مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا تقدم حزب “العدالة والتنمية”؟

يرى بعض المراقبين أن المعارك السياسية التي خاضها حزب العدالة والتنمية هيئت لحصوله على نتيجة قوية في الانتخابات التشريعية المغربية Keystone

تخضع نتائج اقتراع السابع والعشرين من سبتمبر المغربية إلى التحليل الدقيق نظرا للأجواء الجيدة التي رافقتها وبسبب التقدم الكبير الذي حققه الإسلاميون المعتدلون فيها.

فقراءة تأثير وانعكاس أول انتخابات عربية، لا يُـشكّـك في نتائجها، على إقليم مضطرب، أدخلته الانتخابات التي انتظمت في جزء أخر منه إلى دوامة دم، تظل ضرورية.

التحليل والقراءة ينتظران النتائج النهائية للانتخابات، إلا أن ما أعلن رسميا من نتائج يكشف عن خطوط عريضة لخريطة سياسية يتفق الفاعلون السياسيون على موضوعيتها. والجزء البارز في هذه الخارطة، وان كان لم يحتل الصدارة في الترتيب العددي، هو حزب العدالة والتنمية الأصولي الذي فاز بثمانية وثلاثين مقعدا من اصل 295 مقعدا واحتل المرتبة الثالثة.

بروز حزب العدالة والتنمية على هذه الشاكلة ليس عبثا، فالحزب إسلامي الأيديولوجيا والتوجه، بل هو الحزب الوحيد الذي احتل الدين الإسلامي حيزا واسعا في برنامجه، ولم يكتف كغيره من الأحزاب بالإعلان عن دين الدولة الإسلام، بل يدعو إلى تبني المرجعية الإسلامية كنهج للسلوك العام للدولة وتشريعاتها وللمجتمع وقوانينه.

من حركة التوحيد إلى .. الحركة الشعبية الدستورية

وان يحتل حزب أصولي، حتى لو كان معتدلا، المرتبة الثالثة في انتخابات تشريعية نزيهة، فإن ذلك حدث لن يمر مرور الكرام في قراءة الانتخابات المغربية ونتائجها.

فقد فاز العدالة والتنمية في انتخابات 1997 بتسعة مقاعد واحتل المرتبة الحادية عشر، واعتُـبـر ذلك حدثا واستقطب اهتمام وسائل الأعلام خاصة الأوروبية، التي باتت تتعاطى مع دول العالم الثالث والعربية الإسلامية – تحديدا منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 – من زاوية الأصولية الإسلامية بغض النظر عن طبيعة هذه الأصولية ورؤيتها المجتمعية.

أُسس حزب العدالة والتنمية 1999 تطورا للحركة الشعبية الدستورية التي ألتحـف بها أصوليو حركة التوحيد والإصلاح ليتسنى لهم المشاركة في استحقاقات عام 1997 الإنتخابية، بعد أن تشددت السلطات في عدم التصريح لأي حزب على أساس ديني أو اثني.

وحركة التوحيد كانت – قانونيا- جمعية وليس حزبا سياسيا، أما الحركة الشعبية الدستورية فهي حزب سياسي (يتزعمه الدكتور عبد الكريم الخطيب) كاد أن يندثر من الساحة المغربية ولم يجد مانعا بإعادة الحياة له بحقنه بدم شبابي لا يبتعد كثيرا في توجهه الأيديولوجي عن مبادئه العامة ومسار زعيمه التاريخي.

آحتلال فضاء المعارضة لحكومة اليوسفي

خاض حزب العدالة والتنمية انتخابات 1997 وفاز بتسعة مقاعد وكاد أن يدخل حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي لو قبل بالعرض الذي قُـدّم له ( حقيبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) لكنه انضم للأغلبية البرلمانية تحت يافطة المساندة النقدية.

لكن غياب وزير الداخلية إدريس البصري بعد وفاة الملك الحسن الثاني، وتخلخل الأحزاب التي كان يدعمها، أدى إلى تفكيك فرق هذه الأحزاب في البرلمان والتحاق أعداد من نوابها في البرلمان بأحزاب أخرى كان من حظ العدالة والتنمية خمسة، ليصبح برلمانيوه أربعة عشر مما أهلّه لتكوين فريق برلماني، وما يتبع ذلك من امتيازات سياسية ومادية وإعلامية.

كانت الحياة السياسية تعيش خلل غياب المعارضة لحكومة اليوسفي، التي شغلتها في السنوات الأولى الصحافة المستقلة، وأدرك حزب العدالة والتنمية أن احتلاله لهذا الفضاء يمنحه فرصة الحضور الأقوى في المشهد السياسي، وخلال السنوات الثلاث الماضية نجح في أن يكون معارضا قويا ومزعجا للحكومة داخل البرلمان وخارجه.

المعركة الأولى التي خاضها حزب العدالة والتنمية معارضا كانت حول مشروع الحكومة لإدماج المرأة في التنمية التي كان شق الأحوال الشخصية بالنسبة له مخالفا للشريعة الإسلامية (الزواج ، الطلاق، الإرث)، واظهر قوة في تنظيم مظاهرة ضخمة في مارس 2000 في الدار البيضاء مدعوما من كل التيارات الأصولية مقابل مظاهرة أخرى في الرباط للتيارات الديمقراطية المشاركة بالحكومة.

هكذا تصاعدت معارضة حزب العدالة والتنمية وتعددت معاركه ضد الحكومة وحزبها الرئيسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن كان حول قضايا محلية أو عربية وإسلامية، وكلما اقترب الاستحقاق التشريعي كلما تصاعدت معارضته ومعاركه. وكان فعليا الحزب المعارض الوحيد بعد أن أقالت المعارضة اليمينية نفسها من العمل السياسي بغياب راعيها.

تكتيك “الدفاع الهجومي”

كانت انتخابات السابع والعشرين من سبتمبر العنوان المستتر للمعارك التي خيضت طوال الشهور الماضية، وطرفيها الأساسيين الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية، ومن زاويتها تم التعاطي مع تطورات القضية الفلسطينية والتبرعات التي جمعت لدعمها ومعركة ما أعلنته السلطات عن تفكيك خلية نائمة لتنظيم القاعدة أو شبكات أصولية كانت تمارس عنفا في عدد من المدن المغربية.

استعد حزب العدالة والتنمية للانتخابات بتكتيك الدفاع الهجومي، فالملف الأمني كان يندد ويدين العنف والقتل وأيضا يندد بإجراءات السلطات اللاقانونية في التعاطي مع الملفات الأصولية. كانت عين العدالة والتنمية على الانتخابات التي أدرك أنها ستكون نزيهة قياسا مع الاستحقاقات السابقة، والانتخابات تعني الأصوات وأيضا النتائج وعواقبها.

كان يدرك انه بوحدانيته بالمعارضة حقق مكاسب كبيرة في الشارع المغربي الذي حمّـل حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي آمالا لم تقل بها ولا تستطيع لا هي ولا غيرها في الظروف المغربية إنجازها، وفي نفس الوقت يرمي للمراجع العليا إشارات تطمينية، بغض النظر عن دقتها، بعدم تكرار التجربة الجزائرية في اكتساح التيارات الأصولية لبرلمان 2002.

تشابه بين “حـمـس” و”العدالة والتنمية”

وكانت خطوته الأولى تأييده لنظام الاقتراع اللائحي الذي لا يتيح لأية قوة سياسية منفردة بتحقيق أغلبية برلمانية. وثانيها مساندته لاقتراح تخصيص ثلاثين مقعدا للنساء وثالثها اقتصار ترشيحاته على 56 دائرة انتخابية من اصل 91 دائرة ورابعها تواضع طموحاته برغبته الحصول على خمسة وعشرين مقعدا من 325 مقعد كحد أقصى.

جرت انتخابات السابع والعشرين من سبتمبر دون أن يستطيع أحد تقديم قراءة مسبقة لنتائجها، وكانت الإشارة الأولى لتقدم العدالة والتنمية ما أعلنه وزير الداخلية إدريس جطو بعيد إغلاق صناديق الاقتراع من أن العدالة سيضاعف مقاعده، وبالأرقام انه سيحصل على ثمانية وعشرين مقعدا، لكن النتائج التي أعلنت أعطته اكثر من ذلك بكثير (ثمانية وثلاثين مقعدا وذلك في انتظار نتائج ثلاثين مقعدا في “اللائحة الوطنية للنساء” التي قد يحصل منها على أربعة مقاعد أخرى على الأقل).

في المقارنة السياسية مع الجزائر يصعب وضع حزب العدالة والتنمية مقابل الجبهة الإسلامية للإنقاذ فهو اقرب إلى حزب حركة المجتمع للسلم التي يتزعمها الشيخ محفوظ نحناح المشاركة في البرلمان والحكومة.

ووجود نحناح في مؤسسات الدولة الجزائرية كان ضرورة لاستيعاب مد التيارات الأصولية المتشددة، وقد يكون الوضع بالنسبة للعدالة والتنمية مشابها وان كان البلدان مختلفان، وكذلك الظروف الإقليمية والدولية التي لا تحتمل منذ الحادي عشر من سبتمبر أية صبغة أصولية إسلامية حتى لو كانت معتدلة جدا.

محمود معروف – الرباط

الخريطة السياسية التي أفرزتها انتخابات الجمعة الماضي بالمغرب أعطت التحالف الحكومي بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أغلبية مريحة(حوالي 180 مقعدا)، وتؤشر على استمرار التجربة التي دشنتها المملكة في عام 1998.

وفي انتظار النتائج النهائية لكل مقاعد مجلس النواب وتحديد الحزب المتصدر الذي لا زال الاتحاد الاشتراكي المرشح له، فإن الأجواء السياسية المغربية تعطي للأغلبية الحالية حظ الاستمرار في الحكم مع تعديل بسيط في المكونات وتغيير في نسب مشاركة كل حزب.

الخريطة السياسية التي افرزتها انتخابات الجمعة الماضي بالمغرب اعطت التحالف الحكومي بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اغلبية مريحة(حوالي 180 مقعدا) تؤشر على استمرار التجربة وبإتظار النتائج النهائية لكل مقاعد مجلس النواب وتحديد الحزب المتصدر الذي لا زال الاتحاد الاشتراكي المرشح له فإن الاجواء السياسية المغربية تعطي للاغلبية الحالية حظ الاستمرار مع تعديل بسيط في المكونات وتغيير في نسب مشاركة كل حزب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية