مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كيف يُمكن للسويسريين قلب مسار التراجع في حملة التطعيم؟

قافلة تلقيح متنقلة في ساحة عامة
افتتح عدد قليل من الكانتونات السويسرية مراكز تطعيم متنقلة في الأسابيع الأخيرة على أمل الوصول إلى المزيد من المواطنين من خلال توفير اللقاحات لهم على مقربة من أماكن إقامتهم. (الصورة التقطت يوم 7 يوليو 2021 في مدينة إيفردون-لاي-بان بكانتون فُو). Keystone / Cyril Zingaro

تبذل سويسرا، مثل العديد من البلدان، كل ما بوسعها من أجل الحفاظ على الزخم في تطعيم سكانها. ومع ذلك، يتردد مسؤولو الصحة في اتخاذ المزيد من الإجراءات القسرية لإقناع المترددين بضرورة أخذ وخزة اللقاح.

كان أواخر شهر يونيو بمثابة فرصة مناسبة للسويسريين للتمتّع بالعطلة الصيفية والاسترخاء؛ فمع تحسن الطقس والسماح بالتجمعات الكبيرة مرة أخرى، ازدحمت الحانات بالعديد من الأشخاص الذين خرجوا لمشاهدة مباريات كرة القدم في بطولة أوروبا، فيما حزم آخرون حقائبهم بغية السفر لقضاء الإجازات التي طال انتظارها.

وتقرّ فيرجيني ماسيري، رئيسة مكافحة العدوى في المكتب الفدرالي للصحة العامة، بأن التطعيم، ربما لم يكن شغل الناس الشاغل في تلك الفترة.

وتضيف: “ربما اعتقد الكثيرون أنه أصبح بوسعهم الاستمتاع بالحياة ولا شيء سوى ذلك- وأنهم بأمان الآن بعد أن أصبحت الأعداد المسجلة للمصابين بالفيروس منخفضة”.

بحلول أوائل يوليو، انخفضت أعداد المتلقين للقاح كوفيد- 19 من 90.000 شخص يومياً إلى 60.000. حتى كتابة هذه السطور، تم تطعيم حوالي 50% من السكان ممّن تلقّوا جرعتيْ اللقاح أي بشكل كامل. في غضون ذلك، وبعد انخفاض كبير، عادت حالات الإصابة للتسلل من جديد في صفوف السكان، حيث وصلت الأعداد اليومية إلى 700 حالة بحلول 20 يوليو الجاري. ويشكّل متحوّر دلتا الأكثر عدوى والأسرع انتشارا نسبة متزايدة من هذه الحالات.

فيرجيني ماسيري
أصبحت فيرجيني ماسيري (الصورة) التي تنسق حملة التطعيم الوطنية، وجهاً مألوفاً لدى السويسريين حيث تظهر في المؤتمرات الصحفية الأسبوعية التي يعقدها المكتب الفدرالي للإحصاء. Keystone / Peter Schneider

هذا التحول في الأحداث، لم يفاجئ ماسيري.

تقول مسؤولة الصحة، التي تظهر بانتظام في المؤتمرات الصحفية الحكومية حول الوباء: “لقد لاحظنا في بلدان أخرى أيضاً أنه عندما تصل نسبة تغطية التلقيح لدى السكان إلى حوالي 50%، يبدأ بعض التباطؤ في الإقدام على أخذ اللقاح.. لكنه مجرد تباطؤ”، على حد قولها.

تعزيز حملات التطعيم بدون لوائح التسجيل

مع توقع منظمة الصحة العالمية أن متحوّر دلتا سيصبح في وقت قريب السلالة المهيمنة للفيروس، تعمل العديد من الحكومات على تكثيف حملات التطعيم. فإسرائيل، وهي إحدى الدول الأولى التي بدأت في تطعيم مواطنيها، شهدت زيادة حادة في أعداد الحالات الجديدة في يونيو الماضي، وهي تستهدف في حملاتها اليوم تلقيح المراهقين. أما في أوروبا، ووفقاً لتقارير وكالة رويترز، فيتم إعطاء المزيد من الجرعات خلال حملات التلقيح المتجددة في هولندا والنرويج وإسبانيا.

وعلى الرغم من أن دراسة استقصائية حديثة أظهرت أن 25% من السكان في سويسرا لا يقومون بالإجراءات اللازمة للحصول على لقاح كوفيد، إلا أن ماسيري متفائلة بأنهم في الحقيقة يعتزمون أخذه.

وتقول: “يمكنك النظر إلى الأمر بطريقة أخرى – يمكن إقناع 75% من المواطنين بأخذ اللقاح “، مضيفة أنه إذا تم تحقيق ذلك، فسوف تمثل هذه النسبة تغطية للتلقيح “جيدة جداً” بوجه عام. وهناك حوالي 80% من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عاماً فأكثر تم تلقيحهم بشكل كامل. وتقول ماسيري إنه من بين المجموعات الشابة، هناك أدلة غير مؤكدة بإمكانية إقناعهم بالحصول على جرعات التلقيح، وخاصة من قبل أقرانهم.

إن الهدف من التلقيح ليس الوصول إلى مناعة جماعية – “نحن نعيش في عالم متصل، لذلك من المستحيل أن يكون لدينا هدف القضاء كليّاً على الفيروس”، كما تقول – ولكن جهودنا منصبة من أجل الحد من تزايد أعداد الوفيات وإقامة المصابين في المستشفيات قدر الإمكان.

ولتحقيق هذا الهدف، لا توجد مؤشرات على أن المسؤولين السويسريين يخططون لتقديم حوافز إيجابية – مثل منح بطاقات يانصيب كتلك التي يتم توزيعها في الولايات المتحدة، أو أنهم سيتخذون إجراءات قسرية على غرار الفرنسيين، الذين أعلنوا مؤخراً عن إلزامية التطعيم للأشخاص العاملين في أماكن الرعاية الصحية.

وتتساءل ماسيري: “لماذا [استهداف] العاملين في مجال الرعاية الصحية؟ من المهم أن يتم تلقيح الجميع دون استثناء”.

وتنصح اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية بعدم اعتماد الإجبار في التطعيم، حيث أخبر رئيسها قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية SRF أنه “لن يكون الإجراء المناسب والصائب الذي يتوجّب القيام به”، نظراً لوجود بدائل، مثل الاختبارات المنتظمة للعاملين الصحيين، المعمول بها من أجل حماية المرضى من العدوى.

ووفقاً لماسيري، تلجأ بعض المستشفيات لطرق فعالة تهدف إلى التشجيع على أخذ اللقاح، كدعوة خبراء موثوق بهم للإجابة على أسئلة الموظفين، على سبيل المثال.

ويركز المكتب الفدرالي للصحة العامة نفسه على مشاركة المعلومات الواقعية خلال حملته الإعلانية وهو ملتزم بهذه الإستراتيجية.

وتقول ماسيري: “بحسب ما يتم تداوله في هذا الشأن، يتبادر إلى أسماعِنا أن هذه هي أفضل طريقة لإقناع المتردّدين في أخذ اللقاح”. ويقوم مكتبها بتوزيع نشرات تتضمن معلومات، وملصقات ومقاطع فيديو على الكانتونات والهيئات الصحية المسؤولة عن تلقيح السكان، تؤكد محتوياتها على أهمية وفوائد اللقاح.

وتستهدف حملات المكتب الفدرالي للصحة العامة أيضاً مجموعات محددة، بما في ذلك الشابات على وسائل التواصل الاجتماعي اللواتي قد ينتابهن القلق من آثار اللقاح على الخصوبة. كما يقوم المكتب أيضاً بإعداد رسائل لتذكير الأشخاص العائدين من العطلة الصيفية بأهمية أخذ اللقاح.

المزيد

الأرشيف

ما هي الطريقة الأفضل لإقناع المترددين بالحصول على لقاح كوفيد؟

هل ترى أن تقديم مُحفزات إيجابية كالهدايا وسيلة ناجعة؟ أم أنه يجب اتخاذ إجراءات أكثر إلزاما كما هو الحال في فرنسا؟

172 تعليق
عرض المناقشة

أقرب إلى السكان

 إحدى الطرق التي اعتمدها الفرنسيون والتي لم يستبعد السويسريون اللجوء إليها بعد، هي جعل الشهادة التي تثبت الحصول على لقاح كوفيد معتمدة على نطاق أوسع في الأماكن العامة. في سويسرا، يتحتّم حاليا إبراز الشهادة التي تُثبت أن الشخص قد تم تلقيحه بالكامل، أو التقرير الذي يثبت نتيجة اختبار كوفيد سلبية عند الدخول إلى نوادي الرقص أو لدى المشاركة في التجمّعات التي تضم أكثر من عشرة آلاف شخص.

وتقول ماسيري: “إذا نظرنا في [توسيع هذا]، فسيكون ذلك للحد من انتشار الفيروس”لا لتحسين تغطية اللقاح”. بالطبع، سيكون لذلك تأثير ثانوي في تشجيع المزيد على الإقبال على أخذ اللقاحات”.

وكانت فرنسا قد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في تنظيم مواعيد اللقاحات – حيث تم تسجيل أكثر من مليون شخص لتلقي اللقاح في غضون أربع وعشرين ساعة – بعد الإعلان عن إجراء لقاحات إلزامية للعاملين في مجال الصحة وكذلك الحاجة إلى الحصول على “بطاقة كوفيد” التي تسمح بالدخول إلى المقاهي والمطاعم.

في الأثناء، تقوم بعض الكانتونات السويسرية بتجربة استراتيجيات جديدة أخرى. وفي هذا الصدد، افتتحت كانتونات أورغاو وشفيتس وفو مراكز تلقيح متنقلة في الأسابيع الأخيرة. وأفادت قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS) أن إحدى الصيدليات في جنيف، التي شرعت في تقديم خدمات ميدانية لأخذ اللقاح في أوائل يوليو، شهدت اصطفاف الناس لمدة تصل إلى ساعتين في بعض الأحيان.

إن أهمية أن تكون على مقربة من السكان لا تقتصر حصراً على توفير اللقاح في مراكز قريبة من أماكن سكنهم؛ فوفقاً لماسيري، يتعلق الأمر أيضاً بتفعيل دور أعضاء المجتمع المدني، الموثوق بهم، في التوعية والذين لديهم اتصال مباشر مع السكان.

وتشير إلى أن “الأطباء أخبرونا بأن المحادثات التي تهدف إلى إقناع مرضاهم المتردّدين [بضرورة أخذ اللقاح] تستغرق إجمالاً خمس دقائق”.  

تغطية تلقيح غير متكافئة

غير أن كون كل كانتون من الكانتونات مسؤول بشكل منفرد عن التلقيح – وفقا للنظام الفدرالي المعمول به في سويسرا –  أدى إلى تفاوت في التغطية في جميع أنحاء البلد.

وتقول ماسيري: “تختلف معطيات كل كانتون عن الكانتونات الأخرى، لذا فمن المنطقي أن يخطّط كل كانتون على حدة لاستجابات وإجراءات مناسبة لسكانه وبيئتهم”. وتتمثل مهمة مكتبها في تشجيع مسؤولي الكانتونات على دراسة البيانات على المستوى المحلي و “معرفة أماكن وجود بؤر من الأشخاص غير المحصنين ضد الجائحة، من الممكن استهدافها عبر حملات التلقيح”.

ولكن ماسيري لا تعتقد بأن تطور انتشار متحوّر “دلتا” بالنسبة للطفرات السابقة، سيؤدي إلى تسجيل زيادة كبيرة في أعداد الخاضعين لمراقبة حالتهم الصحية في المستشفيات كما يحذّر  فريق العمل العلمي الوطني بشأن كوفيد، في إشارة منها إلى الوضع الراهن في المملكة المتحدة لدعم وجهة نظرها.

“هل يتم إدخال المُصابين غير الملقّحين حصراً إلى المستشفيات؟ هل هناك حالات فشل في اللقاح؟ ” تتساءل ماسيري مشيرة إلى أن العديد من المواطنين في المملكة المتحدة تلقوا لقاح آسترا زينيكا، الذي لم تتم الموافقة على اعتماده في الكنفدرالية.

“ليست لدينا معلومات كافية حول الأسباب الكامنة وراء هذه الزيادة في الحالات عندنا مؤخّراً وما إذا كان بإمكاننا الاستفادة من هذه التجربة [ أي تجربة المملكة المتحدة] في سويسرا.”

وبالنسبة لماسيري الخبيرة الصحية في مجال الأمراض المُعدية، يمكن أن يكون لارتفاع عدد الحالات اليوم وانتشار متحور دلتا في البلاد جانباً إيجابيّاً – وهو حث الأشخاص المتردّدين حتى الآن على تلقي اللقاح أخيراً.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية