مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لبنانيو سويسرا: التفكير في ما بعد الصدمة

Keystone

بدأت الجالية اللبنانية في سويسرا تفيق تدريجيا من هول صدمة الحرب والدمار المنتشر في بلادها، لتنسق صفوفها وترتب قواها للتفكير في مساعدة المنكوبين.

فإلى جانب حساب مصرفي فتحته سفارة بيروت في برن لتلقي المساعدات المالية لمنكوبي الحرب، اتخذ المركز الثقافي اللبناني في برن خطوة مشابهة، لتتلاقى المساعي من أجل تخفيف معاناة الضحايا.

ما أصعب أن تشاهد تشرد أهلك ودمار بيتك وفقدان ذويك بين قتيل وجريح، وأنت بعيد عنهم آلاف الكيلومترات، لا تستطيع أن تفعل شيئا سوى أن تتجرع مرارة الألم وتحاول أن تتغلب على مشاعر الخوف والهلع واليأس.

هذا هو حال الجالية اللبنانية في سويسرا، وهي تتابع في ذهول ما يحدث في بلاد الأرز عبر وسائل الإعلام وحكايات العائدين إلى سويسرا بعد أيام من الخوف والذعر.

يقول بلال القصاب، من موظفي اتحاد البريد الدولي في برن في حديثه مع سويس انفو، بأنه كمواطن لبناني مقيم في سويسرا، يشعر بالصدمة والذهول من هول ما تمر به بلاده، لأن ما يحدث هناك وقع على رؤوس أبنائه كالكارثة، فلم يتوقع أحد أن يتراجع الوضع في لبنان بهذا الشكل وتلك الوتيرة، فأعادت للجميع ذكريات الحرب المؤلمة، بل هي أسوأ أيضا من تلك الأيام، حسب قوله.

ويضيف القصاب: “جميع اللبنانيين يشعرون بأنه كابوس حقيقي يعايشونه في الواقع مع الأسف، لكن هذا الذعر والخوف، ليس له أن يسيطر على المشاعر والنفوس، إذ بدأ اللبنانيون في سويسرا يفكرون جديا في الخطوة التالية، وهي كيف يمكن أن نساعد ذوينا في تلك المحنة القاسية”.

في الوقت نفسه، يتفق محمد حطيط من المركز الثقافي اللبناني في برن، مع أفكار القصاب، في أن اللبنانيين في سويسرا بدأوا الآن يستشعرون حجم المأساة وهول المعاناة التي تمر بها بلادهم.

ويقول حطيط في حديثه مع سويس انفو “إن هذه الأزمة كانت المظلة الوطنية التي شملت تحتها كل اللبنانيين في سويسرا، فهم من ناحية يتناقلون الأخبار والأنباء حول ما يحدث هناك، ومن ناحية أخرى يتدارسون فيما بينهم سبل تقديم المساعدة وتنسيق الجهود”.

جمع المعونات استعدادا لما بعد الحصار

الحصار البحري والجوي المفروض على لبنان هو العقبة الرئيسية أمام عدم التحرك العملي لتلك الأفكار، إذ يرى بلال القصاب بأن الرغبة العارمة في مساعدة المنكوبين تقابلها الآن صعوبات جمة، “فالخطوط الهاتفية مقطوعة والحصار يحكم قبضته على البلاد بحرا وجوا، فكيف يمكن إرسال المال أو الأدوية أو الألبسة إلى المتضررين أو إلى الأهل والأقارب في لبنان الآن”؟

في المقابل، يعتقد محمد حطيط من المركز الثقافي اللبناني في برن أن التعاون مع المؤسسات السويسرية الخيرية ذات الخبرة في هذه المجالات أمر جيد، مثل الصليب الأحمر السويسري أو جمعية كاريتاس. وسينشر المركز مساء الثلاثاء 25 يوليو قائمة بالمؤسسات الخيرية السويسرية في كبيرات المدن السويسرية، التي يمكن التعاون معها لنقل المساعدات العينية إلى المتضررين.

لكن الجميع يؤكد على أن هذا الحصار لا يجب أن يكون عائقا أمام البدء في جمع التبرعات والمساعدات على اختلاف أنواعها، بل على العكس يتفقون على أن تتوحد جهود اللبنانيين في الكنفدرالية، سواء فرادى أو جماعات للتعاون في التنسيق فيما بينها أولا، ثم مع الجمعيات السويسرية ذات الخبرة في هذا المجال كي تتولى عملية نقل تلك المساعدات إلى بلاد الأرز حينما تسمح الظروف.

فعلى صعيده الشخصي، بدأ القصاب في تجهيز صندوق يجمع فيه التبرعات من زملائه في العمل، وهناك من يقوم بجمع الأدوية والمال والملابس والكتب وكل ما يصلح لسد ثغرة في تلك الأزمة الطاحنة. كما بدأ اغلب اللبنانيين ينهجون نفس الأسلوب، ينسقون فيما بينهم ويتعاونون على دعم الأهل في لبنان لمواجهة تلك المحنة.

إشادة بالموقف السويسري

ويجمع اللبنانيون في سويسرا على أن موقف الحكومة الفدرالية من الأزمة اللبنانية، كان مشرفا للغاية ومتعاطفا مع الحق اللبناني، وقال القصاب “إن هذا التعاطف والموقف الرسمي الداعم للبنان، يجعلني فخورا بالعيش في تلك البلاد، وتستحق وزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي التصفيق والتحية والاحترام”.

ويقول محمد حطيط، بأن هذا الموقف السويسري جدير بالتحية، لأنه أكثر من ممتاز لوقوفه على جانب الحق، وأكد على أنه لابد من الإشارة إلى أن هذا الموقف سبق الكثير من الدول الأوروبية، ويأمل حطيط أن تعمل سويسرا على ترجمة هذا الموقف بشكل عملي على الأرض من خلال العمل الدبلوماسي واستنادا إلى القانون الإنساني الدولي الذي ترعاه سويسرا، كي لا يكون كلاما نظريا فقط للإستهلاك السياسي.

سويسريون يغادرون وآخرون تحت الحصار

وتتزامن تلك التحركات مع وصول 3 طائرات حتى صباح الاثنين 24 يوليو الجاري، نقلت 333 من السويسريين الفارين من جحيم العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، وهي أكبر عملية إجلاء جوي تقوم بها سويسرا منذ 10 سنوات.

وقد عملت السلطات السويسرية منذ اندلاع الأزمة على إجلاء كافة الرعايا السويسريين واللبنانيين المقيمين في سويسرا، الذين تصادف وجودهم هناك لقضاء العطلة الصيفية، فنجحت أولا في إخلاء مجموعة عن طريق البر، بنقلهم بالحافلات إلى سوريا، ومنها إلى سويسرا جوا، ولكن بعد تكدس الحافلات على الطرق البرية الضيقة المؤدية إلى سوريا وخطورة التعرض للقصف الإسرائيلي، تحولت جهود الترحيل إلى استخدام البحر وصولا إلى ميناء لارناكا القبرصي، ومنه جوا إلى زيورخ.

وتقول وزارة الخارجية السويسرية بأن هناك قرابة 45 من رعايا الكنفدرالية محاصرون في الجنوب اللبناني، وتواصل برن جهودها للوصول إليهم ومساعدتهم على الرحيل.

كما توجه يوم 24 يوليو طوني فريش، رئيس وحدة المساعدات السويسرية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، ليلحق بفريق خبراء الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون DEZA الذي وصل إلى هناك قبل يوم واحد، لتقييم الأوضاع والوقوف على حجم المساعدات التي يمكن أن تقدمها الكنفدرالية للبلد المنكوب.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

بدأ اللبنانيون في سويسرا في ترتيب حملات لجمع التبرعات والمساعدات العينية لصالح ضحايا الحرب، في انتظار سماح القوات الإسرائيلية بعبور آمن للمساعدات الإنسانية.

ينظم المركز الثقافي اللبناني في برن حلقة الإتصال بين اللبنانيين الراغبين في العمل التطوعي، والمؤسسات السويسرية ذات الخبرة في هذا المجال، مثل الصليب الأحمر السويسري أو كاريتاس.

يثمن اللبنانيون في سويسرا موقف الحكومة الفدرالية من القصف الإسرائيلي على بلادهم، ويطالب بعضهم بترجمة هذا الموقف إلى خطوات عملية تساهم في وقف إطلاق النار.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية