مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في قلب جبال الألب، باحثة كنديّة تُعيد اختراع إعادة تدوير البلاستيك

امرأة تبتسم لعدسة المصور داخل مختبر
في عام 2020، أنشأت الكيميائية الكندية سامانتا أندرسون شركة في سويسرا متخصّصة في إزالة بلمرة مادة البولي إيثيلين تيرفثالات (تعرف اختصارا بـ PET). swissinfo.ch

بعد عقود من الجمود، عادت عجلة إعادة التدوير الصناعي للنفايات البلاستيكية للدوران من جديد. ففي سويسرا، استثمرت عشرات الشركات الناشئة في هذا المجال مدعومة بالتزام الشركات الصناعية ووعي المستهلكين. ومن بينها، الشركة الحديثة الناشئة في كانتون فالي DePoly، المؤسّسة من قبل الباحثة الكندية سامانتا أندرسون.

على بعد خطوات من محطة القطار الرئيسية لمدينة سيون، عاصمة كانتون فاليه، يرمز مجمع الابتكار الجديد (Energypolis) ومبانيه الصفراء الضخمة إلى التحول الذي شهده الكانتون الكبير الذي تشق أراضيه سلسلة جبال الألب. فمن أجل التخلص نهائيا من الصناعات الثقيلة والملوثة التي كانت موجودة سابقاً، والتي كانت تمتد على طول نهر الرون، استثمرت السلطات المحلية بشكل كبير في العقدين الأخيرين في إنشاء مراكز خبرة في مجال التقنيات الحيوية والصحة الرقمية والبيئة.

“بعد كلّ من زيورخ وفو، أصبح فاليه في المرتبة الثالثة على منصة تتويج الكانتونات الأكثر تقدّماً في مجال الابتكار في التقنيات النظيفة»

إيريك بلان، الأمين العام لمبادرة “CleantechAlps”

بكثير من الفخر، يقول إيريك بلان، الأمين العام لمبادرة (CleantechAlps): «بعد كل من زيورخ وفو، أصبح فاليه في المرتبة الثالثة على منصة تتويج الكانتونات الأكثر تقدماً في مجال الابتكار في التقنيات النظيفة». وكان إنشاء فرع للمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان في عام 2015، في موقع (Energypolis)، بمثابة مُسرِّع حقيقي في هذا النظام البيئي المبتكر، الذي لم يعد ينقصه شيء يجعله يحسد الأنظمة البيئية الموجودة في المدن الكبرى في البلد.

التأثير في حياة الناس اليومية

في هذا المكان، حطَّت سامنتا أندرسون، الباحثة الكندية الشابة ذات الـثلاثة وثلاثين ربيعا، رحالها من أجل تطوير تقنية جديدة لإعادة تدوير البلاستيك. تتمثل العملية التي تحمل اسماً عجيباً (إزالة البلمرة)، في تجزئة الروابط الكيميائية لـمادة “بولي إيثيلين تيرفثالات” التي يُرمز لها اختصاراً بـ PET، بواسطة المُذيبات، للحصول على سائل إيثيلين الغليكول ومسحوق حمض التيريفثاليك، اللذان يمكن إعادة استخدامهما في صناعة البلاستيك بنفس الطريقة التي تُستخدم فيها المادة الأصلية.

سامانتا أندرسون، التي كانت قد وصلت إلى سويسرا قبل ست سنوات للحصول على الدكتوراه في علوم وهندسة المواد، أغرتها التسهيلات العديدة المُتاحة للباحثين الشبان الراغبين بالانطلاق في الأعمال الحرة. وبهذه الطريقة قامت بتأسيس شركة  DePoly الناشئة بالشراكة مع زميليها الباحِثَين، بارديا فاليزاديه وكريستوفور إيريلاند، بهدف تصنيع اكتشافها وتسويقه.

امرأة جالسة تتأمل شاشة حاسوب
من وجهة نظر سامانتا أندرسون، توفر سويسرا ظروفًا أكثر جاذبية لإنشاء شركة ناشئة مقارنة ببلدها الأصلي كندا. swissinfo.ch

في هذا السياق، تقول المؤسِّسة المُشاركة لشركة DePoly: «كانت رغبتي دائماً أن أعمل في البحث العلمي في مجال يكون له تأثير على الحياة اليومية. ولكن، وعلى الرغم من العديد من التقارير المُثيرة للقلق حول تلويث البلاستيك والدراسات التي تظهر بوضوح وجود جسيمات بلاستيكية في الجسم البشري، يستمر الانتاج العالمي للبلاستيك في النمو. نحن بدورنا، نريد أن نساهم في مكافحة هذه المشكلة العالمية».

البلاستيك في كل مكان

وفقاً لدراسة أمريكيةرابط خارجي أُجريت عام 2017، وهي تُعدُّ مرجعاً في هذا المجال، تمَّ إنتاج ما يزيد عن 8 مليار طن من البلاستيك الجديد في العالم بين عامي 1950 و2015، وتتراكم أكثر من نصف هذه الكمية في مدافن النفايات أو تتناثر في البيئة المُحيطة بالبشر والحيوان. أما باقي الكمية فهو إما مُتداول أو تمَّ إحراقه؛ في حين تمَّت إعادة تدوير 7% منها فقط.

ومع انتشار جائحة كورونا وما رافقها من الكمامات والقفازات وعبوات الأطعمة التي تستخدم مرة واحدة، صار البلاستيك أكثر تواجداً في حياتنا اليومية في الأشهر الأخيرة، مشكلاً بذلك تهديداً كبيراً خاصة على المحيطات والمجموعة الحيوانية التي تعيش فيها.

مع ذلك، يبدو أن هناك تياراً عميقاً مستعدّ اليوم للتخلص من هذه الجبال المتكدسة من المخلفات. فبعد عقود من التسويف ولمواجهة المطالب المتزايدة من قبل عملائهم فيما يتعلق بالاستدامة، أدرك المُصنِّعون أخيراً الضرورة الملحة لتقليل تأثير البلاستيك على الصحة والبيئة. وعلى سبيل المثال، تعهّدت شركة نستله، ثالث أكبر مستخدم للبلاستيك في العالم، بجعل جميع عبواتها قابلة لإعادة التدوير أو لإعادة الاستخدام وبتقليل استخدامها للبلاستيك الأولي بمقدار الثلث مع حلول عام 2025.

طموح عالمي

فرصة لا تنوي سامانتا أندرسون تفويتها: في غضون عامين، تأمل DePoly افتتاح أول مصنع لإزالة البلمرة، والذي سيكون قادراً على معالجة حوالي عشرة آلاف طن من الـ “PET” سنوياً. وتنوي الشركة الناشئة جمع ما بين 5 و7,5 مليون فرنك للوصول إلى هدفها. وتقول الباحثة الكندية مؤكدةً: «سوف نبدأ عملياتنا في سويسرا، بالتأكيد في فاليه، ومن ثم نتمنى أن نتوسع في الاتحاد الأوروبي وفي قارات أخرى. نحن نريد أن نصبح شركة عالمية».

امرأة تحمل سطلا وقنينة داخل مختبر
طورت سامانتا أندرسون عمليتها الجديدة المؤدية لإزالة البلمرة من مادة “بولي إيثيلين تريفثاليت” الشهيرة بـ “PET” في المختبرات العلمية الكائنة بكانتون فاليه والتابعة للمعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان. swissinfo.ch

من بين عشرات الشركات السويسرية الناشئة والعاملة في مجال إعادة التدوير أو البحث عن بدائل للبلاستيك، يعتبر الخبراء أنَّ DePoly هي واحدة من أكثر الشركات الواعدة. فمنذ السنة الأولى لوجودها، استطاعت أن تجمع تمويلاً بمقدار مليون فرنك وظهرت في تصنيف أفضل مائة شركة ناشئة في الكنفدرالية.

بالمقارنة مع طرق إعادة تدوير مادة الـ “PET” الحالية، تمثل التقنية التي طورتها شركة DePoly ثلاثة جوانب مهمة بشكل خاص، ويوضح إيريك بلان ذلك قائلاً: «تتم العملية في درجة حرارة الغرفة وبالتالي تحتاج إلى القليل من الطاقة، والمُذيبات المستخدمة يُمكن إعادة تدويرها وجميع أنواع الـ “PET”، بما فيها المُمتزجة بمواد بلاستيكية أخرى، يمكن إدخالها في آلة التقطيع دون الحاجة إلى معالجتها أو تنظيفها مُسبقاً».

وبحسب الشركة، تسمح هذه العملية بتوفير قرابة سبعة آلاف لتر من النفط لكل طن مُنتج من مادة الـ “PET” وبتقليل ثلثي الطاقة المطلوبة مقارنة بإنتاج مادة الـ “PET” البكر.

بانتظار البدائل

في المستقبل، تعتزم سامانتا أندرسون وشركاؤها الالتفات إلى أنواع أخرى من البلاستيك غير الـ “PET”. وتشير رئيسة الشركة الكندية إلى أنه: «من الممكن إعادة تدوير جميع أنواع البلاستيك. ويكمُن التحدي ببساطة في العثور على التفاعلات الكيميائية المناسبة للقيام بذلك».

«المكسب البيئي من إعادة تدوير البلاستيك هامشي وغالباً ما يكون أشبه “بظاهرة الغسل الأخضر”. يجب الإنخراط في عملية انتقال حقيقية نحو نظام تغليف قابل لإعادة الاستخدام»

فلوريان كاسّر، “منظمة السلام الأخضر”

هذا الأمل بالابتكار لا تقاسمها به بالضرورة جمعيات حماية البيئة. حيث يعتبر فلوريان كاسّر، خبير التخلص من النفايات في الفرع السويسري لمنظمة “السلام الأخضر” أنَّ: «المكسب البيئي من إعادة تدوير البلاستيك هو ثانوي وغالباً ما يكون أشبه “بظاهرة الغسل الأخضر”. يجب معالجة المشكلة من الطرف الآخر والشروع في انتقال حقيقي إلى نظام تغليف قابل لإعادة الاستخدام».

وتعتبر المنظمة البيئية، بالاستناد إلى دراسة علمية، أننا بإحضار 70% من نفاياتنا البلاستيكية إلى نقطة تجميع البلاستيك المُستخدم لمدة عام، نحصل على مكسب بيئي يعادل تخلينا عن شريحة من لحم البقر. ذلك بينما أعلنت المنظمة الأم (Swiss Recycling) مؤخراً عن إنشاء فرع وطني لإعادة تدوير البلاستيك في سويسرا بحلول عام 2022، بالتعاون مع تجار التجزئة.

بدورها، تؤكد سامانتا أندرسون أنَّ هذين هما وجهين لعملة واحدة: «أعتقد أيضاً أنه من الضروري إيجاد بدائل للبلاستيك. ولكنه اليوم موجود في حياتنا إلى درجة تجعلنا نحتاج لوقت طويل للتخلص منه. عندما يتم ذلك، سأكون سعيدة جداً بالبحث عن حلول لإعادة تدوير البلاستيك الحيوي، الذي يتسبب أيضاً بمشاكل للتخلص منه».

وفقاً لتقرير صدر عن صندوق الاستثمار Close Loop Partners الذي يُوجد مقره في نيويورك، والمذكور من قبل موقع HeidiNews.ch السويسري، تعمل حوالي سبعين شركة في العالم حالياً على تطوير تقنيات جديدة لإعادة تدوير المواد البلاستيكية.

من بين هذه الشركات، هناك حوالي عشر شركات ناشئة سويسرية تنشط إما في استعادة وتحويل البلاستيك المُتداول أصلاً أو في البحث عن مواد جديدة كبدائل أقل تلويثاً من البلاستيك:

  • ـ Bloom Biorenawables طورت تقنية تسمح بالاستفادة من الكتلة الحيوية وجعلها بديلاً للنفط.
  • ـ UHCS تقوم بتصنيع صفائح للبناء انطلاقا من زجاجات مصنوعة من مادة الـ “PET”.
  • ـ Pyrotech Swiss و Plastogaz و Greelina اخترعت عمليات تسمح بتحويل البلاستيك إلى وقود (ديزل وغاز).
  • ـ TRS متخصّصة في إعادة تدوير الإطارات بفضل تقنية تساعد على فصل المعادن عن الألياف الصناعية والمطاط.
  • ـ تماماً كشركة DePoly، تنشط شركة Gr3n هي الأخرى في إزالة بلمرة مادة الـ “PET”، ولكن بواسطة عملية تعتمد على الميكروويف (وهي موجات كهرومغناطيسية ذات أطوال قصيرة نسبيًا).
  • ـ من جهتها، تقوم Tide Ocean، بتجميع البلاستيك من المُحيطات وتعيد تدويره على شكل حُبيبات أو ألياف نسيجية.
  • ـ وأخيراً، تقترح شركة Mr. Green Africa فرز النفايات بدلاً عن المُواطنين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية