مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة الـعشرين.. هل توحّـد حدة الأزمـة وجهات النظر المختلفة؟

Keystone

في مسعى لحشد الجهود للخروج من أسوإ أزمة اقتصادية عرفها العالم منذ ثلاثينات القرن الماضي، تنعقد قمة مجموعة العشرين في لندن يوم 2 ابريل. في التقرير التالي يقدم ثلاثة خبراء سويسريون تقييمهم لحظوظ نجاح القمة، وانعكاساتها المحتملة على الوضع الإقتصادي في سويسرا.

سيكون على جدول أعمال مؤتمر القمة الذي يحضره قادة البلدان الصناعية الكبرى، وأهم الاقتصاديات الناشئة ملفات عديدة أهمها تنظيم أسواق المال الدولية وضمان استقرارها، وإصلاح المؤسسات الدولية، وإنعاش الاقتصاد العالمي، وحشد الدعم لفائدة البلدان الفقيرة.

ويلفت سدريك ديبون، أستاذ العلوم السياسية بالمعهد العالي للدراسات الدولية للتنمية بجنيف الأنظار إلى أن الهدف النهائي من انعقاد هذا النوع من القمم يتمثل في التوصل إلى اتفاق يُضمّن في بيان ختامي “والأمر متروك بعد ذلك للدول وما ستفعله ببنود هذا البيان. فكل ما بإمكان مؤتمر القمة فعله هو تحفيز الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ التدابير اللازمة للخروج من هذه الأزمة، لكن اي فشل لهذه القمة، سيضر كثيرا بمصداقية المشاركين فيها”.

ويعلق ستيفان غاريليّ، على ما أوردته وكالة رويترز للأنباء يوم الإثنين 30 مارس حول النقاط التي تضمنها مشروع البيان الختامي للقمة، بالقول: “سيمثل هذا المؤتمر مناسبة لإعادة التأكيد على العديد من المبادئ الكبرى كرفض النزعة الحمائية، والدعوة إلى المزيد من الشفافية وتدخّل الحكومات في تنظيم الأسواق المالية، وإلى إضفاء نوع من الأخلاقية على النظام الرأسمالي السائد حاليا”.

ويشدد هذا الخبير بالمعهد الدولي لإدارة التنمية، ومقره بلوزان، على أن “أولى الأولويات بالنسبة لهذه القمة هو الظهور بمظهر الجبهة الواحدة المتماسكة في مواجهة الازمة الحالية، في الوقت الذي يسود فيه اختلاف حول التدابير الفعلية التي يجب اتخاذها بهذا الشأن”.

الأمر الذي يواقفه فيه أيضا سيدريك ديبون الذي يرى: “أن الوضع لا يبشر بخير، ومن المحتمل أن تخفق هذه الدول في الإتفاق على شيء في النهاية، إذن ما سيحاولون القيام به هو الخروج ببيان ختامي حول مبادئ عامة، لا يختلفون عليها”.

تنظيم الأسواق المالية

ومن أوجه الاختلاف هذه دفع الولايات المتحدة في اتجاه خطط انعاش تتطلب مبالغ مالية ضخمة، في الوقت الذي تفضّل فيه البلدان الأوروبية إلتزام الحذر، وإعطاء الأولية لتنظيم الأسواق المالية.

ولا يستبعد سدريك تيل، أن يبادر الإتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات متقدمة من أجل إضفاء المزيد من الشفافية على نشاط الأسواق المالية من دون انتظار الضوء الأخضر من مجموعة العشرين، خاصة في ما يتعلق بالرقابة على المصارف، والتي تختلف من بلد أوروبي إلى آخر.

ويضيف هذا الخبير في المجال الاقتصادي بالمعهد العالي للدراسات الدولية للتنمية بجنيف: “الولايات المتحدة بدورها مدعوة للقيام بعمل جبّار داخل حدودها، وهي تبدو واعية بذلك، إذا ما نظرنا إلى الإصلاحات التي اقترحها وزير الخزانة الأمريكي تيم غايتنر يوم الخميس الماضي (26 مارس 2009)”.

وهذا ما يدعو سدريك ديبون إلى الاعتقاد بأن مواقف مختلف الأطراف بصدد الإقتراب من بعضها نوعا ما على الأقل “بشأن العمل من أجل تنظيم أفضل للأسواق المالية، ومنع المضاربات التي تحتوي على أخطار بالغة”.

أخطار النزعة الحمائية

أما من ناحية النقائص الممكن الإشارة إليها في مشروع بيان القمة، بحسب سدريك ديبون، فيمكن ذكر “الغموض “المقصود” حول التدابير الحمائية. ولكن مهما فعلوا، ستتجلى المصاعب عندما تتأتي مرحلة تنزيل تلك الإجراءات. ومن المهم، متابعة ما ستفرزه هذه القمة من نتائج”.

وبهذا الصدد، نقل عن دوائر بريطانية أن المجموعة نفسها تستعد لعقد لقاءات أخرى في غضون هذه السنة، ويخشى سدريك تيل أن تظل قرارات قمة مجموعة العشرين حبرا على ورق.

ويذكّر هذا الخبير السويسري أنه “خلال قمة واشنطن في نوفمبر الماضي، وعد قادة مجموعة العشرين باتخاذ سلسلة من الإجراءات الملموسة قبل قمة لندن، كإقرار إعلان الدوحة في إطار منظمة التجارة العالمية، ورفض اللجوء إلى أي تدابير حمائية”.

وهذه المسألة بالذات على درجة قصوى من الأهمية بحسب سدريك ديبون الذي يقول: “عندما نستعيد الازمات الإقتصادية السابقة في السبعينات وفي الثمانينات، ليس من السهل قياس إلى أي حد أضرت النزعة الحمائية بالتجارة العالمية”.

ويضيف مقللا من المخاوف بهذا الشأن: “في مثل هذه الظروف، يحاول عادة أصحاب القرار مساعدة الصناعات الوطنية من أجل الحفاظ على مواطن الشغل، ويستخدمون في هذا السياق خطابا لنزعة حمائية غير مباشرة، لكن ما يحصل فعليا غير ذلك”.

تعزيز دور صندوق النقد الدولي

من الواضح أن قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد بلندن يوم 2 أبريل لن تبحث خطة إنعاش للإقتصاد العالمي، لكنها ستتطرق من دون شك لإصلاح المؤسسات المالية الدولية، بدءً بصندوق النقد الدولي.

ويتوقع سدريك تيل: “أن تقترح القمة إدخال إصلاحات هيكلية على صندوق النقد الدولي، وأبرزها توسيع تمثيلية البلدان في هياكله لتعكس حقيقة الوضع الدولي حاليا، وهذا الإجراء يجد مقاومة شديدة من الأوروبيين الاكثر حضورا اليوم على مستوى مجلس إدارة هذه المؤسسة”.

لكن أحد الموضوعات المطروحة على الساحة الدولية في الفترة الاخيرة تمس سويسرا عن قرب، ويتعلق الأمر بمكافحة الملاذات الضريبية.

وعن هذه النقطة، ينتاب سدريك تيل بعض القلق: “قد يكون خطر وجود سويسرا على قائمة سوداء للملاذات الضريبية أمرا مستبعدا. لكن، من الممكن أن ينصب اهتمام المشاركين في قمة مجموعة العشرين على هذا الموضوع إذا لم يتوصلوا إلى نتائج تذكر في ختام اجتماعهم. هذا على الرغم من أن الملاذات الضريبية ليست سببا في ظهور الأزمة الحالية”.

انعكاسات القمة على سويسرا

من ناحيته، يعتقد سدريك ديبون أن الوقت قد حان لكي تشمّر المصارف السويسرية عن ساعدها: “فعندما اندلعت قضية الودائع اليهودية في حقبة الحرب العالمية، كان المصرفيون السويسريون يقولون إن مزاياهم التنافسية ترتكز على خبراتهم الوظيفية وليس على السر المصرفي. لكن تبيّن عشر سنوات بعد ذلك، خاصة بعد المصاعب التي واجهت اتحاد المصارف السويسرية في الولايات المتحدة الأمريكية، أن ما ادعوه غير صحيح”.

وأصبح الأمر أكثر إلحاحا اليوم خاصة وأن بلدانا أوروبية كفرنسا وألمانيا وإيطاليا تعتزم سن عفو ضريبي لاستعادة ودائع مواطنيها بالخارج.

ويشير ستيفان غارلّي إلى أنه سواء بالنسبة للمصاعب التي تواجه المصارف، أو المكافآت المبالغ فيها أو الملاذات الضريبية، كل ذلك نتاج غياب التنسيق بين البلدان المختلفة: “إذا ما قررت هذه البلدان التعاون في ما بينها، وتبادل المعلومات، سوف يدشن العالم مرحلة جديدة تختلف تماما عن سابقاتها، وسيكون لهذا انعكاسا على سويسرا”.

ويختتم ستيفان غارلي بالقول: “العديد من القطاعات الاقتصادية السويسرية، كالمواد الغذائية، والأدوية، والساعات، لا غيرها لا ترتبط حصريا بالقوانين السويسرية فقط وهي تواجه منافسة في الأسواق الدولية، ولا أظن ان المصارف السويسرية ستمثل استثناء في هذا المجال”.

سويس انفو – فريديريك بورنان – جنيف

أعلنت المنظمة الاوروبية للتعاون والتنمية يوم الثلاثاء 31 مارس 2009، أن اقتصاديات البلدان الأعضاء في المنظمة ستتراجع بنسبة 4.3% سنة 2009، مما سيتسبب في خسارة 25 مليون موطن شغل.
تسعى مجموعة الدول العشرين إلى مضاعفة ميزانية صندوق النقد الدولي البالغة حاليا 250 مليار دولار، وذلك لإنعاش الإقتصاد الدولي ومساعدة البلدان الأشد فقرا.

انشات هذه المجموعة سنة 1999، بعد الأزمتيْن الماليتين اللتيْن ضربتا نهاية القرن العشرين روسيا وبلدان جنوب شرق آسيا. وهذه المجموعة عبارة عن منتدى للحوار بين الدول المتقدمة والإقتصاديات الناشئة بهدف تحقيق إستقرار الإقتصاد العالمي. وتعززت أهمية هذا الدور في ظل الأزمتيْن المالية والإقتصادية الحاليتيْن.

ومنذ اندلاع الأزمة الحالية، تعقد هذه المجموعة مؤتمرها الثاني بلندن بعد قمتها الأولى التي التأمت بواشنطن في 15 نوفمبر 2008. وتترأسها هذه السنة المملكة المتحدة.

تضم مجموعة العشرين كلا من جنوب إفريقيا، وألمانيا الإتحادية، والمملكة العربية السعودية، والأرجنتينن، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والهند، وإيطاليا، واندونيسيا، واليابان، والمكسيك، والمملكة المتحدة، وروسيا، وتركيا. هذا بالإضافة إلى البنك الدولي، والبنك المركزي الأوروبي.

لا زالت سويسرا تبحث عن منفذ للدخول إلى هذه المجموعة، من خلال المشاركة على الأقل في الأعمال التحضيرية لمؤتمرات هذه المجموعة.

قبل افتتاح قمة مجموعة العشرين بساعات، تجمّع الآلاف من المتظاهرين أمام مقر البنك المركزي البريطاني بوسط لندن، رافعين يافطات كتب عليها: “لقد سرقوا أموالنا”. كما كتب على لافتة أخرى: “هل نستطيع اسقاط الحكومة؟ نعم نستطيع!”، في إشارة إلى الشعار الشهير الذي رفعه باراك اوباما خلال حملته الإنتخابية “yes we can”.

ويقول آين ديكسون، احد المشاركين في المظاهرة، والذي أحيل على البطالة في ديسمبر الماضي، بسبب الأزمة المالية الحالية: “ينتابني شعور بأنني ضحية، وأنني تركت أواجه مصيري لحالي”.

أما فيليب، 53 سنة، فيقول: “إذا لم ننهض للدفاع عن حقوقنا، وإذا لم نرفع أصواتنا للإحتجاج، لن يلتفت إلينا أحد. أنظر إلى قادة الدول العشرين كما لو انهم فراخ بدون رؤوس. وتمر النخب السياسية وقادة المؤسسات المالية بحالة من الإضطراب، ولا يعلمون ما يفعلون”.

ولمواجهة الغضب المتصاعد في الشارع، إستدعت الحكومة البريطانية 10.000 شرطي لحماية قمة مجموعة العشرين التي تفتتح يوم الخميس 2 أبريل بلندن، وقد عكست الصحف البريطانية في عناوينها الكبرى حالة الإستنفار الأمني التي تشهدها العاصمة البريطانية، كصحيفة التايمز التي عنونت احد مقالاتها “لندن، قلعة محصنة”، أو جورنال سيتي “المدينة المحاصرة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية