مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قوى المعارضة المصرية .. هل لديها برامج اقتصادية؟

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يثور سؤال حول امتلاك أحزاب المعارضة والقوى السياسية المصرية برامج اقتصادية حقيقية تقدمها بديلا عن البرنامج الذي يطبقه الحزب الوطني الحاكم.

سويس إنفو طرحت السؤال في القاهرة على أهم الأحزاب المعارضة وحصلت من رموزها على إجابات نظرية متباينة..

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر، يثور سؤال حول: هل ثمة برامج اقتصادية حقيقية تمتلكها أحزاب المعارضة والقوى السياسية المصرية؟ وماذا لدى هذه الأحزاب والقوى لتُـقدّمه للناخبين أفضل مما يقدمه الحزب الوطني الحاكم؟ وما هي حلولهم المقترحة للمشكلات والقضايا الاقتصادية المزمنة مثل: الديون، والبطالة في عصر العولمة، وذلك في ضوء العديد من التحديات الراهنة مثل: الشراكة مع أوروبا، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة مع أمريكا وإسرائيل “الكويز”، ومع بدء تطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية؟

خلفية تاريخية

كانت الأحزاب السياسية في مصر قد ظهرت في القرن التاسع عشر انعكاسا للتفاعلات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في ذلك الوقت. ويعتبر الحزب الوطني برئاسة مؤسسه الزعيم الوطني مصطفى كامل عام 1907، أول تنظيم حزبي.

وعقب الإعلان الرسمي لاستقلال مصر يوم 22 فبراير 1922، دعا دستور 1923 إلى نظام التعددية الحزبية الملكية، وإلى الديمقراطية الحرة.

ويأتي حزب الوفد على رأس قائمة الأحزاب الوطنية الأكثر شعبية في تاريخ مصر حتى عام 1952، إذ أنه شكّـل الحكومة منفردا أكثر من مرة. وبعد ثورة 23 يوليو عام 1952، منع مجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبد الناصر الأحزاب السياسية من العمل، عدا حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب السلطة، وظل الأمر كذلك حتى سمح الرئيس أنور السادات للأحزاب بالعمل من جديد عام 1976. غير أنه لم يسمح للحركة الإسلامية بتشكيل حزب سياسي معترف به، لكنهم موجودين بقوة على الساحة.

ومنذ صدور قانون الأحزاب السياسية في يونيو عام 1977 بشأن تنظيم إنشاء وتكوين الأحزاب السياسية في مصر، تزايد عدد الأحزاب السياسية من 5 أحزاب عام 1981 إلى 19 حزباً عام 2005، غير أن حالة الطوارئ المعلنة بالبلاد منذ أكتوبر 1981، والمفترض أن يستمر العمل بها حتى 31 مايو 2006 طبقا للقرار الجمهوري الأخير بمدها ثلاث سنوات، أثّـرت سلبيا على العمل السياسي عامة، والحزبي بصفة خاصة.

التجمع: توزيع الدخل لصالح الفقراء ومحدودي الدخل

ومن جهته، قال الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو المكتب السياسي ورئيس اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي: “تعاني مصر منذ سنوات طويلة من شيوع الفساد، وتصاعد الأزمات الاقتصادية، وتدنّـي معدلات النمو في ظل انسحاب الدولة من عملية الاستثمار وتخليها عن مسؤولية التنمية، وعجز القطاع الخاص عن سد الفراغ، وانخفاض مستوي وحجم الخدمات التي توفرها الدولة، وفشلها في جذب الاستثمارات الأجنبية والعجز عن التصدير وسد الفجوة بين الصادرات والواردات”.

وأضاف عبد الخالق في تصريحات خاصة لـسويس إنفو: “لقد أدّت السياسات الاقتصادية للحكومة إلى استمرار انخفاض معدل الادّخار المحلي، وزيادة العجز في الموازنة العامة، وارتفاع الدَّين المحلي لأرقام فلكية وصلت إلى 435 مليار دولار، طبقا للأرقام التي نشرها البك المركزي، وهو ما يعادل حوالي 97% من الناتج القومي الإجمالي! والانخفاض المتوالي لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية والعربية، وزيادة الاعتماد علي تحويلات المصريين في الخارج، ودخل قناة السويس وعائدات البترول، وانخفاض الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، والارتفاع المتوالي للأسعار”.

وعن البرنامج الاقتصادي للحزب، قال عبد الخالق: “أعلَـنّا يوم 17 مايو من العام الماضي، مبادرة متكاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي، طرحنا فيها برنامجا للتغيير الشامل، يؤمن بأن إنقاذ الاقتصاد الوطني من أزمته يتطلب سياسات اقتصادية واجتماعية وتنموية جديدة، ترتكز على قاعدة متينة تقوم علي أوسع ديمقراطية اجتماعية، وتتضمّـن عددا من الأولويات في مقدمتها: وضع خطة للقضاء على الفقر أو تخفيضه، والحد من الفوارق بين الطبقات، ورفع الحد الأدنى للأجور والمرتبات وربطها بالأسعار، ومحاربة البطالة بتوليد فرص عمل جديدة، وتحقيق إصلاح ضريبي ومالي بإعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفقراء ومحدودي الدخل”.

وأوضح عبد الخالق أن برنامج التجمع يَـعتبر أن الشفافية والمحاسبة هما ضلعا الإصلاح الاقتصادي، كما يطالب البرنامج بوقف تدهور سعر صرف الجنيه، ومواجهة تدنّـي معدلات الادخار والاستثمار بسياسات وطنية مستقلة، وعلاج تدهور التعليم والصحة ومشكلات السكن بوضع برنامج لإصلاح التعليم، وخطّـة قومية لمحو الأمية، وتبني مشروع التأمين الصحي القومي الشامل، وإقامة مساكن لمحدودي الدخل، والتصدّي للفساد والشخصيات المتوَرّطة برفع الحماية المتوافرة لهم قانونا من خلال الحصانات البرلمانية وغيرها، والاهتمام البالغ بقضية المياه والأخطار المحيطة بالزراعة المصرية، ومواصلة المعركة ضد الخصخصة”.

الوفد: قانون للبنوك وحل مشكلة الضرائب

أما حزب الوفد، فيرى أن الحديث عن الإصلاح المالي وإصلاح ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري، هو انصراف عن الأصل إلى الفرع، وعن السبب إلى المسبب، ويقول: “مصر بحاجة إلى إصلاح اقتصادي حقيقي، فالهيكل الاقتصادي بمصر طارد للاستثمار ورأس المال. فرأس المال لا يعمل ولا يطمئِـن في ظل الأحكام العُـرفية، وقانون العقوبات الذي يعجّ بنصوص الجرائم الاقتصادية”، مطالبا بتنقية “قانون العقوبات من الجرائم الاقتصادية المُـستوحاة من النظام الشيوعي والاشتراكي، التي تخلط بين المديونية والجرم، والمسارعة بإلغاء قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية”.

ويؤكد البرنامج الاقتصادي لحزب الوفد أن الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى “قانون للبنوك”، معتبرا أن “البنوك هي أوعية تجمع الإدّخارات وتوظفها للاستثمار، فلابد من قانون للبنوك يقرر أن محافظ البنك المركزي يكون غير قابل للعزل، ولا يُـحاكم رئيس بنك ولا مدين لبنك، إلا بإذن مجلس إدارة البنك المركزي”، مطالبا بمعالجة مشكلة الروتين، لأن البيروقراطية تخنق الاقتصاد المصري، ومن ثم، فإن القضاء على الروتين هو “قرار سياسي”، وعلى كل وزير بالحكومة أن يتّـخذ القرارات اللازمة لتبسيط الإجراءات.

كما يولي البرنامج الاقتصادي لحزب الوفد اهتماما كبيرا لـ “مشكلة الضرائب”، معتبرا أنها أصبحت “عقبة كبيرة”، نظرا لكونها مرتفعة القيمة ومتغيرة ومتحركة دائما لأعلى، فضلا عن إضافة رسوم تنمية ورسوم إدارية إليها.

ويقترح برنامج الوفد أن تكون نسبة الضريبة 10% ليتمكّـن الجميع من دفعها، وليتم القضاء على التهرب الضريبي، كما يقترح إعلان “سياسة ثابتة” للضرائب كل خمس سنوات، بحيث لا يتم تعديل الضريبة وفئاتها إلا كل خمس سنوات حتى يطمئِـنّ المستثمر وصاحب رأس المال.

الإخوان: محاربة الإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ

ومن ناحيته، أوضح القيادي الإخواني الدكتور عبد الحميد الغزالي، أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن البرنامج الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين “واضح ومُـعلن”، وأنه ورد كاملا في مبادرة الإخوان للإصلاح السياسي والاقتصادي التي طرحتها الجماعة في مؤتمر صحفي عقده مرشدها السيد محمد مهدي عاكف بنقابة الصحفيين يوم 3 مارس 2004 تحت عنوان “المبادئ العامة للإصلاح في مصر”.

وقال الغزالي، الذي يرأس اللجنة الاقتصادية للجماعة في تصريحات خاصة لـسويس إنفو: “نؤمن بالنظام الاقتصادي الذي ينبثق من إسلامنا كدين ونظام حياة شامل وكامل، يؤكّـد على حرية النشاط الاقتصادي، ودور الفرد فيه، محترمًا الملكية المتعددة، كأساس للملكية الخاصة، وملكية الدولة للمرافق العامة والمنشآت الحيوية”، مشيرا إلى أن برنامج الجماعة “يشجع القطاع الخاص، من خلال برنامج مدروس للخصخصة يتسم بتقييم عادل للمشروعات، وشفافية كاملة، مع الحفاظ على حقوق العمال”.

وأضاف الغزالي: “نؤمن بضرورة التعاون مع دول العالم لخير البشرية، ونعتمد تحرير التجارة والانفتاح أسلوبًا رئيسيًّا لعلاقاتنا مع الدول الأخرى في ظل الاعتماد المتبادل، وثورة المعلومات والاتصالات، ولكننا ضد الهيمنة والتبعية التي تهدف إليها حركة العولمة المعاصرة، ومن ثمَّ لابد من تعظيم إيجابيات اتفاقية “الغات” ومنظمة التجارة العالمية، والحد من سلبيات هذه الاتفاقيات”.

وأوضح الغزالي أن الإصلاح الاقتصادي، في نظر الجماعة، يقوم على عدة مبادئ منها: “اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه، مع تحريم وتجريم الرِّبا كمصدر للتمويل أو الكسب، وإيجاب العمل والكسب على كل قادر، وحرمة المال واحترام الملكيات، وخاصة المال العام، مع تنظيم المعاملات المالية واتباع سياسات نقدية ومالية وضريبية وتجارية وإنمائية رشيدة، وتطبيق النظام الاجتماعي، ومساعدة العاطلين في إيجاد العمل الذي يناسبهم، وتقرير مسؤولية الدولة في حماية النظام الاقتصادي، وحظر استغلال النفوذ، ومحاربة الإثراء غير المشروع”.

وقال رئيس اللجنة الاقتصادية للإخوان: “إننا نرى ضرورة العمل على تعظيم الإنتاج، ومنع الإسراف والتبذير والإنفاق التّـرفي والمظهري، وترشيد الدعم مع تشجيع الادّخار، وربط الصناعات الصغيرة المغذية والوسيطة بالصناعات الكبرى لدعمها وتطويرها واستهلاك منتجاتها، ودعم الرقابة على الجودة للالتزام بالمواصفات العالمية لضمان استمرار تسويق المنتجات”، معتبرا أن “الحل يكمُـن في إحداث تنمية زراعية جادّة وشاملة، رأسية وأفقية، وتشجيع ودعم الصناعات التصديرية وفتح أسواق جديدة، وتشجيع الاستثمار العربي والإسلامي، ومن كل دول العالم، مع تغليظ العقوبات على جرائم الفساد الاقتصادي والمالي”.

الغد: إنعاش المشروعات المتوسطة والصغيرة

فيما يقول الدكتور أيمن نور، رئيس حزب الغد: “ينطلق البرنامج الاقتصادي لحزب الغد من الإيمان بضرورة خلق حوار بين الفعاليات الاقتصادية على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي، للعمل على توسيع قاعدة العمالة المتاحة وحلّ المشاكل التي تواجه المشروعات في هذا الميدان، مع إعطـاء معيار التشغيل أهمية أكبر في منح الامتيازات التي تمنحها الدولة للاستثمارات”.

ويرى برنامج الغد ضرورة “وضع برنامج لإنعاش المشروعات المتوسطة والصغيرة، يشمل: تطوير شبكة المشروعات المتوسطة والصغيرة، والحث على إحداث شبكات تعاون فيما بينها، وتسهيل حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على رؤوس أموال بأقل التكاليف، سن قانون اجتماعي خاص بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، يشجع بصفة خاصة على تحفيز هذه المشروعات، مع تسهيل حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التقنيات الحديثة، ورفع الحواجز الإدارية أمام المستثمرين، وتقليص شروط القروض بالنسبة للمستثمرين الجدد”.

ويوضح نور أن البرنامج الاقتصادي لحزب الغد يدعو لـ” تشجيع الشباب على خوض النشاط الاستثماري وإصلاح جوانب النقص في السياسة المتبعة عن طريق: تخفيض تكلُـفة القروض الإنتاجية، ووضع قسط من الأراضي المخصصة لأغراض صناعية في مختلف المناطق رهن إشارة الشباب من صغار المستثمرين، والسماح للعاملين بإمكانية التمتع بتفرغ طويل المدى لعمل مشروعات جديدة مع ضمان عودتهم إلى عملهم متى رغبوا.

وتتلخص رؤية حزب الغد، حسب أيمن نور، في “معالجة بطالة الخريجين، والعمل على ملاءمة تكوين الخريجين مع متطلبات سوق العمل، وذلك بعمل
حصر واضح للتخصصات المطلوبة والإعلان عنها، ووضع برنامج للمساعدة على التأهيل يُـتيح إمكانية تكوين تكميلي للعاطلين من حاملي الشهادات، وذلك لتسهيل إدماجهم في سوق العمل، مع إصلاح النظام التعليمي”.

ويختتم نور بالقول: إن البرنامج الاقتصادي للحزب يهدِف إلى “إخراج البلاد من مرحلة يكبّـلها الركود الاقتصادي، إلى بناء نموذج جديد يرتكز على أسس قوية وطاقات ذاتية، تسهِّـل التطور السريع للإنتاج، وتوسيع قاعدة العمل، وتمكن من إدراج الوطن في كوكبة البلدان سريعة النمو، التي تتطلع إلى تحقيق الرقي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتقني في أفق زمني معقول”.

وبعدما استعرضنا الرؤى والبرامج الاقتصادية لأهم الأحزاب المصرية المعارضة على الساحة، يبقى السؤال مثارا: هل يمكن لهذه الأحزاب حال وصولها إلى السلطة، وإن كان أمرا مستبعدا، أن تطبّـق وتفعل هذه البرامج على أرض الواقع، لتتمكن من تقديم حلول ناجعة لأهم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن المصري، وفي مقدمتها مشكلة البطالة المزمنة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن مثل هذه التساؤلات.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية