مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لبنان بين الأحـلام والكـوابـيـس

متظاهرون من المعارضة يلوحون بالأعلام اللبنانية احتفاء بسقوط حكومة عمر كرامي (المؤيدة لسوريا) وسط العاصمة بيروت يوم 1 مارس 2005 Keystone

هل كان سقوط عمر كرامي، رئيس الحكومة اللبنانية، متوقعاً؟ كل المؤشرات تدلّ على أنه كان ينوي الاستقالة فور حصوله على ثقة هزيلة في البرلمان.

لكن، هل كان السقوط المدوّي لحكومته، متوقعاً أيضاً؟

كلا. فكل الإجراءات كانت قد اتُّـخذت لجعل اليد العليا لـ “الاستقالة المشّرفة”: من التدابير الأمنية الشاملة لحظر التظاهرات، إلى التهديد بإلغاء المناقشة النيابية العامة في حال تخطّـى النواب المعارضون حدودهم في الحملة عليه.

لقد دخلت “قوة الشعب” على الخط، ففاجأت الجميع، وخلطت الأوراق، وأطلقت ديناميات سياسية جديدة لم ينتظرها الحكم اللبناني وراعيه السوري.

تحوّل لبنان بالأمس سريعاً إلى أوكرانيا في كل شيء تقريباً:

– في المكان، حيث باتت ساحة الشهداء، التي تتضمّـن أيضا ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري، الذي أطلق إغتياله “انتفاضة الاستقلال”، تُـشبه إلى حدّ بعيد ساحة “كييف” عاصمة أوكرانيا، حيث عسكرت “قوة الشعب” في خيام حمراء وصفراء وبيضاء إنطلقت منها الغارات السلمية على السلطة.

– في السياسة، حين أبدت المعارضة قُـدرات تنظيمية جيدة ونجحت في توحيد الشباب وراء عَـلَـم واحد، وشعارات واحدة (برغم بعض الهُـتافات العنصرية ضد السوريين)، وقيادة واحدة.

– وفي النتائج، حيث أثمرت الثورة الشعبية السّـلمية عن أول انتصاراتها، وهي استقالة الحكومة.

– وأخيرأ، في العلاقات العسكرية – المدنية، حيث كاد الجيش اللبناني، الذي أمر بمنع التظاهرات، ينضم إلى المتظاهرين.

إحكام الطوق

إلى أين الآن؟ ببساطة، إلى استكمال إحكام الطوق على المؤسسات اللبنانية الموالية لسوريا، بدءاً بحكومة كرامي التي سقطت الآن، مروراً بقادة الأجهزة الأمنية الاربعة (المخابرات العسكرية، أمن الدولة، الأمن العام، الحرس الأمني الجمهوري)، وانتهاءً بمؤسستي، البرلمان والرئاسة.

هذه الأهداف الأربعة يُـمكن أن تتحقّـق فور إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، خاصة إذا ما تمكّـنت المعارضة من الاحتفاظ بوحدتها، واخترقت بعض صفوف الموالين في الطائفة الشيعية، وهذا أمر غير مستبعد.

فالعديد من القوى الشيعية اللبنانية، بما في ذلك حتى حليف دمشق الأبرز نبيه بري، رئيس حركة “أمل” ورئيس البرلمان، تتبرم من سَـطوة أجهزة الاستخبارات السورية. وحتى “حزب الله” يبدو في وضعية قلقة هذه الأيام، حيث عليه أن يختار سريعاً بين أن يغلّـب تحالفاته الإقليمية مع السفينة السورية الغارقة فيغرق معها، أو أن ينحاز إلى مصالحه اللبنانية السياسية والاجتماعية الكبيرة.

هل يعني ذلك أن الطريق ممهّـدة أمام انتصار المعارضة؟ نعم ولا.

نعم، لأن العامل الدولي (الأمريكي – الفرنسي المشترك) وضع يده على لبنان وقُـضـى الأمر، وهو ينفّـذ الآن سيناريو متدرج من ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: إخراج السوريين من لبنان.

والمرحلة الثانية: بعد أن تُـشرف السلطة اللبنانية الجديدة المنتخبة على إخراج السوريين، تبدأ “مفاوضات” مع حزب الله لنزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي.

البدائل هنا كثيرة، وهي تتراوح بين إقامة منظمة أمنية لبنانية جديدة تستوعب سلاح الحزب وصواريخه، إلى افتعال المشاكل المحلية والإقليمية (إقرأ الإسرائيلية) معه، في حال غلّـب تحالفاته الإقليمية على مصالحه اللبنانية.

وكان ملفتاً هنا، تشديد قوى المعارضة اللبنانية ومعها “ساترفيلد” وباريس، على استبعاد حزب الله من لوحة الصراع راهناً، لا بل إبداء الحرص على دوره ومواقعه.

المرحلة الثالثة: تقرير المصير السياسي للبنان، وهذا يتضمن حسم مستقبل إتفاق الطائف في شقه الداخلي.

تـوحـيـد أم تقسيم؟

هذا عن “نعم”. أما “لا”، فسببها أمران إثنان:

الأول، احتمال حدوث المزيد من الإضطرابات الأمنية خلال هذه المرحلة الإنتقالية الحرجة، بما في ذلك عمليات الاغتيال الجوالة والهجمات الانتحارية والسيارات الملغومة (على النمط العراقي).

والثاني، انفتاح بطن المستقبل اللبناني على شتّـى الاحتمالات. فالسؤال المقلق الذي يلوح في الأفق منذ الآن هو: هل ستُـحافظ واشنطن على إتفاق الطائف اللبناني، وهي الشريكة في اختراعه، والذي أرسى دعائم النظام السياسي الطائفي الراهن، أم ستعمل على تطوير إتفاق آخر؟ وإذا ما إنحازت إلى الخيار الثاني، فهل سيفتح ذلك الأبواب أمام تقسيم لبنان تحت شعارات الفدرالية أو الكنفدرالية؟

لقد دعا البيت الأبيض البطريرك الماروني صفير لزيارته في منتصف هذا الشهر “لمناقشة مستقبل لبنان معه”، حسب مصادر أمريكية. وبعد هذه الزيارة، سنعرف في أي اتجاه ستهُـب رياح هذا المستقبل: التوحيد أم التقسيم؟

يرقُـص لبنان هذه الأيام على إيقاع موسيقى أوكرانية، هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن الجميع في بلاد الأرز يضع الآن يده على قلبه خوفاً من أن ينقلب الحُـلم الأوكراني الجميل في لبنان إلى كابوس عراقي، في حال عجزت القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على أرضه عن إيجاد مدخل مقبول ما لإخراج النفوذ السوري الذي “انتهت مدة صلاحياته الدولية”، لذلك فإن سقوط عمر كرامي على هذا النحو المدوّي، دليل على أن مثل هذا المخرج لم يتوافر بعد.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية