مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تحتاج الأموال القذرة إلى السرية المصرفية لكي تزدهر؟

يدان تقومان بعدّ أوراق مالية
تتعرض المصارف السويسرية لضغوط متزايدة كي تبذل جهودا أكبر لوقف تدفق الأموال المشبوهة (المتأتية من عمليات تبييض أو غسيل) عليها. Keystone / Rehan Khan

إذا كان من المُفترض أن يؤدي إنهاء سويسرا للسرّية المصرفية إلى تخليص قنوات النظام المصرفي في الكنفدرالية من الأموال القذرة، فإن هناك خطأ ما على ما يبدو؛ حيث تستمر ‘التوبيخات’ الموَجَهة من قبل الجهات التنظيمية والجنائية ضد المصارف السويسرية بالتراكم. ما هو أسوأ من ذلك حتى، هو الادعاء بأن سويسرا تفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية للتصدي لعملية غسيل الأموال.

يقوم المُدَّعون العامون في سويسرا وخارجها بالتحقيق في صلات المصارف السويسرية بمجموعة من الجرائم المزعومة المتعلقة بغسيل الأموال والتهرب الضريبي، من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية، مروراً بآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا (انظر الإطار المصاحب).

وتظهر تقارير حول تعاملات مَشبوهة تم الكشف عنها مؤخراً وإرسالها إلى شبكة الإنفاذ الأمريكية المعنية بالجرائم المالية (FinCENرابط خارجي). قيام المصارف السويسرية بِنَقل مليارات الدولارات حول العالم.

أدانت السلطة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية (المعروفة اختصاراً باسم “فينما” FINMA) مصرف سيز (Bank Syz) لعدم امتثاله لقواعد غسيل الأموال عند التعامل مع عميل أنغولي – برتغالي.

في وقت سابق من هذا العام، وجدت ذات الهيئة مصرف “يوليوس بير” مُذنباً بارتكاب “انتهاك خطير لقانون السوق المالية” فيما يتعلق بشركة النفط الفنزويلية الحكومية PDVSA. كما يتوقع قيام ممثلي الإدعاء الأمريكي بتغريم المصرف عشرات الملايين لدوره في قضية الفساد الخاصة بالفيفا.

في نفس السياق، اضطر مصرف فالكون الخاص إلى إنهاء عملياته في سويسرا بعد تورطه في فضيحة صندوق ماليزيا السيادي 1MDB. ويحمل هذا الإغلاق السمات المُميزة لإرغام المُنَظِمين مصرف “بي أس آي” (BSI) على بيع عملياته السويسرية إلى مصرف “إي أف جي” (EFG)، بسبب المخالفات المتعلقة بصندوق ماليزيا السيادي أيضاً.

كذلك تورطت المصارف السويسرية أيضاً في عمليات غسيل الأموال المتأتية من الرشاوي في فضيحة شركة النفط العملاقة “بتروباس” وعملاق البناء “أوديبراخت” في البرازيل. واتهمت بلجيكا مصرف “كريدي سويس” بمساعدة 2650 عميلًا في التهرب من الضرائب، بينما يستأنف مصرف “يو بي أس” حُكماً بدفع غرامة مالية في قضية تهرب ضريبي فرنسية بقيمة 3,7 مليار يورو.

على ما يبدو، فإن هذه الأدلة إنّما تستهزئ بالبيان الصادر عن جمعية المصرفيين السويسريين الذي جاء فيه: “من الواضح بالنسبة للمصارف السويسرية أن المركز المالي النظيف هو مفتاح القدرة على المنافسة. ليس لسويسرا ومصارفها أي مصلحة في الأموال المتأتية من الجرائم”.

في الواقع، لا يمكن تحميل سويسرا مسؤولية جميع الأموال القذرة المتداوَلة حول العالم، حيث تضم ملفات شبكة الإنفاذ الأمريكية المعنية بالجرائم المالية الأمريكية أيضاً مصرف ‘أتش أس بس سي’ (HSBC) و‘دويتشة بانك’ (Deutsche Bank) ومصرف ‘باركليز’ البريطاني (Barclays) وبنك ‘جي بي مورغان تشايس (JP Morgan) وشركة ‘ستاندرد تشارترد’ (Standard Chartered) للخدمات المصرفية، والبنك العربي (Arab Bank) من بين مؤسسات مالية أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، ليس كل عميل يودع الأموال في سويسرا عضواً فاسداً في إحدى الحكومات أو دكتاتوراً. فمن خلال قيامها بإلغاء التمييز القانوني الذي كان قائما بين التهرّب الضريبي والاحتيال الضريبي، ومن خلال التوقيع على العديد من معاهدات تبادل المعلومات الضريبية التلقائية، يمكن القول بأن سويسرا تقوم بدورها في مكافحة الفساد المالي.

واليوم، تقوم الجهة التنظيمية المالية والمُدَّعي العام في سويسرا بالتحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد بعض المجرمين. كما لم يكن لأحدٍ أن يتصور حجم تقارير المعاملات المشبوهة المُقدمة طواعية من قبل المصارف قبل عقد من الزمان.

شعور بالإحباط

لكن، وكما يُجادل المنتقدون، فإن هذا لا يكفي بالمرّة. وكما هو معلوم، فإن سويسرا هي أكبر مركز ثروة خارجي في العالم أجمع، حيث تدير 27% من جميع الأصول العابرة للحدود – أي حوالي 2,3 تريليون فرنك سويسري (2,5 تريليون دولار) من الأفراد الأجانب والعائلات الأجنبية في نهاية عام 2018.

في شهر يونيو المنصرم، قدَّم دانيال ثيليسكلاف استقالته فجأة من منصب رئيس مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال في سويسرا (MROS)رابط خارجي، بعد أشهر قليلة من ولايته الثانية في المنصب. وقد كشفت مقابلة حديثة معه نُشرت في صحيفة ‘تاغَس أنتسايغَر’ (تصدر بالألأمانية في زيورخ) عن مدى إحباطه.

“عندما يتعلّق الأمر بغسيل الأموال، فإن سويسرا لا تطبّق سوى الحد الأدنى من المعايير الإلزامية بسبب الضغط من الخارج”، كما قال. وأضاف: “إن المكافحة الفعالة لغسيل الأموال في سويسرا لا تحظى سوى بأهمية ثانوية فقط. لقد توَصَلَّتُ إلى استنتاج مفاده بأنه ليس بالإمكان الوصول إلى بعض الأماكن في البلاد”.

تقدم بطيء

حول ذلك، قال مارتن هيلتي، الرئيس التنفيذي للفرع السويسري لمنظمة الشفافية الدوليةرابط خارجي لمحطة الاذاعة والتلفزيون السويسرية العمومية الناطقة بالألمانية (SRF)  إن المركز المالي السويسري – رغم أهميته العالمية – لا يحتل سوى مرتبة متوسطة عند قياس الجهود المبذولة من قبل الدول لمكافحة غسيل الأموال.

ويكمُنُ انتقاده الرئيسي في أن البرلمان السويسري يبذل قصارى جهده للحد من التغييرات القانونية المُقترحة التي من شأنها أن تجعل المحامين أكثر مسؤولية في الإبلاغ عن العُملاء المشبوهين والتدفقات المالية.

علاوة على ذلك، رفض البرلمانيون السويسريون حتى الآن تسليط المزيد من الضوء على المدفوعات النقدية للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة. كما أدار كلا المجلسين [النواب والشيوخ] ظهورهما لمقترحات وزارة المالية في المناقشات التمهيدية.

من جهتها، تتفق مجموعة العمل المالي (FATF)رابط خارجي، وهي هيئة رقابة عالمية تعمل في مجال محاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مع مارتن هيلتي. وفي تقييمها لسويسرا في عام 2016، أقرَّت المجموعة تحقيق البلاد لخطوات كبيرة في مكافحة غسيل الأموال، لكنها عبَّرَت عن تحفظاتها بشأن مجالات أخرى، من قبيل  إشراك محامين لإنشاء شركات وهمية خارجية.

في يناير 2020، أشار تقييم مؤقت للمجموعة إن التقدم المُحرَز في نقاط الضعف كان بطيئاً للغاية بالنسبة لرضا مجموعة العمل المالي. وتكمن مشكلة سويسرا في أن تصنيفها يمكن أن يتغيّر من القول بأنها “أنجزت الكثير ولكن بإمكانها القيام بعمل أفضل” إلى تقييم أسوأ بكثير.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية