مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيف يُمكن لسويسرا تفكيك شيفرة قضية أجهزة “كريبتو”؟

جهاز تشفير رسائل من صنع شركة كريبتو السويسرية
أفادت تقارير استقصائية أن أجهزة التشفير المصنوعة من طرف شركة Crypto AG السويسرية التي بيعت في جميع أنحاء العالم قد تم التلاعب بها لتمكين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومخابرات وألمانيا الغربية من التجسس عليها. Keystone / Rama/lizenz Cc-by-sa-2.0-fr

أحدث الكشف عن تورط شركة سويسرية في عملية تجسّس واسعة النطاق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية رجّة شديدة في سويسرا. ومن أجل تسليط الضوء على تداعيات فضيحة شركة "كريبتو"، فقد تشكل الكنفدرالية لجنة تحقيق برلمانية، الأمر الذي لم يحدث إلّا أربع مرات في تاريخ سويسرا الحديث.

منذ يوم الثلاثاء 11 فبراير الجاري، أعلنت الحكومة الفدرالية عن فتح تحقيق إثر كشف قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطقة بالألمانية SRF وقناة التلفزيون الألماني ZDF وصحيفة واشنطن بوست أن شركة “كريبتو” ومقرها سويسرا، كانت متورطة في عملية تجسّس دولية ضخمة. وفي يوم الخميس 13 فبراير، أعلنت مفوضية لجان التصرف بالبرلمان الفدرالي (وهي لجنة برلمانية دائمة معنية بمراقبة أداء لحكومة) أنها بدأت أيضًا تحقيقًا لتحديد مدى معرفة الحكومة في تلك الفترة بعملية التجسّس. لكن الأحزاب اليسارية مقتنعة بأن هناك حاجة إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك وإنشاء لجنة تحقيق برلمانية، وهي اداة  لا يتم اللجوء إلى استخدامها في سويسرا إلا في حالات استثنائية، كان آخرها منذ 25 عامًا.

ما المقصود بلجنة تحقيق برلمانية؟

وفقًا للقانونرابط خارجي السويسري، تستطيع غرفتا البرلمان اتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية مشتركة “في حالة وقوع أحداث بعيدة المدى من الضروري تسليط الضوء عليها”.

تكون لجنة التحقيق البرلمانية مسؤولة عن إثبات الوقائع، وهي تتألف من عدد متساوٍ من أعضاء مجلس النواب (الغرفة السفلى) ومجلس الشيوخ (الغرفة العليا)، ويتم تعينهم من طرف مكتبي الغرفتين البرلمانيتين، مع مراعاة القوة العددية للكتل البرلمانية، كما تكون للجنة أمانتها الخاصة أيضا، وتلتزم الهياكل الإدارية للبرلمان بتوفير الموظفين اللازمين للقيام بعملها.

كما يكون للحكومة الفدرالية ممثل واحد في هذه اللجنة، ويحق له حضور جلسات استماع الشهود والأشخاص الآخرين المدعُوّين لتقديم معلومات وطرح أسئلة إضافية عليهم.

ما هي طريقة عمل لجنة تحقيق برلمانية؟

تتمتع لجنة التحقيق البرلمانية بنفس الحق في الوصول إلى المعلومات الممنوح لمفوضيات لجان التصرف المسؤولة عن فحص السير السليم للشؤون العامة من طرف الحكومة الفدرالية. ويُمكنها على وجه الخصوص الاستماع إلى شهود، والاطلاع على محاضر جلسات، أو القيام – حسب الحالة – بإسناد مهمة أخذ الأدلة إلى مُكلّف بالتحقيق.

ما لم يتم نشر تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، يخضع جميع الأشخاص الذين شاركوا في الجلسات أو في حصص الاستماع لوجوب الالتزام بالحفاظ على السرية. كما أن السلطات الفدرالية والمحلية في الكانتونات مُطالبة بتزويدها بالمساعدة القانونية أو الإدارية التي تحتاجها.

كم مرة لجأت سويسرا إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية؟

حتى الآن، لم يتم تشكيل سوى أربع لجان تحقيق برلمانية في تاريخ الكنفدرالية.

فضيحة طائرات “الميراج”

تم إنشاء أول لجنة من هذا القبيل في عام 1964 للنظر فيما ما عُرف بفضيحة طائرات الميراجرابط خارجي، وكُلفت بالتحقيق في قضية الإنفاق الهائل (576 مليون فرنك سويسري) لشراء مائة طائرة مقاتلة فرنسية الصنع، واتهم تقرير اللجنة وزارة الدفاع بتضليل الحكومة والبرلمان والرأي العام. وإثر ذلك، قام البرلمان – بناء على تقرير اللجنة – بتقليص عدد المقاتلات الحربية المُشتراة من مائة إلى سبعين وخمسين.

قضية “الملفات السرية”

في عام 1989، كُلفت لجنة تحقيق برلمانية بإجراء تحقيق في استقالة الوزيرة إليزابيت كوب، أول امرأة تلتحق بالحكومة الفدرالية وأشرفت على تسيير وزارة العدل والشرطة. وقد كشفت عن وجود 900000 ملف سري تم تكوينها بشكل غير قانوني، كانت تقوم بتتبع وتوثيق معظم الأنشطة اليومية لسويسريين وأجانب، معظمهم من اليساريين. وكان الغرض الرسمي من هذه الملفات حماية سويسرا من أي أنشطة تخريبية شيوعية في سياق الحرب الباردة. وقد أثار اكتشاف فضيحة الملفات السرية احتجاجات واسعة النطاق في ذلك الوقت.

الجيش السري

أدت فضيحة الملفات السرية إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية ثالثة وكلفت بالتحقيق في كيفية عمل وأداء أجهزة الاستخبارات الفدرالية المسؤولة عن الاستخبارات والأمن. وفي عام 1990، كشفت اللجنة عن وجود وكالة استخبارات سرية تحت مسمى “P-27″، منفصلة عن الإدارة ومكلفة بجمع معلومات استخباراتية في الخارج بكل الوسائل، وعن نشاط مجموعة سرية شبه عسكرية خلال حقبة الحرب الباردة تحت مسمى “P-26“، لا تستند إلى أي أسس قانونية ولا تخضع لأي رقابة سياسية.

صندوق المعاشات التقاعدية

تم إطلاق آخر لجنة تحقيق برلمانية في عام 1995 بعد تسجيل عدد من الاخلالات في عمل الصندوق الفدرالي للمعاشات التقاعدية. وفي نهاية المطاف، حمّلت اللجنة المسؤولية الرئيسية عن سوء إدارتها إلى الوزير السابق أوتّو شتيخ.رابط خارجي

تم اقتراح لجان تحقيق أخرى في أوقات مختلفة، ولكن البرلمان الفدرالي رفض إنشاءها. ومن أبرز الأمثلة ما حصل للدعوات المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق في القرار الذي اتخذ يوم 2 أكتوبر 2001 بوقف طائرات أسطول شركة الخطوط الجوية السويسرية “سويس اير” عن  التحليق.

ثم ماذا بعدُ؟ 

خلال دورته الربيعية في شهر مارس المقبل، قد يُعلن البرلمان الفدرالي عن موقفه من صوابية إطلاق لجنة تحقيق برلمانية بخصوص “عملية روبيكون” أو فضيحة شركة كريبتو. 

وفي تصريحات أدلت بها إلى برنامج “إنفراروج”رابط خارجي Infrarouge الحواري الذي تبثه القناة العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS، قالت سيمونيتا سوماروغا، رئيسة الكنفدرالية، منذ الآن أنه إذا قررت غرفتا البرلمان تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، فإنه “بالتأكيد، ستدعمها الحكومة الفدرالية، كما  هو الحال دائمًا”.

(نقله إلى العربية وعالجه: ثائر السعدي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية