتيسلاندر أيضا بأن شركة جلينكور العملاقة، (التي تعمل بالمتاجرة بالمواد الخام وبالدرجة الأولى النفط) والتي يقع مقرها في سويسرا، ناشطة في ليبيا بالفِعل بعد توقيعها لعقدٍ قبل بضعة أسابيع. من جانبها علَّقت رابطة النفط السويسرية بالقول بأن “السوق لا تزال هادئة نسبياً”.

وفي تعقيبه على الموضوع، قال نيكلاوس بوس، مدير الرابطة: “لقد استُبدِلَت واردات النفط الليبية كلّية مع دولٍ أخرى – على الأخص كازاخستان وأذربيجان. ولكن فيما لو عاد النفط الليبي إلى الأسواق، فستقوم سويسرا بشرائه بالتأكيد، نظراً لجودته العالية”.

انعكس تأثير الأزمة الدبلوماسية، التي نَشَبَت بين سويسرا وليبيا بسبب اعتقال هانيبال، نجل معمر القذافي في جنيف في يوليو 2008 بوضوح على أرقام التجارة بين البلدين.

ووفقاً لكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، قامت سويسرا في عام 2008 بتصدير بضائع إلى ليبيا بقيمة 282.3 مليون فرنك سويسري، اشتملت على الآلات بشكل أساسي. وبلغت قيمة هذه الصادرات نسبة 0.13% من إجمالي الصادرات السويسرية.

هذه الصادرات تراجعت في عام 2009 لِتَصل إلى 156.2 مليون فرنك سويسري، وهو ما شكل نسبة 0.08% من مُـجمل صادرات الكنفدرالية. وانخفض الرقم مرّة أخرى في عام 2010 إلى 110 مليون فرنك سويسري فقط.

وبشكل أساسي، تستورد سويسرا النفط من ليبيا. وكانت قيمة واردات سويسرا من النفط الليبي في عام 2008 تعادِل 3.3 مليار فرنك سويسري. وفي عام 2009، انخفض هذا المبلغ إلى 0.7 مليار، ثم وصل إلى 485 مليون دولار فقط في عام 2010.

وكجزءٍ من الحَظر الاقتصادي الذي فرضته ليبيا على سويسرا إثر تفاقُـم الأزمة بين البلدين في عام 2008، قرّرت ليبيا سَحب أرصدتها من البنوك السويسرية التي قُدِّرَت حينئذٍ بحوالي 5.75 مليار فرنك سويسري، ولم يتبقّ من هذه الودائع سوى 628 مليون فرنك.

بِفَضل قيادتهما لِحَملة حلف شمال الأطلسي، الرامية إلى مساعدة قوات المعارضة الليبية، ستكون لكلٍ من فرنسا وبريطانيا الأسبَـقية في الحصول على عقود إعادة الإعمار التي سوف توزع في هذا البلد الذي مزّقته الحرب.

وكانت بريطانيا وفرنسا من بين أول الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا.

في وقت سابق من شهر أكتوبر 2011، سافر وفد مؤلف من 80 شخصاً من قادة رجال الأعمال الفرنسيين إلى ليبيا، لِغرض إقامة علاقات مع صنّاع القرار الليبي. مع ذلك، وخلال زيارته إلى ليبيا في شهر سبتمبر الماضي بِرِفقة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن بلاده لا تَتوقع مُعاملة تفضيلية.

وفي مؤتمرٍ عُقد في لندن في شهر سبتمبر 2011، شَجَّع مُمَثلٌ عن المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا الشركات البريطانية على المشاركة في إعادة إعمار ليبيا. وأشار في حديثه أيضاً إلى كَون اللغة الإنجليزية هي اللغة الثانية في ليبيا – مما يجعل من بريطانيا الوجهة الأولى لليبيا للتعليم والتجارة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية