مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قراءات متباينة لنتائج الانتخابات العراقية

إبراهيم الجعفري، نائب الرئيس العراقي المؤقت وأبرز وجوه حزب الدعوة الإسلامي في حديث مع وكالة أسوشياتد برس في بغداد يوم 15 فبراير 2005 Keystone

بينما انشغل العالم بنبإ الإعلان عن نتائج الانتخابات العراقية بعد أربعة عشر يوما من إجرائها، اهتم آخرون بمحاولة قراءة ما بين سطور تلك النتائج..

وما بين الانباء المعلنة وما تحمله بين ثناياها من مؤشرات بون شاسع لا ينبغي إهماله أو التغافل عنه..

مما لاشك فيه ان نتائج هذه الانتخابات برغم كل الأخطاء التي رافقتها والملاحظات السلبية على إجرائها في هذا التوقيت وبالطريقة التي جرت فيها يمكن ان تقدم مؤشرا قريبا من الدقة لكثير من الكيانات السياسية التي تشغل المساحة العراقية هذه الأيام.

فلقد طفت على السطح كثير من التشكيلات والأحزاب بعد احتلال العراق وملأت الساحة ضجيجا وحركة، لكن نتائج الانتخابات الاخيرة قدَّمت صورة تكاد تكون حقيقية – أو قريبة من ذلك – لواقع حضورها لدى الجماهير، وكشفت زيف ومبالغة قادتها وهم يتحدثون عن رصيدهم الشعبي المضخَّم كثيرا.

واذا كان هذا صحيحا حين الحديث عن البعض من التنظيمات السياسية العراقية وخاصة حديثة التكوين منها فإنه غير صحيح لطائفة أخرى من الاحزاب وخاصة لتلك الاحزاب ذات الارث التاريخي أو الامتداد الواسع.

كما يمكن القول ان من بين ما كشفته نتائج الانتخابات ان شيعة العراق لا يؤيدون بالكامل التنظيمات المنضوية تحت مظلة لائحة الائتلاف الموحد.

فقد اتضح أنه، وبرغم كل التحشيد الذي مارسه زعماء هذه القائمة (من فتاوى دينية، ومحاولات دفع الناس في مناطق نفوذهم إلى التصويت لصالحهم، الى عمليات التزوير التي يقال إنها جرت في بعض المناطق، الى انضمام اغلب الاحزاب الطائفية الشيعية اليها)، وبرغم الغياب الكبير والواضح لسنة العراق، لم تحصل الا على نسبة 48% من إجمالي عدد المقترعين.

لذلك يتساءل المراقبون اليوم: كيف يمكن تصور النتيجة لو ان السنة العرب في العراق شاركوا بثقلهم الكامل في الإنتخابات؟

من جهة أخرى، تكشف النتائج عن أهمية الطرف الكردي – بألوانه المتعددة – في المعادلة السياسية العراقية وضرورة أخذه بالحسبان في كل الخطوات السياسية المقبلة. وينبغي هنا الإشارة إلى ان القائمتين اللتين فازتا بأعلى نسبة من أصوات المقترعين تقدمتا على أساس طائفي وعرقي غاب عنه البعد السياسي كليا، بل إن العملية الإنتخابية تميزت بغياب شبه كلي للتصويت لفائدة البرامج السياسية (الغائبة أصلا في الحملة الانتخابية).

فضلا عن ذلك، تميزت تركيبة القائمتين (الشيعية والكردية) بقدر كبير من “التناقض” داخلها، ولعلها من المرات النادرة في تاريخ الديمقراطيات في العالم المعاصر التي يجتمع فيها الديني والعلماني، والليبرالي والشوفيني في قائمة واحدة، كما انها المرة الأولى التي تنصهر فيها المتناقضات في مرحلة خطيرة من تاريخ بلد كالعراق بحيث يجتمع “البرنامج الأمريكي” مع “المشروع الإيراني” على هذه النحو الصارخ في قوائم مشتركة.

تقييم شيعي

على الرغم من رفض الكثيرين لتقسيم العراقيين طوائف ومللا وقوميات (باعتبار أن مثل هذا التقسيم لا يخدم العراق وشعبه، فضلا عن كونه غير واقعي الى حد بعيد بسبب طبيعة التداخل الشعبي والمناطقي الواسع والمتشعب)، إلا ان ثمة وقائع لابد لها ان تفرض حضورها عند التصدي للشأن العراقي.

ففيما لا يتردد البعض في اعتبار قائمة الائتلاف الموحد ممثلة للموقف الشيعي العراقي، يرى آخرون أن هذا الرأي ليس صحيحا بالكامل نظرا لوجود تيارات مهمة خارجها، إلا انه لا مناص من االقول بأن هذه القائمة تضم معظم الأحزاب التي تسعى الى تقديم نفسها باعتبارها تمثل شيعة العراق.

ومع أهمية النتيجة التي حققتها قائمة الإئتلاف الموحد (حصلت على 48% من اجمالي عدد المقترعين)، إلا أن أصحابها يعتقدون أن نتائج الانتخابات تم التلاعب بها على نحو أو اخر، ويقول الشيخ همام حمودي العضو القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق: “إن حسابات قادة الائتلاف الموحد تؤكد تحقيقه فوزا أكبر مما تحقق وأنهم توقعوا الحصول على 50% على أقل تقدير”، كما أثار شكوكا بشأن “أسباب تأخير إعلان النتائج النهائية”، ملمحا إلى “حدوث تلاعب فيها”.

والحقيقة ان نتائج هذه الانتخابات تؤشر واحدة من ثلاث حقائق او كلها معا، الاولى ان هذه القائمة لا تمثل كل شيعة العراق والثانية أن الشيعة في العراق ليسوا في موقع الأغلبية العددية بإزاء الأطراف الأخرى والثالثة انه لا يمكن اختزال العراق طائفيا بهذا الشكل المبتسر.

.. وآخر كردي

وبالتأكيد فإن للأحزاب الكردية المنضوية في قائمة التحالف الكردستاني رأي آخر، إذ يمكن اعتبار هذه الاحزاب الفائز الاكبر في الانتخابات – بعد الطرف الامريكي طبعا – لذا فهم الأكثر ترحيبا بها بين الفرقاء الذين يسعون الى تقاسم الكعكة العراقية.

ولأن الوقت هو الاكثر ملاءمة للأطراف الكردية فإنهم يتحدثون اليوم من مركز قوة ومن مركز من يطلب الاخرون ودَّه ويتقربون اليه، وهو ما سيمنحهم بالتأكيد ثقلا اكبر في الساحة السياسية العراقية خلال المرحلة المقبلة.

يقول عارف تيفور عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني: “إن التحالف الكردي سيكون مع كل الكتل السياسية والقوائم التي تؤمن بحقوق الاكراد وتعترف بالحقوق القومية للاكراد وتعمل على تثبيتها في الدستور الدائم للعراق”.

وأضاف: “إن الاكراد مستعدون للتحالف مع اي جهة شيعية او سنية او علمانية او اي طرف من الاطراف الاخرى”، مشيرا الى انهم يريدون “أحد المناصب السيادية والاعتراف بكردستانية كركوك وضمها الى الاقليم الكردي”، أسسا لتحالفهم المزمع.

آراء أخــرى

فيما يعلن هذا الطرف الحزبي او ذاك موقفه تبعا للنتيجة التي حاز عليها فإن لآخرين آراءهم التي قد لا تتطابق مع اراء هذا الفصيل او ذاك.

فعلى سبيل المثال، يؤكد نائب محافظ صلاح الدين عبدالله حسين جبارة ان المفوضية العليا للانتخابات “ألحقت غبنا متعمدا بجزء مهم من ابناء الشعب العراقي بسبب نظام القائمة الواحدة الذي اختير لإيصال السياسيين الذين قدموا من الخارج الى الحكم وإبعاد العناصر الوطنية في الداخل عن تقرير مصير العراق” حسب قوله.

وأضاف أن “المشاركة في كتابة الدستور أهم من المشاركة في الحكم فالدستور سيحكم العراق لزمن طويل بينما الحكومات زائلة وترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف التي جاءت بها”، كما أيَّد فكرة مشاركة منظمات دولية والجامعة العربية في كتابة دستور العراق كاستشاريين للعراقيين الذين “يجب ان يتولوا كتابة الدستور بانفسهم فليس هناك من يعرف توجهات الشعوب وتطلعاتها سوى ابنائها” حسب تعبيره.

واعتبر مواطنون النتائج مخيبة للامال مشيرين الى ان التشكيلة الحكومية التي ستنتج عنها لن تكون ممثلة للشعب حيث يعتبر غياب اكثر من اربعين بالمائة من الناخبين خللا كبير في أية عملية سياسية في بلد مهما كان مستقرا فكيف اذا كان البلد هو العراق بكل مشاكله وتناقضاته السياسية والاجتماعية.

لكن مواطنين اخرين اكدوا ان النتيجة تعبر عن الشعب العراقي وانهم راضون عنها بشكل كبير، مشيرين الى ان المقاطعين اختاروا بأنفسهم هذا الموقف وعليهم ان يتحملوا نتيجة اختيارهم الحر.

وتحدث طرف ثالث عن ضرورة “البدء بمرحلة جديدة تجمع كل ألوان الطيف العراقي بعيدا عن سياسات التهميش والاجتثات والاقصاء التي كثر الحديث عنها في الشهور الاثنتين والعشرين الماضية”.

واعتبر مواطنون آخرون فوز قائمة الائتلاف العراقي الموحد بمثابة “احتلال فارسي ثان للعراق” باعتبارها تضم اقرب المقربين لايران ممن “لا يمكن لهم ان لا ينفذوا ارادات الحاكمين في طهران” حسب رأيهم، وأشاروا في هذا الصدد الى ثبوت ضلوع جارة العراق الكبيرة في الشأن الداخلي للعراق وذكّـروا بممارسات عدد من قادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية ضد الاسرى العراقيين في إيران طيلة سنوات الثمانينات والتسعينات الفائتة وبتصريحات عبد العزيز الحكيم الداعية إلى دفع الحكومة المقبلة 100 مليار دولار تعويضات لايران عن حرب الثمانينات.

الموقف السني

لما كان مستحيلا المباشرة ببناء عراق جديد بكل المقاييس دون الاخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن 42% من سكان العراق لم يشاركوا في الانتخابات (سواء تعلق الأمر بمقاطعة أو برفض للتوقيت والطريقة والصيغ الاجرائية أو لأسباب أخرى)، فإنه يستحيل ايضا المباشرة بمهمة تاريخية من هذا النوع دون اعتبار الموقف السني بشكل عام.

ومع أن أغلب السنة العرب في العراق قرروا مقاطعة هذه الانتخابات لانها تجري في ظل الاحتلال الذي يفرض الصيغ والأساليب والأولويات، إلا أنهم ليسوا، بنظر أغلب المراقبين، أقلية بسيطة يمكن تهميشها أو شطبها من المعادلة العراقية.

في هذا السياق، يشير اياد السامرائي الامين العام المساعد للحزب الاسلامي العراقي الى وجود تحركات لتوحيد البيت السني في العراق وتجاوز الانقسامات فيه لمواجهة استحقاقات المرحلة الراهنة والقادمة ورفض “الاضطهاد الذي يلاقيه أهل السنة” على حد قوله.

وأكد السامرائي أن عدم مشاركة اكثر من 6 ملايين ناخب في التصويت ساهم في توزيع حصصهم على الاحزاب المشاركة ورفع رصيدها حيث ان بعض القوائم الانتخابية حصلت على أصوات اكثر من حصتها الحقيقية مثل الاكراد وذلك بسبب انسحاب القوى المعارضة للانتخابات ودعم المرجعيات لبعض القوائم كما حصل مع قائمة الائتلاف الموحد.

وبشأن السماح للجهات التي رفضت المشاركة في الانتخابات بأخذ دور في العملية السياسية وإعداد الدستور بيَّن اياد السامرائي أن “هذه الفكرة جيدة إلا ان الموضوع غير واضح من حيث كيفية التنفيذ ومدى الجدية فيه”، مشيرا الى ان “جهات كثيرة تتحدث عن المصالحة والنوايا الطيبة ولكن الصعوبة تبدأ غالبا عند البدء بالتطبيق حيث يطالب الطرف الآخر دائما بتقديم التنازلات” حسب قوله.

شروط قبل المشاركة

من جهة أخرى، أصدر 28 حزباً وجمعية شاركت في اجتماع انعقد يوم 15 فبراير في مقر “هيئة علماء المسلمين” ببغداد بيانا من سبع نقاط حددتها شروطاً للمساهمة في اي عملية للمصالحة الوطنية او كتابة الدستور.

وطالب المجتمعون بجدولة واضحة ومحددة ومعلنة وملزمة وفق ضمانات دولية لانسحاب قوات الاحتلال من العراق بجميع مظاهرها واشكالها وإلغاء مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والاثنية واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات امام القانون .

ودعوا الى الاعتراف بالمقاومة العراقية وحقها المشروع في الدفاع عن بلدها ومقدراته ورفض الارهاب الذي يستهدف الابرياء والمنشآت والمؤسسات ذات النفع العام ويستهدف دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس وجميع الاماكن المقدسة.

واتفق المجتمعون على أن الانتخابات التي أجريت كانت ناقصة الشرعية لقيامها على قانون إدارة الدولة المرفوض وعدم استنادها إلى الاطر القانونية والامنية والمقاطعة الشعبية الواسعة لها والتزوير الحاصل فيها، واجمعوا على أنه لا يحقُّ للادارة الناشئة عنها ابرام اي اتفاقية او معاهدة من شأنها المساس بسيادة العراق ووحدته أرضاً وشعباً واقتصاداً وثروات”.

وشددوا على اعتماد الديموقراطية والانتخاب كخيار وحيد لتداول السلطة سلمياً والعمل على تهيئة الاجواء والقوانين التي من شأنها اجراء العملية السياسية في اجواء نزيهة وشفافة وفي اشراف دولي محايد واطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين وايقاف عمليات الدهم المستمرة وانتهاكات حقوق الانسان وتعمير المدن العراقية المخرَّبة وتعويض أهلها تعويضاً عادلاً ومنصفاً.

وكان من بين المشاركين في الاجتماع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي سبق له ان اعتبر ان أي عملية سياسية تقع في ظل الاحتلال غير شرعية، والمدرسة الخالصية والحزب الطليعي الناصري والجبهة الوطنية لتحرير العراق والمؤتمر الوطنـي التأسيسي العراقي وحزب اتحاد الشعب وحركة التيار القومي العربي وحزب الاصلاح والعدالة الديمـقراطي وحزب العراق الموحد والكتلة الاسلامية والحزب القومي الديمقراطي ومنظمات نسوية.

احتمالات المستقبل

على صعيد آخر، وبسبب عدم حصول أي طرف على الأغلبية المطلقة التي تمكنه لوحده من تشكيل حكومة، يتعيَّن على الاطراف الاساسية الفائزة في انتخابات 30 يناير الماضي بناء تحالفات اكبر من تلك التي خاضت الانتخابات بموجبها.

ومن هنا سيحاول زعماء قائمة الائتلاف السعي لضمان حصولهم على النسبة التي تتيح لهم الاغلبية لتشكيل حكومة وتمرير قراراتها في برلمان تشير عدة معطيات الى اعتباره “قابلا للتصدع”، وهو أمر ليس سهلا حتما.

كما يتحتم على الاكراد – وهم قوة أساسية فاعلة ومؤثرة – بناء تحالف متين مع احدى القوتين الاخرتين ضمانا لتمرير مشاريع القرارات التي يرغبون بطرحها وخاصة موضوعي الفدرالية وضم كركوك إلى إقليم كردستان.

في هذا السياق، يتوقع أياد السامرائي أن تكون رئاسة الحكومة “مقبولة وتنال رضا الامريكان إذا كانت لعلاوي أما إذا تولاها آخر من الائتلاف الشيعي فإن الحكومة ستتعرض لضغوط من قبل الامريكان وستكون في موضع اختبار لأن الشكوك لدى الامريكان تدور حول ارتباط قائمة الائتلاف بإيران” حسب قوله.

وأوضح أن الاكراد يطالبون بمنصب رئيس الجمهورية لـ “ضمان عدم تمرير قرارات تعارض مصالحهم ولتحقيق قدر من الضغط على الحكومة القادمة بهذا الاتجاه” حسب رأيه.

ومن المحتمل أن تشهد الشهور القليلة القادمة عدة صراعات وتصفية للخصومات بين الفرقاء السياسيين ومحاولات مختلفة لتمرير المصالح بشتى أصنافها، كما أن معركة الدستور المقبلة قد تسفر عن نتائج سلبية (في صورة رفض أغلب الناخبين في ثلاث محافظات له) تُـؤدي إلى الإطاحة بالجمعية الوطنية المنتخبة وبالحكومة التي ستنبثق عنها، وحينها يُخشى من دخول العراق في دوامة خطيرة جدا.

مصطفى كامل – بغداد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية