مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كوشبان في مصر .. “إنجازات” ثقافية و”مجاملات” سياسية

اختتمت الزيارة المطولة بلقاء الرئيس السويسري نظيره المصري حسني مبارك صبيحة 14 يناير 2008 في القصر الرئاسي بالقاهرة Keystone

على الرغم من أن رحلة الرئيس السويسري باسكال كوشبان إلى مصر، التي استمرت من 8 إلى 14 يناير الجاري، قد اختتمت ظهر الاثنين بلقاء "قمة" سياسي مع الرئيس المصري حسني مبارك، إلا أن الزيارة التي استغرقت أسبوعا وجاءت في إطار جولة شملت المغرب، غلب عليها الطابع الثقافي والفني.

وكان كوشبان قد أعلن أنه جاء إلى القاهرة لتحقيق أهداف تشمل إعلان النوايا الخاصة بالتعاون بين القاهرة وبرن في مجال استعادة الثروات الثقافية والآثار، والاشتراك في الاحتفالية التي تقيمها الأوبرا بمناسبة مرور 20 عامًا علي إنشائها، وزيارة المعهد السويسري للآثار في أسوان.

وكان الرئيس كوشبان قد أعلن أنه جاء إلي القاهرة لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول هو إعلان النوايا الخاصة بالتعاون بين القاهرة وجنيف في مجال استعادة الثروات الثقافية والآثار، والثاني هو الاشتراك في الاحتفالية التي تقيمها الأوبرا بمناسبة مرور ٢٠ عامًا علي إنشائها، والثالث زيارة المعهد السويسري للآثار في أسوان وزيارة الإسكندرية لعقد لقاءات مع المسؤولين عن الآثار بها.

وقد اختتمت الزيارة، التي تعد الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس سويسري للبلدين العربيين، بلقاء حميم بين الرئيسين؛ تناول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلي رأسها جهود السلام في الشرق الأوسط، وتطورات العراق ولبنان والملف النووي الإيراني، إضافة إلي مسيرة العلاقات المصرية السويسرية وسبل دعمها في شتي المجالات.

ختام سياسي لرحلة “ثقافية”

فعلى المستوى السياسي؛ أوضح مبارك أن “الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر يأخذ مسارات متلازمة منذ الثمانينات، ليس بينها تباعد أو فجوة، وأنها تسارعت خلال السنوات الثلاث الماضية”، مؤكدًا على ان مصر اختارت “التدرج في مسارات الإصلاح جميعاً لتفادي تداعيات الانتقالات المفاجئة”.

ورفض مبارك انتقادات (أمريكية) تقول إنها لم تقم بالخطوات اللازمة لاستكمال عملية الإصلاح السياسي في البلاد. وذلك بعد يوم واحد من خطاب للرئيس الأمريكي جورج بوش ألقاه في أبو ظبي، أشار فيه إلى حدوث إصلاحات سياسية في العديد من بلدان المنطقة، غير أنه تجاهل مصر.

وبين مبارك للرئيس كوشبان إن هدف حكومته كان ولا يزال “تحرير الحياة السياسية وتحرير الاقتصاد ومراعاة الانعكاسات الاجتماعية للإصلاح الاقتصادي على غير القادرين من السكان”، مشيرا إلى أنه لا يتفق مع “التقديرات التي تقول إن هناك فجوة بين الإصلاحات الاقتصادية التي حققتها حكومته وما تحقق على صعيد الإصلاحات السياسية”.

وتابع مبارك قائلًا إن: “التدرج هو طريقنا لتحقيق هذا الهدف تفاديا لتداعيات الانتقال المفاجئ من مجتمع يأخذ بنظام الحزب الواحد للتعددية الحزبية والسياسية ومن مجتمع يأخذ بالنظام الاشتراكي لمنظومة مغايرة تأخذ بنظام السوق وتنفتح باقتصادها على العالم”، مشيرا إلى أن “لدينا في منطقتنا وخارجها أمثلة عديدة لمجتمعات تعرضت للاضطراب وزعزعة الاستقرار نتيجة لتعرضها لصدمات الانتقال المفاجئ غير المحسوب”.

وأوضح مبارك أن “هناك جملة من الإصلاحات التي نفذتها حكومته خلال السنوات الماضية”، من بينها تعديلات دستورية وقوانين مكملة للدستور قال إنها “ترسخ النظام الجمهوري وتعزز التعددية والحياة الحزبية ودور البرلمان في مراقبة ومساءلة الحكومة وتدعم دور المرأة والسلطات المحليات”، منوها إلى أن “إحدى هذه التعديلات مكنت من اختيار رئيس الجمهورية بالاقتراع الحر المباشر بين أكثر من مرشح بعد أن كان خلال نصف القرن الماضي يتم بالاستفتاء على مرشح واحد يتقدم به البرلمان”.

وتطرق حديث الرئيسين إلى قضية الطاقة ومصادرها الناضبة التي تشغل دول العالم؛ وقال مبارك إن “مصر ماضية في خططها للاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء المحطات النووية التي أصبحت خياراً حتمياً”، وأضاف “نحن لا نمتلك موارد ضخمة من البترول‏,‏ واحتياجاتنا من الطاقة في تزايد مستمر‏,‏ ولدينا خطط للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة ـ كطاقة الرياح والطاقة الشمسية- بنحو‏20%‏ من إجمالي احتياجاتنا بحلول عام‏2020,‏ لكن ذلك لن يكون كافيا‏,‏ ولذلك باتت المحطات النووية لتوليد الكهرباء خيارا ضروريا‏”.‏

تعاون اقتصادي “لا بأس به”

في سياق متصل، يأمل المصريون في مزيد من التعاون الاقتصادي مع الحكومة السويسرية، فالأرقام على أرض الواقع ما تزال أقل من نظيرتها في الملف الثقافي، إذ تبلغ حجم صادرات سويسرا لمصر يبلغ 350 مليون دولار، بينما لم تتعد حجم صادرات مصر لسويسرا 34 مليون دولار، على الرغم من أن أكثر من 134 ألف سائح سويسري يزورن مصر سنويًا.

وقد كشف مبارك لكوشبان عن أن “مصر لديها خططا طموحة لمحاصرة الفقر”، مشيرًا إلى أن “تقرير البنك الدولي الصادر مؤخرا أكد أن نسبة الفقر في مصر تراجعت من 19.4% عام 2005 إلي 15% العام الحالي” على حد قوله.

وأشار مبارك إلى أن “الاستثمارات الأجنبية في مصر زادت من ملياري دولار إلي 11 مليار دولار خلال ثلاث سنوات”، وأن مصر حققت نمواً بلغ 7% هذا العام، وأن البطالة تراجعت من 11% عام 2005 إلي 9% العام الماضي، معتبرا أنه قد “آن الأوان لأن يجني المواطنون ثمار التنمية والإصلاح والاستثمارات وفرص العمل”.

وبين مبارك لكوشبان أن مصر تولي أولوية خاصة لتحقيق العدالة في توزيع ثمار الإصلاح والتنمية من استثمارات ومشروعات وخدمات وفرص للعمل علي كل محافظات مصر‏,‏ مضيفًا “اتخذنا خلال الفترة الماضية خطوات جريئة للإصلاح الضريبي والجمركي والمصرفي أدت إلي تحسين مناخ الاستثمار في مصر‏”، معتبرا أن “الاعتصامات والإضرابات دليل على حرية الرأي والتعبير‏، ‏طالما أنها تتم في إطار احترام القانون”‏.‏

كما تناولت المباحثات العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، خاصة وأن سويسرا تربطها بمصر اتفاقات للتجارة الحرة في إطار منظمة (الافتا)، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي 265 مليون دولار.

اتفاق لاستعادة الآثار

وثقافيا؛ حققت الرحلة الأهداف المرجوة منها، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم بين مصر وسويسرا لحماية واستعادة القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير مشروعة، كما حضر الرئيس السويسري افتتاح البرنامج الفني الثقافي المصري السويسري، والذي تم إعداده خصيصا بمناسبة العيد العشرين بدار الأوبرا.

وقد استقبل الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري يوم 9 يناير الرئيس السويسري، ووقعا سويا إعلانا للنوايا يقضي بإعادة الآثار المصرية التي خرجت إلي سويسرا بطريقة غير شرعية.

وأوضح حسني أن هناك تعاونا رائعا في مجال الآثار أسفر حتى الآن عن استعادة ألف قطعة أثرية، وأن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها ستكتمل في ابريل 2008 بعد توقيع الاتفاقية النهائية في جنيف أثناء انعقاد معرض الكتاب هناك حيث تكون مصر ضيف شرف‏.‏

ووجه حسني الشكر للرئيس السويسري على مبادرة بلاده وتعاونها لتوقيع مذكرة تفاهم حول إعادة القطع الأثرية التي خرجت من مصر بطريق غير مشروع إيمانا منها بأحقية الشعوب في الاحتفاظ بدلالات حضارتها، داعيا كافة الحكومات الى انتهاج مثل هذا السلوك الحضاري لإعادة المستحقات لأهلها حتى تسود هذه القيم النبيلة عالمنا المعاصر.

وأكد حسنى أنها بداية مشجعة لتواصل أكبر وعلاقات أوثق تدعم شتى المجالات بين مصر وسويسرا، وفى مقدمتها العمل الثقافي الذي يعد حجر الأساس في بناء الحضارة، وترسيخ قيم التواصل والتفاهم بين الشعوب، كما يوفر المناخ الملائم الداعم والواعي للقيادات السياسية نحو اتخاذ قراراتها البناءة في خدمة أهداف شعوبها، ومن ثم خدمة الإنسان في شتى أنحاء العالم.

العيد العشرون لدار الأوبرا

كما رحب حسني بحضور الرئيس السويسري، يوم الأحد 13 يناير، افتتاح البرنامج الفني الثقافي المصري السويسري، والذي تم إعداده خصيصا بمناسبة العيد العشرين بدار الأوبرا.

وقال حسني: إن “مصر تدرك ما لسويسرا من إسهام مؤثر في الحضارة الإنسانية المعاصرة، وأن لها دور سياسي بارز قوامه الحياد الذي يقوم على رؤية واعية بأهمية نبذ التعصب والصراعات، والاهتمام برقى الإنسان، وزيادة الوئام في العلم”.

وأضاف حسني: “ليس غريبا على سويسرا أن تحتضن العديد من الفعاليات والمؤتمرات التي تخدم هذه الرؤية وتؤكدها، وتسهم بذلك في سلام العالم وأمنه، وأن يكون اهتمامها بالثقافة وتهيئة الأرضية والمناخ الإبداعي في مجالات المعرفة المختلفة هو هدفها النبيل في محيطها الإقليمي وخطابها السياسي الموجه للعالم”.

وبهذه المناسبة، ألقى الرئيس السويسري كلمة أشاد فيها بالعلاقات المصرية- السويسرية التي وصفها بأنها علاقات تاريخية على مدى السنوات الماضية على كافة المستويات والأصعدة، موضحا أن برنامج “حكايات سويسرية” يساهم في دعم أواصر الصداقة والعلاقات بين مصر وسويسرا خاصة العلاقات الثقافية.

وقال كوشبان إن “مصر دولة فنون وتاريخ من الطراز الأول، حيث تفتح أبوابها على العالم نظرا لتميز موقعها العربي والإفريقي”، معربا عن سعادته بافتتاح برنامج “حكايات سويسرية” بدار الأوبرا، مؤكدا أنه برنامج فريد من نوعه ويقدم فرقا متميزة في الرقص والعزف والباليه.

وعقب إلقاء الكلمات، شهد الحاضرون الحفل الموسيقى “حكايات سويسرية” الذي يقوم على فكرة رائدة تعكس انسجام وتوافق العازفين، وتضم عروضا لأشهر الفرق السويسرية التي قدمت مجموعة رائعة من الأعمال الموسيقية كانت زاخرة بالعناصر الفنية الفريدة التي خاطبت الحس السمعي والمرئي للجمهور.

وقد تضمن برنامج “حكايات سويسرية” عروضا لأشهر الفرق السويسرية مثل “مونشاتي” و”باليه زيورخ” و”ديفت” بالإضافة إلى مجموعة من الحفلات الموسيقية بقيادة الفنان السويسري أدرياس شبورى والعروض الموسيقية لفريقي “جلاتيا كوارتيت” و”بيانو سفن” التي تقدم سويسرا من خلالها مجموعة رائعة من الأعمال الموسيقية والمسرحية للجمهور المصري في القاهرة والإسكندرية.

ويعتبر برنامج “حكايات سويسرية” مشروعا لدعم التبادل الفني والثقافي بين مصر وسويسرا بهدف تدعيم الشراكة بين المؤسسات المختلفة من البلدين، ويعد أهم شركاء برنامج “حكايات سويسرية” وزارة الثقافة المصرية ودار الأوبرا المصرية وسفارة سويسرا بالقاهرة والمؤسسة الثقافية السويسرية “بروهلفتسيا” وجمعية الأعمال السويسرية-المصرية “سيبا”, وتقام الحفلات الفنية والموسيقية بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة وكذلك بمسرح سيد درويش والنادي السويسري بالإسكندرية.

وجدير بالذكر أيضا أن كان سبعة عازفين للبيانو قد قدموا حفلا بدار الأوبرا المصرية منذ عشرين عاما ولقي نجاحا باهرا وكان بمثابة حدث فني متميز في تاريخ دار الأوبرا.

تطوير ‏102‏ مستشفي

وفي إطار الدعم السويسري للمشروعات الصحية بمصر؛ افتتح الرئيس السويسري يرافقه وزيرا الصحة‏ والتعاون الدولي‏ المرحلة الثانية من مشروع تطوير أقسام الأشعة في ‏102 ‏مستشفي بعدد من المحافظات المصرية.

وفيما أشاد كوشبان بـ “سياسة الإصلاح الصحي التي تنتهجها مصر” وبـ “الطفرة التي حققتها في الخدمات الصحية”‏، أوضح الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة، أن المشروع يهدف إلى “تقديم خدمة صحية متطورة للمرضى”‏.

وكانت سويسرا قد ساهمت (مع شركاء آخرين) في تمويل مشروع تحديث أجهزة الكشف بالراديو عن المرضى، وخصصت له مبلغ 11.5 مليون فرنك لمرحلته الأولى التي انتهت في موفى عام 2004. أما المرحلة الثانية، فتشمل إقامة ثمانية مراكز إقليمية إضافية، وتعزيز التكوين والتوعية في مجال التبرع بالدم وتبلغ قيمة استثمار سويسرا فيه حوالي 57 مليون فرنك.

وتشارك سويسرا في إنجاز المشروع إلى جانب وزارة الصحة المصرية من خلال جمعية الصليب الأحمر السويسرية، التي أوفدت بعض خبرائها لتقديم المساعدة التقنية الخاصة بإدارة بنك للدم. ويسهر على تمثيل الكنفدرالية في هذا المشروع كل من المعهد السويسري لأمراض المناطق الحارة، والمركز السويسري للصحة العالمية.

القاهرة – همام سرحان

يبلغ تعداد سكان مصر أكثر من 74 مليون ساكن، وكانت الجالية السويسرية فيها تتشكل عام 2006 من 1300 شخص مقابل 1870 مصري يعيشون في سويسرا.
في عام 2006، بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى مصر 418،8 مليون فرنك.
في المقابل، لم تتجاوز قيمة الواردات السويسرية من مصر في العام نفسه 34 مليون فرنك.
في السنوات العشر الماضية، ألقى هجوم الأقصر بظلاله على العلاقات بين البلدين، بعد أن لقي 36 سائح سويسري مصرعهم في نوفمبر 1997 في الموقع الأثري القديم.
في مارس 2000، أنهى الادعاء العام الفدرالي الإجراءات القضائية المتعلقة بالهجوم، دون أن توضح مصر ما حدثن كما لم تتم تلبية الرغبات، التي عبرت عنها السلطات السويسرية بتقديم مصر تعويضات لأقارب ضحايا الهجوم.
وقبل اللقاء مع الرئيس المصري، أكد المتحدث باسم السيد باسكال كوشبان، أن هجوم الأقصر، ليس مُـدرجا على جدول المحادثات التي دارت بين الرجلين يوم الإثنين 14 يناير.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية