مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لـحـظـات حــاسـمـة فـي لـبـنـان

صور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على جانب طريق سريع في بيروت قبل أيام من زيارة مرتقبة مثيرة للجدل إلى لبنان swissinfo.ch

لماذا وصلت الأمور إلى حافة الانفجار في لبنان؟ المحكمة الدولية سبب رئيس بالطبع، خاصة وأن القرار الظني للمحقق الدولي بيلمار، والذي قد يصدر خلال أيام، سيوجّه على الأرجح تهماً إلى عناصر من حزب الله (وربما أيضاً سوريا) بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري العام 2005.

سنأتي إلى مسألة المحكمة هذه بعد قليل. لكن قبل ذلك إطلالة على الوضع الإقليمي- الدولي الذي يحيط الآن بالأزمة اللبنانية، إذ أن لبنان (كما هو معروف للعام والخاص) كان منذ القرن التاسع عشر، ولايزال، النقطة التي تتكثّف فيها كل صراعات وأزمات وحروب الشرق الأوسط.

“الفرصة سانحة”

ثمة “كلمة سر” تُهمس حالياً في العديد من عواصم الشرق الأوسط: “الفرصة سانحة. انتهزوها الآن”.

الفرصة؟ أي فرصة؟ إنها ببساطة لحظة الفراغ الأميركي التي تمر بها المنطقة، بعد أن انتقلت الولايات المتحدة من عهد ثورة بوش التي كان يريد عبرها نسف كل بنى الشرق الأوسط بهدف إعادة بنائه من جديد وفق الرؤى “الأمريكية – الإسرائيلية”، إلى عهد أوباما الذي يُطبّق الآن عكس كل ماكان يقوم به سلفه.

فبدلاً من الثورة، هناك اللاثورة. وبدلاً من شرق أوسط جديد، من الأفضل البحث عن أقرب الطرق إلى الخروج من أفغانستان ونسبياً العراق. وإذا ماكانت الهيبة الأميركية ستتعرّض إلى انتكاسة جديدة في مفاوضات التسوية “الفلسطينية – الإسرائيلية”، فمن الأفضل ابتلاع الذل على يد نتنياهو عوض خوض مجابهات مع الكونغرس قد تُـودي بفرص الرئيس الشاب لتأمين ولاية ثانية.

إنه كأس استراتيجية حصر الخسائر الذي تتجرعه إدارة أوباما حتى الثمالة هذه الأيام. وهذا ليس في الشرق الأوسط وحده. فهي تركت روسيا لتسرح وتمرح في القوقاز وبعض مناطق الإتحاد السوفييتي السابق، في مقابل عدم خلق متاعب لها في الشرق الأوسط والبلقان وأمريكا اللاتينية. وهي سعت، ولاتزال، إلى إبرام تفاهم استراتيجي جديد مع الصين، قد تتحدد بموجبه بعد حين بعض ملامح النظام العالمي التعددي الجديد الذي بشّر به أوباما والمستند إلى مجموعة العشرين، وفي القلب منها مجموعة “البريك” BRIC (البرازيل، روسيا، الهند والصين).

ثم إن إدارة أوباما تبدو وكأنها باتت مستعدة لجعل حلف الأطلسي يقترب من حشرجات الموت، من دون أن تبذل أي محاولة لإدخاله إلى غرفة العناية الفائقة. وهكذا، بات هذا الحلف الأشهر والأقوى في التاريخ، أشبه بدبابة عتيقة مرمية في أعماق وديان أفغانستان يتآكلها الصدأ وتعشش فيها الزواحف.

وضع ملتهب للغاية

هذا الإنحسار الأمريكي أسبابه متعددة. فالبعض يقول إنه مجرد رد فعل إديولوجي عنيف على المغامرات العسكرية الأعنف التي زرعها بوش والتي لم تحصد فيها بلاده سوى العواصف. فالعراق وحده كلّف الخزينة الأميركية زهاء تريليون دولار (والعدّ مستمر)، هذا إضافة إلى 4 آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى. وأفغانستان تسير على الدرب الإستنزافي العراقي نفسه.

والبعض يرى أن الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي لما تكتمل فصولاً بعد، قلّصت إلى حد كبير من قدرة واشنطن على ممارسة سياسة خارجية فعّالة في العالم. لكن، وبغض النظر عن الأسباب، تبقى الحقيقة بأن هذا الإنحسار حقيقي، حتى ولو ثبت لاحقاً أنه مؤقت. وهذا ما جعل القوى الإقليمية “تشتم رائحة الدم” مثلما يُقال، فيندفع بعضها إلى اقتناص الفرصة قبل أن تخرج أمريكا من وهدتها.

هذا الآن ما يجعل الوضع في الشرق الأوسط ملتهباً للغاية. فثمة أطراف إقليمية ستّحاول تغيير الأمر الواقع الراهن في بعض الدول لصالحها. وهناك أطراف أخرى ستتدخل لمنعها من ذلك. ومن سيدفع ثمن هذه المجابهة هي الدول الصغيرة التي ينطبق عليها توصيف الدول الفاشلة كاليمن والصومال والسودان، أو الدول التي تنحدر نحو الفشل كلبنان. فهذه ستكون بمثابة العشب الذي ستدوسه الفيلة المُتصارعة.

لذلك فإن “التغيير”، على أنواعه، سيكون شعار المرحلة. وفي قلب هذا التغيير ستكون المفاجآت، من كل الأنواع أيضاً، هي سيدة الموقف. وهذه المفاجآت ستكون هي سر “كلمة السر”.

استفتاء لبناني

هذه هي الأجواء الإقليمية – الدولية التي تحيط الآن بأزمة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وهي، كما هو واضح، عابقة هي الأخرى بروائح الدم المنبعثة من مرحلة التراجع الأمريكي.
اللبنانيون العاديون يعرفون ذلك بعد أن حوّلتهم “حروب الآخرين على أرضهم” إلى “خبراء” في السياسة الدولية.

وهكذا، لو أُجري استفتاء الآن في لبنان حول المحكمة الدولية، لانقسم اللبنانيون إلى معسكرين متخاصمين ولكن متفقين في آن! فالمعسكر الأول، الذي يتكوّن من جمهور حزب الله و8 آذار/مارس، سيرفض المحكمة بصفتها أداة مُسيّسة في يد “إسرائيل” والولايات المتحدة بهدف إشعال الفتن، وسيطالب بإلغائها أو على الأقل وقف تعامل لبنان الرسمي معها. والمعسكر الثاني، الذي يتشكّل من تيار المستقبل و14 آذار/مارس، سيواصل قبول المحكمة بصفتها أداة غير مُسيّسة لتحقيق العدالة، لكنه لن يمانع في إدارة الظهر لها إذا ما بات الخيار بينها وبين السلام الأهلي.

كلا المعسكرين الجماهيريين سيتقاطعان، على رغم التباين الفاقع في الآراء والعواطف، على نقطة رفض الفتنة هذا. لكن كليهما أيضاً لا يزالان أسرى العُقد التي يحيكها القادة السياسيون، والتي هي عقد إقليمية ودولية في الدرجة الأولى.

فما هو في الميزان بالنسبة إلى سياسيي 14 آذار/مارس، لايقل عن كونه فكاً للتحالف مع الغرب والمجتمع الدولي والدول العربية “المعتدلة”، إذا ما أقدموا على فك الارتباط بالمحكمة. وماهو على المحك بالنسبة إلى 8 آذار/مارس، ليس شيئاً آخر سوى مؤامرة كبرى يحكيها هذا الغرب نفسه لضربها عبر اخضاعها لاستنسابات وانحيازات الشرعية القانونية الدولية.

بيد أن جمهور المعسكرين لايُغلّب لا الحسابات الإقليمية ولا الإعتبارات الدولية في مقاربته لمسألة المحكمة. العوامل الداخلية والمحلية هي الأساس لديه، وهي تعني أمن أطفاله وأولاده، ووضعه المعيشي الصعب، وتعبه من الحروب والنزاعات التي لاتتوقف على أرضه. صحيح أن العدالة مطلوبة في مسألة الاغتيالات السياسية. لكنها مطلوبة أيضاً في عملية الإغتيال الجماعي للشعب اللبناني التي لم تتوقف لحظة، والتي أزهقت أرواح 150 ألفاً وجرحت 500 ألف وشرّدت مليوناً العام 1975، ثم أكملت أعراس الدم والخراب في الحروب والصراعات اللاحقة.

الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على رغم تقلباته الزئبقية، هو الوحيد الذي ينطق هذه الأيام بمنطق ورغبات هذا الجمهور. باقي القادة مشغولون في استكمال عملية الإستقطاب السياسي الحاد التي ستتوّج، في حال استمرارها، بانفجارات أمنية أو عنفية. جنبلاط يُحاجج بأن اللبنانيين لايريدون العدالة لدم 20 شهيداً، إذا ما كانت تعني إسالة دماء عشرات آلاف الشبان والأطفال والنساء غيرهم. وهو يُشدّد على أن استمرار الشقاق حول المحكمة، سيُسفر في نهاية المطاف عن “ضم لبنان إلى قوس الفتن المذهبية” الممتدة من العراق إلى اليمن.

سيناريوهات

نواقيس الخطر التي قرعها جنبلاط، ورددها العديد غيره من السياسيين اللبنانيين والعرب، تفرز الآن ثلاثة سيناريوهات محتملة في بلاد الأرز:

الأول، يُقدّم بموجبه سعد الحريري استقالته، لعجزه عن قبول الشروط المشتركة لسوريا وحزب الله. وحينها يجري تشكيل حكومة جديدة برئاسة سياسي (أو سياسية) لا يجد (أو لا تجد) غضاضة في إصدار بيان يتنصّل فيه من القرار الظني تحت شعار “منع المحكمة من تدمير الحكم “.

السيناريو الثاني يفترض رفض الحريري الإستقالة، سواء قبل صدور القرار الظني أو بعده. وهذا سيؤدي إلى انسحاب وزراء 8 آذار/مارس من الحكومة، ثم إلى تظاهرات شعبية عارمة قد تتطور إلى اضطرابات أمنية لاسقاط الحكومة بسلطة الشارع أو بقوة السلاح.

السيناريو الثالث يقوم على الفرضية أن ما يجري في لبنان هذه الأيام أبعد بكثير من مجرد قرار ظني أو محكمة دولية. لماذا؟ لأن سوريا وإيران، وفق هذا السيناريو، تعتبران أن الفرصة أكثر من سانحة لمسح كل آثار انقلاب بوش – شيراك عليهما العام 2004، والذي أسفرعن إجبار سوريا على سحب قواتها من لبنان العام 2005 ثم الإنقضاض على حزب الله في حرب 2006.

فالولايات المتحدة في حال تراجع وانحسار واضحة في الشرق الاوسط، وهي بالكاد تتحرك لاتخاذ مواقف حاسمة ضد دمشق وطهران في لبنان. هذا في حين أن الرئيس الفرنسي ساركوزي متورط في مشاكل داخلية ضخمة بدأت تضعضع سلطته، وهو علاوة على ذلك لايرغب في الاصطدام مع سوريا التي يُعوّل عليه كثيراً كبوابة لمشروعه المتوسطي الجديد.

وبما أن تيار 14 آذار/مارس كان الإبن الشرعي للانقلاب البوشي- الشيراكي، وبما أن هذا الانقلاب فشل في تحقيق كامل أهدافه، ففقد حان الوقت للتخلّص من هذا التيار أو على الأقل تحجيمه عبر دفعه إلى صفوف المعارضة، ثم العمل على بناء نظام سياسي لبناني جديد.

أي السيناريوهات الأقرب إلى التحقق؟

السيناريوهان الأول والثاني يبدوان الأكثر منطقية، لأن السيناريو الثالث (تغيير النظام أو اتفاق طائف – 2) سيتطلب في خاتمة المطاف موافقة أمريكية لن تُعطى إلا إذا تم تجريد حزب الله من السلاح.

بيد أن زمام الأمور قد يفلت إذا ما استمرت الاضطرابات السياسية والأمنية أطول مما هو “مُخطط” لها. وحينها، سيقترب من ساعة الحقيقة سيناريو رابع يزعم البعض بأنه سيكون في صيغة حرب “إسرائيلية” جديدة من طراز غزو 1982.

الامم المتحدة (رويترز) – تعهد الامين العام للامم المتحدة بان جي مون يوم الاربعاء 7 أكتوبر 2010 بأن تستمر المحكمة الدولية التابعة للامم المتحدة والتي تحقق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في أداء عملها على الرغم من مخاوف أن يؤدي توجيه اتهامات الى تجدد الصراع في لبنان وحث على عدم التدخل في التحقيق.

ويقول دبلوماسيون إنه من المرجح أن تصدر المحكمة التي أنشئت قبل ثلاثة أعوام بقرار من مجلس الامن لمحاكمة المشتبه بهم في القضية قرارات اتهام بحلول نهاية العام.

وأضافوا ان الامين العام كان فيما يبدو يقصد بتصريحاته أساسا جماعة حزب الله اللبنانية التي نددت بتحقيق الامم المتحدة وسوريا التي انتقدت التحقيق على نحو متزايد.

وقالت جماعة حزب الله اللبنانية انها تتوقع أن تكون هدفا للمحكمة وهو احتمال يخشى كثير من اللبنانيين أن يؤدي للعنف. ونفى حزب الله ضلوعه في قتل الحريري وأدان المحكمة واصفا اياها بأنها مشروع اسرائيلي.

ولكن بان قال في تصريح قوي على غير العادة ان المحكمة التي مقرها هولندا لن تخشى شيئا.

وقال للصحفيين “أريد أن يكون كلامي واضحا. هذه المحكمة مستقلة. لديها مهمة واضحة أوكلها لها مجلس الامن وهي كشف الحقيقة ووضع حد للافلات من العقاب”. وأضاف “أدعو كل الاطراف اللبنانية والاقليمية الى عدم استباق النتيجة وعدم التدخل في عمل المحكمة.”

ويبدو من صياغة العبارات انها ليست موجها الى حزب الله وحده بل وكذلك الى سوريا التي اتهمها ساسة لبنانيون بالمسؤولية عن اغتيال الحريري في هجوم بشاحنة ملغومة في بيروت.

ونفت سوريا الضلوع في الحادث ولكنها اضطرت الى انهاء وجودها العسكري في لبنان بعدما ظلت قواتها هناك ثلاثة عقود.

وزادت المخاوف من احتمال وقوع أعمال عنف منذ ظهور شائعات عن صدور وشيك لقرارات الاتهام. وفي الشهر الماضي حذر السياسي المؤيد لسوريا سليمان فرنجية من حرب طائفية في لبنان اذا وجهت المحكمة اتهامات لاعضاء في حزب الله.

وكانت الحكومة اللبنانية هي التي طلبت بالاساس انشاء المحكمة ووافقت على دفع نحو نصف تكاليف تشغيلها. ولكن الرياح السياسية هبت في اتجاه اخر في بيروت.

فرئيس الوزراء الحالي سعد الحريري ابن الراحل رفيق أصلح العلاقات مع دمشق. وفي تغير للمواقف قال سعد الحريري إنه كان مخطئا في اتهام سوريا بقتل والده وأن الاتهامات الموجهة لدمشق كانت مدفوعة بدوافع سياسية.

ولكن حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية هزتها خلافات بشأن التحقيق الذي تجريه الامم المتحدة. وتجلى ذلك على نحو متزايد بشعارات مصبوغة بصبغة طائفية.

ورفض بان كي مون خلال رده على أسئلة الصحفيين تحميل الامم المتحدة المسؤولية عن أي تصاعد للعنف نتيجة لما تقوم به المحكمة. وقال: “السلام والامن والاستقرار السياسي في لبنان ينبغي أن يكون بمعزل عن العملية القضائية هذه.”

وأكد الرئيس السوري بشار الاسد يوم الاربعاء 7 أكتوبر أيضا أن قاضيا سوريا أصدر أوامر اعتقال بحق 33 شخصا بسبب شهادة الزور في القضية. وقال إن أوامر الاعتقال ليست مدفوعة بدوافع سياسية. وقال الاسد لمحطة تلفزيون تي.ار.تي التركية “انها مسألة قضائية بحتة”.

وكان بين هؤلاء ديتليف ميليس المدعي الالماني الذي قاد المراحل الاولى من التحقيقات التي اجرتها الامم المتحدة.

وفي الأسبوع الماضي التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع بان كي مون في نيويورك خلال اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك.

وامتنع بان عن الحديث عما دار بينهما ولكن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نسبت الأسبوع الماضي الى المعلم قوله في مقابلة إن تحقيقات الامم المتحدة في لبنان مدفوعة بدوافع سياسية وينبغي إجراء تحقيق لبناني خالص بدلا منها.

وشكك حزب الله وحلفاؤه أيضا بمصداقية التحقيق قائلين انه يعتمد على شهادات زور وتسجيلات لمحادثات هاتفية يمكن أن يكون عملاء لاسرائيل قد تلاعبوا بها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 أكتوبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية