مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الرعاية الروحية الإسلامية وقت الأزمات والمحن

قبر لأحد المسلمين، وقد كتب عليه نص قرآني إلى جانب قبر ثان ثبّت عليه صليب مسيحي. وقد ألتقطت هذه الصورة بمناسبة حصول المسلمين بكانتون فو على فضاء خاص لدفن موتاهم بمقبرة بوا- دي - فو على مقربة من لوزان يوم 25 مارس 2015. Keystone

يمنح الدين القوة لمن يمر بأوقات عصيبة، وهذا لما يمكن أن يبثه من فكر إيجابي عن طريق الدعاء والعبادات والروايات التاريخية التي تقصها نصوصه. ومن يواجه محنة وخاصة في بلد المهجر يحتاج إلى من يرشده أو من يأخذ بيده.

ومن المعروف أن الرعاية الروحية المسيحية لها تجربة وخبرة طويلتيْن في سويسرا. وفي هذا البلد نجد 38٪من سكانه البالغ عددهم 8.3 مليون نسمة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، و26% من الطائفة الإنجيلية. ولكن الكنائس رغم الخبرات التي راكمتها لا تستطيع تلبية احتياجات المسلمين في سويسرا، الذين يمثلون 5٪ من مجموع السكان.

هذا الأمر دفع المسؤولين في إتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخرابط خارجي (ڤيوتس) إلى اقتراح مشروع تجريبي وهو الأول من نوعه في كانتون زيورخ يهدف إلى تقديم الرعاية الروحية الإسلامية لمسلمي زيورخ بالتعاون مع الكنائس التي لها باع طويل في هذا المجال. ويرى أصحاب المشروع أن الحاجة إلى هذه الخدمة ماسّة، خاصة وأنه يوجد في زيورخ لوحدها 100 ألف ساكن مسلم.

مشروع تجريبي للرعاية الروحية

لتسليط الضوء على هذه الخدمة الغير المسبوقة في زيورخ، التقت swissinfo.ch مع القائم على هذه المبادرة ومدير المشروع السيد موريس بيجوڤيتش (35 عاماً) والذي أوضح لنا أن “فكرة الرعاية الروحية الإسلامية ولدت في ڤيوتس منذ أكثر من عشر سنوات” ولكن، يضيف بيجوفيتش: “تأكّد لي في عام 2006 من خلال الإتصالات والطلب المستمرين من قبل السلطات ضرورة إيجاد مركز يتولى القيام بهذه المهمة”.

موريس بيجوفيتش ولد بيجوڤيتش في البوسنة من عائلة سنية المذهب وحصل على الشهادة الإعدادية في سويسرا ثم عاد إلى البوسنة والتحق بالمدرسة الإسلامية لتعلم الخطابة ودرس الصحافة لمدة عام ثم عاد إلى سويسرا ليدرس العلوم الإسلامية بجامعة برن، وكذلك اللغة العربية والتركية. في عام 2006 التحق كإمام في المسجد البوسني بشليرن زيورخ وفي نفس الوقت عمل لدى ڤيوتس. أصبح من المعروفين على قائمة الدعم الروحي لدى المستشفيات والشرطة وكان حلقة الوصل بين المراكز الإسلامية والأئمة من ناحية والمؤسسات السويسرية من ناحية أخرى. يذكر بيجوڤيتش أن مجلس إدارة ڤيوتس يضم تسعة أشخاص منهم عرب وأتراك وبوسنيون وسويسريون وألبان ونمساويون، كما نوه بأن ڤيوتس ليست مرجعية دينية فليس لدينا الكثير من علماء الدين، نحن نعطي على سبيل المثال مواعيد الأعياد، ولكن لا نتدخل في تحديدها. نحن الناطقون بلسان المسلمين هنا فنبحث مشاكلهم في المدارس والمساجد ونحاول إيجاد الحلول”٠ zVg

وذكر بيجوڤيتش أن العمل الفعلي بدأ من خلال التقدّم بمشروع لكانتون زيورخ يشرح ماهية الرعاية الروحية الإسلامية، وكيف يمكن توفير هذه الخدمة لمن يحتاجها خلال 24 ساعة في اليوم و 365 يوماً في السنة. وقد وافق الكانتون على المشروع، ثم انطلق العمل في الأول من يونيو عام 2014. تلقى المشروع دعما ماليا يغطي تكاليف عامين، وهي مدّة المشروع التجريبي”.

وأوضح بيجوڤيتش أهداف المشروع قائلاً: “نريد رفع العبء عن الأئمة، وأن نغطي لغات عديدة، وننشط في مختلف نواحي كانتون زيورخ، على الرغم من أننا نتلقى إتصالات من كانتونات أخرى ولا نرفض طلب أي شخص، حيث لا يمكننا أن نرّد طلبا أو نرفض مساعدة محتاج. نحن نساعد الجميع”.

مدّة المشروع في البداية حُدّدت بعاميْن فقط، لكن بيجوڤيتش يقول: “استطعنا تمديده حتى نهاية العام. كما أننا نتحاور الآن مع السلطات (منها مركز تسجيل وإيواء طالبي اللجوء) ومع الكنيسة عن وضع هذه الخدمة بعد انتهاء هذه المدة وبالأخص عن مصير الدعم المالي. وعن مصادر هذا الدعم يقول بيجوڤيتش: “نتلقى الدعم من متطوّعين، ومن خلال الاشتراك السنوي للمؤسسات الأعضاء، ولكن ما نتلقاه لا يغطي كل التكاليف”، يضيف بيجوڤيتش.

أما عن الآلية المتبعة في هذا العمل، فيقول هذا المسؤول: “نحن نعمل سوياً مع الكنيسة لأنه في حالة استجدت حاجة للتدخّل، تتصل الشرطة بالكنيسة، وإذا تبيّن أن المصاب أو المتوفى مسلماً تتصل الكنيسة بنا تبعا”.

من وحي التجربة العملية

يشرح بيجوڤيتش العمل الذي يقوم فريق المساعدة الروحية فيقول: “بدأنا خدمة الرعاية الروحية عبر الهاتف، وكان من المقرر أن نعمل فقط مع مؤسسات الضوء الأزرق (الشرطة، المطافئ، الإسعاف) وأيضاً مع الكنائس. لكن مع مرور الوقت تحوّلنا إلى ما يشبه مكتباً للإستشارات، الكل يتصل، ويستفسر، ويسأل، ويعرض مشاكله سواء من أشخاص أو بلديات إو مؤسسات غير حكومية، وكان لزاماً علينا أيضا تقديم المساعدة”.

وأوضح بيجوفيتش قائلا: “في بعض الأحيان نتلقى إتصالات بشكل يومي، أحيانا كل ثلاثة أو أربعة أيام، أما في المتوسّط، فنتلقى عشر إتصالات شهرياً تقريبا”.

جدير بالذكر أن الموقع الإلكتروني للرعاية الروحية الإسلامية islam-seelsorge.chرابط خارجي يذكر أن يوم الأحد 11 سبتمبر من عام 2014 هو يوم تلقي أول إتصال تليفوني من شخص مسلم يطلب المساعدة.

يأسف بيجوڤيتش قائلاً: “هناك حالات وفاة لا يتم إخبارنا بها. ولكن غالباً تكون الشرطة متواجدة في حالات الوفاة. نحن نتلقى مكالمة فنذهب إلى المكان المحدد.

سرد بيجوڤيتش ل swissinfo.ch قصة حدثت منذ فترة قصيرة وتتلخّص في أن “سيدة استيقظت حوالي الساعة الثانية ليلاً، فوجدت زوجها ميتاً بجوارها، كانت صدمة لها، كما أنها لم تستطع التصرف ولا التفاهم لا مع رجال الإسعاف ولا الشرطة، فذهبت وعرفت نفسي بأني الإمام بيجوڤيتش من البوسنة وكان لهذا وقع كبير على نفس السيدة، وقالت لي بالحرف الواحد كنت أتوقع أي شيء ولكن لم أتوقع أن يأتي إلى إمام في هذه الساعة المتأخرة من الليل. أعددنا لها كوب شاي، وساعدناها في الإتصال بعائلتها وإخبارهم بحالة الوفاة”٠

إعداد الأئمة في سويسرا

حول موضوع إعداد الأئمة في مركز الإسلام والمجتمع الملحق بجامعة فريبورغ يقول موريس بيجوفيتش “هذا موضوع مهم، فأبناؤنا الذين ينشأون هنا يجب أن يكون لهم الإمكانية أيضاً في أن يتعلموا الإمامة هنا”.

نحن ندعم هذه الفكرة ونقدّم لهم من مصادرنا ما يحتاجون. دعوناهم لدينا للتعريف بمشروعهم فنحن نعمل معهم عن كثب. يتم بناء هذه الدراسة من أعلى إلى أسفل وليس كالمعتاد. ستقدم رسالة دكتوراه وحالة نجاحها تقدم رسالة ماجستير وحالة النجاح يمكن عمل الليسانس. وقبل عمل الليسانس يجب أن يكون الطالب قد تعلم الفقه والحديث والقرآن وليس لدينا حالياً هذه الإمكانية.

نحن لا نتحدث عن دورة تكوينية لإعداد الأئمة ولكنه عن الطريق لهذه الدورة. نحن لا نتحدث عن علوم الإستشراق ولكن عن العلوم الإسلامية فيجب أن تُدَرَّس أيضاً من المسلمين”.

من المهم في مثل هذه اللحظة هو التهدئة ومعرفة ما هو مهم أولاً. وعن هذا يقول بيجوفيتش: “نخاطب أولاً الشخص من حيث طبيعته الإنسانية قبل كل شيء، ثم بعدها من الناحية الدينية. تركن المرأة بعد أن تأكدنا من تهدئتها وأن أحد أقارب العائلة في الطريق اليها. بعد الظهر تابعنا مع العائلة الإجراءات من ناحية التغسيل والتكفين والدفن وأعطيناهم العناوين وأرقام التليفونات التي يحتاجونها”.

أوضح بيجوڤيتش كذلك أنه توجد في سويسرا مؤسسات للدفن مثل muslimischebestattung.chرابط خارجي يدفع المشترك مبلغا من المال شهرياً أو سنوياً يختلف باختلاف البلد وفي حالة الوفاة يتم نقل جثمانه حسب رغبته المسبقة إلى بلده. لأن تكلفة نقل الجثمان في حالة الوفاة كبيرة ويتكفلها دائماً أهل الميت.” على حد قوله.

أنا سني، أنا شيعي

هل يغيّر كون طالب الرعاية الروحية سنياً أو شيعياً من الامر شيئا؟ وهل يمثّل هذا تحديا لكم؟ يرد بيجوفيتش مبتسماً: “كلا على الإطلاق لقد حدث بالفعل أن توفي طفل (في زيورخ)، فذهب القسيس إلى أهله، اتضح له بأن العائلة مسلمة فاتصل بي، فذهبت إلى هناك واتضح لي أنهم يتكلمون الفارسية فاعتقدت أنهم شيعة، اتصلت بدوري بالمسجد الشيعي فذهبوا إليهم فاتضح لهم أن العائلة تتبع المذهب السني فاتصل بي مرة أخري، وأرسلنا إماماً سنياً لكنه لا يتحدث الفارسية فقام الإمام الشيعي في مكانه بالترجمة بين الإمام السني والعائلة”.

“كل هذا حدث بسلاسة وبارتياح وقبول من الجميع”، يضيف مسؤول المساعدة الروحية “لدينا طلبة في الدورة التكوينية (راعي روحي إسلامي) من الشيعة والسنة. كل الـ 32 مؤسسة إسلامية من أعضائنا سنيّي المذهب ماعدا أهل البيت فهي شيعية.”

صعوبات تواجه المشروع

وعن الصعوبات استطرد بيجوڤيتش بعد أن تناول رشفة من فنجان قهوته “التحدي الأوّل هو اختيار من يقوم بالرعاية الروحية الإسلامية والثاني هو إختيار محتوى الدورات التكوينية. الاختيار هو التحدي لأنه يجب أن يكون الشخص المناسب فقط في هذا المكان المهم”

أما عن طريقة الإنتداب فيقول:”نحصل علي السيرة الذاتية ونحدد مقابلة مع المتقدم للدورة التكوينية الذي يجب أن يكون حاصلاً على شهادة تعليمية من سويسرا. في الكنائس يعمل في مجال الرعاية الروحية فقط رجال الدين المسيحي. لكن ليس للمسلمين “عدد كاف من رجال ديننا”، يقول المسؤول المسلم.

وتضم الدورة التكوينية العلوم الإسلامية تحت إشراف من ألمانيا (الجمعية المسيحية الإسلامية cig في كولن) فهؤلاء لهم خبرة طويلة في هذا المجال. كما نعمل سوياً مع مؤسسة كيرلنج في جلاتبروج/زيورخ. أضاف بيجوڤيتش أن الدورات التكوينية تم توسيع نطاقها ولكننا لا نضمن أن نكلف الخريج بمهمة أو طلب أو عمل. ربما يتغير ذلك في المستقبل إذا سعى الخريج بنفسه إلى السلطات لتقديم نفسه كمتخصص في هذا المجال.”

الإعتراف بالإسلام في سويسرا

“كان لإنشاء ڤيوتس ثلاثة أهداف؛ الأول إنشاء مركز إسلامي، الثاني تجهيز مقابر إسلامية (وهذا تقرره كل بلدية لنفسها ولا يستطيع تحديده الكانتون أو الفدرالية، فمن المهم إيجاد مكان باتجاه القبلة وهذا ما استطاعت مدينتي زيورخ وفينترتور تقديمه لڤيوتس)، والثالث هو الإعتراف بالإسلام قانونياً. ومازالت ڤيوتس تسعى لهذا الهدف طويل المدى.

هذه قضية اجتماعية سياسية ويجب أن يتم التصويت على هذا الموضوع. ولكن قطعاً تؤثر الأحداث التي يقوم بها البعض على سبيل المثال الإعتداءات التي وقعت في باريس على سير هذا الإعتراف، فلهذا يتم تأجيل المحادثات فيه لسنوات. ويتم طرح السؤال؛ كيف تريدون أن نعترف بكم، أنظروا ماذا يحدث منكم .. لم نتقدم بطلبٍ رسمي ولكنا نتحدث باستمرار مع شخصيات لها تأثيرها هنا.” على حد قول بيجوڤيتش. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية