مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كارثة اليابان تُـذكي مجددا السِّـجال حول الطاقة النووية في سويسرا

توفِّـر المحكات النووية الخمس حوالي 40% من الطاقة الكهربائية المستهلكة في سويسرا Keystone

تراوحت ردود الفعل داخل سويسرا على الكارثة النووية في اليابان، بين مطالبة الاشتراكيين والخُـضر بالتخلي السريع عن الطاقة النووية ومطالبة أحزاب الوسط بالمزيد من التوضيحات وتصدّي اليمين للدفاع عن الخيار النووي.

ويبدو واضحا أن كارثة 11 مارس، عجّـلت بإطلاق الجدل الداخلي حول سياسة الطاقة المستقبلية، إلا أن المؤشرات الحالية لا تدلّ على قرب حدوث منعرج راديكالي داخل البرلمان الفدرالي، بخصوص هذا الملف.

كان من المفترض أن يشكِّـل النقاش حول مستقبل استخدام الطاقة النووية في سويسرا، محورا مهمّـا في الفترة التشريعية القادمة (2012 – 2016)، بل إن البرلمان السويسري كان يتهيّـأ لاتخاذ موقف من مسألة تشييد محطات نووية جديدة، لتعويض المحطات الخمس القائمة، التي تصل فترة صلوحياتها إلى نهايتها في غضون أعوام قليلة. كما كان من المرتقب إجراء تصويت شعبي حول المسألة في عام 2013.

اليوم، أعادت الكارثة النووية في اليابان إطلاق المعركة حول الملف النووي، حيث طالب الاشتراكيون والخُـضر بعقد دورة طارئة للبرلمان في يونيو المقبل وكثفوا من تقديم المذكرات والتساؤلات والمبادرات على الساحتين، البرلمانية والسياسية. وحسب وجهة نظرهم، فإن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة في الأيام الأخيرة، ليست كافية، في ظل ما كشفت عنه التطورات الكارثية في شمال شرق اليابان.

ويوم الإثنين 14 مارس، قررت دوريس لويتهارد، وزيرة الطاقة في الحكومة الفدرالية، إخضاع المفاعلات العاملة إلى تقييمات جديدة وتعليق إجراءات بحث طلبات الترخيص لبناء محطات نووية جديدة.

مخاطر في سويسرا أيضا

في هذا السياق، يرى كريتسان فانسينغر، النائب عن حزب الخُـضر، أن “دوريس لويتهارد صرحت بأن أمن السكان يحظى بأولوية مطلقًـة، والآن، يجب ترجمة هذه الكلمات الجميلة إلى أفعال: يجب على الحكومة اتِّـباع مثال السلطات الألمانية، التي قررت منذ الآن إغلاق المفاعلات النووية الأقدم”.

خلاصة القول أن الخُـضر والحزب الاشتراكي يطالبون بوقف محطات موهليبيرغ وبيزناو 1 وبيناو 2 عن النشاط في عام 2012، على أقصى تقدير. ويضيف فانسينغر “صحيح أنه ليس لدينا تسونامي في سويسرا، لكننا نواجه أيضا خطر الزلازل والفيضانات والزوابع أو حدوث أعطاب فنية، وهو أمر لا يمكن استبعاده نهائيا”.

وحسب رأي الخُـضر والاشتراكيين، فإن هذا الإجراء ممكن، دون أن تترتب عليه مضاعفات سلبية على احتياجات البلد من الطاقة. ويقول النائب غيري موللر من حزب الخُـضر: “لقد تم إيقاف أربع محطات في ألمانيا ولم ينتبه إلى الأمر أحد. لا يجب أن ننسى أنه يتم حاليا في أوروبا إنتاج فائض من الطاقة الكهربائية. فالكهرباء لا يُـستخدم لإنتاج طاقة فحسب، بل للحصول على أموال أيضا”.

مشاريع في الانتظار

من جهته، يشير النائب الاشتراكي إيريك نوسباومر إلى أن “المحطات الثلاث القديمة، لا توفِّـر سوى 8000 جيغاوات من جملة 26000 جيغاوات، يتم إنتاجها من طرف المحطات الخمس الحالية، لذلك، يتعلق الأمر بنسبة قليلة الأهمية من استهلاكنا للكهرباء، بل إن الإنتاج المُـرتقب للمشاريع المعتمِـدة على الطاقات المتجددة، يوازي لوحده 9000 جيغاوات”.

ويضيف نوسباومر، أنه “مع الأسف، لا زالت هذه المشاريع على قائمة الانتظار، لأن التشريع الحالي يكبََـح جِـماح الاستثمارات في مجال الطاقات المتجدِّدة، لذلك، نطالب بإجراء تحوير قانوني سريع، حيث تكشِـف العديد من الدراسات أن الطاقة الشمسية، على سبيل المثال، يُـمكن أن تضمَـن ما بين 30 إلى 35% من الكهرباء”.

من جهة أخرى، يُـمكن لبرنامج يركِّـز على النجاعة في مجال الطاقة، بتوفير حوالي 15% إضافية من حجم الاستهلاك الكهربائي. ويذهب الخُـضر والاشتراكيون إلى أن جميع هذه الإجراءات، تكفي لتعويض المحطتين النوويتين الحديثتين (لايبشتات وغوسغن) في غضون 10 أعوام. وتبعا لذلك، يدعو الحزبان الحكومة إلى إعداد قانون يفصِّـل خطة لتخلي سويسرا عن استخدام الطاقة النووية.

رفض للقرارات المتسرِّعة

في الوقت الذي أطلق فيه اليسار هجومه الجديد، وجدت أحزاب الوسط نفسها في موقف دفاع واكتفت في الوقت الحاضر بطلب توضيحات من طرف الحكومة الفدرالية. وفي هذا الصدد، يقول بيرمين بيشوف، النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي: “الحادي عشر من مارس، يضع سياستنا في مجال الطاقة على محكِّ النقاش من جديد، لذلك، نطرح عددا من التساؤلات حول سلامة المفاعلات الحالية وحول الضمانات المتاحة، في صورة تمديد الترخيص الممنوح لها بالنشاط، وحول التكاليف والبدائل، في صورة التخلي عن الطاقة النووية”.

هذه التساؤلات جمعها الفريق البرلماني للحزب الديمقراطي المسيحي في مذكرة موجَّـهة للحكومة، ويقول هذا الحزب، الذي يتموقع وسط الخارطة السياسية السويسرية، إنه مستعد لدراسة كل الخيارات، لكن لا مجال لاتخاذ قرارات متسرعة قبل التوفر على أجوبة واضحة، وهو رأي يشاطره فيه الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين).

في هذا السياق، يقول رولف بوتِّـيكر، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الراديكالي: “يجب علينا الآن التفكير في ما يجب الاستمرار في استخدام الطاقة النووية على المدى المتوسط أو الطويل، لكن يجب أن نعرف أيضا ما الذي سيترتّـب علينا لتعويض هذه النسبة (40%) من الكهرباء (المستهلك في سويسرا)، فنحن لا نريد استيراد طاقة نووية من البلدان المجاورة، كما يجب علينا أن نعرف البدائل. وإلى حد الآن، لا زالت نفس الجهات التي تطالب بالتخلي عن الطاقة النووية، تعارض باستمرار لأسباب بيئية، مشاريع إنشاء محطات جديدة تعتمد على الطاقة المائية أو الهوائية”.

لا مجال للمقارنة

على أقصى اليمين، يتمسك حزب الشعب السويسري بخطِّـه المؤيِّـد بقوة للاعتماد على الطاقة النووية. ويقول هانس كيلّـر، النائب عن الحزب: “لا زال من العسير تقييم النتائج المترتِّـبة عما حدث يوم 11 مارس، سواء في اليابان أو في بلادنا، لكننا لا زلنا على رأينا بأن سويسرا ليست بلدا مهددا بزلازل من نفس هذه القوة ولا بحدوث تسونامي، لذلك، فإن وضعيتنا لا تقارن (بما وقع في اليابان)”.

ويضيف هانس كيلّـر: “نحن مؤيِّـدون بوضوح لأي عمليات تثبّـت جديدة، لكننا لا نرى أي مبرر للاعتقاد بأن محطاتنا أصبحت اليوم أقل أمنا، بل لا نعتقِـد بتوفر بديل للسنوات القادمة. فالطاقة النووية ستكون ضرورية لما بين 20 أو 30 سنة إضافية لضمان تزويد البلاد بالكهرباء”.

تتوفر سويسرا على 5 محطات نووية، وهي بيزناو1 (1969) وبيزناو2 (1971) وموهليبيرغ (1971) وغوسغن (1978) ولايبشتات (1984).

من المفترض أن يتم إيقاف المحطات الثلاث الأولى عن العمل بحلول عام 2020، فيما تصل تراخيص الخِـدمة الممنوحة للمحطتين الأخريين إلى نهايتها في عامي 2040 و2045.

تـُنتج هذه المحطات النووية مجتمعة حوالي 40% من الطاقة الكهربائية المستهلكة على المستوى الوطني، أما الجزء المتبقي فيقدُم بشكل شبه تام من المحطات التي تعمل بالطاقة المائية.

توفِّـر الطاقات المتجدِّدة (الشمس والهواء والحرارة الجوفية إلخ…) 5% فقط من الطاقة الكهربائية وأقل من 2% من إجمالي الطاقة المستهلكة في سويسرا.

تفترض المشاريع الثلاث الخاصة بإنشاء محطات نووية جديدة (قدِّمت من طرف شركات أكسبو وألبيك ومؤسسة إنتاج الطاقة في كانتون برن)، تشييد مفاعلات تعمل بالمياه الخفيفة، التي تتميز بمردودية أعلى بكثير مما تتيحه المفاعلات الحالية.

1979: رفض 51،2% من الناخبين مبادرة شعبية تطالب بعرض كل مشروع لبناء محطات نووية على تصويت سكان القرى والكانتونات الموجودة في قطر 30 كلم حول المحطة.

1984: رفِـضت مبادرة شعبية تحمل عنوان “من أجل مستقبل بدون محطات نووية” من طرف 55% من السويسريين.

1990: بعد أربعة أعوام من كارثة تشيرنوبيل النووية، وافق الشعب السويسري بـ 54،5% على مبادرة تدعو إلى التوقف عن بناء أو منح تراخيص  لمحطات نووية جديدة لفترة 10 أعوام. من جهة أخرى، رفض 52،9% من الناخبين مبادرة تدعو إلى “التخلي التدريجي عن الطاقة النووية”.

2000: رفض السويسريون 3 مقترحات كانت ترمي إلى الترويج لمشاريع تعتمد على الطاقات المتجددة من خلال فرض رسوم على الطاقات الأحفورية (النفط ومشتقاته).

2003: رفض 66،8% من السويسريين مبادرة شعبية تحمل عنوان “من أجل منعرج في مجال الطاقة وإيقاف تدريجي للمحطات النووية”، كما رفض 58،4% المبادرة المؤيدة لتمديد إضافي بـ 10 سنوات للتجميد المفروض على تشييد أو منح تراخيص لمحطات نووية جديدة.

2011: في شهر فبراير، صوّت 51،2% من الناخبين في كانتون برن لفائدة بناء محطة نووية جديدة في موهليبيرغ، إلا أن الأمر تعلق بتصويت استشاري يفتقر إلى الصبغة الإلزامية.

(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية