مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لكل حساباته .. ولكل انتظاراته

تنتظم في تونس قريبا الانتخابات البلدية التي قد تتميز عن سابقاتها بمشاركة بعض الأحزاب المعارضة (المعترف بها والمحظورة) ضمن "جبهة" موحدة.

وفيما استمرت بعض الأطراف في الدعوة إلى الإستمرار في مقاطعة المواعيد الإنتخابية تستعد أغلب الأحزاب إلى دخول الحلبة فرادى.

افتتح في تونس هذا الأسبوع باب الترشح لخوض الانتخابات البلدية التي ستجري في تونس يوم 8 مايو القادم. وما قد يميز هذه الانتخابات عن سابقاتها، هو الاتفاق الذي حصل بين عدد من الأحزاب المعارضة التي تبنت موقف المشاركة ضمن “جبهة” موحدة، وشرعت في وضع خطة لذلك.

أما بقية الأحزاب والتنظيمات، فبعضها استمر في الدعوة إلى مقاطعة كل أشكال الانتخاب، إيمانا منها بأن ذلك “لن يكون إلا في صالح الحزب الحاكم”، وبحجة أن المشاركة تؤدي بالضرورة إلى “تزكية انتخابات فاقدة لشروط النزاهة”. أما أغلب الأحزاب المعترف بها، فإنها ستدخل الحلبة فرادى، حيث لكل حساباته وعلاقاته.

أكد الرئيس بن علي مؤخرا على أن الانتخابات البلدية القادمة ستجري في كنف الشفافية واحترام القانون. وقد تم تكليف المحامي عبد الوهاب الباهي مرة أخرى بتشكيل مرصد خاص لمراقبة هذه الانتخابات، بعد أن سبق له أن ترأس هيكلا مشابها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة. وقد أصدر هذا المرصد قبل أسبوعين تقريرا نفى فيه ما ذكرته أحزاب المعارضة حول حصول تجاوزات خطيرة خلال انتخابات أكتوبر الماضية.

أما “التجمع الدستوري الديمقراطي” الحاكم، فقد أنهى عمليات ترشيح أعضائه الذين ستكون لهم الغلبة الكاملة في انتخابات معروفة النتائج، التي يتوقع الكثيرون بأنها ستخلو من مفاجئات حقيقية.

وقد أقدم “التجمع الدستوري الديمقراطي” الحاكم لأول مرة على تجربة وُصفت بكونها خطوة نحو “تعميق الديمقراطية داخل هياكل التجمع”، حيث أعطيت الفرصة لقواعد الحزب لاختيار ثلثي المرشحين. وقد تم انتخاب حوالي ألف شخص من بين ستة آلاف مرشح. أما الثلث الأخير من مرشحي الحزب الحاكم للبلديات فسوف يعينون بقرار من المكتب السياسي للتجمع.

قائمات موحدة

بالنسبة لأحزاب المعارضة، فقد تباينت كالعادة تكتيكاتها ومواقفها. فالأحزاب التي سبق لها أن قاطعت الانتخابات السابقة، حافظت على نفس الاستراتيجية، مثل “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية” (محظور)، و”حزب العمال الشيوعي التونسي” (محظور). وفي مقابل ذلك، قررت خمس أحزاب خوض التجربة بقائمات موحدة.

أما ما يلفت النظر في هذا التحالف الانتخابي فيتمثل فيما يلي:

1. عودة التنسيق بين “الحزب الديمقراطي التقدمي” و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات” من جهة، وبين “حركة التجديد” من جهة أخرى. وبالرغم من أن هذه الأحزاب الثلاثة معترف بها قانونيا، وتشترك حاليا في عدم الوقوف تحت مظلة السلطة والتشكيك في شرعية النظام، غير أنها اختلفت فيما بينها حول كيفية إدارة ملف الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة، وقد رفض الحزبان السابقان الالتحاق بما سمي بـ “المبادرة الديمقراطية”، التي تشكلت حول مرشح حركة التجديد الذي نافس الرئيس بن علي في رئاسيات 2004. لكن مع ذلك، فإن عودة المياه إلى مجاريها بين هذه الأحزاب الثلاثة، يعتبر تغييرا “مُـهمّـا” في تشكل المعارضة الاحتجاجية.

2. يشكل هذا التكتل الانتخابي محاولة أخرى، تقوم بها فصائل من المعارضة التونسية لتجاوز حساباتها الضيقة والعمل على تأسيس “جبهة” من أجل تحسين أدائها، واكتساب شيء من القدرة على منافسة الحزب الحاكم، الذي اعتاد بفضل سيطرته على كل أجهزة الدولة أن ينتصر على خصومه بالضربة القاضية، وقد فشلت كل محاولات التنسيق السابقة بين أحزاب المعارضة منذ الثمانينات، ويصعب الآن التكهن بمصير هذه المحاولة. فنجاح التجربة لا يقاس فقط بعدد المقاعد أو الأصوات التي قد يحصل عليها المرشحون، بل أيضا بمدى التوحد والتضامن والانضباط الذي يظهرونه طيلة العملية الانتخابية، إلى جانب قياس ما يظهرونه من نضج سياسي والتزام أخلاقي ومبدئي بهموم المواطنين.

3. وجود حزبين صغيرين غير مرخص لهما بالنشاط ضمن هذا التحالف الانتخابي. وقد طفا الحزبان مؤخرا على السطح السياسي. فالأول، “حزب العمل الوطني الديمقراطي”، حزب صغير ذو توجه يساري وعلماني، تمتد جذوره الأيديولوجية تاريخيا إلى اليسار الراديكالي الذي هذبته التحولات الدولية والمتغيرات الداخلية بعد طفرة السبعينات، وديناميكية الثمانينات. أما التنظيم الثاني فهو، “حزب تونس الخضراء”، الذي ولد كمحاولة جديدة لغرس المنظومة السياسية لأحزاب الخضر في التربة التونسية، هذه التربة التي لا تستهويها إشكاليات البيئة بقدر ما تستفز نخبها المسائل المذهبية ويستنفد طاقاتها الصراع من أجل الزعامة.

أسئلة معلقة

ولا يعرف حتى الآن مدى قدرة هذه “الجبهة” على التعبئة والاستقطاب، وهل ستتمكن من تشكيل خمسين قائمة، كما كان يطمح لذلك رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي، وذلك من مجموع 265 بلدية موزعة على كامل تراب الجمهورية التونسية.

ثم كيف ستتصرف السلطة مع هذه “الجبهة” التي سيكون خطابها ذا نبرة احتجاجية عالية، حيث يتوقع أن تحتل مسألة الحريات، أولوية في بيانها الانتخابي الموحد. كما علمت سويس أنفو أن الدعوة التي وجهت إلى “شارون” ستكون من بين القضايا الرئيسية التي سيحتوي عليها البرنامج الانتخابي لهذه الأحزاب. ولا يطمع أصحاب هذه “الجبهة” في الحصول على مقاعد في هذه البلدية أو تلك، بقدر حرصهم على التعريف بأحزابهم وبرامجها ومطالبها، وإسماع المواطنين أصواتا غير معروفة لديهم تنتقد النظام بجرأة غير معهودة.

مقابل هذا الجانب من مشهد المعارضة، تقف بقية الأحزاب البرلمانية، التي تتمتع في مجموعها بـ 243 مقعدا من 4366 عضوا في كل المجالس البلدية. لقد استبعدت كل من “حركة الديمقراطيين الاشتراكيين” و”حزب الوحدة الشعبية” و”الاتحاد الوحدوي الديمقراطي” كل أشكال التنسيق فيما بينها. ومعنى هذا، أن كل واحد منها سيخوض الانتخابات بشكل منفرد، نظرا لتباين المصالح فيما بينها، وحرصا منها على دعم المكاسب التي حصلت عليها في المحطات الانتخابية السابقة.

هكذا تبدو الصورة، البعض يشكك في جدوى الانتخابات ويعتبرها “غير شرعية”، والبعض يعتبرها فرصة لتدريب عناصره على المعارضة المدنية و”الالتحام بالجماهير”، وهناك من يرى في الانتخابات محطة لحصاد نتائج مواقفه السياسية السابقة، أو تحديد حجمه السياسي.

أما بالنسبة للسلطة، فإن يوم 8 ماي ليس سوى مناسبة جديدة لتحقيق الاستمرارية، وإقامة الدليل على أنه “في تونس ديمقراطية عاقلة تسير ببطء، لكنها تضمن الاستقرار وترفض فتح المجال للفوضى”، على حد تعبير أحد المدافعين عن الوضع الراهن.

لكن، هل يمكن أن تسمح السلطة بحصول بعض أنصار “الحزب الديمقراطي التقدمي” و”حزب التكتل” على بعض المقاعد؟ سؤال سيبقى معلقا إلى أن تجيب عنه نتائج الفرز، لكن هذا الاحتمال، إذا ما تحقق، فإنه سيعني بأن النظام قد يحرص هذه المرة على إدماج بقية الأحزاب المعترف بها ضمن المؤسسات القائمة، بعد ما تبين بأن تهميشها وإبقاءها خارج اللعبة، قد زاد من قوتها ودفعها إلى القطيعة والتجذر.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية