مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجدل يحتدم بمصر حول الإشراف القضائي على استفتاء الدستور

الرئيس المصري محمد مرسي يتسلم نسخة من مسودة الدستور من رئيس الهيئة التأسيسية حسام الغرياني يوم 1 ديسمبر 2012 Keystone

ينقسم موقف القضاة في مصر من الإشراف على استفتاء الدستور المقرر إجراؤه في الخامس عشر من شهر ديسمبر الجاري، فبينما أوصت نوادي القضاة (وهي نواد اجتماعية منتخبة أقرب إلى النقابات) بمقاطعة الاستفتاء، ردًا على الإعلان الدستوري الذي اعتبرته تدخل من الرئيس في أعمال القضاء وإهدار لسيادة القانون، أعلن المجلس الأعلى للقضاة (السلطة الشرعية الوحيدة على القضاة) موافقتها على ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للإشراف على الاستفتاء انطلاقًا من كونه واجب وطني.

وقد أكد على ذلك الخطاب الذي أرسله مجلس القضاء الأعلى إلى اللجنة العليا المشرفة على استفتاء الدستور الجديد، برئاسة المستشار سمير أبو المعاطي، والذي أعلن فيه موافقة المجلس في جلسته المنعقدة يوم 3 ديسمبر 2012 الجاري، على انتداب القضاة وأعضاء النيابة العامة للإشراف على الاستفتاء.

وجاء في نص الخطاب: “أنه بالإشارة إلى خطاب اللجنة، المرسل لمجلس القضاء الأعلى في 2 ديسمبر، فإن المجلس عقد اجتماعا في 3 ديسمبر، وناقش الخطاب المرسل له، وانتهى الاجتماع إلى الموافقة على انتداب القضاة والنيابة العامة للإشراف على الاستفتاء الذي سيجرى في 15 ديسمبر الجاري على مسودة مشروع الدستور، وأن المجلس استبعد القضاة المعارين والمنتدبين طوال الوقت والمحالين إلى مجالس التأديب والصلاحية أو الحاصلين على إجازات بدون مرتب من الإشراف”.

وكان المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، قد دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس إدارة النادي، يوم الأحد 2 ديسمبر الجاري، ورؤساء أندية الأقاليم، لبحث موقف القضاة من الإشراف على استفتاء الدستور، بعد دعوة الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية، الناخبين للاستفتاء يوم 15 ديسمبر المقبل، وانتهى الاجتماع الطارئ إلى إعلان النادي عدم إشراف القضاة على الاستفتاء.

وكان الرئيس محمد مرسي قد دعا المصريين، للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في الخامس عشر من شهر ديسمبر الجاري، وذلك عقب تسلمه للنسخة النهائية من المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور، في حفل رسمي أقيم في قاعة المؤتمرات بجامعة الأزهر، يوم الجمعة 30 نوفمبر الماضي، حضره أعضاء الجمعية التأسيسية، ورئيس الوزراء، ورئيسا مجلسي الشعب والشورى، والوزراء، وشيخ الأزهر، وعدد من قيادات الدولة.

الصورة الكلية بمصر مرتبكة

وفي تعليقه على هذا الموضوع، قال الخبير القانوني الدكتور عمرو أبو الفضل: “هناك تباين في مواقف القضاة بخصوص الإشراف على الاستفتاء، فالمجالس الخاصة أعطت موافقتها على الإشراف، لكن الجمعيات العمومية أخذت موقفًا رافضًا، وهناك بعض الهيئات القضائية أعلنت موفقتها مثل: النيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، بالإضافة إلى اتجاه النائب العام لمخاطبة النيابات لمعرفة من يرغب من السادة أعضاء النيابة العامة في الإشراف”.

وأضاف أبو الفضل، الباحث بمركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “من المهم هنا الإشارة إلى أن الإعلان الدستوري الأول حدد انه يجب الإشراف القضائي على الاستفتاء، ويمكن للرئيس الجمهورية بما أنه يملك السلطة التشريعية أن يقوم بتعديل بسيط، يسمح بالاستعانة بأي هيئة أخرى تتيح إجراء الاستفتاء، إذن لن تكون هناك مشكلة”.

وتابع قائلاً: “سيكون هناك عدد من السادة القضاة الموافقون الاشتراك في الإشراف، وهؤلاء عددهم ليس بالقليل، وأيضًا يمكن استكمال هذا العدد من خلال أعضاء أي هيئة أخري يرى الرئيس أنها مناسبة وتتمتع بالحيدة والنزاهة والقدرة على المسارعة على إجراء الاستفتاء”.

وحول السلطة على القضاة وهل تنعقد لنوادي القضاة أم للمجلس الأعلى للقضاء؟، قال أبو الفضل: “نوادي القضاة سلطتها شرفية وغير ملزمة إلا لأعضائه باختيارهم الشخصي فقط، أما السلطة الفعلية على القضاة من الناحية الإشرافية والوظيفية فهي تنعقد لمجلس القضاء الأعلى بوصفه الجهة القانونية المنوط بها المتابعة الإدارية والفنية على أعمال القضاة”.

وردًا على سؤال: هل للقاضي أن يرفض الإشراف على الاستفتاء حتى لو كلفه المجلس الأعلى للقضاء؟، أجاب أبو الفضل قائلاً: “لا.. إذا كانت هناك موافقة من المجلس الأعلى للقضاء فلا يجوز للقاضي الرفض المطلق، إلا إذا كان هذا الرفض مسببًا بمرض أو ظرف طارئ يقبله المجلس”.

واختتم بقوله: “ولا تنسى أن جانبًا كبيرًا من السادة القضاء يتم ندبهم من النيابات، وهؤلاء يكون العنصر الشخصي في الموافقة هو الحاكم، وأعتقد أن الأيام القليلة القادمة ستحسم هذا الجدل، خاصة وأن الصورة الكلية مرتبكة، ولا أحد يستطيع – حتى الآن- أن يحدد إلى أي اتجاه ستنتهي الأمور، لكن في رأيي أن الاستفتاء سيتم بإشراف قضائي تام”.

نادي اجتماعي ثقافي فقط

ومن جانبه، أوضح الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير، أن “نادي القضاة ليس مختصًا بالنظر والبت فى الأمور الفنية المتعلقة بالقضاء والقضاة، إنما هو نادي اجتماعي ثقافي فقط، وذلك طبقا لقانون السلطة القضائية، الذي جعل المختص بهذا الأمر مجلس القضاء الأعلى، الذي بادر بالإعلان عن موافقته على الإشراف على الاستفتاء، وهكذا الهيئات القضائية، مثل: مجلس الدولة، والنيابة الإدارية وقضايا الدولة”.

وقال أبو الخير، في تصريح خاص لـ”سويس إنفو”: “يختص بالنظر في الأمور الفنية للقضاة المجالس العمومية لها، أي المجلس الأعلى للهيئة القضائية وقد أبدت جميعًا حرصها وموافقتها على الإشراف على الانتخابات، وحتى الآن توافر لدى لجنة الإشراف على الاستفتاء أكثر من اثنتي عشر ألف قاضٍ، أبدوا رغبتهم في الإشراف على الاستفتاء”.

وأضاف: أن عملية الإشراف تتطلب سبعة آلاف فقط، ومن القضاة من قرر أن يكون أشرافهم على الاستفتاء بدون أي مقابل مادي، كما أن حركة قضاة من أجل مصر صاحبة الأكثرية، حيث تمثل أكثر من 80% من قضاة مصر، ومن يقف وراء المستشار أحمد الزند فئة قليلة جدًا لا تتعدى 200 قاض من جملة 12 ألف قاضٍ لا تأثير لهم في عملية الإشراف.

الإشراف وجوبي وليس جوازيًا

متفقًا مع الخبير القانوني الدكتور عمرو أبو الفضل، يوضح المستشار أحمد شحاتة، المستشار بمجلس الدولة، أن “القانون يلزم القضاة بالإشراف على الاستفتاءات والانتخابات التي تجرى في البلاد، وأن هذا الإشراف وجوبي وليس جوازيًا، ومن ثم فإن قرار نادي القضاة المعلن بمقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء على الدستور والمقرر له منتصف شهر ديسمبر الجاري مخالفة واضحة وصريحة للقانون”.

وحول سلطة نادي القضاة الذي يرأسه المستشار أحمد الزند على القضاة وإمكانية منعهم من الإشراف على الاستفتاء على الدستور، قال شحاتة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “نادي القضاة ليس هو الممثل القانوني للقضاة، وإنما هو مجرد نادي اجتماعي يقدم بعض الخدمات الاجتماعية للقضاة وأسرهم، كالرحلات والحج والعمرة… إلخ، بينما السلطة الحقيقية هي للمجلس الأعلى للقضاء”، مؤكدًا أن “الصفة تنعقد وفقًا لأحكام القانون لمجلس القضاء الأعلى، لكونه السلطة الشرعية للقضاة في كل ما يتعلق بأمور العمل”.

وأضاف قائلاً: “هناك حكم للمحكمة الدستورية العليا يلزم القضاة بالإشراف على الانتخابات، وهو ما تم العمل به من انتخابات العام 2000 بالنسبة لانتخابات الشعب والشورى، واستمر الأمر على ذلك حتى جاءت انتخابات مجلس الشعب عام 2010م، التي ألغت الإشراف القضائي على الانتخابات، وسمحت بأن تتم تحت إشراف موظفي الإدارة المحلية!”.

وتابع شحاتة قائلا: “وبعد إعلان نادي القضاة مقاطعة الإشراف على الاستفتاء أعلن كلٌ من: مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية وأعضاء حركة “قضاة من أجل مصر”، استعدادهم للإشراف على الاستفتاء. فضلاً عن أن مجلس القضاء الأعلى وافق مؤخرًا على ندب القضاة للإشراف على الاستفتاء”، مشيرًا إلى أن “المستشار أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر، يأخذ اتجاهًا معاكسًا”.

كما يمكن للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي – يواصل المستشار أحمد شحاتة- إصدار مرسوم بقانون يكلف فيه أعضاء من غير الهيئات القضائية، كالنقابات وهيئات التدريس بالجامعات، والدعاة، …إلخ، بالإشراف على الاستفتاء.

واختتم قائلاً: “أعضاء الهيئات القضائية قادرين على القيام بمهمة الإشراف على الاستفتاء حتى لو قاطع أعضاء القضاء العادي عملية الإشراف، وإشرافهم يكون صحيحًا، ولا يؤثر على نتيجة الاستفتاء”، مشيرًا إلى أن “أعضاء الهيئات القضائية أرسلوا بالفعل أسماءهم للجنة العليا المشرفة على الاستفتاء”.

قال الزعيم المصري المعارض محمد البرادعي يوم الاربعاء 5 ديسمبر 2012 ان الرئيس محمد مرسي يجب ان يحمي المتظاهرين المتجمعين عند قصره الرئاسي “اذا اراد الحفاظ على ما تبقى له من شرعية”.

وبعد اندلاع مصادمات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه خارج القصر في القاهرة كتب البرادعي في حسابه على موقع تويتر “في ضوء ما يحدث الان امام (قصر) الاتحادية احمل الدكتور مرسي مسؤولية حماية التظاهرات السلمية اينما كانت اذا ما اراد الحفاظ على ما تبقى له من شرعية.”

وكان مؤيدون ومعارضون للرئيس المصري محمد مرسي قد اشتبكوا يوم الأربعاء خارج القصر الجمهوري بالقاهرة وتبادل الجانبان الرشق بالحجارة والمقذوفات.

وأزال أنصار الرئيس خياما نصبها معارضوه الذين بدأوا اعتصاما منذ يوم الثلاثاء احتجاجا على توسيع الرئيس مرسي لسلطاته وقراره بطرح مشروع دستور للاستفتاء يقولون انه لا يمثل كل أطياف المجتمع.

وقال نائب الرئيس المصري محمود مكي يوم الأربعاء إنه يمكن الاتفاق مع المعارضة على إجراء تعديلات على مواد مسودة الدستور محل الخلاف قبل الاستفتاء المزمع في 15 ديسمبر كانون الأول ودعا للحوار مع المعارضين لإنهاء الأزمة.

وقال نائب الرئيس في مؤتمر صحفي انه لابد من حدوث توافق. وتوقع مكي بدء حوار عاجل مضيفا ان مطالب المحتجين المعارضين يجب أن تحترم.

وقال مكي إن هناك إرادة سياسية حقيقية لاجتياز الفترة الحالية والاستجابة للمطالب العامة. وأضاف انه يمكن الاتفاق من الآن على تعديلات يتم حصرها في وثيقة مكتوبة قبل إجراء الاستفتاء.

ووصف مكي الاقتراح بأنه مبادرة منه.

وطبقا لاقتراح نائب الرئيس تحترم كل الأحزاب الوثيقة لحين إجراء انتخابات جديدة من المتوقع أن تكون أوائل العام القادم. وعند ذلك يبدأ البرلمان خطوات لاجراء تعديلات رسمية على الدستور. ودعا مكي لإجراء اتصالات بين القوى السياسية بشأن الوثيقة. وقال ان الاستفتاء سيجري في موعده.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 ديسمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية