مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مخاطر “التقسيم” أو “الحرب الأهلية” تتهدد العراق

محتجون من العراقيين السّنّة يرفعون شعارات مناوئة لرئيس الوزراء المالكي ويلوّحون بالأعلام الوطنية خلال مظاهرة معادية للحكومة نظمت في مدينة الرمادي غرب العراق يوم 24 يناير 2013. Keystone

بعد عشر سنوات عجاف مرّت على الشعب العراقي، تشير الأزمات المُتصاعدة في عراق ما بعد صدّام حسين، إلى أن العملية السياسية القائمة على نظام المُحاصصة، الطائفية والعِرقية، وصلت بالفعل إلى طريق مسدود، ما لم يتدخّل الراعي الأمريكي بشكل حازم ، ليفرض على العراقيين حلاّ مؤقتاً، لا يُنهي هذه الأزمات، وإنما يجمِّدها إلى حين.

في أحدث مقابلة تلفزيونية له، قال رئيس الوزراء نوري المالكي: “إن مجمل العملية السياسية في الطريق المغلق، إلا إذا جلس الجميع حول طاولة المفاوضات”، وغيره أيضا يقول بذلك وجميعهم ينتقد هذه الأيام نظام المحاصصة التي شاركوا في تأسيسها، ومنهم بالطبع أياد علاوي، رئيس القائمة العراقية التي تشظّـت هي الأخرى، كما هو العراق وباقي التحالفات القائمة على قاعدة “شيلني وأشيلك”. 

وليس جديداً القول أن هذه الأزمات لها صِلة مباشرة بالإنتخابات المقبلة، لأن الزعماء السياسيين، خصوصاً أولئك الذين اختارهم السفير الأمريكي آنذاك “زلماي خليل زادة” لاجتماع لندن، سيّء الصيت منتصف ديسمبر 2002 وقسّم معهم العراقيين إلى “مكوّنات” أميبية قابلة للإنشطار، بعد أن كانوا مواطنين، مع فارق كبير لم يحسن هؤلاء “السياسيون” قراءته، في ظل تطورات خطيرة تشهدها المنطقة منذ أشعلها البوعزيزي التونسي، ويبدو أن نيرانها لن تخمد في القريب.

سلبيات الأزمة السورية

فالأزمة السورية، وبعد نحو عامين على اندلاعها بمظاهرات سِلمية، تحوّلت إلى ثورة مسلّحة يُساهم فيها مقاتلون من كل أنحاء العالم، حتى من فلسطين، تعود إلى المربع الأول، وكأنك “يا أبو زيد ما غزيت”. الرئيس بشار الأسد ما زال جيشه مُتماسكاً، والأقليات، خصوصاً المسيحيين والأكراد، ليسوا مع الثورة المسلّحة التي تُندد منظمات دولية بارتكاب عناصرها جرائم حرب، وحرق كنائس وقتل مدنيين أكراد ومعارضون سوريون (حزب سوريا للجميع مثلا، وتصريحات معاذ الخطيب يوم 30 يناير 2013)، يعلنون رغبتهم  في الحوار مع النظام  وداخل دمشق، بشروط ليس مستحيلة، وفرنسا التي ترسل ضبّاط مخابراتها ليُشرفوا على الكثير من عمليات الجيش الحُر المعارض في الأراضي السورية، تغيّر من أسلوب دعمها للمعارضة، إلى درجة أن معلومات تسرّبها دوائرها، تفيد أنها تكاد تنفض يدها عنها، عدا الشكليات، بينما الرّاعي الأمريكي، الذي تُـقِـر وزير خارجيته هيلاري كلنتون بدوْر الأسد في أي انتقال سِلمي للسلطة، يصدر لجهات عربية (قطر تحديداً) “تعليمات” بضرورة التوقف الفوري عن دعم المسلحين ومنها بالطبع جبهة النصرة.  

وتُـفيد معلومات من الجهتين (الحكومية والمحلية غير الرسمية)، أن عناصر من جبهة النصرة – جاؤوا من سوريا وليبيا والسعودية وتونس والمغرب والجزائر ومصر واليمن، وعددا آخر من تنظيمات أخرى متشدّدة والقاعدة التي تقاتل في سوريا – توجهت بالفعل إلى الرمادي، بعيداً عن سلطة الدولة، وهو ما أعلنه أيضا باقر جبر الزبيدي، وزير المالية والداخلية السابق، والنائب البرلماني الحالي المؤيِّـد للمظاهرات في الرمادي ضد المالكي.

إذن، فإن هذه الأزمة تُـلقي بظلالها على ما يجري في العراق سلباً، وهي تشجِّع كما يبدو، أطرافاً من داخل العملية السياسية، ومن خارجها تشعر أنها فقدت شيئاً من نفوذها على يد رئيس الوزراء نوري المالكي، على فتح أزمة ما يمكن تسميتها بمظاهرات الطريق السريع (المؤدّي للأردن) في الرمادي، للتأثير على مُجمَل الأوضاع، باتِّجاهٍ يسمح لها بفَرْض شروطها على المالكي، وتعزيز نفوذ سُنّة السلطة، وسط مخاوف جدية لدى الشيعة والأكراد، أن ذلك يُمهِّـد لعودة حزب البعث إلى الواجهة، من خلال مطالِب شعبية بدأت حقيقية، قبل أن تتسارع وتيرة الأحداث، لتتحوّل إلى شروط تعْجيزية ودخول أطراف محلية مُرتبطة بجهات إقليمية، تجعل حلّ أزمة المظاهرات شِبْـه مُـستحيلة. 

ويسود في الأوساط الشعبية شعور جارف، بأن الذين يزعمون أنهم يمثلون السُّـنة والشيعة وحتى الأكراد، ليسوا إلا مقاولين وحتى طُـفيْـليين، يعتاشون على هذه الأزمات التي كشفت عوراتهم وأبانت أنهم “لصوص وحرامية” على حد تأكيد كثيرين، وأن العديد منهم شارك في عمليات إرهابية أو قدّم لها العوْن أو تستَّـر على جرائم ومجرمين. 

أصدر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمرا برفع الحماية عن الشيخ احمد ابو ريشة زعيم صحوة العراق، اثر دعمه الاعتصامات والتظاهرات المعارضة للمالكي في الانبار، حسبما اكد ابو ريشة ومصادر امنية يوم الاربعاء 30 يناير 2013.

واكد ضابط برتبة مقدم في الجيش يعمل في قيادة عمليات الانبار، ان “كتابا ورد من رئاسة الوزراء امس (الثلاثاء 29 يناير) يامر بسحب جميع عناصر حماية الشيخ ابو ريشة”. واشار الى ان قوة الحماية التي كانت مخصصة للشيخ ابو ريشة عددهم 35 وهم من الجيش والشرطة.

وقال ابو ريشة ردا على الاجراء إن “هذا استهداف حقيقي لرموز العراق واقول للحكومة ان “وجودي بين اهلي والمطالبة بحقوقهم في ساحة العزة والكرامة اشرف لي من الوقوف بجانب المالكي وحمايته”. واضاف اذا كانت “هذه ورقة ضغط للتخلي عن الوقوف مع مطالب المتظاهرين فانا لم ولن اغادر ساحات الاعتصام حتى تنفيذ المطالب”.

وشارك ابو ريشة الى جانب زعماء العشائر بدعم الاعتصامات والتظاهرات في محافظة الانبار، للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين والغاء مواد من قانون مكافحة الارهاب وقانون المساءلة والعدالة. وتساءل ابو ريشة، قائلا “هل تريد الحكومة التخلص من مشروع ابو ريشة لمقاتلة الارهاب ام هي مع الارهاب”؟.

وتولى الشيخ احمد ابو ريشة قيادة صحوات العراق التي استطاعت طرد القاعدة من الانبار، بعد مقتل اخيه عبد الستار الذي تولى تشكيل الصحوات في سبتمبر 2006. ونجحت قوات الصحوة التي شكلت من عشائر محافظة الانبار، بعد اشهر من تحقيق الاستقرار الامني في المحافظة بعد طرد غالبية عناصر تنظيم القاعدة منها.

من جانبه، قال عدنان مهنى العلواني احد زعماء عشائر الدليم في الانبار “سنحمي ابو ريشة ولا حاجة لنا بحمايات المالكي، فنحن من قاتل الارهاب حين لم يكن هناك اي شرطي او جندي في الانبار”. واضاف “سنقاتل كل من يريد الخراب في ارض الانبار سواء القاعدة او غيرها”.

بدوره، قال عبد الرزاق الشمري عضو اللجنة السياسية لاعتصامات الانبار، ان “هذا دليل على ان الحكومة ليس لها وفاء حتى مع اصدقائها الذين كانوا سببا في انجاح العملية السياسية والتصدي للاخطار التي كانت تشكلها القاعدة على العراق”. كما يرى الشمري بان “هذا التصرف يدل على ان الحكومة طائفية”.

وتتواصل التظاهرات والاعتصامات في محافظات صلاح الدين و الانبار ونينوى، جميعها ذات غالبية سنية الى الشمال من بغداد، منذ اكثر من 35 يوميا للمطالبة في اطلاق سراح المعتقلين خصوصا النساء والغاء المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب، وقانون المساءلة والعدالة.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 30 يناير 2013)

تستّـر وتورط المالكي 

بالنسبة للمالكي، فإن خصومه يقودهم حلفاؤه في أكبر كتلة برلمانية شكلت الحكومة برئاسته بعد مخاض عسير، يتهمونه بالتستُّـر على أو بالتورط في صفقة الأسلحة الروسية التي شابها فساد، ومن قبلها صفقة أسلحة أوكرانية، إلى جانب اتهامات وصلت حدّ المُطالبة بمُقاضاته في المحكمة، بتهمة اغتِيال مُحافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي أواخر سبتمبر 2012. 

وقد رفعت أسْرة المرحوم الوائلي دعوى قضائية عزّزتها بأدِلة، اتّهمت المالكي واثنين من أعضاء بارزين في حزب الدّعوة الإسلامية بزعامته، باغتيال الوائلي ليلة 27 سبتمبر 2012، وطالبت القضاء بمحاكمته، وِفق القانون الذي يقول المالكي إنه يعمل لتعزيز سلطته، وسمّى قائمته الإنتخابية باسم “ائتلاف دولة القانون”. 

ويُسجَّل على المالكي، أنه أخطأ وتناقض مع شعاره في شأن الترويج لدولة القانون، حين لم يَـمثُـل أمام المحكمة للردّ على أسئلة عدّة، ساقها أولياء دم محمد الوائلي حول ملابسات الإغتيال ورفع الحراسة عنه قبل اغتياله وضياع أو إتلاف ما سجلته كاميرات المراقبة عن الحادث، الذي تم بطريقة الإعدام “الثوري”، على مقربة من مسجد عباس السويج في مدينة البصرة. 

بطل عند البعض وطاغية لدى الآخرين

إضافة إلى ذلك، يُؤخذ على المالكي أنه، وهو الذي جاء إلى سدّة رئاسة الوزراء بالتوافُق مع الأكراد (هم يختارونه رئيساً للوزراء مقابِل منحهم رئاسة البلاد)، أراد بسْط سلطة القانون في الإقليم الكردي، حين شكل عمليات دجلة، وأثار بذلك أزمته المفتوحة مع الأكراد حول المناطق المُتنازَع عليها، طمعاً منه بالحصول على تأييد عرب السُّنة في تلك المناطق، الذين اعتبروه بطلاً قومياً في كركوك والمُوصل ودْيالى وغيرها، لكنه أعتُبِـر ديكتاتورا وجلاّداً وطاغية في المناطق الغربية، بعد أن فرّط بصداقة زعماء عشائر لهم ثقلهم، من أمثال مَن يوصف بأنه أمير عشائر الدليم علي حاتم سليمان والشيخ أحمد أبو ريشة، زعيم أكبر العشائر السُّنية في الرمادي، وغيرهم ممّن قاتل بإخلاص وشجاعة عناصر القاعدة والتنظيمات السُّنية المسلحة، وقدّموا مئات الشهداء ولم يكونوا في يوم طائفيِّين، حتى وإن رُفِعت في بعض مظاهراتهم شعارات طائفية، سرعان ما سيْطروا عليها. 

هذه الأزمات، التي تتوالد الواحدة عن الأخرى كحروب صدّام السابقة، تظل رهينة بما ستؤُول إليه التطورات في سوريا وما ستُسفِر عنه المحادثات التي تجري سرّاً بين طهران وواشنطن وعواصم أخرى مؤثرة، ولكن ما يمكن قوله هنا، أن بقاء الوضع على ما هو عليه، سيؤدّي بالعراق لينزلِق في حرب أهلية، ستكون إقليمية هذه المرّة أو إلى التقسيم، ولو بمُسمّيات “الفدرالية”، وهي بالمناسبة لغْم قابِل للتّفجير في العراق الجديد، يختلِف تماماً عن الفدراليات المعمول بها في مناطق أخرى من العالم. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية