مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قمة تونس تحقق أهداف أصحابها

الرئيس التونسي والأمين العام لجامعة الدول العربية قبيل افتتاح الجلسة الختامية للقمة العربية السادسة عشرة يوم الأحد 23 مايو 2004 Keystone

لم يتجاوز عدد القادة الذين حضروا جلسة الإفتتاح الثلاثة عشر .. ونجح الانسحاب المفاجئ والمسرحي للعقيد القذافي في سرقة الأضواء ..

في المقابل، يرى البعض بأن قمة تونس نجحت في تجاوز المأزق، وتمكنت من تحقيق قدر أدنى من الاتفاق حول قضايا جوهرية ليست بسيطة.

لقد أسهمت اللغة العربية بشكل رئيسي في السيطرة على الخلافات، وساعدت على “تدوير المربعات” حتى لا يغضب هذا الطرف أو ذاك، إلا أن ذلك لم يحل دون صدور عدد من القرارات والوثائق التي لا تخلو من الأهمية.

وإذا كانت قمة بيروت قد عرفت بالمبادرة العربية للسلام التي هي في الحقيقة مبادرة سعودية، فإن قمة تونس سترتبط بوثيقتين هامتين من حيث الدلالة الرمزية. أولهما، “وثيقة العهد والتضامن” التي اقترحتها أيضا المملكة العربية السعودية، التي أشبعت نقاشا وتدقيقا منذ حوالي أربعة أشهر. وهي الوثيقة التي أقرت بضرورة الالتزام بتطوير مؤسسات العمل العربي المشترك، وفي مقدمتها مراجعة آليات عمل جامعة الدول العربية والتزم بها الحكام في شكل قسم.

أما الوثيقة الثانية فقد أطلق عليها في البداية “بيان الإصلاح والتطوير”، لتصبح بطلب من دمشق تحمل اسم “التحديث والتطوير”. هذا النص الذي فرضه الإعصار الدولي الذي لا يزال يتمركز في ما تريد الإدارة الأمريكية تسميته بالشرق الأوسط الكبير. إنه “الرد” العربي على المبادرات الأمريكية والأوربية التي توالت بقوة في المرحلة الأخيرة كوصفات لمعالجة “الرجل المريض”.

وبالرغم من الاحتياطات والضمانات التكتيكية التي تضمنها النص وسيطرت على روحه وشكله حتى لا يتحول إلى لغم يفجر النظام السياسي الرسمي العربي، إلا أن الجميع أقروا بضرورة الإصلاح “السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي”، رغم أنهم ربطوا المسألة بحل كافة النزاعات القائمة في المنطقة، واعتبروا ذلك شرطا للإصلاح الشامل.
كما فتحوا المجال لتمكين كل نظام من أن يختار الكيفية والوتيرة الخاصة به.

لكن مع ذلك فإن مصطلحات ومفاهيم جديدة اخترقت الخطاب السياسي العربي الرسمي، ونقلته من دائرته التقليدية التي كانت تتمحور حول الحاكم والسلطة السياسية، إلى دائرة جديدة متعددة الأضلاع، مثل المواطن والمجتمع المدني والقطاع الخاص وحقوق الإنسان وحرية التعبير والمواثيق الدولية واستقلال القضاء.

وهكذا تسربت مصلحات ومفاهيم كانت مرفوضة ومطعونا في أهلية أصحابها خلال المرحلة السابقة مثل الديمقراطية والحكم الرشيد وتمكين المرأة.

ثغرة رئيسية

لم يكن لقرار العقيد القذافي بالانسحاب وانتقاداته القوية لأداء الجامعة العربية تأثير كبير على مجرى أعمال القمة. فالواضح أن الذين حضروا كانوا مستعدين لتمرير قدر أدنى من الجرعات.

ولا شك في أن الجهود التي بذلتها الرئاسة التونسية، إلى جانب مصر وسوريا قد ساعدت على اتخاذ قرارات ذات سقف عال، خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية والموقف من الحكومة الإسرائيلية. ورغم بعض الضبابية التي لا تزال تهيمن على الموقف العربي من مجريات الأحداث في العراق، إلا أن ذلك لم يحل دون اتخاذ مواقف مبدئية عامة وهامة من المسألة العراقية.

من ذلك إلحاح القمة على وصف الحالة بكونها احتلالا، وأن تؤكد على الدور الرئيس للأمم المتحدة في عملية نقل السيادة للعراقيين. كما استعملت صيغة حق المقاومة بشكل عام، ولكن بصيغة لا ترضي الولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد.

إن الثغرة الرئيسية (وهي لا تتعلق فقط بهذه القمة، وإنما بجميع القمم والعمل العربي المشترك عموما) تتمثل في غياب آلية واضحة وملزمة للمتابعة. وإلى أن يقع الاتفاق في الجزائر على قدر أدنى من المقترحات التي قدمت في شأن إصلاح الجامعة العربية، فإن القرارات التي صدرت يخشى أن يلقى الكثير منها مصيرا مشابها لقرارات سابقة طواها النسيان، وتلقفتها سلة المهملات.

في انتظار الفعالية..

لذلك فإن الحكومات العربية – وخلافا للأوربيين – تخشى من كل آلية أعلى من السقف الوطني أو المحلي، ولهذا لا يرى بعضها حرجا في التوقيع على أي وثيقة عربية جماعية، ما دام تأثيرها على أسلوب إدارتها للشأن المحلي محدودا أو معدوما.

وفي هذا السياق تحقق تضامن ضمني بين القادة ورؤساء الوفود على تجنب كل ما من شأنه أن يتعارض مع ما يعتبرونه “صلاحيات سيادية”. وهكذا تم الاتفاق على أن تبقى الخصوصية السياسية المتدثرة بالخصوصية الدينية والثقافية بمثابة “عرين الأسد”.

كما تم التوصل إلى صيغة قانونية فيما يتعلق بالموافقة على البيان الخاص بالإصلاحات السياسية، حيث قام وزراء الخارجية بالتأشير على النص النهائي، على أن تقع إحالته بعد ذلك على الحكومات والبرلمانات العربية التي أغلبها غير منتخب ديموقراطيا لمراجعته والتدقيق فيه. وهو أيضا أسلوب آخر من أساليب الاحتياط والحذر.

كما تركت مسألة المشاركة في قمة مجموعة الدول الثمانية القادمة اختيارية وفردية، حيث كان من المستحيل الاتفاق على ناطق أو وفد يتحدث باسم الجميع أمام أصحاب القرار في النظام الدولي القائم.

قمة تونس كانت ناجحة حسب الشروط التونسية، وحققت الحد الأدنى الذي يمكن أن يتحمله النظام الإقليمي العربي، وفتحت المجال أمام مراجعة “جوهرية لأساليب عمل الجامعة العربية” التي دافع عن أدائها عمرو موسى دفاعا مستميتا أمام القادة. كما لم تشهد خصومات أو معارك هامشية حادة، باستثناء الانسحاب الليبي.

ولهذا رحب القائمون عليها بنتائجها، ورأوا فيها “محطة تاريخية”، وإن كان الرأي العام العربي لا يزال يتساءل عن جدواها وينتظر – بقليل من الأمل – انعكاساتها الفعلية على الأوضاع المأزومة من المحيط إلى الخليج.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية